الثلاثاء، 14 مايو 2013

خرافة التطهير الذاتي



   كلما حاول أحد أن يتكلم عن تطهير القضاء أو قانون للقضاء يناسب عصر الثورة عصر حق الشعب في اختيار نوابه و حكامه والمنهج الذي يُحكم به , كلما رد علينا أقطاب العالمانية وأركان الفساد ومحللي الاستبداد السابق بلا مساس بـ "استقلال القضاء" , مع أن الدستور الجديد هو الذي حقق للقضاء استقلاله و الذي يدعي العالمانيون أن الإخوان هم الذين كتبوه , وعندما نتحدث عن فساد القضاء الواضح لكل ذا سمع و بصر, إلا أنهم يردوا علينا بالرد الجاهز دعوا القضاء يطهر نفسه بنفسه وكأن كل القضاء طاهر مطهر لنفسه , ولو كان هذا حقا فلما لم يطهر نفسه من قبل ؟ وهل قامت الثورة إلا بسبب فساد القضاء وبعد أن اتضح عيانا بيانا جهارا أن بالقضاء فسادا يزكم الأنوف ويخلع عنه رداء الشموخ وبدت عوراته بالغة السطوع , فلماذا لم يطهر نفسه؟ لماذا يحمي المتورطين في جرائم الرشوة و تزوير الانتخابات في 2005 , 2010؟, لماذا يتستر على من نهبوا المال العام و الخاص , ومن عينوا أبنائهم وحرموا المتفوقون من أبناء الوطن؟ , لقد تغول القضاء وأصبح مركز قوة وجماعة مصالح, تغول على إرادة الشعب لأن الدستور الجديد حوله لسلطة مطلقة وخلع عنه أي رقابة أو سلطان , فلا غرابة أن يعلوا سلطانه فوق سلطان الشعب ,مع أنه في الأصل خادم لهذا الشعب , وأحد أدوات الدولة لإقرار العدل , فأصبح هو مصدرا للمظالم ومحرض للثورة المضادة , وصانع للبلطجة والجريمة , ولا عجب فعندما يرى الناس القضاء يفرج عن المجرمين و ناهبي أموالهم , فسوف يلجأ كل ظالم لفرض سطوته ويلجأ الناس إلى استخلاص حقوقهم خارج المحاكم لتعم الفوضى و الانفلات الأمني المنتشر حاليا.  

  هل نجح نظام التطهير الذاتي في النقابات ؟ انظر إلى نقابة الصحفيين هل خلصتنا من الإعلاميين المضللين الكاذبين أم صارت هي موئل الكذب و التضليل لماذا ؟ لأن القيادات المنتخبة تجامل من سينتخبهم , هل خلصتنا نقابة الأطباء من الأطباء المهملين الذين أذهبوا حياة الناس إهمالا , إن الزملاء في المستشفي يجاملون الطبيب زميلهم المخطئ ويتسترون على بعضهم البعض حتى إذا وقع احدهم في هذا الخطأ ـ الذي يكون غالبا عن إهمال عمد ـ يجد من يتستر عليه , نفس الشيء مع زملاء الشرطة يتسترون على تعذيب و قتل المواطن و يتواطئون كذبا لحماية زميلهم , ويعتبرون هذا من حسن العشرة ورعاية للعيش و الملح الذي أكلوه سويا , فضلا عن الشفقة على قطع عيش زميلهم , وتقديم للسبت قبل الأحد حتى إذا وقعوا هم في مثل هذه الورطة يجدوا من يقف معهم متسترا , فضلا عن استغلال النفوذ داخل المؤسسة وسياسة العصا و الجزرة لإخفاء الحقيقة , إن مجلس الشعب الذي هو عنوان سلطة الشعب الذي هو أعلى سلطة في البلاد يُراقب من قِبل الشعب نفسه من خلال الانتخابات ومن القضاء من خلال محكمة النقد المختصة بصحة عضوية أعضائه ومن المحكمة الدستورية المختصة بصحة القوانين التي تصدر عنه , فلماذا نفترض أن القضاة معصومين ونرفع عنهم أي رقابة أو سلطة تصحح مسارهم إن حادوا عنه , لماذا لم نجعل هذه السلطة المطلقة لمجلس النواب و هو أولى باعتبار أنه منتخب ويمثل أعلى سلطة وأن الشعب ينقيه و ينفي عنه الخبث كل انتخابات .

   أعرف أن كلامي هذا لن يؤذي القضاة الشرفاء منهم لأنهم أحرص مني على نقاء صفوفهم ولأن هؤلاء القضاة الفسدة يشوهونهم ويلوثونهم .

   إن القضاة يريدون أن يستمر نفوذهم وحصانتهم وامتيازاتهم وسلطتهم المطلقة , يريدون أن يكونوا فوق القانون و فوق كل سلطة إلا جماعتهم ومصالحهم , إن الذين يتآمرون ضد الثورة وضد العدل لا يؤمن لهم ولا يوثق فيهم , والذين يسعون لسلطة مطلقة هم في الحقيقة يسعون لمفسدة مطلقة , يريدون ألا يحاكموا بجرائمهم السابقة و الحالية , يحرصون على استمرار أبناءهم الفشلة وألا يُفعل الدستور في مواد العدالة وكفاءة الموظفين العموميين , يحمون رجال أعمال تبادلوا معهم المصالح و تلقوا منهم الرشاوى , وأفرجوا عن بلطجية تحت مسمى ثوار ليستمر هدم النظام الذي جاءت به الثورة التي فضحتهم وأبدت سوءاتهم للناس , يريدون أن يستمر الإعلاميين الفاسدين الذين يتسترون على عوراتهم في مسلسل إفشال الدولة والنظام .

   لقد لجأ القضاة إلى الرئيس مرسي لأنهم يعرفون أنه يعمل على سد أبواب المعارضة لنظامه , وكنت أرجوا أن يترك الموضوع لمجلس الشورى باعتباره ممثل لإرادة الشعب , وألا يدخل نفسه في مسائل التشريع لأنها ليست اختصاصه في الأصل , وأرجو من حزب الوسط الذي تبنى مشروع القانون ومن حزب العدالة صاحب الأغلبية وبقية الأحزاب الممثلة في مجلس الشورى أن تظاهر حزب الوسط في موقفه وتدعمه وإلا سيظل مسلسل إفشال الدولة مستمر بقيادة القضاء , وأعيد وألح على طرح رؤية مشابهة لما فعلته تونس و سبقتنا إليه , أن يتم تكوين مجلس القضاء الأعلى من خمسة عشر عضوا خمسة منهم يتم تصعيدهم من الهيئات القضائية و وخمسة ينتخبهم مجلسي النواب و الشورى من بين أعضاء الهيئات القضائية و خمسة من خبراء القانون من أساتذة الجامعة ومن المحامين ولا غضاضة في ذلك فالقانون يجيز للرئيس أن يعين من خارج القضاء أعضاء المحكمة الدستورية , وأخيرا يجب على الشعب أن يحتشد بشكل واسع كما كان أيام الثورة لأن القضاة أهم أعمدة النظام السابق إن انصلح حاله انصلح بصلاحه أركان الدولة المصرية .
موضوعات ذات صلة على صفحة.. القضاء