الاثنين، 18 فبراير 2013

على خطى الإخوان


كتبهامصطفى الكومي ، في 21 فبراير 2012 الساعة: 20:03 م

             

     عرفته في شبابه كان متدين وشديد الحماس للإسلام ,ابتسامته تسبق كلامه, يؤثرك بحسن خلقه , انتسب للجماعة الإسلامية ,دخل المعتقل سنوات عديدة ثم خرج وانتقل إلى مدينة قريبة , ولم أره منذ أكثر من عشر سنوات , ثم قابلته في أحد المؤتمرات سلمت عليه بحرارة واحتضنته:
قلت : كيف حالك؟
حكى لي عن أحواله وأطمأن قلبي
ثم سألته : وأخبار الجماعة الإسلامية
قال بأسى : تركتها  . . قالها بحَزْن
قلت :لماذا ؟
لم يجبني والتفت إلى المحاضرون
قلت : يا أخي انت عارف إن خدمة إلإسلام تحتاج إلى عمل جماعي. . كيف تترك جماعتك؟
قال : لقد دار بيني وبينهم حوار طويل وقلت لهم :لقد قلتم لنا أن الإخوان متخاذلون وأن طريقتهم لن تنصر الإسلام . . قالوا أخطانا ونحن الآن نصلح ما فاتنا . . قلت لهم بعد هذا القتل والعذاب . . بعد أن فتن من شبابنا وبناتنا من فتن . . بعد أن خلعت نساءنا النقاب وحلق شبابنا اللحى وجلسوا على المقاهي  . . قال هذا وهو يبكي وقد طأطأ رأسه وأخفى دموعه بين كفيه
قلت : أخي لا تحزن . . الإسلام منصور إنشاء الله
وضعت يدي على كتفه محاولا تهدئته 
ثم قلت له : طيب أنت عملت أيه بعد كده
قال : انضميت لجماعة الإخوان المسلمين
       هذا الحوار جعلني أدرك أن الشهيد حسن البنا رحمه الله كان عبقريا واعيا ومدركا لحركة التاريخ يعلم جيدا كيف سقطت الأمم والدول وكيف تقوم من غفوتها وكيف تبنى الحضارات , و أهم ما يميز مؤسس جماعة الإخوان في نظري أنه استفاد جيدا من حركات الإصلاح التي سبقته وعرف جيدا لماذا لم تؤتي ثمارها ولماذا لم تتسع مساحة دعوتها ومنها على سبيل المثال دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. فبالرغم من انتشار هذه الدعوات في عصر مؤسسيها إلا أنها اندثرت بوفاتهم أو قبعت في موطنها ولم تتعداه, ولذلك كانت عبقرية البنا في التعرف على أسباب فشلها ونواحي القصور في مبادئها و وسائلها كي لا يتعثر كما تعثرت الدعوات السابقة , فكانت دعوة الإخوان المسلمين , التي رفضت أن تكون مركبا لحاكم أو متسلطا بماله , وأبت إلا أن تقول الحق وتقف بجانبه مهما اعترض عليها المعترضون من الحكام أو من ركب في ركابهم .
ولأن دعوة الإخوان كانت دعوة إصلاحية شاملة ,لم تكن قاصرة على ركن أو فرع من فروع الدين, كما فعل غيرها مخافة معارضة الحاكم , فكانت كلما طرحت طرحا يخالف ما يريد الحاكم العميل , كانت تتلقى الضربات تلو الأخرى وما زادها ذلك إلا ثباتا ويقينا بصحة منهجها وسمو أهدافها, فلم يؤثروا السلامة أو الإستكانة , وأبو إلا أن تكون  كلمة الله هي العليا كاملة غير منقوصة وأن يكون الإسلام هو المنهج الحاكم في كل مجالات الحياة الإنسانية ,وعندما تعرضت في عصر عبد الناصر للمذابح والقتل والاعتقالات خرج بعض نفر يقولون إن من يعذبونهم إنما يعذبونهم كما عذب كفار قريش مؤمني مكة , فكفروا الحكام والمجتمع ولكن مبدأ الجماعة الذي يرفض القضاء على الناس بالكفر بغير بينة واضحة المعالم فأخرج الإخوان كتاب " دعاة لا قضاة " ليقضي على هذه الفتنة , وكانت النتيجة ضمور التكفير والهجرة وبقاء الإخوان بعد أن تاب من تاب وعاد إلى الصواب من عاد . .
