الاثنين، 18 فبراير 2013

الواقع والمفقود من المرجعية الإسلامية


كتبهامصطفى الكومي ، في 6 يوليو 2011 الساعة: 00:21 ص

                 
     الحرب الدائرة حاليا على المرجعية الإسلامية والتي يقودها فريق كبير من العلمانيين تتناسى أن الدولة المصرية بالفعل تطبق المرجعية الإسلامية في جوانب كثيرة بعضها قانوني وبعضها سياسي وأحيانا بعضها عرفي , وإن كنا نفتقد جوانب أخرى كثيرة نأمل في مقتبل السنوات القادمة أن نستكملها .
     ومن المطبق فعلا قانونيا , قوانين الأسرة الخاصة بإثبات الزواج والطلاق والنسب وكفالة المرأة والطفل وقوانين الميراث وإن كان كثير منها يحتاج إلى مراجعة وتطوير بما يقربها أكثر مع أصول الشريعة الإسلامية وبما يناسب مصالح المجتمع , ولاشك أن المطالب الحالية الخاصة بحق الرؤية والتي يطالب بها الآباء والتي تم فيها الأخذ بأحد الأقوال الشاذة تسببت في ظهور هذه المشكلة , ومع إن الالتزام بأحكام الشريعة لا يحدث مثل هذه المشاكل ولكن الخروج عنها هو الذي يحدث المشكلة , و يؤيد ذلك أن كثير من الأقباط حين يتنازعون حول الميراث غالبا ما يلجئون إلى أحكام الشريعة الإسلامية لفض هذه النزاعات , أرى أن المنظومة الليبرالية ليست لها رؤية محددة في شئون الأسرة وكانت في بدايات التطبيق الليبرالي تترك شئون الأسرة للكنيسة , و رأي الكنيسة في الشأن الأسري لم يحقق سعادتها ولا العدل المطلوب إلا أن تدخل الدولة الحديثة برؤيتها الليبرالية قضت على الأسرة وفككت روابطها الاجتماعية وأصبح غالبية الأطفال لا يعيشون في أسرة طبيعية بل إما مع الأب فقط أو الأم فقط أو الأب وزوجة أبيه أو الأم وزوج أمه أوفي الملاجئ والمدارس الداخلية , والتدخل البشري في موضوع الأسرة لم يحقق لا العدالة ولا جو الأمان والطمأنينة ولا السعادة كشروط طبيعية لحياة سوية , وانخفضت أعداد الأسر وبالتالي المواليد وأصبحت بعض الدول تعاني من الانقراض , فإن قبل الليبراليون المصريون قوانين الأسرة المستمدة من الشريعة الإسلامية , فإنها ستكون واقعة في التناقض لا محالة , وسيثبت هذا قصور الليبرالية عن تقيم بديل أفضل من الشريعة الإسلامية .
   وليست المرجعية الإسلامية منظومة قانونية فقط بل هي أيضا مجموعة سياسات وتوجهات تحافظ على مصالحنا وعلاقتنا وتنميها فضلا عن تنظيمها بما يحقق العدل والمساواة في المجتمع .
     ومثل ذلك أيضا مشكلة الفقر التي يعاني منها مجتمعنا المصري أشد المعاناة , وبالرغم أن الجمعيات الأهلية تقوم بمحاولات للسيطرة على الفقر, إلا أن الأمر أكبر من إمكانياتها . والمشكلة تحتاج إلى إمكانيات دولة وليس جمعية خيرية , والتوجهات الإسلامية تجعل توسيع قاعدة الملكية والقضاء على الفقر قاعدة عامة تتجلى في عدة أحكام منها ما هو إيجابي كالزكاة و الحمى وإحياء الموات والوقف الخيري ومنه ما هو سلبي محرم بسبب أثاره في تكريس الفقر واحتكار الثروة كالربا والاحتكار والغش والرشوة واستغلال النفوذ , بل إن احتكار الثروة أمر مرفوض إسلاميا "كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ " فالزكاة تجمعها الدولة من الأغنياء تحديدا وتوزع على الفقراء تحديدا أي إنها عملية لإعادة توزيع الثروة بما يقلل الفجوة بين الأغنياء والفقراء , وهي من الأعمال السيادية للدولة وهي وإن كانت تصرف للفقراء لتلبية حاجات استهلاكية فهي أيضا يمكن صرفها للفقراء لتلبية حاجات إنتاجية أيضا , أي لتحويل الفقير من حالة الفقر والاحتياج إلى حالة الإنتاج والعطاء , والوقف الخيري الذي هو تحويل ملكية خاصة إلى ملكية عامة يستفيد بها أفراد المجتمع وتقدم خدمات متعددة خاصة للفقراء , ولكن إنشاء الأوقاف توقف عن النمو بسبب استيلاء الدولة العلمانية عليه وتحويله لتمويل ميزانية الدولة , وتحويل مصارفها التي خصصت لها إلى عكس ما تم الوقف من أجله فنجد مثلا أوقاف الأزهر تم إنفاقها في محاربة الدين نفسه فتوقف الناس عن الإيقاف , ومنها أيضا إحياء الموات "قال صلى الله عليه وسلم "من أحيا أرض فهي له " فكل أراضي الدولة التي لا تحتاجها لأعمالها يمكن لكل فرد في المجتمع إذا أحيا هذه الأرض بالزرع أو بالبناء فمن حقه أن يتملكها , فهي عملية تحويل ملكية عامة إلى ملكية خاصة , كثير من التشريعات يمكن أن تُطور وتُبتكر من اجل تطبيق القاعدة العامة للقضاء على الفقر, والليبرالية الغربية خالية من أية إشارة إلى حقوق الفقراء, وهي كمنظومة سياسية ليس من برامجها أو أهدافها حماية الفقراء أو القضاء على الفقر أو حتى توسيع قاعدة الملكية "الإغناء ـ إذا أعطيتم فأغنوا" بل هم كمنظومة تكرس الفقر واحتكار الثروة في يد الأغنياء بسبب إعلائها من حقوق الفرد على حساب الجماعة فكيف نتقبلها كمرجعية وهي لا تلبي حاجات البشرية وحاجة مجتمعنا المصري وهو القضاء على الفقر الذي هو عمدة مشاكلنا , وإذا تضمن برنامج حزب ليبرالي خطه للقضاء على الفقر فأي مرجعية يستند إليها وهو يدعو هذه الدعوة هل هي المرجعية الاشتراكية أم إلى المرجعية الإسلامية فإن كانت للمرجعية الاشتراكية فإن أدوات الاشتراكية تختلف عن أدوات الليبرالية وسيقع في حرج وتناقض مع ليبراليته وإن كان مرجعه إلى الإسلامية فهذه مرجعية الشعب المصري في كافة شئونه فلماذا نتشتت بين المرجعيات ؟ . 
  
ومن هذه التوجهات الإسلامية أيضا التضامن العربي والإسلامي " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً" الذي هو ضرورة لمواجهة التحالفات المضادة ولحماية مصالحنا والذي ظهرت أعظم تجلياته في حرب رمضان أكتوبر 73 حيث كانت معظم الدول العربية لها كتائب على الجبهة المصرية تحارب معنا وتحمي ظهورنا فضلا عن الدعم اللوجستي من الدول العربية والذي أظهره العاهل السعودي فيصل بن عبد العزيز حين قطع إمدادات البترول عن الدول الغربية , وتجلى هذا الشعور الأخوي في إنشاء الجامعة العربية والمنظمة المؤتمر الإسلامي ومع أنه كان يجب أن تستثمر هذه المنظمات في تعظيم هذا التضامن واستثماره في تكوين جبهة متوحدة ضد إسرائيل والهيمنة الغربية , إلا إن النظام البائد استخدم هذه العلاقات في عكس ما أنشأت من أجله وهو تمرير مخططات الهيمنة والسيطرة على منطقتنا العربية في الوقت الذي كنا في أمس الحاجة إلى الوحدة والترابط والذي مازلنا نفتقده في الوقت الحالي ونأمل في تحقيقه في ظل المرجعية الإسلامية للدولة , ولا نعتقد أن الليبرالية الغربية التي يريدون اتخاذها منهج للحياة  تتضمن برامجها أو أهدافها هذا التضامن العربي والإسلامي بل نظن أنها تريد أن تفتح الباب للدخول تحت مظلة الهيمنة الغربية على أساس أنها أم الليبرالية ومصدر شعاعها بل ورعاتها فإذا تضمنت برامجها ضرورة التضامن العربي والإسلامي فهم يرجعون بهذا التوجه إلى المرجعية الإسلامية شاءوا أو أبوا , وهو ما سيضعهم في تناقض وحرج , فسوف يتم العمل بالمرجعية الإسلامية في شأن ويترك في شئون , وغالبا سيعملون على تعظيم شأن الفرد على حساب مصلحة الجماعة وما هو في مصلحة الأغنياء على مصلحة الفقير لأن الليبرالية هي التي أنتجت الرأسمالية المتوحشة .
موقف الليبراليون والعلمانيون عموما الرافضون للمرجعية الإسلامية يجعلني أتساءل هل يقصدون كذلك تجريدنا من بعض نسمات الإسلام المطبقة فعلا وحرث الأرض تماما من بقايا الدين في نفوسنا ؟ أعتقد أن هذا هو ما يفعلونه فعلا وحين سئل أحد أقطاب الليبرالية عن الزواج المدني هل تصرح به ؟ قال : لكي أكون صادق مع نفسي و ما أؤمن به" نعم ".   

موضوعات ذات صلة على صفحة .. إسلاميات  

ليست هناك تعليقات: