السبت، 22 مايو 2010

حفظ القرآن

تكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم وهذا الحفظ كان مخصوص للقرآن دون الكتب السابقة لسبب وجيه هو أن القرآن هو الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء أي أنه لن ينزل كتاب بعد القرآن حتى لا تكون للناس عند الله حجة إلى أن تقوم القيامة .
والمستشرقين ورجال الكنيسة يرون أن طريقة حفظ القرآن كانت طريقة بدائية تحول دون إتمام عملية الحفظ وذلك لأنهم تصوروا أن حفظ القرآن تم عن طريق الكتابة على الأحجار والجريد والرقاع ولم يتعداه إلى وسائل أخرى للحفظ ولكن الله تعالى وفر للقرآن ظروفا و وسائل كثيرة ساعدت على حفظ القرآن بل على استحالة تحريفه أو تزويره ومنها الآتي :
ـ أن الله يسر القرآن للذكر والحفظ في الصدور والذاكرة حتى أن طفل صغير ذو سبع سنوات أو أكثر ومن بلد لا تعرف العربية في أندونيسا أو ألمانيا يستطيع أن يحفظ القرآن كاملا بدون حتى أن يفهم معنى ما يحفظ وهي خاصية تتوافر في القرآن فقط ولا تتوافر في الكتاب المقدس حتى أن البابا شنودة أو بابا الفاتيكان لا يستطيع أن يحفظ الكتاب المقدس ولا أعظم كاردينال مسيحي أو حتى صفحة كاملة منه بل أن البابا شنودة استطاع أن يستشهد في بعض خطبه بعدة آيات من القرآن حفظا بدون قراءة من المصحف . و كذلك الأمي الذي لا يقرأ يستطيع حفظه بسهولة ويسر وبدون تعلم القراءة والكتابة .
ـ أن الإسلام حس المؤمنين على التلاوة والحفظ في الذاكرة وجعل لمن يحفظ ويتلوا القرآن الجزاء العظيم في الدنيا والآخرة فتسابق الناس في الحفظ والتلاوة حديثا وقديما وهذا جعل كثير من الصحابة بالآلاف يحفظون القرآن وذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن فمه الشريف ويكفي أن أقول أن الإحصاءات تقول أن من حضر مع النبي حجة الوداع يصل إلى مائة ألف من المسلمين . وما زال الناس تتسابق على الحفظ بحيث لا يعدوا ولا يحصوا . بينما المسيحية لا تطلب من معتنقيها حفظ أو تلاوة الكتاب المقدس . فكان هذا مدعاة للنسيان والخطأ واستحالة التصحيح للمغير أو المبدل .
ـ يُقرأ القرآن خمس مرات يوميا خلال إقامة الصلاة حيث يقرأ جهرا ثلاث مرات وسرا مرتين غير الصلوات الأخرى المستحبة جعلت المسلمين الأوائل معتادين على سماعه وحفظه وهم يصلون خلف الأئمة بحيث إذا أخطأ الإمام في القراءة صحح المصلين له في الحال أي أن جمهور المسلمين مراجعين ومصححين لأخطاء القراء وهذه عملية مستمرة قبل جمع القرآن في كتاب واحد وبعد ذلك و حتى الآن ولو كان حدث تغيير بعد الجمع لصححوه أو لهاجت نفوسهم على من غير أو بدل في القرآن ولكن هذا لم يحصل بل كانوا واثقين ومطمئنين لصحة القرآن . وهذا أيضا غير متوافر في المسيحية فلا قراءة الإنجيل ولا دخول الكنيسة متكرر لهذا الحد فينطبع الإنجيل في نفوسهم كما أنطبع القرآن في نفوس المسلمين الأوائل والمعاصرين .
ـ أن البيئة العربية التي نزل فيها القرآن كانت معتادة على حفظ الشعر والنثر في الذاكرة بسهولة . وبالرغم أنهم كانوا يدونون ما يكتبون من مواثيق ورسائل إلا أن الحفظ في الذاكرة كان هو الأكثر اعتمادا و انتشارا بين العرب . وظلت دواوين الشعر الجاهلي محفوظة حتى بعد ظهور الإسلام .
