الأربعاء، 3 مارس 2010

سقط من الخطاب

قال الله تعالى"وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (89)النحل
قوله تعالى تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ توضح أن الإسلام دين شامل ومنهج حياة كامل لم يفته شيء ثم آيات أخرى تحرم علينا الأخذ ببعض الكتاب وترك بعضه "...أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
"(85) البقرة
ومع ذلك يسقط من خطاب بعض الدعاة والعلماء في خطبهم ودروسهم وكتبهم بعض الأحكام والتعاليم الربانية ولا حتى ينوهون عنها مجملا .
ـ مثل قوله الله تعالى " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)المائدة
هذا الأمر الرباني الواضح بتحكيم شرع الله كله يسقط من الخطاب الدعوي لبعض دعاة الإسلام فيتغاضوا عن مطالبة الحكام بتحكيم شرع الله في كل صغيرة وكبيرة.

ـ قال الله تعالى "
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
(38)الشورى
فسقط من خطابهم مطالبة الحكام بالشورى وأن تزوير شهادة الناخبين من أعظم الذنوب " ألا وقول الزور ....
واستيلاء العائلة الواحدة على الحكم من ظلام الجاهلية الأولى الذي هدمه الإسلام ولكن جاء مثل هؤلاء فأقروه وهاجموا من أراد أن يعيد الإسلام إلى مبدأه من الشورى والعدل .

ـ وقال تعالى " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ "
سقط من الخطاب أن وحدة المسلمين بإقامة الخلافة أو الإتحاد أو التحالف والتناصر الذي يجمعهم يمكنه أن يعفيهم من طلب النجدة من أمريكا لتحميهم من صَدّام أو من إيران وما احتاجوا إلى تواجد عسكري للصليبيين في جزيرة الإسلام وحِصنه الذي طهره رسول الله من كل مشرك وأجلى عنها خير السلف عمر بن الخطاب كل كتابي

ـ الله تعالى قال "
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
(60) "الأنفال
ـ وأنه تعالى قال "
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
(25)"الحديد
ولكن سقط من الخطاب أن يطالبوا حكامنا بإعداد وتسليح الأمة بكل قوة حربية حديثة ولم ينكروا عليهم صرفهم المال على قصورهم وبنائهم وخدمهم وحشمهم وحراسهم ومباهج وزينة ابتدعوها ما شرعها الله لهم

ـ وقال صلى الله عليه وسلم "إنّما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وايم اللّه لو أنَّ فاطمة بنت محمَّدٍ سرقت لقطعت يدها".
أن نجد بعض دعاة الإسلام يشنعون على الناس ارتكاب السرقات التافهة وفي نفس الوقت يتغاضون ويذهب صوتهم عن سرقات بالملايين وعلى نطاق واسع من أموال الشعب بواسطة قياداتها السياسية وثروات أجيال من الشعب تنهب لصالح أوربا وأمريكا

ـ وقال تعالى "
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ
(26)"فصلت
وقوله "
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
(6)لقمان
فحرموا على الناس مطلق الغناء وحذروهم من مشاهدة هذا الإعلام وسقط من خطابهم التحذير و النكير على من يذيع هذه الضلال و الحكام الذين يحمونه ويبقون عليه ويدعموه , فلم يطالبوهم بتطهير إعلامهم من الإباحية والعري والضلال ولم يقولوا لهم أن حكم الله فيكم هو حكم الإفساد في الأرض
بل حاربوا وجرحوا من أراد أن يقيم دولة تحكمها القيم الإسلامية في إعلامها وثقافتها .
هل تعرف أن خير السلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حرق حانوت الخمار بما فيه, وحرق قرية كاملة كان يباع فيها الخمر.

ـ قال تعالى "
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(104)"آل عمران
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة" قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: "للّه وكتابه ورسوله وأئمة المؤمنين وعامتهم، أو أئمة المسلمين وعامتهم".
بالرغم أن الخطاب شامل لكل الناس إلا أن بعض الدعاة قسموه فسقط من خطابهم الأمر والنهي للحكام , بل كتموا العلم عن الناس فيما يخص الحكام من الواجبات تقصيرا أو خوفا أو إتباعا للطاغوت
وانظر إلى أفضل السلف ماذا فعل
روى ابن أبي شيبة عن حذيفة قال: دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدث نفسه، فدنوت منه فقلت: ما الذي أهمك يا أمير المؤمنين؟ فقال هكذا بيده وأشار بها، قال: قلت: الذي يهمك والله لو رأينا منك أمرا ننكره لقومناك قال: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم مني أمرا تنكرونه لقومتموه؟ فقلت: الله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمرا ننكره لقومناك. قال: ففرح بذلك فرحا شديدا وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم -أصحاب محمد- من إذا رأى مني أمرا ينكره قومني .
أليس السعي إلى عودة مثل هذه السيرة وهذا الحكم من خير الغايات والسعايات .
ـ وقال الله "
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
(76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
ـ لقد شن القرآن الحرب على القارونية الكانزة المسرفة التي لا ترغب إلا في العلو في الأرض والفساد , فلماذا سقط من خطابهم النكير على هذا الإسراف وتبديد الأموال في مصارف الغرب وحرمان الأمة المسلمة من هذا المال .

هؤلاء الصنف من الدعاة أحسبهم قليلي الشجاعة والهمة والفهم أكتفوا بنهي ونصح الضعفاء من الناس الذين ليس بيدهم قوة ولا حيلة والذين هم في الأصل فريسة إعلام الطغاة وثمار مدارسه التي غسلت عقولهم من الدين والتدين وتغاضوا عن نصح من بيدهم الحل والعقد من الحكام والساسة وجندهم , بل إن بعضهم تطوع مخلصا لمهاجمة وتجريح من لديه الشجاعة في الجهر بالحق ونصح الحاكم والإنكار عليه .
وقد صدق عليهم قوله تعالى " لتركبن طبق عن طبق " فقالوا كما قال النصارى دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله أي ترديد ما يقوله العلمانيين من ترك الميدان لولي الأمر يرتع فيه كما يشاء فهو يصّرفه كما يريد لا كما أراد الله وكأنه معصوم كما هو عند الشيعة .
الشيء العجيب أن تجد صحفيا أو إعلاميا علماني أو شيوعي وأحيانا أنثى ويفتقد إلى ما يملكه الدعاة من العلم بالدين , عنده أو عندها من الشجاعة ما ليس عند بعض الدعاة فيجهر بالحق وينكر على الوزير ورئيسه ,بينما الشيخ قد غض صوته ونسى حظا مما ذكر به , وهذا ما يجعل كثير من الناس يصدون عن الدعاة وتهتز ثقته بهم , ويجعلهم يظنون أنهم خَدمة الحُكام وليس خَدمة الأحكام, أو أن دعوتهم شهرة وأجرة وليس جهاد ونية , ويفتح الباب لدعوات أخرى تتبنى المظالم وتخاصم الدين, وتحتل ساحات تخلى عنها بعض دعاة الإسلام . هذه صيحة مستغيث !!!


موضوعات ذات صلة على صفحة .. إسلاميات