الأربعاء، 13 مارس 2013

فلسطين

نحن و الغرب

اقتصاد

القضاء

سياسة

إسلاميات

العالمانية

الغول الإيراني


كتبهامصطفى الكومي ، في 21 يونيو 2010 الساعة: 21:14 م

                                                            
البعض يبالغ في الخطر الإيراني ويجعله في مقدمة الأخطار التي تواجه الأمة حتى تقدمه على الخطر الإسرائيلي والأمريكي و الغزو الثقافي الذي أصاب الأمة جميعا حتى صارت غريبة عن قيمها الإسلامية و ثقافتها العربية , ولعل كثيرين يتساءلون لماذا قفز الخطر الإيراني هكذا فجأة إلى بؤرة الشعور وصار الإعلام يركز عليها هذا التركيز و كأنه غول يريد أن يفترسنا ؟.
أعتقد أن هناك ثلاثة أسباب هي :
الأول العدو الإسرائيلي فلأن إيران تقوم بمساعدة سوريا وحزب الله وحماس وهم الآن جبهة الصراع الوحيدة الباقية أمام إسرائيل بعد تحييد كل من حكومة مصر والأردن وكذلك السعودية ضمن جبهة الاعتدال الأمريكية و لهذا فإن إسرائيل توجه إعلاميها التابعين لها في المنطقة العربية لتقديم إيران في صورة العدو البشع الذي يضطهد أهل السنة ويقتلهم وله أطماع في المنطقة العربية وخاصة الخليجية وينشر فكره الضال في مناطق أهل السنة و بالرغم من أن هذا تصوير حق و لكن المبالغة فيه كبيرة لأن ما تفعله إيران ليس بعظم ما تفعله أمريكا وإسرائيل في المنطقة العربية سواء كان غزو ثقافي أو عسكري كما أنه يصرف الأعين عن احتلال واقع فعلا من أمريكا و إسرائيل . (أمريكا تحتل العراق و قتلت منه أكثر من مليون مسلم وتحتل أفغانستان وتقتل المسلمين في باكستان ولها قواعد في الخليج وتساعد إسرائيل وتفرض علينا ثقافتها وتساند النظم المستبدة وإسرائيل تحتل الأقصى و تقتل الفلسطينيين )
الثاني العدو الأمريكي : فهو يعمل على إيجاد بعبع في المنطقة يكون مبرر لتواجد قواته ودعم تحالفه مع النظم العربية , وورقة ضغط لتمرير مصالحه , خاصة بعد إحراق ورقة صدام .
الثالث النظم العربية :سواء كانت عائلية أو جمهورية فهي ترى بعض الجمهور قد أعجب بقوة إيران العسكرية وعزتها في مواجهة الغرب خاصة في موضوع الملف النووي وكذلك التحول الديمقراطي في إيران و وجود رئيس جمهورية سابق وشاه مخلوع . فصار هذا الإعجاب يجر بعض الأفراد إلى التشيع أو على الأقل المطالبة بتغيير الأوضاع العربية المتردية و التمرر من كافة أشكال الهوان أمام الإملاءات الصهيوأمريكية
فهذا جعل الحكام العرب يشعرون بالخطر الذي تمثله إيران على كراسيهم أولا ولذلك أطلقوا كل وسائل إعلامهم ومشايخهم أيضا لتقذف نار التكفير في الشيعة و تتفنن في تصوير جحيم النظام الإيراني وخطره المنتظر, وهي تضرب بعض العصافير بحجر واحد فمنها تصرف الناس عن المطالبة بالحق في الشورى وإبداء الرأي ومن ناحية تصرف الأنظار عن الفشل في تحقيق التقدم والرفاهية وكذلك عن قواعد العدو في أراضينا بإذن حكامنا وتثبيت كراسيها أخيرا .
ومن العجيب أن حكامنا ضعيفي النظر فيما يحدق بالأمة من أخطار أما الذي قد يهز الكرسي فهي دقيقة النظر شديدة الانتباهكالزوجة الغبية التي لا تهتم بأحوال زوجها إلا إذا شمت رائحة زوجة ثانية فإنها تصحو من غفلة وتنتبه بذكاء وتستعد للحرب بضراوة .
وبالرغم أن التحول إلى التشيع أمر وارد إلا أنه إن حدث فلن يكون بشكل واسع أبدا سواء على المدى القريب أو البعيد ولن يتحول إلى التشيع إلا من ضج من استبداد وهوان الحكام أو من نفروا من تشدد بعض الدعاة أو جاهل أوقعه جهله في حبالهم أو طالب مال
في النهاية هذه العناصر ليست من غالبية المسلمين و ذلك التشيع بدأ نتيجة أزمة سياسية ليست موجودة الآن والتعاطف مع أحفاد الإمام علي لم يعد موجود الآن بعد أن أزاح شيعة إيران أحفاد سيدنا علي من الحكم بفكرة الغيبة و الانتظار, و التحول الشيعي عملية صعبة لأغلبية المسلمين حيث أن عملية التحول الواسع للتشيع في المنطقة تمت بالإكراه في عصر الحكم الصفوي وما هؤلاء الشيعة إلا ورثة أجدادهم المكرهون , فلم يكن الشيعة أغلبية في أي منطقة إسلامية أبدا, كما أن النظام الحالي في إيران قابل للتعديل , و الحراك الشعبي الآن في إيران ينبأ بانهيار الفكر الخميني وقيام نظام أكثر انفتاح على أغلبية المسلمين وأقل طائفية مما هو عليه الآن .
ومع ذلك لا نهون من الخطر الإيراني , و دفعه ليس بهدم مشروعهم و تكفيرهم فهذه حيلة الضعفاء الذين لا يملكون إلا كلاما بلا فعل و مواقف كلها ضعف و هوان .
ولكن لو أن لنا مشروع حضاري نهضوي نحن العرب المسلمون يعمل على استئناف حضارتنا وقوتنا وعزتنا لكانت إيران وغيرها أيضا هي التي تصرخ منا فنكون نحن الخطر عليهم و ليسوا هم .
ولكن تشتت أمتنا بين مشروعات وطنية وقومية علمانية وإسلامية وطائفية وعائلية أحيانا وكذلك انبطاح حكوماتنا للعدو الغربي والصهيوني والتفرق المذهبي المدعوم من النظم الحاكمة هو الذي جعلنا نصرخ من الخطر الإيراني .
كما أن غياب تقييم للأخطار بحيث نضع كل خطر في سلم أولويات لمواجهة الأخطار حسب شدة خطورتها هو الذي جعلنا نتشتت في عملية المواجهة وبالتالي تضيع جهودنا سدى .
فلا يجب أن ينسينا الخطر الإيراني الخطر الصهيوأمريكي
ولعلنا نجد أن أهم خطر يواجهنا هو بالترتيب التالي :
ـ خطر داخل امتنا وهو تخلفها الحضاري و ضعفها العسكري و جهلها العلمي وتخلي اغلب أفرادها عن قيمها الإسلامية وتناحرهم المذهبي .
ـ ثم ضعف حكومتنا و استبدادها وانحنائها أمام القوي الاستعمارية وحرصها على كراسيها لا تقدم شعوبها.
ـ ثم الأخطار الخارجية سواء كانت الغرب أو إسرائيل أو إيران .
وترتيب الصفوف الداخلية أولا هو الأهم في مواجهة الأعداء الخارجيين .
فيجب :
 أولا : إعداد أفراد الأمة بالإيمان والقيم الإسلامية والثقافة العامة والقدرة على مواجهة الأخطار وأن تتوحد صفوفها حول مشروع موحد نهضوي وحضاري يعيد لها دينها و مجدها وقوتها وقيمها .
ثانيا : تحول النظام المستبد والعائلي إلى نظام شوري ديمقراطي إسلامي يحمل هموم الشعب ويشارك الشعب في الحكم ويعمل على تقدمه في كافة المجالات .
ثالثا : تحرير أمتنا من كل استعمار أو هيمنة أجنبية خاصة الأمريكي والصهيوني أو غيرها سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا .
رابعا : بناء أمتنا و تقويتها دينيا و علميا و ثقافيا و سياسيا و اقتصادي و عسكريا.
خامسا :توحيد الأمة تحت مظلة موحدة فيدرالية أو كنفدرالية أو خلافة .
سادسا : قيادة العالم من جديد وحماية قيم العدل والرحمة ومجابهة كل طاغية وتحقيق العدل وإقرار الحقوق لكافة البشر .
قد يحتاج هذا التصور إلى تعديل أو ترتيب مختلف ولكن لاشك أن هذا هو ما يفكر فيه أغلب المسلمين , وقد يثمر الحوار والنقاش حولها ما هو أفضل من ذلك .

عقيدة المسلم مع المهدي



كتبهامصطفى الكومي ، في 29 يوليو 2010 الساعة: 11:04 ص

لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر
للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
قاضي ومفتي دولة قطر
عقيدة المسلم مع المهدي

لقد علق بعقائد العامة و عقولهم : و بعض العلماء ، و جود مهدي في عالم الغيب لا يعملون مكانه و لا زمانه . فمنهم : من يؤمن به ، و يصدق بظهوره ، و ينكر على من أنكره.
و منهم : من ينكر وجود المهدي بتاتا ، و يطعن في صحة الأحاديث الواردة فيه و يزعم بأنها مصنوعة و مكذوبة على رسول الله .
و لم تزل المناظرة و المجادلة واقعة قائمة بين الفريقين ، لأجله لا يزال يخرج في كل زمان ، و في بعض البلدان من يدعي أنه المهدي ، و على أثر هذه الدعوى تثور الفتن و تسيل الدماء .
و الحق الذي نعتقده ، و ندعو الناس إلى العلم به و العلم بموجبه ، هو أنه لا مهدي بعد رسول الله كما أنه لا نبي بعده .
فقد كان مهديا و قد كان هاديا                    جزى الله عنا كل خير محمدا

و المهدي متى قلنا بتصديق الأحاديث الواردة فيه ، ليس بملك معصوم ، و لا نبي مرسل، ما هو غلا رجل عادي ، كأحد أفراد الناس إلا أنه عادل ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا،
و كل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة ، و يترجح بأنها موضوعة على لسان رسول الله ، و لم يحدث بها .
مقام المسلم من المهدي
و مقام المسلم منه :
أولا : أنه لا يجب الإيمان الجازم بخروجه لقوة الخلاف في الأحاديث ، فلا ينكر على من أنكره ، و إنما يتوجه الإنكار على ما قال بصحة خروجه .
ثانيا ليس من عقيدة الإسلام و المسلمين الإيمان به ، كالإيمان بوجود الرب ، و الإيمان بالملائكة ، و الإيمان بالبعث بعد الموت ، و الإيمان بالجنة و النار إذ هذه من أمور الآخرة التي يجب اعتقادها و وقوعها جلية للعيان في دار الآخرة ، و قد أثبتها القرآن و صحيح السنة ، و ليس منها الإيمان بالمهدي ، و قد غلط السفاريني حيث أدخل الإيمان به في عقيدته فقال :
محمد المهدي و المسيح                 منها الإمام الخاتم الفصيح

فقد أخطأ حيث جعل المهدي هو الخاتم ، و إن حملناه على جعله خاتم الأئمة الإثني عشر خليفة الذين يستقيم بهم أمر الدين ، فهذا هو نفس عقيدة الشيعة حيث جعلوا الإمام الحادي عشر هو الحسن العسكري ، و بعد موته انتقلت الإمامة إلى ابنه محمد بن الحسن العسكري الذي دخل سرداب سامراء ، فدعوى المهدي في مبدئها للشيعة ، فهم الذين آمنوا بها و صدقوها ، و أكثروا من ذكر هذا المهدي المنتظر ، فاقتبس بعض أهل السنة هذا الاعتقاد ، ثم سار في طريقه و تلقينه إلى حالة انتشار هذه الفكرة عند المتأخرين حتى جعلوها طريقة و عقيدة ، و متى غيرت قيل: غيرت السنة ، و هكذا حال البدعة ، فبسبب مجاورتهم للشيعة و اختلاطهم به اقتبوسها منهم، و إلا فإنها ليست من عقيدة أهل السنة ، و لهذا لم يذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في عقائده ، لا في الواسطية و لا في الأصفهانية و لا السبعينية و لا التسعينية و العرشية ، كما أنها لم تذكر في عقيدة الطحاوية و لا في شرحها ، و لا في عقيدة ابن قدامة ، ولا عقيدة ابن زيدون المالكي .
فعدم ذكرهم لها يدل على أنها ليست من عقائد الإسلام و المسلمين ، و المهدي في مبدأ دعوته هو واحد و ليس باثنين ، فلم يقل أحد : إنهما مهديان ، و إنما هو مهدي واحد ، تنازعه أفكار الشيعة و أفكار بعض أهل السنة ، فكل لوم أو ذم ينحى به على الشيعة لإيمانهم بإمامهم محمد بن الحسن الذي هو في سرداب ، فإنه ينطبق بطريق و الموافقة على أهل السنة الذين يصدقون بالمهدي المجهول في عالم الغيب ، فهما في فساد الاعتقاد به سيان .
فبيت الشعر للسفاريني على الحالتين غير صواب و لا صحيح ، و السفاريني رحمه الله هو أقوى من ثبت دعائم عقيدة المهدي في قلوب المسلمين .
ثالثا إن المهدي لم يذكر في القرآن ، و لا في صحيح البخاري و مسلم فقد نزها كتبهما عن ذكره ، و عن الحديث عنه مع رواج الخبر عنه في زمانها ، فلا نرى ذلك إلا لضعف عندهما.
رابعا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع الكلم ، فكان يختصر الحكم الكثيرة في الكلمات اليسيرة ، تقول عائشة : لقد كان رسول الله يتكلم بكلمات لو عدها العاد لأحصاها.
و أحاديث المهدي هي بمثابة حديث ألف ليلة و ليلة ، قد أحصاها الشوكاني فيما يزيد على خمسين حديثا ، و كلها متخالفة و مضطربة ينقض بعضها بعضا ، منها ما يشير إلى أن المهدي هو علي ابن أبي طالب ، و منها ما يشير إلى أنه الحسن أو بنوه من بعده ، و منها ما يشير إلى أنه محمد بن الحنفية ، و أنه حي في جبل رضوى بين مكة و المدينة ، و عنده عينا عسل و ماء ، و منها ما يشير إلى إلى أنه الحسن أو بنوه من بعده ، و منها ما يشير إلى أنه رجل اسمه الحارث ، و يؤمر بالسعي إليه لبيعته و لو حبوا على الركب أو على الثلج ، إلى غير ذلك من الأحاديث التي يعلم كل عاقل بأن رسول الله منزه عنها .
خامسا : لم يكن من هدي رسول الله و لا من شرعه ، أن يحيل أمته على التصديق برجل في عالم الغيب و هو من أهل الدنيا ، و من بني آدم فيخبر عنه أنه يفعل كذا و كذا ، مما يوجب الاختلاف و الاضطراب بين الأمة .
سادسا : بما أن المهدي بصفة ما يزعمون ، و أن اسمه كاسم الرسول محمد بن عبد الله ، و أنه أجلى الجبهة ، و أقنى الأنف و من قريش ، فإن هذه الصفة توجد في كثير من الأشراف .
و بما أنني من هؤلاء الأشراف ، من ذرية الحسن بن علي ، فإنه لو خرج رجل من الأشراف اسمه محمد بن عبد الله ، و هو أجلى الجبهة أقنى الأنف ،  ويدعى أنه المهدي ، فإنني أول من يقاتله أنه كذاب يريد أن يفسد الدين ، و يشق عصا المسلمين ، و النبي صلى الله عليه وسلم قال : » من أتاكم و أمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه « .
سابعا : إن من صفة المهدي الذين يدعون خروجه ، و أن مقامه في الدنيا سبع سنين أو تسع سنين في الحديث الآخر ، و هل هو يؤيد بالخوارق و المعجزات أو بالأحلام و المنامات ؟
و هل تنزل معه الملائكة تحارب معه ، أو الجن تسخر له كما سخرت لداود ، و هل هو أكرم على الله من محمد رسول الله الذي مكث ثلاثا و عشرين سنة ، كلها يجاهد و يجادل ويصبر على اللأواء و الشدة ، و يتبع السنن الكونية من الطرق الموصلة إلى نجاحه ، و القرآن يؤيده
و الملائكة يمده الله بهم ، و قد شج رأسه صلى الله عليه وسلم ، و كسرت رباعيته ، و دلوه في حفرة ظنوه ميتا و ذلك وقعة أحد .
و مع هذا كله لم يتمكن من بسط العدل إلا في جزيرة العرب ، و هي نقطة صغيرة بالنسبة إلى سعة الدنيا .
أفيكون المهدي المنتظر أعز على الله من محمد رسول الله ؟ !
ثامنا : إن جميع المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها ، علماءهم و عامتهم ، متفقون على قتال من يدعي أنه المهدي كما مضى ذلك في كل زمان و مكان ، مع كثرة من يدعي أنه المهدي ، لاعتقادهم أنها دعوى باطلة لا صحة لها .
و لا يزالون يقاتلون من يدعي أنه المهدي حتى تقوم الساعة ، فأين و الحالة هذه ؟ و صار المهدي كالموجود في الأذهان دون الأعيان .
تاسعا : اتفق العلماء على أن الصحابة كلهم عدول ، فلا ينسب إليهم شيء من تعمد
الكذب ، لكنه في القرن الأول ثم الثاني شمل الناس فتن مثل فتنة الجمل و صفين ، ثم فتنة النهروان في قتال علي للخوارج ، ثم فتنة ابن الزبير مع عبد الملك بن مروان و الحجاج ، ثم فتنة مقتل مصعب بن الزبير مع عبد الملك بن مروان في العراق ، ثم فتنة المختار بن أبي عبيد و قتله لعبيد الله بن زياد .
و على أثر هذه الفتن انتشرت الأهواء في الناس إلى حالة أنهم يتقاذفون بالسب و الشتم على المنابر ، فأصحاب علي رضي الله عنه و أنصاره يسبون معاوية و بني أمية ، و بنو أمية
و أنصارهم يقابلونهم بمثل ذلك إلى بداية ولاية الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز فرفع هذا السب ، و جعل بدله : » ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم« .
عاشرا : إن الدين كامل بوجود رسول الله و نزول كتاب الله ، و لم يخلف رسول الله شيئا منه لا في السماء و لا في الأرض يقول تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي
و رضيت لكم الإسلام دينا ) . و النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله و سنتي .
لهذا صرنا في غنى و سعة عن دين و عدل يأتي به المهدي ، فلا مهدي بعد رسول الله كما لا نبي بعده .
حادي عشر : إن العلماء كأبي داود في سننه ، و ابن كثير في نهايته ، و السفاريني في لوامع أنواره و غيرهم ، قد أدخلوا أحاديث المهدي في جملة أشراط الساعة مع أحاديث الدجال
و الدابة ، و يأجوج و مأجوج ، و أحاديث الفتن فكل هذه لا يتعرض لها نقد الحديث بتصحيح و لا تمحيص ، لعلمهم أنها أحاديث مبنية على التساهل ، و يدخل فيها الكذب و الزيادات،
و المدرجات ، و التحريفات و ليست بالشيء الواقع في زمانهم ، و لا من أحاديث أحكامهم،
و أمور حلالهم و حرامهم .
و في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدي ، ثارت الفتن بسببه كما ذكرها المسعودي في تاريخه ، فعند ذلك اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها ، و صحيحها من سقيمها ، لكون الحوادث في الحياة هي أم الاختراعات ، فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها فنخلها ثم نثرها حديثا حديثا ، و بين عللها كلها ، و أن من رواتها الكذوب ، و منهم المتهم بالتشيع و الغلو ، و منهم من يرفع الحديث إلى رسول الله بدون أن يتكلم به الرسول ، و منهم من لا يحتج به .
و خلاصته أنه حكم على أحاديث المهدي بالضعف .
لكن رأينا بعض العلماء في هذا الزمان يعترض على تصحيحات ابن خلدون قائلا : إنه مؤرخ ، و ليس بصاحب حديث ، و هذا الاعتراض لا موقع له من الصحة ، فإن ابن خلدون عالم جليل ، و لا يقول أحد فيه إلا الخير و كونه مؤرخا لا يمنع من كونه محققا لعشرة أحاديث أو
أكثر ، لكون التحقيق سهل على مثله عند توفر الآلات و الكتب المؤلفة عن صفات الرواة
و دراسة الأشخاص و عدالتهم و القدح فيهم من شؤون التاريخ ، كما أنه من شؤون علم الحديث، و كان لابن خلدون مناظرات و مساجلات في الرد مع ابن حجر صاحب فتح الباري .
و قد رأينا من يؤيد قول ابن خلدون من العلماء المتقدمين ، و الراقين في العلم و المعرفة، و الاعتصام بالكتاب و السنة ، و منهم : العلامة ابن القيم فقد ذكر في كتابه » المنار المنيف « عن أحاديث المهدي و ضعفها كما سنورد كلامه بطوله في التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر من كتابنا هذا فلتراجع .
و منهم الإمام الشاطبي في كتابه » الاعتصام « فقد جعل المهديين و الإمامية من أهل البدع ، و يعني بالمهديين : الذين يصدقون بخروج المهدي، و دونك كلامه بلفظه إثباتا للحجة
و العذر ، و إزالة للشبهة و العذل ، قال بعد كلام له سبق في المتبعين لأهل الأهواء و البدع :
( و كذلك من اتبع المهدي المغربي المنسوب إليه كثير من بدع المغرب فهو في الإثم
و التسمية مع من اتبع إذا انتصب ناصرا لها و محتجا عليها ) .
و قال : ( و لقد زل بسبب الإعراض عن الدليل ، و الاعتماد على الرجل أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة و التابعين ، و اتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل ).
و قال : ( مذهب الفرقة المهدوية التي جعلت أفعال مهديهم حجة ، وافقت حكم الشريعة أو خالفت ، بل جعلوا أكثر ذلك انفحة في عقد إيمانهم ، من خالفها كفروه وجعلوا حكمه حكم الكافر الأصلي ) .
و بذلك تنقطع حجة من ادعى أنه لم يسبق الإمام ابن خلدون أحد من العلماء في تضعيف أحاديث المهدي ، و قد كاد أن ينعقد الإجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي ، و كونها مصنوعة و موضوع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدليل التعارض و التناقض ، و المخالفات و الإشكال ، مما يجعل الأمر جليا للعيان ، و لا يخفى إلا على ضعفة الأفهام ، و الله يهدي إلى الحق و إلى طريق مستقيم .
ثاني عشر : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بجلب المصالح و تكثيرها ، و درء المفاسد و المضار و تقليلها ، و أن التصديق بالمهدي و الدعوة إلى الإيمان به يترتب عليها فنون من المضار و المفاسد الكبار ، و الفتن المتواصلة التي تكون الآخرة منها شر من الأولى ، مما ينزه الرسول عن الإتيان بمثلها ، فهي من فتنة الحياة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ منها في أدبار الصلوات ، و قد لازم الناس الخوف و الوجل من الابتلاء بفتنة المدعي أنه المهدي و بشيعته و أعوانه من الشباب الطائش الذين هم الغوغاء و الهمج السذج أتباع كل ناعق، و يميلون مع كل صايح ، و الغوغاء هم عون الظالم و يد الغاشم في كل زمان و مكان ، فيترتب على التصديق به فتنة في الأرض و فساد كبير ، و ما يقع في قلوب الناس من اعتقاده هو أكبر و أنكر ، فإن الفتنة أشد من القتل فلا يلام و لا يأثم من أنكره إذ الأصل عدم صحته .
فإن الله سبحانه في كتابه و على لسان نبيه لا يوجب الإيمان برجل مجهول في عالم
الغيب ، و هو من بني آدم ، ليس بملك مقرب ، و لا نبي مرسل ، و لا يأتي بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به ، ثم يترك الناس يتقاتلون على التصديق و التكذيب به، فإن هذا مما ينافي شريعته التي جعلها الله رحمة لعباده » عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف
رحيم « .
فوجدوا هذا أضر على الناس من عدمه ، مع أنه من المحال بأن يكون على صفة ما ذكروا.
أما اعتقاد بطلانه ، و عدم التصديق به فإنه يعطي القلوب الراحة و الفرح و الأمان
و الاطمئنان ، و السلامة من الزعازع و الافتنان » و من يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي و لهم في الآخرة عذاب عظيم  « .
إن فكرة المهدي هذه لها أسباب سياسة و اجتماعية و دينية ، و كلها نبعت من عقائد الشيعة ، و كانوا هم البادئين باختراعها ، و ذلك بعد خروج الخلافة من آل البيت .
و استغلت الشيعة أفكار الجمهور الساذجة ، و تحمسهم للدين و الدعوة الإسلامية فآتوهم من هذه الناحية الطيبة الطاهرة ، و وضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، و أحكموا أسانيدها ، و أذاعوها من طرق مختلفة فصدقها الجمهور الطيب لبساطته ، وسكت رجال الشيعة لأنها في مصلحتهم .
و كانت بذلك مؤامرة شنيعة أفسدت بها عقول الناس ، و امتلأت بأحاديث تروى و قصص تقص ، نسبوا بعضها إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، و بعضها إلى أئمة أهل البيت ، و بعضها إلى كعب الأحبار . و كان لكل ذلك أثر سيئ في تضليل عقول الناس ، و خضوعهم للأوهام كما كان من أثر ذلك الثورات و الحركات المتتالية في تاريخ المسلمين ، ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة يزعم أنه المهدي المنتظر ، و يلتف حوله طائفة من الناس ، و يتسببون في إثارة الكثير من الفتن ، و هذا كله من جراء نظرية خرافية هي » نظرية « المهدي و هي نظرية لا تتفق مع سنة الله في خلقه و لا تتفق مع العقل الصحيح السليم . 

لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر


كتبهامصطفى الكومي ، في 29 يوليو 2010 الساعة: 10:56 ص



لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر

للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
قاضي ومفتي دولة قطر
خطبة الكتاب
الحمد الله و لا حول و لا قوة إلا بالله .
أما بعد : فإن هذه الرسالة المسماة ( لا مهدي ينتظر بعدالرسول محمد خير البشر ) اخترت لها هذه التسمية لتكون عقيدة حسنة ، تتدلل بها الألسنة من كل مسلم و مسلمة ، لاعتقاد أنها حقيقة مسلمة .
بدأتها بدعوة العلماء و الطلاب إلى الاتحاد على حسن الاعتقاد من أنه لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر .
لأنني و إن كنت أرى في نفسي أنني أصبت في الرسالة مفاصل الإنصاف و العدل ، و لم أنزع فيها إلى ما ينفيه الشرع أو يأباه العقل ، لكنني فرد من بني الإنسان الذي هو محل للخطأ 
و النسيان ، و قدمت في الرسالة عقيدة المسلم مع المهدي ، و منها : أن جميع الناس من العلماء 
و العوام ، في كل زمان و مكان ، يقاتلون كل من يدعي أنه الإمام المهدي ، لاعتقادهم أنه دجال كذاب ، يريد أن يفسد الدين ، و يفرق جماعة المسلمين ، و يملأ ما استولى عليه جورا و فجورا، كما جرى لكثير من المدعين للمهدية ، و لن يزالوا يقاتلون كل من يدعي ذلك حتى تقوم الساعة، فأين المهدي و الحالة هذه ؟
و أن فكرة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء ، فلم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول ، و لا بين التابعين ، و أن أصل من تبني هذه الفكرة و العقيدة هم الشيعة الذين من عقائدهم الإيمان بالإمام الغائب المنتظر ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، 
و هو الإمام الثاني عشر ، محمد ابن الحسن العسكري ، فسرت هذه الفكرة و هذا الاعتقاد، بطريق المجالسة و المؤانسة و الاختلاط ، إلى أهل السنة ، فدخلت في معتقدهم ، و هي ليست من أصل عقيدتهم .
ثم انتقلت بصورة عامة إلى المجتمع الإسلامي حين نادى بها في الناس عبد الله بن سبأ، المعروف بصريح الإلحاد و العداء للإسلام و المسلمين ، فأخذ هو و شيعته يعملون عملهم في صياغة الأحاديث  ، و وضعها على لسان رسول الله بأسانيد منظمة عن أهل القبور ، و أخذوا في نشرها في مجتمع الناس ، حتى لا يفقدوا الأمل الذي يرتجونه بزعمهم في إرجاع الحكم إلى أهل البيت ، ليزيلوا عنهم الظلم و الاضطهاد الواقع بهم من قبل خصومهم بني أمية ؛ فهي دعوة سياسية إرهابية ن كما أن بني أمية لما سمعوا بهذه الأحاديث الموجهة لهم من العراق ، و التي ترجف بهم و تهددهم بالإيقاع بهم ، و تنبهوا لهذا فأقاموا السفياني مقام المهدي ، و عمل أنصارهم عملهم في وضع الحديث عن رسول الله في السفياني ، من ذلك ما روى الحاكم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج رجل يقال له السفياني من دمشق ، و عامة من يتعبه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ، و يقتل الصبيان ، و ذكر بقيه الحديث ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه، ثم ساق حديثا ثانيا في السفياني ، هي بمثابة تصحيحه و تصحيح الترمذي لأحاديث المهدي على حد سواء،
و 
في الحقيقة أنها كلها غير صحيحة ، و لا متواترة ، فإن قيل : كيف عرفتم أن هذه الأحاديث الكثيرة المسندة ، والمسلسلة عن عدد من الصحابة ، بأنها مختلفة و هي في سنن أبي داود، 
و الترمذي ، و ابن ماجه ن و مسند الإمام أحمد ، و الحاكم ، و غيرها من الكتب ؟
فالجواب : إن هذه الأحاديث الكثيرة التي تبلغ خمسين حديثا في المهدي عند أهل السنة، بعضها يزعمونها صحاحا ، و بعضها من الحسان ، و بعضها من الضعاف ، و قد بلغت ألفا 
و مائتي حديث عند الشيعة ، والمهدي واحد و ليس باثنين تنازعته أفكار الشيعة و أفكار أهل السنة .
فهذه الأحاديث هي التي أخذت بمجامع قلوب الأكثرين من علماء أهل السنة على حد ما قيل و القوة للكاثر ، على أن الكمية لا تغني عن الكيفية شيئا ، و أكثر الناس مقلدة ، يقلد بعضهم بعضا ، و قليل منهم المحققون فإن المحققين من العلماء و المتقدمين و المتأخرين ، قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح و التمحيص ، و للجرح و التعديل ، فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها ، و عدم قبولها ، لأمور منها :
        ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بدين كامل ، و شرع شامل ، مبني على جلب المصالح و تكثيرها ، و دفع المضار و تقليلها، و من المعلوم أن اعتقاد المهدي، و القول بصحة خروجه يترتب عليه من المضار و المفاسد الكبار ، و من إثارة الفتن ، و سفك دماء الأبرياء ، ما يشهد بعظمته التاريخ المدروس ، و الواقع المحسوس، من كل ما يبرأ النبي صلى الله عليه وسلم عن الإتيان به ، إذ الدين كامل بدونه .
ـ و منها أن المهدي الذي يزعمون صحة خروجه ، أن اسمه محمد بن عبد الله ، و أن صفته أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، و هذه التسمية بهذه الصفة توجد بكثرة في الطوائف المنتسبين إلى الحسن و الحسين، فلا تعطي يقينا في التعيين ، فمتى أتى من انطبعت فيه هذه الأوصاف، و قال: إنني أنا المهدي ، فعند ذلك يقع المحذور من إثارة الفتنة بين مصدق به و مكذب ، و بين محب و محارب ، فيكون اعتقاده شقاء على العباد طول حياتهم ، لوقوع الاشتباه فيه دائما ، مما يتنافى مع الدين الذي جعله الله رحمة للخلق أجمعين ، فقال سبحانه: ( و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
       ـ و منها : أنه من الأمر المحال أن يوجب النبي على أمته التصديق برجل من بني آدم، مجهول في عالم الغيب ، و هو ليس بملك مقرب ، و لا نبي مرسل ، و لا يأتوني بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به و العمل بموجبه ، ثم يترك أمته يتقاتلون على حساب تصديقه و التكذيب به و فإن هذا من الأمر المنافي لسنته و حكمة رسالته ، »عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم « .
         ـ و منها : أننا لسنا بأول من رد هذه الأحاديث ، فقد أنكرها بعض العلماء قبلنا ، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في » المنهاج « بعد ذكره لأحاديث المهدي :
إن هذه الأحاديث في المهدي قد غلط فيها طوائف من العلماء ، فطائفة أنكروها مما يدل على أنها موضع خلاف من قديم بين العلماء ، كما هو الواقع من اختلاف العلماء في هذا الزمان.
ـ و منها : أن هذه الأحاديث لم يأخذها البخاري و مسلم ، و لم يدخلاها في كتبهما ، مع رواجها في زمنها ، و ما ذاك إلا لعدم ثباتها عندهما ، كما أنه ليس للمهدي ذكر في القرآن ، مما يقلل الاحتفال بها .
