الاثنين، 18 فبراير 2013

التدرج سنة ربانية


التدرج سنة ربانية

كتبهامصطفى الكومي ، في 10 مارس 2012 الساعة: 17:36 م

            
    إن الجسم الذي أصابه السقم والمرض من الجوع  وسوء ما يتناوله من طعام إذا عُرضت عليه مائدة مليئة بأشهى الطعام فإنه لن يستطيع أن يتناولها جملة واحدة بل لقمة لقمة ولن يستعيد عافيته إلا بعد أن يتناوله مرة بعد مرة , وكذلك من الصعب على الإنسان أن يقبل التغيير الكامل والواسع في حياته جملة واحدة , ولكن دائما يكون التغيير والإصلاح متدرجا ومرحليا , فهذه طبيعة بشرية لاشك فيها , والإسلام ليس غريبا ولا مصادما للفطرة البشرية , ولهذا عندما حرم الله عز وجل  الخمر , حرمها على ثلاث مراحل , فكان أول الأمر بيان لمضارها " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا.." ثم التحريم الجزئي بقوله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى.." ثم ا0لتحريم القاطع بقوله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
     وكذلك الأمر في الربا كانت البداية التنفير منه" وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ.." (39الروم)وهذا كان في العصر المكي حيث نزلت سورة الروم, ثم تحريم المبالغة فيه " ينَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (آل عمران130) ثم كان التحريم القاطع " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا .." (275البقرة).
     وكذلك في أمر الدعوة إلى الله , ينقل لنا صاحب الظلال سيد قطب من كتاب زاد المعاد لابن القيم فيقول "أن  أول نبوته صلى الله عليه وسلم " أمره أن يقرأ في نفسه بقوله (إقرأ)ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ . ثم أنزلعليه: (يا أيها المدثر) لينبأه بالرسالة. ثمأمرهأن ينذر عشيرته الأقربين . ثم أنذر قومه . ثم أنذر من حولهم من العرب . ثمأنذرالعرب قاطبة . ثم أنذر العالمين" .
     ثم أقام خمسة عشرة سنة بدون قتال وكان أول الأمر في القتال هو الكف والصبر وقيل للمسلمين: (كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)ثم أذن لهم فيه ,فقيللهم:(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا , وإن الله على نصرهم لقدير).  . ثم فرض عليهم القتال بعدذلكلمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم فقيل لهم: (وقاتلوا في سبيل الله الذينيقاتلونكم  . .),ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة فقيل لهم: (وقاتلوا المشركين كافةكمايقاتلونكم كافة). . وقيل لهم:(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ,ولايحرمون ما حرم الله ورسوله , ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب). . فكان القتال - كما يقول الإمام ابن القيم - "محرماً , ثم مأذوناً به , ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال , ثم مأموراً به لجميعالمشركين " .
      لم يكن الأمر مقتصرا على القرآن فحسب في تطبيق سنة التدرج بل طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم ,فعن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن واليا قال إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فأدعهم إلى شهادة أن لا له إلا الله وأني رسول الله فإذا هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" .
      إذن لم يكن أمر التدرج مقتصرا على تعاليم جزئية فقط , بل شمل كل الإسلام , ولم يكن ذلك في أول الإسلام فقط بل بعد ظهوره أيضا بفترة , وهذا ما يؤكده حديث معاذ , ولم تكن حالة قرآنية فقط بل قرآن وسنة , وقد عمل بها عمر بن عبد العزيز حين استعجله ابنه بأداء الحق إلى أصحابه جملة واحدة فقال له أبوه عمر "يا بني أني أخاف أن افرض عليهم الحق جملة واحدة فيردوه جملة واحدة " .
     فسنة التدرج تم تطبيقها في أمر الدعوة والجهاد وفي تحريم الخمر والربا وفي أمر الصلاة والزكاة كما في حديث معاذ , وتكرار هذه الحقيقة هكذا تجعلها واضحة كالنهار , كأمر لا يخفى على أحد حتى البسطاء فضلا عن أهل العلم .
     فإذا كنا الآن بصدد إعادة استنئناف الحياة الإسلامية التي حرمنا منها الاستعمار الغربي ومن خلفهم من العالمانيين , ونقر بأن عملية التطبيق ستتم تدريجيا , فإذا بفريق من الأخوة السلفيين يرفضون سنة التدرج , ويقولون بوجوب التطبيق جملة واحدة , الأمر الذي جعلني أتساءل , أي مرجعية يستندون إليها حقيقة ؟ !!! . .  إن كان الكتاب والسنة , فقد سجلها الكتاب تطبيقا عمليا في أربعة أحكام الخمر والربا والدعوة والجهاد , وإن ولم ينص على لفظ التدرج صراحة , والسنة سجلتها في حديث معاذ , وإن كان مرجعهم أئمة السلفية فقد سجلها ابن القيم الجوزية ـ الأستاذ الثالث للسلفية "مذهب الإمام احمد بن حنبل " ـ  أقر بها ووثقها في كتابه زاد المعاد , فأي علم هذا الذي يدعونه لأنفسهم , و أي فهم هذا التي يريدون ان يفرضوه علينا !!!!, إن كان تشددا , فأين كان هذا التشدد حينما خدموا الظالمين الذين وقفوا ضد تطبيق الشريعة بتحريم التظاهر ضدهم أو حتى الوقوف في برلمانهم لينكروا المنكر ويأمروا بالمعروف ’ أم هو منهج خالف تعرف !!!! .

موضوعات ذات صلة على صفحة .. إسلاميات

ليست هناك تعليقات: