الأربعاء، 8 مايو 2013

هل الثورة تتراجع ؟




  خفتت شعلة الثورة في قلوب الثوار , وعلى آثار هذا الخفوت ارتفع صوت الثورة المضادة وبدأت تكتسب مساحات على حساب الثورة , و بدت مرتعشة و حائرة أيدي قيادات الثورة بما في ذلك السلطة التشريعية والتنفيذية وعلى رأسها د/محمد مرسي في مواجهة المشهد الاستقوائي الذي تتبناه المعارضة , وتجمع أذرعها في القضاء و الإعلام و الشرطة ومؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني التابعة لها , فحدث الآتي :

  ـ تراجعت نسبة التصويت للإسلاميين من 77% في التعديلات  الدستورية إلى  70% في البرلمانية ثم 52% في الرئاسية ثم 64% في الدستور ـ وهذا من نتائج ما سوف أذكره لاحقا ـ و يصعب التنبؤ بما إذا كان المؤشر سيكون ثابتا أو سيزيد , ولكن ثباته ـ وهو أحسن الفروض ـ سيجعل كفة الميزان لصالح المعارضة العالمانية لأنها تحتل مساحة قوية و مؤثرة في وسائل الإعلام و القضاء و الشرطة ومؤسسات الدولة فضلا عن تملكها لثروة منهوبة من عصر المخلوع , الأمر الذي يضع التجربة الإسلامية في اختبار صعب و مساحة حركته للأمام محدودة وصعبة وبطيئة  .

    ـ رجل الشارع الآن يصف مرسي بالضعف ويبارك فترة المخلوع بقولهم "كفاية أنه كان معيشنا في أمان وموفر لنا حاجتنا " هذا ما يقابلني به الكثير من المتحاورين في دائرة المعارف و الزملاء والأقارب بل و رجل الشارع من الذين ألتقي بهم في المواصلات أو أثناء التسوق , فأضطر إلى الدفاع عن الثورة وإنجازاتها , ولكن المدافع مهما كانت قوة حجته فهو في موقف ضعيف على الأقل في المدى القصير , ولم يعد كثير من الناس يهتم إن كانت هذه أول تجربة ديمقراطية أو إسلامية , طالما أن النظام الجديد لم يستطيع توفير الأمن والحاجات الأساسية للناس فضلا عن أن حالة الاستقطاب السياسي تجعله في حالة من عدم الاستقرار والثقة .

   و نظرا لأن الحملات الإعلامية السابقة ضد الإسلاميين  كلها فشلت في مواجهة شعبية الإسلاميين لذلك بعض الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان يراهن على التواجد في الشارع ويعتبر تأثير الإعلام ثانوي , ولكن يجب أن نلفت النظر أن هذا حدث عندما كانت مساحة الإعلام المعارض محدودة , وجذوة الثورة مازالت ملتهبة , ولم تدخل التجربة الإسلامية في محك التجربة العملية بعد , لكن المؤشر الشعبي للإسلاميين قد يتراجع للأحداث الآتية :

   ـ مجلس الشورى يتراجع عن مناقشة قانون السلطة القضائية وقانون تنظيم التظاهر السلمي أو تنظيم الأداء الإعلامي المنفلت والمضلل , وصار المجلس مترددا كلما ناقش مشروع قانون أو محاسبة مسئول خائفا من القصف الإعلامي ومن إبطال الدستورية , لاشك أن هذا يضعف ثقة الشعب في المجلس وأعضاءه الذي ينتمي أغلبه للقوى الإسلامية.

   ـ السلطة التنفيذية عجزت عن تطهير مؤسسات الدولة من أقطاب الفساد الذين يتعمدون افتعال المشاكل ودفع العاملين للتظاهر و تعطيل تقديم الخدمات للمواطنين ـ باستثناء إضراب سائقي القطارات ـ سواء في الإعلام أو القضاء أو الشرطة أو بقية مؤسسات الدولة , وصارت بعض مؤسسات الدولة تخدم مواقف المعارضة وتساعد في حصار التجربة الإسلامية وتعمل على إسقاطها , وتقلص عدد الوزراء و المحافظين من الإسلاميين عموما خوفا من فزاعة الأخونة التي اخترعها الإعلام  وبالرغم من عددهم القليل إلا أن لهم طهارة ونشاط ملحوظ , على عكس غالبية الحكومة , الأمر الذي ترتب عليه ضعف الإنجاز الملموس الذي يقنع المواطن (المشاهد) بكذب إدعاءات الإعلام , لذلك أصبح ثقة الشعب فيها على شفا جرف يكاد ينهار  .

