الخميس، 19 نوفمبر 2009

فعلت الكورة فعلتها


منذ أربعة ألاف سنة كتب افلاطون في كتابه عن الجمهورية أن صفوة المجتمع وأشرافها هم فقط الذين يصدرون القوانين والقرارات وعندما سأله أحد تلاميذه قائلا وماذا إذا اعترضت العامة على القوانين
والقرارات قال بالنص " نلهيهم بالألعاب الرياضية والولائم الشعبية"وقال مثل ذلك ميكافيلي في كتابه الأمير ثم جاء في عصرنا الحالي جون سمارانش مؤسس الألعاب
الأولمبية وقد سأله احد وزراء أمريكا لماذا تناضل من أجل تأسيس هذا الاتحاد فقال ما معناه "إن بين الدول والأمم صراعات وأحقاد وهذه المباريات تصرف الناس عن هذه
الصراعات وتفرغها في المباريات ".

لذلك فهم السياسيين أن للرياضة ثمار عظيمة غير ثمار تربية
الأجسام وتقويتها , ثمار يستفيدوا هم منها أكثر من استفادة الرياضيين والمشجعين , ولذلك أقاموا الملاعب والاتحادات والقنوات الرياضية والمسابقات والوزارات وصرفوا عليها الكثير من المال وخصصوا لها جيش عظيم من العاملين عليها القائمين على مهرجاناتها والمؤججين لصراعاتها.
لذلك قمت اول مسابقة رياضية كبيرة في مصر في نفس وقت سقوط الخلافة الاسلامية في تركيا ،وكان من اسباب هزيمة ٦٧ هو ان المشير عبدالحكيم عامر وزير انقلاب العسكر كان مشغولا بادارة نادي الزمالك من خلف الستار بتنظيم حركة اللاعبينوتقديم هذا وتاخيرذاك.

ما معنى هذا الكلام ؟
أن السياسيين رأوا أن هناك فريق من أغلب الناس يحبون الفرجة على الرياضة والاهتمام بها وتشغلهم عن همومهم العامة والخاصة , وأن المشجع يرى في فوز فريقه انتصار له يعوضه عن هزائمه وفشله في الحصول على الحياة الكريمة التي أكلها منه المحتكر للمال والثروة والسلطة , كذلك فإن اهتمامه بمشاهدة الرياضة يصرفه عن اهتمامه بشئون وطنه العامة وأن يفرغ في الرياضة طاقة الغضب التي تولدت لديه من رغبته في الحصول على حقوقه السياسية والاقتصادية المغتصبة منه وهي في يد من يلهيه بهذه اللعبة حتى لا يفكر في الحصول على ما هو حقه فعلا .
أنهم يتعامون معنا كما يتعامل الأب مع طفله حين يجوع فيلهيه بلعبة حتى يحضر الطعام غير أن الفرق في الواقع أن الأب ليس إلا ذئب يريد أن يلهي الأسد عن طعامه الذي هو حق له بلعبة سخيفة حتى يتسنى للذئب أكل طعام الأسد , وفي الواقع الأسد هو الشعب والذئب هو المحتكرون للثروة والسلطة والطعام هو حق الشعب في الحياة الكريمة والشورى والعدل والمساواة .
والآن أنظر إلى ثمار الكورة ألتي هي أمر من مرارة الحنظل
ـ الأمة تتلهف على الوحدة فتجد جمهور الكورة يتعاركون ويتشاتمون ويتعاركون ويتعصبون كلاً لفريقه وعلى حساب دينه و أمته التي وصفها الله تعالى بقوله " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " .
ـ أمرنا الله بقول الحق والمطالبة به والدعوة إلى الخير والعمل على محاربة الباطل وإزهاقه لكن الجهود تصرف عنه وتنبح الحناجر وتقضى الأوقات في محاربة المشجعين لبعضهم البعض .
ـ أمرنا الله أن نجاهد وننفق أموالنا من أجل تحرير بلادنا من المغتصب المحتل لكن نتعب أنفسنا وننفق أموالنا لمشاهدة المباريات ونحرم جهودنا وأموالنا من هم في حاجة إليها .
ـ نهانا الله عن اللغو "والذين هم عن اللغو معرضون " بينما نقضي الساعات في حكايات الكورة والتنابذ والتعارك والشتم فنتلهى عن الجد وننصرف عما ينفعنا من الكلام الطيب .
ماذا استفاد أعداء الأمة من الكورة:
ـ اغتصاب حق الناس في الشورى والمشاركة السياسية فالناس مشغولة بمناقشة المباريات .
ـ ضياع حقوق الناس في الحياة الكريمة والثروات الطبيعية التي أنعم الله بها علينا والعدالة الاجتماعية فقد احتكرها المحتكرون واستغلهم رجال الأعمال واستعبدهم الحكام والناس ملهية في الكورة .
ـ اغتصاب الأرض واحتلالها وتهويد القدس فقد انشغل الناس بهزيمة فريقهم .
إذا نجح الأعداء في تحصيل مرادهم بالرياضة فإلى مزيد منها ومن الرقص والعري والأفلام والمسلسلات والكليبات ومن ليس له غرض في ذلك فلنخدعه بالكذب والتأليف والخداع في الصحافة والإعلام ومن لم ينجر وراء كل ذلك وهم قليل فبالإرهاب والسجون والإبعاد ومصادرة الأموال والأرزاق حتى يستمر العلو في الأرض والفساد . ولكن هيهات فإني مصدقا قوله تعالى "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)النور"