ـ و منها : تناقض هذه الأحاديث و تعارضها في موضوعها ، فمهدي اسمه اسم الرسول، اسم أبيه اسم أبيه ، و مهدي اسمه أبو عبد الله ، و مهدي يشبه الرسولفي الخلق ، و لا يشبهه في الخلق ، و مهدي يصلحه الله في ليلة ، و رجل يخرج هاربا من المدينة إلى مكة ، فيبايع له بين الركن و المقام و رجل اسمه بن حران ، يوطئ أو يمكن لآل محمد ، و رجل يخرج من وراء النهر ، و رجل يبايع له بعد وقوع فتنة عند موت خليفة ، و رجل أخواله كلب ، و تأتيه الرايات السود من قبل العراق ، و أبدال الشام ، و مهدي يصلي عيسى بن مريم خلفه ، و مهدي يقال له بحضرة نبي الله عيسى : صل أيها الأمير ، فيقول : كل إنسان أمير نفسه ، تكرمة الله لهذه الأمة.
فهذه و ما هو أكثر منها ، مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله ، و أنها لم تخرج من مشكاة نبوته ، وليست من كلامه ، فلا يجوز النظر فيها، فضلا عن تصديقها .
فهذه الأحاديث التي رواها أبو داود ، و الترمذي ، و ابن ماجه هي التي حملت بعض علماء السنة لكثرتها على التصديق بها ،فقبلوها قاعدة مسلمة ، و عقيدة محترمة ، سامعين مطيعين لها بدون تفكر و لا تدبر ، كالشيخ صديق و الشوكاني ، و السفاريني ، و الشيخ مرعي، و العبادي ، وسائر العلماء من المتأخرين . فلو أن هؤلاء حققوا النظر بإمعان و تفكر في أحاديث المهدي التي رواها أبو داود ، و ابن ماجه ، و الترمذي ، فقابلوا بعضها ببعض ، لعرفوا من مجموعها حقيقة التعارض و الاختلاف ، و لظهر لهم منها ما يوجب عليهم الرجوع عن التصديق بها ، و كون أكثرها قضايا أحداث وقعت مع أشخاص ، و لا ذكر للمهدي فيها .
و كل حديث يذكر فيه المهدي فإنه ضعيف ، كحديث علي مرفوع : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلا منا يملؤها عدلا كما ملئت جورا و مثله عن علي رضي الله مرفوعا : المهدي منا أهل البيت . و كذا عن علي رضي الله : و نظر إلى ابنه الحسن فقال : إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله ، و سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق و لا يشبهه في الخلق ، و مثله : حديث أم سلمة مرفوعا : المهدي من عترتي و من ولد فاطمة . رواها كلها أبو داود في سننه و غيره .
و قد أعرض أكثر المحدثين عن إثبات أحاديث كثيرة في كتبهم عن أهل البيت ، لتسلط الغلاة على إدخال الشيء الكثير من الكذب في فضائلهم كما تحاشى عنها البخاري و مسلم، 
و النسائي والدار قطني ، الدارمي ، فلم يذكروها في كتبهم المعتمدة ، و ما ذاك إلا لعلمهم بضعفها ، مع العلم أن 
الدارمي هو شيخ أبي داود و الترمذي ، و قد نزه مسنده عن أحاديث المهدي ، فلا ذكر لها فيه .
ثم إن عادة العلماء المحدثين و الفقهاء المتقدمين ، أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث 
و القول على علاته ، تقليدا لمن سبقه ، كما ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد ، فينقلها ، ثم يردها إليه ذكر ذلك في ترجمة ابن سعد ، و كان الشافعي يقول للإمام أحمد : إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إلى حتى أثبته في كتابي ، و كذلك سائر علماء كل عصر ، ينقل بعضهم عن بعض ، فمتى كان الأمر بهذه الصفة فلا عجب متى رأينا أحاديث المهدي تنتشر في كتب المعاصرين لأبي داود كالترمذي و ابن ماجه ، لخروج الحديث من كتاب، إلى مائة كتاب ، 
و انتقال الخطأ من عالم إلى مائة عالم ، لكون الناس مقلدة ، و قليل منهم المحققون المجتهدون ، و المقلد لا يعد من أهل العلم ، و قد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه 
( التحقيق المعتبر في أحاديث المهدي المنتظر ) شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود و الترمذي ، و ابن ماجه ، والإمام أحمد ، و الحاكم بما لا مزيد على فليراجع . و بينت في الرسالة أن أحاديث المهدي ليست بصحيحة ، و لا صريحة ، و لا متواترة بالمعنى ، و قد أسلفنا كلام الشيخ ابن تيمية رحمه الله فيها ، و أن طائفة أنكروها بتاتا ، و مثله العلامة ابن القيم رحمه الله ، فقد قال في كتابه 
» المنار المنيف في الصحيح و الضعيف « : اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال :
أحدها : أنه المسيح ابن مريم ، و هو المهدي على الحقيقة .
الثاني : أنه المهدي بن المنصور ، الذي ولي من بني العباس ، و قد انتهى زمانه .
الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان . و أكثر الأحاديث على هذا .
الرابع : قول الإمامية ، و أنه محمد بن الحسن العسكري .
فهذه الأقوال على اختلافها ، تدل على أن القضية هو موضع نزاع و خلاف  في قديم الزمان و حديثه ، و ليست بموضع اتفاق .
و من لوازم قوله أن ما يزعمونه من خروج المهدي المجهول في عالم الغيب ، أنه لا حقيقة له لكن المتعصبين لخروجه لما كل عليهم الأمد ، و مضى من الزمان أربعة عشر قرنا. 
و ما يشعرني أن يأتي من الزمان أكثر مما مضى بدون أن يروه حتى تقوم الساعة ــ لهذا أخذوا يمدون في الأجل ليثبتوا بذلك استقامة قولهم عن السقوط ، فأخذوا يبثون في الناس بأن لن يخرج إلا زمن عيسى ابن مريم  مع العلم أن الأحاديث التي بأيديهم ، و التي يزعمونها صحيحة 
و متواترة و التي رواها الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي ، وابن ماجه ، أنها وردت مطلقة لم تقيد بزمن عيسى ، إلا حديث صلاة عيسى خلف المهدي ، قال الذهبي وعلي القاري : إنه موضوع ، أي مكذوب ، فسقط الاحتجاج به .
و كلام العلماء من المتأخرين كثير ، و أعدل من رأيته أصاب الهدف في قضية المهدي هو : أبو الأعلى المودودي ، حيث قال في رسالة اسمها » البيانات « عن المهدي :
إن الأحاديث في هذه المسألة على نوعين ، أحاديث فيها الصراحة بكلمة المهدي، 
و أحاديث إنما أخبر فيها بخليفة يولد في آخر الزمان ، و يعلي كلمة الإسلام . و ليس سند أي رواية من هذين النوعين من القوة حيث يثبت أمام مقياس الإمام البخاري لنقد الروايات ، فهو لم يذكر منها أي رواية في صحيحه ، و كذلك ما ذكر منها الإمام مسلم إلا رواية واحدة في 
صحيحه ، و 
لكن ما جاءت فيها أيضا الصراحة بكلمة المهدي .
و قال : لا يمكن بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف بالمهدوية يجب على كل مسلم أن يؤمن به ، و يترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية ، و الاجتماعية في الدنيا و الآخرة .
و قال : مما يناسب ذكره بهذا الصدد ، أنه ليس من عقائد الإسلام عقيدة المهدي ، و لم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد ، انتهى .
و الحاصل الذي نعتقده ، و ندين الله به ، أنه لا مهديينتظر بعد الرسول محمد خير 
البشر ، و أنه لا ينكر على من أنكره ، إذ إنكاره لا ينقص من الإيمان ، و إنما يتوجه الإنكار على من يجادل في وجوده و صحة خروجه . و الله أعلم .
باقي فصول الكتاب
عقيدة المسلم مع المهدي
دعوة العقلاء للاتحاد على حسن الاعتقاد
التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي
المقارنة بين أقوال العلماء في المهدي
كتاب للشيخ عبد الله بن زيد آل  