   ـ الإعلام الآن يتوسع عددا وعدة , يشتم و يضلل ويشوه ويزرع اليأس في قلوب الناس ويقلب موازين الأخلاق و القيم ويمحو الثوابت الإنسانية و الدينية والوطنية من عقول الأجيال , المؤسسة الإعلامية الرسمية نفسها المملوكة للشعب ـ الذي قام بالثورة ـ  تعتبر ناطقة باسم المعارضة والفلول , و الإعلام المملوك لرجال أعمال الحزب الوطني استطاع أن يجذب الكثير من الأبصار والأسماع ولم يبق للناس وقت للاستماع للرأي الآخر الذي يمثل النظام , وصارت الحكومة عند الناس وكأنها حكومة أقلية فازت بالسلطة في غفلة شعبية .

   ـ القضاء يعطل مسيرة بناء مؤسسات الدولة والدستورية ويعطل اعتماد القوانين اللازمة للقضاء على فساد نظام المخلوع يفرج عن المتورطين من الشيوعيين والعالمانيين في التظاهرات الإرهابية الفوضوية والمسلحة بالمولوتوف و الأسلحة النارية بعد أن يقبض عليهم الأمن فيساهم في تسعيرها , ثم بالإفراج عن فاسدي وناهبي ثروات الشعب , واحتجاز الثوار والحكم عليهم بالسجن و الغرامة , الأمر الذي يجعل المواطن إما يتهم من قبض عليهم بالدكتاتورية أو فاقد الثقة في جدوى الثورة أصلا ومبرر قيامها .

   ـ أخطاء بعض الإسلاميين مثل البلكيمي وعلي ونيس وتصريحات عصام العريان و وزير الإعلام , واستغلال الإعلام لها أفقدت بعض الناس الثقة في الإسلاميين بحيث أظهرهم للناس كأنهم مجرد (مظهر للتدين) لكن الأفعال و الأقوال مثلها كمثل غيرهم من غير المتدينين .

   ـ ضعف الأداء الإعلامي للإسلاميين عموما وافتقاده لأدوات الجذب الإعلامي و للعدد الكافي من القنوات الفضائية وتنوع برامجه وخلوه من أي مادة ترفيهية أو فنية جاذبة .

  ـ ضعف أداء الإسلاميين في الشارع في تقديم الخدمات بالرغم من تفوقهم على أداء العالمانيين , لكن من ملاحظاتي الميدانية أن المناطق التي يتسع فيها النشاط الأهلي للإسلاميين أجد فيها الرأي العام في الغالب موالي للإسلاميين بينما هو العكس في المناطق التي تقل فيها الخدمات المقدمة للناس .

   ـ انخفاض جذوة الثورة , فبالرغم من أن المظاهرات الشعبية التي يقودها الإسلاميين أكبر وأطهر بكثير من مظاهرات العالمانيين السلمية منها و الإرهابية , إلا أن ضعفها بالنسبة للموقف المطلوب و بالنسبة لثورة 25 يناير يجعل الطرف المعارض يستهتر بها ويتمادى في طغيانه , على سبيل المثال مظاهرات تطهير القضاء فلا هي أوقفت طغيان القضاء ولا ألهبت حماس أعضاء الشورى في المضي قدما في مناقشة قانون السلطة القضائية وهذا أيضا يؤثر في الرأي العام بجدوى المظاهرات الشعبية في إحداث تغيير , وبالتالي يلقي عبء التغيير على من انتخبوهم سواء الرئاسة و النواب .

   بالطبع الأمر ليس بهذا السواد لأن هناك من المبشرات التي تجعل الأمر في انفراج , منها على سبيل المثال الإنجاز الملموس من تحقيق نسبة من الاكتفاء الذاتي للقمح , ثم تفرق بعض أعضاء جبهة إنقاذ مصر , أثنين من رجال الأعمال مالكي القنوات الفضائية رأى السير في ركاب السلطة أفضل له من عنادها بعد أن رأى عدم جدوى مناطحة السلطة والإرادة الشعبية .

  بالطبع الحل في تلافي هذا الظواهر و المشكلات التي ذكرتها آنفا , وكثير منها ممكن وبتكلفة بسيطة من الإخلاص والحركة و العمل والنشاط , وتسجيل هذه المشكلات و الظواهر السلبية ورصدها ضرورة للعمل على إصلاحها والحيلولة دون تفاقمها وتلافي تكرارها .