ـ أن عملية جمع القرآن في كتاب واحد تمت على أيد الصحابة المقربين والمشهود لهم بالحفظ والأمانة وفي حضرة جميع من أمنوا بالإسلام من المهاجرين والأنصار ولم ينقل عنهم أنهم اعترضوا على كتابة أية واحدة أو أنهم وجدوا أخطاء فصححوها أو أن أحد قال نقصت أو زادت آية واحدة . لقد تم هذا في حضور عدد يعد بالآلاف من الصحابة المقربين الثقات الذين إن وجدوا الحاكم معوج قالوا له لنقومنك بسيوفنا وهذا ما حدث مع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لما طلب منهم تقويمه إذا اعوج. فلم يكن لأحد أن يمنعهم من قول الحق في كتاب الله وقد أمروا مراراً بالنصح و الأمر بالمعروف وقول الحق . بينما تمت كتابة الإنجيل حتى بدون حضور التلاميذ الاثنى عشر حتى يكونوا شهداء على صحته فهم كانوا حاضرين مع المسيح وشهدوا تنزيل الإنجيل والأحداث وقد أخذوه من فم المسيح عليه الصلاة والسلام ولكنهم لم يكونوا موجودين حين كتب الإنجيل فأين الشهود الذين شاهدوا الأحداث ليشهدوا على صحة النقل والكتابة .
ـ إن عملية جمع القرآن تمت في تجمع آمن وأخوي للمسلمين حيث كانت القوة والسلطة والغلبة للمسلمين الصحابة فلم يكونوا مضطهدين أو مطاردين تحت احتلال روماني أو فارسي أو أي عدو على غير دينهم أي أنهم كانوا مسيطرين على دولتهم وشئونهم الدينية تماما قادرين على حفظه وتطبيق وممارسة شعائرهم وشريعتهم في دولتهم متمكنين من نشر دينهم بحرية . فاجتماعهم في المدينة المنورة جعلهم شهداء متضامنون على عدم حدوث أي تغيير في القرآن . لم يتحكم فيهم سلطان وثني كما تحكم قسطنطين الوثني الذي لم يتعمد إلا على فراش الموت كما يقول تاريخ النصارى فجمع القساوسة فقرب من كانت عقيدته تقترب من عقيدته الوثنية واستبعد من صحت عقيدته وخالفت وثنيته . وهذا الذي توفر للمسلمين الأوائل لم يتوافر للمسيحية حيث رفع المسيح بسبب مطاردة الرومان واليهود وتفرق تلاميذ المسيح الأثنى عشر في الأقاليم مطاردين ومضطهدين في ظل سيطرة واضطهاد روماني وثني جعلهم مضطرين لإخفاء دينهم أحيانا أو مختفين عن الناس لم يستطيعوا إظهار شعائرهم ولم يستطيعوا أن يسيطروا على أو يصححوا الانحراف الذي حصل في العقيدة أو تفسيرات المبشرين ولم يراجعوا الذين كتبوا الأناجيل المختلفة وسقطاتهم وهم كثير وأنى لهم هذا وهم مطاردين في البلاد مختفين من أعدائهم . لم يجمعهم مكان واحد فيكونوا شهداء على بعضهم أو مصححون لمن أخطأ أو نسى منهم .
ـ كان الصحابة خير الناس حفظا وحبا وإخلاصا لدين الله وهم الذين تم على أيديهم جمع القرآن في كتاب واحد وكلهم معروف بحسن خلقه وحقيقة دينه ونسبه وقصة حياته تفصيلا ,منهم من ظل ملازما للرسول لمدة ثلاث وعشرين عاما, يتلقى منه ويتعلم منه ويمارس كافة تعاليم دينه, كانوا متحابين متعاونين وقد نقلت لنا كتب السير كل ما يثبت ذلك وعلى سبيل المثال الخليفة الأول أبو بكر الذي حارب مانعي الزكاة قائلا " أينقص الدين وأنا حي والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه " فهو لم يرض من الناس عدم تطبيق فريضة واحدة من شرائع الإسلام . وعند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أخرج جيش أسامة الذي قد جهزه الرسول للجهاد فنصحه بعض الناس بألا يخرج الجيش في مثل هذه الظروف فقال " أنفذوا بعث رسول الله " فهذا من حرصه تنفيذ ما أراده النبي حتى بعد مماته فلم يبدل ولم يغير . وهذا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب يقول" قوموني إن رأيتم في اعوجاجا فيرد عليه أحد المسلمين والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بالسيف " وهذا يدل على شجاعة الصحابة في قول الحق وحقهم في تقويم المعوج فمثل هؤلاء لو رأوا في كتاب الله تغيير أو تبديل لصححوه وقوموه وما منعتهم هيبة الخليفة . وحدث أن عمر قد رأى ارتفاع قيمة المهور فأراد أن يحددها .فوقفت له امرأة من المسلمين فقالت له " تريد أن تحرمنا ما رزقنا الله" فقال قولته التي تدل على أنه ليس مستبدا كملوك الرومان " أصابت امرأة وأخطأ عمر ".وفي مرة رأى أن المسلمين يحبون زيارة الشجرة التي ذكرت في القرآن فقطعها خوفا من أن يتبرك الناس بها على عادة الوثنية وحرصا على نقاء وصفاء دين الإسلام . هل توافر مثل هذا للمسيحية . انظر عن من أخذت النصرانية . بطرس الرسول كما يقولون أخبر عنه المسيح أنه سيتنكر للمسيح ثلاث مرات حين يصيح الديك وبالفعل بعد رفع المسيح وزوال الخطر عنه . سئل بطرس ثلاث مرات فينكر معرفته بالمسيح وتذكر مصادر المسيحية أن بطرس كان قد ضل وظن أن المسيح بشر فحسب تعبيرهم أن بطرس لم يكن يفهم عقيدة المسيح وقد كان من تلاميذه . فكيف يثقون فيمن لم يفهم عقيدة المسيح خلال سنوات صحبته ثم تنكر له.
وبولس الرسول كما يقولون قبض عليه الرومان فادعى أنه روماني الجنسية وقبض عليه اليهود فادعى أنه من الفريسيين يعني أسلوب مراوغة ومن يأمن للمراوغ . ونصح المبشرين أتباعه أن يتعلموا اللغات والسحر أو الحيل حسب تعبير الكتاب المقدس ما حاجة المبشرين لتعلم الحيل إلا لخداع الناس وإثبات أنهم يعملون المعجزات . ثم مِن مَن تلقى الدين المسيحي ؟ من بطرس الذي لم يستوعب عقيدة المسيح طوال سنوات صحبته وما المدة التي تعلم فيها الدين المسيحي ؟ خمسة عشر يوما في صحبة بطرس ثم تصاحب مع برنابه ثم تخاصم معه وطرده برنابه لماذا ؟ لفساد عقيدته وقد كان برنابه أسبق منه في المسيحية . من هم كتاب الإنجيل هل يعرف نسبهم أو سيرتهم أو حقيقة أيمانهم ؟ وعلى يد من أمنوا وتعلموا الدين ؟ لا تعرفون حقيقة كُتاب الإنجيل ومع ذلك سلمتم بصحة ما يقولون ولم تعرفوا حقيقتهم .
ـ المؤمنين من الصحابة يعدوا بالآلاف الذين عايشوا نزول الوحي وتلقوه من فم رسول صلى الله عليه وسلم ( فتح مكة تم بعشرة ألاف صحابي) فإن أخطأ منهم واحد أو عشرة أو اثني عشرة في القرآن صحح له بقية الآلاف وإن غير أو بدل واحد أو أثني عشر اجتمع عليه الآلاف يقوموه بالسيف . وهذا جعل عملية الثقة في عملية التواتر( نقل القرآن من جيل إلى جيل)أعلى وأكبر من أن يُشك في صحة النقل والتواتر . أي أن ألاف حفظوا القرآن من فم الرسول ثم لقنوه إلى عشرات الآلاف من الذين جاءوا بعدهم ثم لُقن وحُفظ بعد ذلك إلى مئات الآلاف من الذين جاءوا بعدهم وهكذا استمرت عملية التواتر وحفظت من الانقطاع , ومن المستحيل أن يجتمع الآلاف على كذب أو نسيان .
فكم عدد التلاميذ الذين عاصروا المسيح وأخذوا منه الإنجيل وتلقيتم أنتم منه الإنجيل ؟ واحد فقط هو بطرس الذي تنكر للمسيح ولم يفهم الرسالة حيث كان يظن المسيح بشر كما قال مؤرخي المسيحية . ثم من كان سيصحح لبطرس إن أخطأ وقد أفترق عن بقية التلاميذ . لقد أغفل كُتاب الإنجيل ذكر ماذا حدث لبقية التلاميذ الأثني عشر ومن علموه ولمن سلموا الرسالة أما بولس فلم ير المسيح ولم يتلقى عن التلاميذ إلا من بطرس . وكُتاب الإنجيل ممن نقلوه وكتبوه ومن هم الذين نقلوا منهم وكم عددهم وما حقيقة تدينهم ؟ لا يعرفون!!!
ـ لم يعرف الإسلام الكهانة ولا النظام الكنسي والذي كان يحتكر تفسيرات الدين ويفرضها على أتباعه ويمنح صكوك غفران للخاضعين لسلطانه والطرد لمن اعترض على شيء من معتقداته والذي كان يسوق الناس كالعميان ويحتكر فهم العقيدة .
ـ إن عدم ظهور نسخ أخرى للقرآن واحتجاج الناس بها لدليل على عدم التبديل أو التغيير في كتاب الله وما حدث أيام عثمان دليل على انتباه ووعي الصحابة وحرصهم على كتاب الله من التحريف , حيث ظهرت نسخ كتبت بلهجات محلية وبعد أن دخل كثير من الأعاجم في الإسلام وكانوا حديثي عهد بالإسلام والعربية فلم يحسنوا كتابة أو حفظ القرآن لعجمتهم فكان لابد من التصحيح حيث عين ألاف المسلمين متيقظة ومتحفزة لمن غير أو بدل وتم إخبار خليفة المسلمين الثالث ولم يكن يقل عن من سبقوه حفظا وأمانة لدين الله وكتابه فأمر بنسخ عدة نسخ من القرآن المحفوظ في المدينة المنورة وتحت عين المسلمين من الصحابة وكان يرسل النسخ المكتوبة ومعها قارئ حافظ ممن تربوا في مدينة القرآن يعني صوت وصورة لكل مصر من الأمصار ثم أمر بحرق النسخ التي كتبت ولم تكن موافقة للنسخة المحفوظة بالمدينة المنورة ,بموافقة الصحابة وبشهودهم ذلك, ولو لم يفعل ذلك لكانت فتنة وضلال كبير . ولنعم ما فعل ولولاه لظهر المؤلفون كما ظهروا في المسيحية , ولظهرت النسخ المتناقضة كما ظهرت في المسيحية ولكن هذا لم يحدث والحمد لله .
كل هذه العوامل حالت دون إضافة أي شيء للقرآن فاستحال تزويره أو الحذف منه أو تغييره , و إلى الآن لم يعترف المسلمون إلا بقرآن واحد وإله واحد ورسول واحد وقبلة واحدة وصلاة واحدة ." يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)"

موضوعات ذات صلة على صفحة .. إسلاميات

السبت، 8 مايو 2010

ثقافة الخوف






عندما أراد الله لبني إسرائيل أن يتحرروا من عبودية فرعون وإذلاله وقهره لهم اصطفى لهم إنسان لم يتربى ولم يعيش حياة الذل والقهر التي كانوا يعيشونها حتى بات الذل والجبن طبعا وثقافة ومكون أساسي لشخصيتهم " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) "القصص " فلو رُبي موسى بين بني إسرائيل ربما اعتاد واستمرأ حياة الذل والمهانة التي كان يحياها بني إسرائيل " فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا..." ولربما ما قدر على تحمل أعباء الرسالة وقيادة بني إسرائيل إلى العزة والكرامة التي أرادها الله لورثة الوحي بقية المؤمنين في الأرض في زمانهم .
وكذلك الله سبحانه وتعالى عندما أراد للعالم المستَعبد المقهور تحت سيادة الروم والفرس أن يتحرروا من عبادة البشر والحجر , اصطفى لهم العرب لأنهم لم يكونوا محكومين بقوانين العبودية التي كانت تحكم العالم في هذا الزمان حيث لم يكونوا محتلين ولم يحكمهم ملوك وطواغيت ذلك الزمان .
ولما تحررت الشعوب من ذل العبودية والتبعية والقهر التي كان يمارسها فراعين ذلك الزمان الفرس والروم وخاصة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والراشدين من بعده بدأ مؤشر التحرر والعزة في الانخفاض حتى صرنا الآن في ذيل الأمم وأضعفها بل صرنا فريسة مقبوض عليها بفكي أسد فك الغرب الاستعماري وفك النظم التابعة له والتي نصبها علينا قبل خروجه العسكري.
لاشك أن البيئة لها تأثير كبير في تشكيل نفسية الفرد والمجتمع وعصور القهر الأخيرة التي عشناها سواء قبل خروج المستعمر أو بعده كان لها أثر كبير في أوضاعنا الحالية والمتردية التي هي سبب في تأخرنا وتخلفنا وفقرنا وضعفنا , بل إن عصور الاستبداد التي سبقت الغزو الاستعماري الأخير كان سببا رئيسيا في قابليتنا للاستعمار.
فقد كان الحكم في هذه الفترة بالحديد والنار ولم نستمتع بحياة ديمقراطية سليمة كغيرنا من الشعوب أو كالتي أسسها سلفنا الصالح من الخلفاء الراشدين ومارست الحكومات المتعاقبة كافة أشكال القهر والإذلال لكل من عارض سياستها الظالمة حتى استمرأنا واعتدنا حياة الذل والقهر والمهانة وأنشأت فينا القابلية للاستعمار حتى صار الاستبداد جزء أساسي من مكونات ثقافتنا وجرت على ألسنتنا أمثلة تعكس حقيقة نفسية وثقافة مجتمعنا البائس المغلوب على أمره منها " من خاف سلم " أو " يا بخت من بات مظلوم ولا بات ظالم " أو " يا بخت من قدر وعفي " كذلك المثل القائل " إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي " وهذه الأمثلة بالرغم أن لها استعمال صحيح في مواضع خاصة إلا أنها في ثقافتنا نلاحظ أنها تقال في غير موضعها ويستشهد بها لتبرير التقاعس عن طلب الحق من صاحب قوة أو سلطان أو للتهاون بالأخذ على يد الظالم القوي وهي تعكس حالة الخوف والسلبية التي انتابت مجتمعنا في عصور القهر و الاستبداد السياسي التي مر بها مجتمعنا عبر سنين عديدة مرت أثرت على شخصية المسلم وجعلت الخوف من ذوي السلطان ثقافة مشهورة وبالرغم من أنها ثقافة سلبية إلا إن المجتمع لا يتحرج من إظهارها أو التمسك بها بل و تحريض الغير عليها .
وانتشار هذه الأمثلة على الألسن أيضا تعكس حالة غياب القيم الإسلامية النبيلة من حياتنا الاجتماعية ما أحوجنا لنحييها في مجتمعنا .
وبالرغم من الصحوة الإسلامية وكذلك انتشار الفضائيات الإسلامية ودعاتها ـ وكان لهم فضل في نشر كثير من الفضائل الإسلامية ـ إلا أن فضيلة الشجاعة مازالت مفتقدة في شخصية المسلم ولعل ذلك ناتج من أن بعض الدعاة أصلا يفتقدون الشجاعة ويجعلون لهم خطوط حمراء أكثر من المساحة المتاحة من الحرية والشجاعة التي يتمتع بها رجل الشارع العادي وبعض الصحفيين والنشطاء في مجال السياسة وحقوق الإنسان على مختلف تياراتهم الفكرية .
وبالرغم أن تعاليم ديننا العظيم تحث المسلم على التحلي بالشجاعة والشهامة والانتصار للحق مهما كانت تكاليفه, والشجاعة الإنتصار للحق وعقاب الظالم هي في الأصل فطرة فطر الله تعالى الناس عليها ولهذا جاءت الآيات والأحاديث موافقة للفطرة وقد فاضت بالحث على الشجاعة والانتصار للحق , فالإسلام يجعل من صفات المؤمنين أنهم إذا ظُلموا أو ضُربوا أو قوتلوا أنهم يثأرون لأنفسهم وذلك في قوله تعالى " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " (39)الشورى ثم أن الله يشجع المسلم ألا يبات مظلوما لأنه مؤيد بنصر الله في قوله تعالى " ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ"(60)الحج والآية الآتية تمدح الذين ينتصرون لحقوقهم " إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ "(227)الشعراء .
وشن حملة على من يتبع الظالمين ولعن من يسير ورائهم " وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ "(60) بل وجعلهم من الفاسقين " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ "(54)الزخرف .
والرسول صلى الله عليه وسلم يفصل ويشرح ويؤكد على هذه المعاني ويجعل الموت من أجل الدفاع عن المال أو العرض أو الدين أو النفس شهادة وهذا قمة التحريض على الشجاعة والإقدام, وذلك في قوله " من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد "رواه أحمد
ويجعل قول الحق للطغاة وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر أفضل الجهاد
عن أبي سعيد الخدري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أفضل الجهاد، كلمة عدل عند سلطان جائر)).رواه بن ماجة والترمذي وأحمد بألفاظ مختلفة
ويستعيذ من الجبن ويجعله من شر ما يوصف به الرجل أبا هريرة يقول:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول:
"شرُّ ما في رجلٍ شحٌّ هالعٌ وجبنٌ خالعٌ ".رواه أبو داود
لاشك أن هذه من سنن نبينا صلى الله عليه وسلم ولكنها غائبة عن خطابنا الدعوي وقليلا ما تذكر بالرغم من حاجتنا الملحة لقيمة جهاد الطغاة بالكلمة والموقف
ومن مواقف سلفنا الصالح في الشجاعة والجرأة على قول الحق موقف عمر عندما خطب المسلمين فقال إن اعوججت فقوموني فقام رجل من المسلمين فقال والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا , وعندما أراد أن يحدد قدرا معينا من المهور للنساء فقالت له امرأة اما سمعت قوله تعالى "... وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ..." فقال أصابت امرأة وأخطأ عمر, وروي عن سعيد بن المسيب التابعي الجليل أنه دعي للبيعة للوليد وسليمان بعد عبد الملك بن مروان،" قال: فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار، قال: فقيل: أدخل من الباب وأخرج من الباب الآخر، قال: والله لا , فيقتدي بي أحد من الناس " وروى لنا التاريخ عن سعيد بن جبير حين سأله الحجاج عن رأيه فيه فقال له غير خائف ولا راغب " ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.فقال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت. أليس هذا فهم سلفنا الصالح لهذا الدين.
لكن الاجتزاء من الدين والتبعيض والانتقاء من الأحاديث ومن أقوال السلف ونسيان حظا مما ذكرنا به هو الذي ضيع قيمة ديننا وشموله وبيانه لكل شيء وهذا الذي أعجزنا عن بلوغ العزة والنصر والتمكين لهذا الدين وإقامته في سائر مجالات الحياة التعبدية والخلقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية فضلا عن عجزنا عن قهر الطغاة.