السبت، 19 يناير 2013

الطريق إلى الشريعة


  
  يستعجل بعض المتدينون تطبيق الشريعة بشكل سريع في الوقت و الحال , وهم لا يستوعبون أن هنالك استعدادات و تغيرات مطلوبة ليكون المجتمع متقبلا لتطبيق الشريعة , وذلك لأن معلوماتهم عن طبيعة الحياة والسياسة سطحية وهذا نتيجة استغراقهم في كتب التراث على حساب التفاعل مع واقع الحياة الأمر الذي جعلهم يكادوا يكونوا منفصلون شعوريا عنها , أضف إلى ذلك أن كثير من المتدينين يعتقد أن أعلى جزء في الشريعة هي الحدود العقابية و ذلك ناتج عن الصورة الذهنية المطبقة في السعودية وناتج أيضا عن غياب الرؤية الشاملة للشريعة فقد كان الخطاب الدعوي أيام مبارك مركزا على الجوانب الشعائرية ولم يكن يتطرق للجوانب التربوية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .
   البعض يظن أن تمكن الرئيس من الرئاسة هو التمكن من الحكم و بالتالي لابد من التطبيق الآن , بالطبع هذا غير صحيح , فلم يتمكن الرئيس مرسي من الحكم تماما , فمازال بعض الشعب أسير لعمليات التشويه و الاستهزاء المستمرة لشرائع الإسلام من أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر و حتى الآن , ومازالت المخابرات المصرية ممتلئة بأتباع عمر سليمان أحد أركان الكنز الإستراتيجي فضلا عن أمن الدولة السابق , ومازال الجيش يحمل بين طياته ميل للحكم العسكري , ومازال العالمانيين متمكنين إعلاميا وصحفيا ومؤثرون في الرأي العام , والأهم مازالت كل مؤسسات الدولة المؤثرة منها و غير المؤثرة مزدحمة بملايين من أعضاء الحزب الوطني و العالمانيين القادرون على تحريك الأمور لصالحهم بدليل الإضرابات المتوالية , أضف لذلك الاقتصاد الآن بيد لصوص أعمال الحزب الوطني و الشركات الأجنبية العملاقة التي تمول ببذخ فضائيات الفلول بإعلاناتها بينما تحجب إعلاناتها حتى عن قنوات الحكومة خاصة بعد أن تولى وزارة الإعلام وزير إخواني .
   مشكلة بعض المتدينين أنهم ينظرون للأمور بمنظور عسكري وليس بمنظور دعوي , فيظنوا أنهم أكثر عددا وقوة وأنهم قادرين في معركة ميدانية القضاء على القلة من فلول العالمانيين وتصفيتهم  ثم تصفى لهم الحياة , وهذا عين ما يريده المتربصون بالداخل و الخارج , إن هذا المعركة هي التي ينتظرها أعداء الفكرة الإسلامية ممن في الجيش و الشرطة لكي ينقضوا بكل قوتهم ليقضوا عليها وعلى أنصارها تماما ولا استبعد تدخل أمريكا و حلف الأطلنطي  وإسرائيل لنتحول إلى أفغانستان أخرى , فهل يصبر هؤلاء على الرئيس , وقد عرفوا بعد هذه الثورة  وبعد الحرب الأهلية التي خاضتها طالبان ضد المجاهدين أن المعركة بالصبر و الدعوة و ليس بالسلاح .
   وبينما يتعامل الإخوان مع مخالفيهم على أساس أنهم أهل دعوى وإعذار إلا أن كثير من المتدينين يرفضون هذه التعامل ويطالبونهم بالفصال والتوقف عن هذا التعامل المتسامح , مع أنه يثمر غالبا أنصار للمشروع الإسلامي , وهذا حدث فعلا مع حزب الوفد عندما تحالف مع الإخوان في انتخابات 84 أنتج هذا بعض أنصار للمشروع الإسلامي خرج بعضهم من الحزب و البعض استمر معتبرا أن تطبيق الشريعة من أهداف الحزب وإن كانوا أقلية , والنتيجة الأكثر وضوحا في تحالف الإخوان مع حزب العمل و الأحرار في انتخابات 87 حيث تحول حزب العمل من الاشتراكية إلى حزب إسلامي وتبنى مشروع الدولة الإسلامية بقيادة المرحوم عادل حسين ومن بعده مجدي أحمد حسين ومازال يثمر حتى الآن من خلال الاحتكاك و التعامل مع بعض السياسيين .
     البعض ممن يعادون الفكرة الإسلامية يعادونها لأنها شوهت في نظرهم من قبل الإعلام المعادي للفكرة الإسلامية , و البعض يعاديها لمجرد معاداة ما يجهل , و البعض يعاديها بسبب الصورة المتشددة و المتطرفة التي يتبناها بعض المتدينين , لذلك يجب أن نبذل جهدا ونصبر وقتا حتى نستطيع توصيل الفكرة إلى من يجهلها وتحسن الصورة المشوهة وتحجيم الصورة المتشددة في أقل حجم ممكن وهذا يستلزم جهدا دعويا وإعلاميا وميدانيا في السلوك و المعاملة قد يحتاج منا بضع سنوات حتى تتغير الصورة لدى المواطن و تتضح حقيقتها .
   أيضا الفقر سبب لكثير من المعاصي , فليس كل الناس قادرا على الصبر على الفقر خاصة أن الغنى الفاحش يرتع غير مبالي بحال الفقراء , فالفقر أحد أسباب لجرائم مثل السرقة والرشا والزنا والنصب و الاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل وهذا يتطلب أيضا وقتا كي يخفف من آثار الفقر على المجتمع الأمر الذي سينعكس إيجابيا على تقليل حجم الجرائم وعلى قبول الفكرة الإسلامية فليست الشريعة مصيدة للمجرمين , فمثلا التربية الإسلامية قادرة على تصغير مساحة الجريمة إلى أدنى حد , وفرائض كالزكاة وما يجتمع حولها من أدوات التوسعة على الفقراء إذا حققت للناس بعض الغنى الذي حرمهم منه العالمانيين فإن هذا سيجعل قبول الفكرة الإسلامية أوسع انتشارا وأيسر قبولا.
   كما إن تطبيق الشريعة أصلا يحتاج إلى بحوث فقهية وتوفيق أوضاع تطبيقها مع واقع الحياة المعاصر وهذا أيضا بالطبع يتطلب بعض الوقت حتى تنضج هذه البحوث وتتحسن حتى إذا طُبقت لم تُعثر مصالح العباد أو تسبب لهم حرجا في معاشهم فمثلا منع ربا البنوك فجأة قد يسبب حرجا وتضيق على الأنشطة الاقتصادية مالم يكن هناك بدائل ميسرة لعمليات تمويل الاستثمار .
  كما أن بعض المحرمات كالفنون التمثيلية إذا منعتها وقد ألفها الناس  كالإدمان بدون أن تقدم لهم بديلا حلال قد يقابل هذا بالامتعاض وكل هذا في نظام يستخدم آلية ديمقراطية لتداول السلطة قد يكون ـ و بسبب عوامل أخرى ـ مخاطرة في ثبات أو استمرار المشروع الإسلامي في السلطة .

موضوعات ذات صلة على صفحة ..المدارس الإسلامية

الشيوعيين عازمين الفلول على الثورة