دعوة العقلاء للاتحاد على حسن الاعتقاد



كتبهامصطفى الكومي ، في 29 يوليو 2010 الساعة: 10:45 ص


من كتاب
لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر
للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
قاضي ومفتي دولة قطر
دعوة العلماء و العقلاء إلى الاتحاد على حسن الاعتقاد
الحمد الله رب العالمين و صلى الله على نبينا محمد خاتم النبيين و على آله و صحبه أجمعين . أما بعد : فيا معشر العلماء الأجلاء و يا معشر العقلاء الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
تعالوا بنا نجلس على بساط البحث و التحقيق في أحاديث المهدي الذي وقع فيها الجدال
و كثرة القيل و القال ، فننظر إلى صلاحيتها و صحتها ، و ما يجب الإيمان به منها ، و ما يجب على المسلمين اعتقاده و منعه .
فإن البحث نتيجته الفائدة ، و ملاقاة التجارب من الرجال تلقيح لألبابها ، و العلم شجون يستدعي بعضه بعضا .
و متى قلنا : إننا مسلمون سلفيون ، و عقيدتنا عقيدة أهل السنة و الجماعة ، فإن هذا الاعتقاد يوجب علينا الاتحاد على كلمة الحق و قول الصدق ، فنتفق و لا نفترق . يقول الله
تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ) و إنه من المعلوم بطريق اليقين أن الله سبحانه
و تعالى خلق الناس متفاوتين في العلوم و الأفهام ، كما أنهم متفاوتون في العقول و الأجسام،
و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك .
من ذلك أحاديث المهدي و ما يقال في صحتها و صلاحيتها ، و ما يجب اعتقاده منها،
و أنه بمقتضى التحقيق له و الدرس لرواياتها يتبين بطريق اليقين أن فيها من التعارض
و الاختلاف ، و عدم التوافق و الائتلاف ، و وقوع الإشكالات ، و تعذر الجمع بين الروايات ما يحقق عدم صحتها ، و يجعل العلماء المحققين من المتأخرين و بعض المتقدمين يحكمون عليها بأنها مصنوعة و موضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ليست من كلامه،
و ينزهون ساحة رسول الله و سنته عن الإتيان بمثلها ، إذ الشبهة فيها يقينية ، و الكذب فيها ظاهر جلي ، و حاشا أن يفرض رسول الله على أمته الإيمان برجل من بني آدم مجهول في عالم الغيب لا يعلم زمانه و لا مكانه ، و هو ليس بملك مقرب و لا نبي مرسل ، و لن يأتي بدين جديد من ربه مما يوجب الإيمان به ، ثم يترك أمته يتقاتلون على حساب تحقيقه و التصديق به ، ثم يتقدم أحدهم فيحل نفسه هذا المهدي المجهول ، و يترتب عليه فتنة في الأرض و فساد كبير،
و كل الأحاديث التي يوردونها لتحقيق خروجه متناقصة متعارضة ، و مختلفة غير مؤتلفة ، فما يزعمونه صحيحا منها فإنه ليس بصريح في الدلالة على ما ذكروا ، و ما يزعمونه صريحا و فيه ذكر المهدي فإنه ليس بصحيح ، و جماع القول : إنها كلها ليست بصحيحة و لا صريحة و لا متواترة.
لكن قد يعرض لتحقيق ما قلنا قول بعضهم بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال بصحة خروج المهدي ، و هو العالم المحقق المشهود له بصحيح الرواية و صريح الدراية .
و أقول : نعم و إنني رأيت لشيخ الإسلام قولا يثبت فيه بأنه ورد في المهدي سبعة أحاديث رواها أبو داود . و كنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الإسلام ، حيث تأثرت بقوله ، حتى بلغت سن الأربعين من العمر و بعد أن توسعت في العلوم و الفنون ، و معرفة أحاديث المهدي
و عللها و تعارضها و اختلافها ، فبعد ذلك زال عني الاعتقاد السيئ و الحمد لله ، و عرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدي بعد رسول الله ، و بعد كتاب الله . و شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو حبيبنا و ليس بربنا و لا نبينا .
و قد قيل : كم فات على العالم النحرير ما عسى أن ينسب فيه إلى الخطأ و التقصير . و هو كسائر علماء البشر فلا يحيط بكل شيء علما ، فقد يحفظ شيئا و ينسى أشياء ، إذ الكمال لله سبحانه الذي لا راد لحكمه و لا معقب لكلماته. و قد شبهوا زلة العالم بغرق السفينة ، يغرق بغرقها الخلق الكثير ، و كم غرق في كلمة شيخ الإسلام هذه كثير من العلماء و العوام حين اعتقدوا صحة خروج المهدي ، فكان من لقيته من العلماء و العوام يحتج بكلام شيخ الإسلام رحمه الله .
و لعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم و الفنون و هو مجتهد
و مأجور على اجتهاده ، إذ يقول العالم المحقق قولا ضعيفا مرجوحا فلا يكون المقلد لقوله،
و المنتصر لرأيه بمثابته في حصول الأجر ، و حط الوزر بل فرضه الاجتهاد و النظر ، فكم من عالم كان يقول أقوالا في بداية عمره ثم يتبين له ضعفها فيقول بخلافها .
فهذا الإمام الشافعي له أقوال قالها في العراق ، و تسمى أقواله القديمة ثم صار له أقوال جديدة قالها في مصر ، و صار العمل على أقواله الجديدة الأخيرة ،  مثله الإمام أحمد فإن له في المسألة الواحدة عدة روايات ، لكون الاجتهاد في عرفهم يتجدد .
و هذا الدارقطني رد على البخاري في بضعة و ثمانين موضعا في صحيحه ، و لا عيب على البخاري و لا على الدارقطني ، و حسبك تفرق المذاهب إلى أربعة و كل يرى عنده دليلا ليس عند صاحبه و يترضى بعضهم على بعض .
و في البخاري : أن موسى لما لقي الخضر في مجمع البحرين ، و هاله ما رآه من تصرفه من قتله للغلام ، و بنائه للجدار الذي يريد أن ينقض ، و خرقه لسفينة المساكين الذين يعملون فيها التكسب في البحر ، فضاق صدر موسى من تصرفه ، و عيل صبره ، فأراد أن يفارقه فقال له الخضر يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت ، و أنت على علم علمكم لا أعلمه . و قال له أيضا يا موسى ما نقص علمي و علمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر . و هكذا يقع تفاوت العلماء فيما علموه ، و الاختلاف فيما فهموه ، كما قيل :
و تفاوت العلماء في أفهامهم             في العلم فوق تفاوت الأبدان
 
إنه يجب علينا بأن يكون تعليمنا و اعتقادنا قائما على أنه لا مهدي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا نبي بعده .
جزى الله عنا كل خير محمدا                       فقد كان مهديا و قد كان هاديا
 
كما نعتقد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلف وراءه علما و لا دينا يرتجي حصوله و وصوله على يد المهدي من بعده ، لأن الله سبحانه قد أكمل لنا الدين ، و أتم به النعمة على المسلمين بإرسال هذا النبي الكريم (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
و أنزل الله في كتابه المبين ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ) فما بعد الكمال إلا النقص ، و لا بعد الإسلام إلا الكفر .
و إننا بكتاب ربنا و سنة نبينا لفي غنى واسع عن دين يأتينا به المهدي المنتظر إذا المهدي ليس بملك مقرب و لا نبي مرسل ، و ليس ديننا الذي جاء به كتاب ربنا وسنة نبينا بناقص حتى يكمله المهدي ( و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم ) .
إن رسول الله قال في موقف عرفة حين خطبهم تلك الخطبة الطويلة فقال فيها : لعلي لا تلقوني بعد عامي هذا ، و قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله ، و في رواية أخرى : و سنتي ، و لم يقل : و تركت من بعدي المهدي ، إذ أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث صحيح صريح أنه ذكر المهدي باسمه .
إن من العلم ما يحسن كتمانه و يضر بيانه لبعض الناس ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص ببعض العلم أفرادا من الناس ، و يوصيهم بكتمانه خشية أن يفتن الناس ، كما خص معاذا بقوله صلى الله عليه وسلم : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة . فقلت : و إن زنا و إن سرق . فقال : و إن زنا و إن سرق . فقلت : أ فلا أبشر بها الناس ؟ فقال : لا تبشرهم فيتكلوا. متفق عليه . فأمره رسول الله بكتمان هذه البشرى خشية أن يتهاون الناس في فعل المعاصي  و المنكرات ، اتكالا على ما سمعوه فيفتنوا ، و لم يخبر معاذ بهذا الحديث أحدا إلا عند موته ..
ومثله إخباره حذيفة بأسماء ثلاثين من المنافقين و أمره بكتمانه ، فكان الصحابة لا يصلون إلا على من صلى عليه حذيفة ، و يسمونه صاحب السر المكتوم .
و قد ترجم له البخاري في صحيحه فقال : ( باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن يفهموا ) و ساق عن علي : حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله و رسوله ! و قالوا: إنك لن تحدث الناس بحديث لم تبلغه عقولهم إلا كان عليهم فتنة .
فمتى كان الأمر بهذه الصفة ، فإن السياسة الشرعية توجب على العالم بأن يذكرهم بما ينفعهم ، و ما يزيد في إيمانهم و تقواهم ، و أن يجتنب التذكير بما يفتنهم و يزعزع إيمانهم،
و يوقع القلق و الاضطراب في مجتمعهم ، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، و قد
قيل : إياك و ما سيق إلى القلوب إنكاره و إن كان عندك اعتذاره .
من ذلك : تذكير الناس بأن المهدي حق ، و أنه سيخرج على الناس لا محالة و أنه يملأ الأرض عدلا ، فإن هذا لا يزيد في الإيمان ، و لا في صالح الأعمال و يوقع في الناس الافتنان بين مصدق و مكذب . مع العلم أن أحاديث المهدي ليست بصحيحة ، و لا صريحة ، و لا متواترة بل هي كلها مجروحة و ضعيفة ، و الجرح مقدم على التعديل ، و قد رجح أكثر العلماء المتأخرين من خاصة أهل الأمصار بأنها كلها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، صنعها غلاة الزنادقة لما زال الملك عن أهل البيت ، فأخذوا يرهبون بها بني أمية و يوعدونهم بأنه سيخرج المهدي ، و قد حان خروجه فنزع الملك من بني أمية ثم يرده إلى أهل بيت رسول الله إذ أنهم أحق به و أهله .
و كان لعبد الله بن سبأ اليد العاملة في صياغة الحديث ، و التلاعب بعقول الناس ، وكان يقول : إن المهدي هو محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب ، و إنه بعث بعد موته و سكن بجبل رضوى في الحجاز بين مكة و المدينة ، و إن عنده عين عسل و عين ماء ، و سيقود الجموع لقتال بني أمية ، و سموا بالسبئة و فيه يقول كثير عزة و هو سبيء.
و سبط لا يذوق الموت حتى                يقود الجيش يقدمه اللواء
 
تغيب لا يرى فيهم زمانا                    برضوى عنده عسل و ماء
 
و على كل حال فإنه متى ساء الاعتقاد ساء العمل ، و ساءت النتيجة .
و لقد عاش الخلفاء الراشدون و الصحابة و التابعون ، ثم عاش من بعدهم العلماء و السلف الصالحون ممن كانوا في القرون الثلاثة المفضلة ، ثم عاش من بعدهم جميع العلماء و الحكام
و منهم : عماد الدين زنكي ، و نور الدين محمود الشهيد ، و صلاح الدين الأيوبي ، و جميع الناس بعدهم ، و في مقدمتهم شيخ الإسلام بن تيمية و العلامة ابن القيم ، فلم ينقص إيمانهم
و تقواهم عدم وجود المهدي من بينهم لعلمهم و اعتقادهم أن الدين كامل بدونه فلا حاجة لهم به خرج أو لم يخرج .
و إننا الآن في العام التمام للقرن الرابع عشر من السنين ، و ما يشعرني أنه سيأتي من الزمان أكثر مما مضى حتى تقوم الساعة دون أن يخرج المهدي ، و الله أعلم .