   وعندما اتخذ فريق من الإسلاميين طريق الجهاد المسلح للتغيير وعابوا على الإخوان جهادهم السلمي الدعوي , وخاضوا في دماء المسلمين , وتراجع انتشار الدعوة بين الناس وبالرغم من نصيحة الإخوان لهم بضرورة اتخاذ طريق الجهاد السلمي , وأن الجهاد المسلح يؤخر خطوات النصر , لكن للأسف لم تسمع النصيحة ولم يتراجعوا , إلا بعد الخوض سنين طويلة في دماء المسلمين , وبعد أن خسرت الجماعة الإسلامية معظم أفرادها وتبين لهم خطأ طريقتهم , تراجعوا عن الجهاد المسلح ولكن بعد وصم الإسلام بالإرهاب, وتبين لهم أن طريقة الإخوان السلمية هي الصواب الذي كان يجب أن يتبعوه .
   وفريق آخر من الإسلاميين آثر السلامة والقعود ورضي بكرسي الدرس والشهرة , وتعبئة العقول بمظاهر دينية , وركنوا إلى الذين ظلموا , ورفضوا أن يقولوا للحاكم الظالم كلمة حق وحرموا على الناس التظاهر ضده ولو سرق مالهم وقتل عيالهم , وبثوا في نفوس أتباعهم أن طاعة ولي الأمر مطلقة ولا يجوز التعرض له إلا إذا منع الصلاة فقط , ورفضوا العمل السياسي تماما بل دعوا إلى خضوع مطلق حتى بعض فتواهم تحرم الديمقراطية وتعتبر دخول مجلس الشعب كفر,  بالرغم دعوة الإخوان لهم أن ادفعوا معنا , ولكنهم أبو إلا أن يخوضوا في أعراض من خالفوهم في هذا تجريحا وتشويها وتفسيقا مريرا كان يؤذينا أشد الإيذاء ولقد كان أشد علينا من إيذاء الطغاة ,  فلما قامت الثورة لم يشاركوا فيها بل دعوا الناس إلى العودة إلى بيوتهم ولما وجدوا إصرار الشعب المسلم على قول الحق لسلطان جائر , وبدت لهم ثمار نجاح الثورة ,خجلوا من أنفسهم  واستحيوا أن يكون حليقي اللحى أكثر شجاعة من أصحاب اللحى, وبالرغم أن السلفيون يرفضون مجرد أن تقول لصاحبك كل عام وأنت بخير بمناسبة العام الجديد وذلك لأن السلف لم يفعلوه فمن العجب أن يقبلوا بالانتخابات وبالأحزاب ولم يفعله السلف وتغيرت الفتاوي بسرعة , وأخشى فعلا أن يكون هذا مجرد ضرورة حتى إذا تمكنوا من الحكم يعودوا فيحرموا كل ذلك  كما حرموه سابقا .
      لقد اتخذ الإخوان طريقا وسطا بين الذين أرادوا التغيير السياسي بالسلاح وبين الذين رفضوا التغيير السياسي أصلا ورضوا ان يعيشوا في ركاب الظالمين , فلما قامت الثورة التي شارك فيها الإخوان بكل طاقتهتم , ثبت أن كلا الفريقين كان خاطئاً في طريقته وتبين لهم أن طريق الإخوان هو الأصوب , وآمل أن يستمر هذا الاقتباس والاقتداء بوسطية وأخلاق الإخوان بعد ان ثبت لهم أنهم الأقرب فهما لهذا الدين .
     لم تعد أفكار الإخوان ومبادئهم حكرا عليهم بل تبناها كثير من المفكرين والدعاة وانتشرت حتى أن كثير من المبادئ والأفكار التي تنتشر بين الناس لا يعرفون أن من سبق وطرحها هم الإخوان المسلمون . ولكن تظل الحقيقة تقول ليس المقلد كالأصيل .

موضوعات ذات صلة على صفحة ..المدارس الإسلامية

ليست هناك تعليقات: