الاثنين، 18 فبراير 2013

الإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة


كتبهامصطفى الكومي ، في 28 مارس 2011 الساعة: 12:12 م

الإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة
الدكتور علي السالوس
 بسم الله الرحمن الرحيم
 " إياك نعبد وإياك نستعين "
 مقدمة
نحمد الله ربنا - سبحانه وتعالى- ونستعينه ونستهديه، ونصلى ونسلم على أول المسلمين وخاتم المرسلين سيدنا محمد،وعلى آله وصحبه ، ومن تبع سنته إلى يوم الدين .
وبعد: فلا شك الإمامة قد حظيت بكثير من الدراسات والبحث، ولا غرو، فأعظم خلاف وقع بين المسلمين إنما كان بسببها . وهذا البحث بيان موجز للإمامة عند الجمهور والخوارج وأهم فرق الشيعة بصفة عامة، والشيعة الجعفرية الإثنى عشرية بصفة خاصة، فهم أكبر الفرق الإسلامية المعاصرة، وإليها اتجهت دعوة التقريب .
 وأردت من هذا البحث- على إيجازه- أن أقدم شيئا يستند إلى مصادر موثوق بها قدر الاستطاعة، فالإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - عندما ذكر التاريخ فيما ذكر من العلوم التي لا أصل لها، إنما نظر إلى تساهل المؤرخين ودقة المحدثين. كما أردت أن أبين عقيدة الإمامة عند الجعفرية كما جاءت في كتبهم أنفسهم، ولم أعتمد على شيء مما كتب عنهم، فبعض من كتبوا عنهم خلطوا بينهم وبين فرق شيعية أخرى . ونسأل الله -عز وجل- العون والرشاد، وأن يجنبنا الزلل في  القول والعمل، فإياه نعبد وإياه نستعين، وهو نعم المولى ونعم النصير .
المؤلف
 الإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة
 الإمامة لغة التقدم، تقول: أم القوم وبهم: تقدمهم: والإمام ما ائتم بـه  الناس من رئيس أو غيره ، هاديا كان أو ضالا. ويطلق لفظ الإمام على  الخليفة وهو السلطان الأعظم وإمام الرعية  ورئيسهم .
 وأممت القوم في الصلاة إمامة ، وائتم به أي اقتدى .
ويطلق لفظ الإمام كذلك على القرآن الكريم ، فهو إمام المسلمين ، وعلى الرسول -  ، فهو إمام الأمة بأئمتها ، وعليهم جميعا الائتمام بسنته التي نص عليها .
 ويطلق قيم الأمر المصلح له ، وعلى قائد الجند ، وقد يذكر ويراد به غير هذه المعاني (1) .
ولم يرد لفظ الإمامة فى القرآن الكريم ، وإنما وزد لفظ إمام وأئمة .
قال تعالى: (( قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )) (2) أي جاعلك قـدوة يؤتم به . وقال سبحانـه: ((وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا )) (3) ، وقال عز وجل: (( فقاتلوا أئمة الكفر )) (4) ، أي قاتلوا رؤساء الكفر وقادتهم الذين صار ضعفاؤهم تبعا لهم . وقال تعالى: (( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار )) (5) ، أي من تبعهم فهو في النار يوم القيامة .
 ومن المفهوم اللغوي لكلمة إمام نستطيع أن ندرك سبب إطلاق هذا الاسم على حاكم المسلمين ، كما وجدنا ترادفا بين الإمامة والخلافة ، ويفسر هذا أستاذنا المرحوم الشيخ أبو زهرة فيقول : " سميت خلافة لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي -م  في إدارة شئون المسلمين، وتسمى الإمامة لأن الخليفة كان يسمى إماما، ولأن طاعته واجبة، ولأن الناس يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم للصلاة " (6) .
 وأعظم خلاف بين الأمة - كما يقول الشهرستاني - خلاف الإمامة ، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة فى كل زمان (7) .
وبالطبع ما كان الخلاف ليجد مكانا بين المسلمين وفيهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يحسم الخلاف، ويصلح النفوس ويهدى إلى صراط مستقيم (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)) النساء الآية 65.
 ولكن أكان المسلمون يفكرون فيمن يخلف الرسول الكريم في إمامتهم كم وعلى وجه الخصوص عندما اشتد مرضه الأخير؟
 وردت روايات صحيحة الإسناد تفيد وجود مثل هذا التفكير، منها ما جاء عن ابن عباس أن علي بن أبى طالب خرج من عند رسول الله    في وجعه الذي توفى فيه ، فقال الناس: يا أبا حسن، كيف أصبح رسول الله  ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا ، قال ابن عباس: فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال: ألا ترى أنت ؟ والله إني أعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت ، فاذهب بنا عند رسول الله    فلنسأله فيمن هذا الأمر ؟ فإن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا. فقال علي: والله لئن سألناها رسول الله - - فمنعنا لا يعطيناها الناس أبدا ، فو الله لا أسأله أبدا (8) .
 وجاء عن علي -كرم الله وجهه - قال: " قيل: يا رسول الله ، من يؤمر بعدك؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليا ، ولا أراكم فاعلين، تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم " (9) .
 معنى هذا أن التفكير فى الإمام نبت على عهد رسول الله -  ، ولكن الخلاف لم ينشأ إلا بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى حيث كان اجتماع السقيفة المشهور الذي انتهى بالبيعة الخليفة الأول . وتحدث الخليفة الثاني في إحدى خطبه عن ذاك الاجتماع فقال: " بلغني أن قائلا منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلانا ، فلا يغترن امرؤ أن يقول : إنما كانت بيعة أبى بكر فلتة، وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبى بكر - من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه  إلا أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبى بكر، فقلت لأبى بكر : يا أبا بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم ، فلما دنونا منهم لقينا رجلان صالحان ، فذكرا ما تمالى عليه القوم، فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار،  فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم ، اقضوا أمركم ، فقلت : والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم فى سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة ، فقلت: ماله؟ قالوا : يوعك . فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبى بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك ، فكرهت أن أغضبه . فتكلم أبو بكر فكان هو أعلم منى وأوقر . والله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت ، فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من القريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، فأخذ بيدي وبيد أبى عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ، فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك من إثم  أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ، اللهم إلا أن تسول إلى نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جزيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف ، فقلت : أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه وبايعه المهاجرون " ثم بايعته الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم كم : قتلتم سعد بن عبادة ، فقلت : قتل الله سعد بن عبادة ، قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبى بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا ، فإما بايعناهم على مالا نرضى، وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا(10).
مما ذكره الفاروق نلاحظ ما يأتي :
 أولا  لا خلاف حول وجوب إقامة خليفة، وإنما كان بشأن من يخلف الرسول - . وإلى هذا انتهى جمهور السنة، فلا يستقيم أمر الأمة بغير حاكم .
 ثانيا- أن الخلافة في قريش:" لم يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من القريش"، و لم يأخذ الأنصار بهذا أول الأمر، ولكن ما أسرع أن بايعوا قرشيا ما عدا سعد بن عبادة فلم يبايع، ويؤيد ما ذكره الصديق أحاديث صحيحة: فالبخاري في كتاب الأحكام من صحيحه - جعل بابا بعنوان " الأمراء من قريش" ومما أخرجه هنا قول الرسول  : " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " وقوله  : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقى منهم اثنان " وفي كتاب الإمارة من  صحيح مسلم نجد " باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش " ، ومما جاء في هذا الباب قول الرسول الكريم:" الناس تبع لقريش في هذا الشأن ". وقوله  :" لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقى من الناس اثنان ". وأخرج أحمد في مسنده روايات كثيرة صحيحة الإسناد  تؤيد هذا، منها قول الرسول  : " أما بعد، يا معشر قريش، فإنكم أهل هذا الأمر، ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب- لقضيب في يده ثم لحا قضيبه، فإذا هو أبيض بصلد " (13) .
 ثالثا  لا يكون خليفة إلا بالبيعة " قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم " … " فقلت أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار " .
فإذا تمت البيعة وجب الوفاء بها، ولهذا قال:" خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن بايعوا رجلا منهم بايعناهم على مالا نرضى، وإما تخالفهم فيكون فساد " ، وجاء عن رسول – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" (32) وقال أيضا : " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه (33) .
 رابعا- دام الواجب الوفاء بالبيعة فلا بيعة إلا بمشورة المسلمين " فمن بايع  رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ". والشورى  مبدأ معروف في الإسلام فمن المقطوع به أن الحكم في الإسلام  ينبني على مبدأين أساسيين هما العدالة والشورى   قال تعالى:(( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا  بالعدل )) النساء : 58.
وقال جل شأنه:(( وأمرهم شورى بينهم )) الشورى: 38 . (( وشاورهم في الأمر )) آل عمران : 159 .
 خامسا  أن البيعة تمت لأبي بكر بهذه السرعة، بغير تدبير سابق وإنما كانت فلته نظرا لمكانته . " ليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر.. " " كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر " .
بعد هذه الملاحظات نقول: إنه في ضوء ما سبق وغيره اشترط الجمهور للخلافة الراشدة ،  خلافة النبوة، أن تكون لقريشي عادل، عن طريق البيعة والشورى، على خلاف في بعض لأمور مثل تحديد من تنعقد بهم البيعة " (34) .
  ورأى الأنصار في أحقيتهم للخلافة انتهى بالبيعة، ولم يطل على التاريخ من جديد ، ولكن أولئك القرشيين الذين امتنعوا عن البيعة أول الأمر، ثم ما لبثوا أن بايعوا  كان لهم شأن آخر في تاريخ الأمة الإسلامية والمشورة أن هؤلاء يرون أن الإمامة ليست في قريش بصفة عامة ، وإنما هي في  أهل بيت النبوة والإمام علي بصفة خاصة . وهؤلاء قلة يذكر لنا التاريخ منهم بعض الصحابة من غير بني هاشم كالمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري (35)  رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ولكنهم جميعا لم يتعرضوا للخليفة بتكفير أو تجريح. وعرض أبو سفيان البيعة على الإمام علي ولكنه أبى لقوة دينه وفرط ذكائه .
وإذا كان المشورة يدل غالبا على واقع الأمر، فإن من الأمور ما يشتهر مخالفا للحقيقة . فمما اشتهر أن الإمام عليا لم يبايع لأنه كان يرى أحقيته بالإمامة من غيره ، ولكن وجدنا من أقواله ما يدل على أنه كان يرى ألا يقض مثل هذا الأمر دون أن يكون له فيه رأي، مع اعترافه بأفضلية  الصديق ، وعدم إنكار أحقيته لإمامة المسلمين (36) .ومن المشهور كذلك أن الإمام عليا لم يبايع إلا بعد وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنهما، ولكن يوجد ما يدل على أنه لم يتأخر هذه الفترة (37) .
 وقبل انتهاء فترة الخلافة الأولى القصيرة التي بارك الله تعالى فيها أيما بركة، وكان الصديق قد استقر رأيه على استخلاف عمر بعد تعرفه على آراء كثير من الصحابة الكرام. على أن بعض هؤلاء قد تخوف من خلافة الفاروق لما اشتهر به من الشدة، وقالوا لأبي بكر: قد وليت علينا فظا غليظا، فقال: لو سألني ربي يوم القيامة لقلت: وليت عليهم خيرهم(38) .
 وعندما أخذ رأى المسلمين في البقة لمن ذكر في كتاب الخليفة الأول قالوا: نسمع ونطيع، وغير أن علي بن أبي طالب انفرد بقوله:" لا نرضى إلا أن عمر (39) .
ولم يتأخر أحد عن بيعة عمر بن الخطاب إلا سعد بن عبادة ومرت الخلافة العمرية الراشدة، وانتهى الأمر إلى السنة (40) ليختار واحد منهم، ثم انحصرت الخلافة في ثلاثة ، فاثنين هما عثمان بن عفان وعلي بن أبى طالب ، ثم كانت البيعة الجماعية لذي النورين ، فلماذا انتهت إليه ؟
  روى البخاري بسنده عن المسور بن مخرمة " أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا ، قال لهم عبد الرحمن : لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر ، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم . فمال الناس على عبد الرحمن  حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبة ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي ، حتى إذا كانت الليلة أصبحنا منها فبايعنا عثمان قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت ، فقال : أراك نائما ، فو الله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعدا ، فدعوتهما له فشاورهما ، ثم دعاني فقال: ادع لي عليا فدعوته ، فناجاه حتى ابهار الليل ، ثم قام علي من عنده وهو على طمع وقد كان عبد الرحمن يخش من على شيئا . ثم قال : ادع لي عثمان فدعوته ، فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح . فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين و الأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد ، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ، ثم قال : أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس ، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا ، فقال: أبايعك على سنة الله و  رسوله والخليفتين من بعده ، فبايعه عبد الرحمن، وبايعه الناس الهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد و المسلمون " (41) . وكانت السنوات الأولى في عهد عثمان خيرا وبركة، ثم بدأت الفتنة التي أدت إلى مقتله. وقد بذل الإمام علي كل ما استطاع في سبيل إخمادها ولكن هيهات ! وفي هذه الفترة بدأت الأنظار تتلق بعلي ، وتذكر ماله من فضل ومكانة . فإذا ما انتقل الخليفة الشهيد إلى حيث بشره الرسول صلى الله عليه وسلم - تجمع المسلمون حول أبى الحسن علهم يجدون على يديه مخرجا . وتمت البيعة ولكن لم تنته الفتنة ، بل زاد أوارها،  وسالت دماء طاهرة على أرض الإسلام بسيوف المسلمين ! وعلى قتلة عثمان الوزر الأكبر لكل ما نتج عن هذه الفتنة ، ولكن (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )) . الأنفال: 25 .
وكان من نتيجة حادثة " التحكيم " الشهيرة أن انسل جماعة من أتباع الإمام وخرجوا على المتحاربين معا ، علي ومعاوية ! وهؤلاء هم الذين سموا " الخوارج " أما الذين ظلوا مع الإمام فهم الذين أطلق عليهم لقب  "الشيعة " (42) .
والخوارج لا يزال لهم بقية إلى يومنا هذا (43) وقد انقسموا فرقا على مرّ التاريخ " ويجمع الخوارج على افتراق مذاهبها: إكفار علي، وعثمان وأصحاب الجمل، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما ، ووجوب الخروج على السلطان الجائر " (44) .
الإمامة عند الخوارج والشيعة  

ليست هناك تعليقات: