الأربعاء، 13 مارس 2013

المقارنة بين أقوال العلماء في المهدي



كتبهامصطفى الكومي ، في 29 يوليو 2010 الساعة: 10:36 ص


لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر
للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
قاضي ومفتي دولة قطر
المقارنة بين أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين
 
لكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ، ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤمن بالله ، ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة ، حتى بلغت خمسين حديثاً في قول الشوكاني كما نقلها عنه السفاريني في لوائح الأنوار ، وأورد ابن كثير في نهايته الكثير منها ، وفي كتب الشيعة: إنها بلغت ألفاً ومائتي حديث .
والسبب أن من عادة علماء السنة المتقدمين التساهل فيما يرد من أحاديث أشراط الساعة كأحاديث المهدي ، والدجال ، ويأجوج ومأجوج وما كان من قبيل ذلك فلا يتكلفون في نقدها ولا إخضاعها للتصحيح و لا للتمحيص لعلمهم أنها أخبار آخرة متأخرة .
بخلاف أحاديث الأحكام وأمور الحلال والحرام ، وما يحتاجه الناس في عبادة ربهم، والتعامل فيما بينهم في أمور دنياهم ، فقد بالغوا في تحقيقها بمعرفة رواتها ، وما يجوز وما لا يجوز منها ، فهم بعلم صحيح نطقوا وببصر ناقد كفوا .
غير أن الحاجات هي أم الاختراعات ، ولكل حادث حديث ، وكم ضارة نافعة ، وأنه لولا حادث الحرم الشريف بمكة ، و انتهاك حدوده ومحرماته وقتل الحجاج والمصلين فيه ، وقتل حراسه من قبل الفئة المارقة المنافقة ، إنه لولا ذلك لما تكلفت تأليف هذه الرسالة ، لاعتقادي أن المهدي وما يقال فيه ليس من عقيدة أهل السنة ، فلم أعطه حظاً من الاحتفال به ، وأنه وما يقال فيه وعنه ما هو إلا حديث خرافة ، يتلقفها واحد عن آخر ، ويزيد كل واحد فيها ما يريد .
صدى الجبان وصيقل الأحرار          ولله در الحادثات فإنها
 
إن فكرة المهدي والفتنة به أصبحت تتكرر في كل زمان ومكان ، وأصبح يتطلع لها ويطمع في الاتصاف بها كل شاب مجنون يطابق اسمه اسم المهدي وصفته كصفته ، فيظن الهمج السذج الذين هم أتباع كل ناعق ويميلون مع كل صائح أنه أملهم المنشود وبغيتهم المطلوبة .
ومتى سطا الإلحاد على قلب أحد الأولاد فإنه يطيش به عن مستواه إلى حالة الطفور والطغيان ومجاوزة في الكفر والفسوق والعصيان .
والذي جعل أمر المهدي يستفحل بين أهل السنة من المسلمين ، وكان بعيداً عن عقيدتهم هو عجز العلماء المتقدمين وكذا العلماء الموجودين على قيد الحياة فلم نسمع بأحد منهم رفع قلمه ولا نطق ببنت شفته في التحذير من هذا الاعتقاد السيئ ، وكونه لا صحة له . اللهم قد بلغت بل إنهم ينكرون على من يقولون بإنكاره فيزيدون الحديث علة والطين بلة .
وقد سمعت أن أحد الطلاب قد حصل على شهادة الدكتوراه بتقديم رسالة أثبت فيها خروج صحة المهدي.
إن فكرة المهدي والفتنة به لها أسباب سياسية واجتماعية ، وغالبها مقتبس من عقائد الشيعة وأحاديثهم ، فسرى اعتقادهم إلى أهل السنة بطريق العدوى والتقليد الأعمى .
فبعد خروج الخلافة من أهل البيت تصدى أقوام من المتحمسين لهم فعملوا عملهم في صناعة الأحاديث التي عزوا بها أفكار الجمهور ، يروونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحكموا أسانيدها عن أكثر الموتى وأخرجوها بطرق مختلفة ، وأسانيد مضطربة ومتعارضة فصدق بها بعض علماء الإسلام ، وضعفة العلوم و الأفهام وصار لها الأثر السيئ في تضليل عقول الناس ، وإفساد عقائدهم وخضوعهم للخرافات والأوهام .
وعلى أثر اعتقادها والتصديق بها ، تتابعت الحركات والثورات المشحونة بسفك الدماء ففي كل عصر يخرج من يدعي أنه المهدي ، وناهيك بالمغرب وكثرة من يخرج فيه من المدعين للمهدية ، ويلتف حوله أتباعه من الهمج السذج والغوغاء الذين هم عون الظالم ويد الغاشم في كل زمان ومكان . ففكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته بحال ، فقد أثبتت التآريخ الصحيحة حياة رسول الله من بداية مولده إلى حين وفاته ، كما أثبتها القرآن وليس فيها شيء من ذكر المهدي ، كما لا يوجد في القرآن شيء من ذلك فكيف يسوغ لمسلم أن يصدق به والقرائن والشواهد تكذب به .
وما هذا التهالك في محبته والدعوة إلى الإيمان به ، وهو رجل من بني آدم ليس بملك مقرب. ولا نبي مرسل ، ولا يأتي بدين جديد من ربه مما يوجب الإيمان به .
محاربة أكثر علماء الأمصار لاعتقاد ظهور المهدي
 
إن علماء الأمصار ، والحق يقال، متى طرقوا بحثاً من البحوث العلمي التي يقع فيها الجدال وكثرة القيل و القال ، فإنهم يشبعون البحث تحقيقاً وتدقيقاً وتمحيصاً وتصحيحاً ، حتى يجعلونه جلياً للعيان ، وصحيحاً بالدلائل والبرهان ، وليس من شأن الباحث أن يفهم من لا يريد أن يفهم .
وقد قرروا قائلين: إن أساس دعوى المهدي مبني على أحاديث محقق ضعفها وكونها لا صحة لها ، ولم يأت حديث منها في البخاري ومسلم مع رواج فكرتها في زمنهما ، وما ذاك إلا لعدم صحة أحاديثه عندهما ، مع العلم أنها على فرض صحتها لا تعلق لها بعقيدة الدين ، وما هي إلا حكايات عن أحداث تكون في آخر الزمان ، أو في أوله يقوم بها فلان أو فلان ، بدون ذكر المهدي .
فليست من العقائد الدينية كما زعم دعاتها والمتعصبون لصحتها ، وقد ثبت بطريق الواقع المحسوس أن فكرة المهدي أصبحت فتنة لكل مفتون ، تنتقل من جيل إلى جيل ، ومن زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ، وتراق من أجلها الدماء الزكية البريئة ، في الشهر الحرام والبلد الحرام والمسجد الحرام ، مما أزعج المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها .
 والحاصل أنه يجب طرح فكرة المهدي ، وعدم اعتقاد صحته ، وعندنا كتاب الله نستغني به عنه ، وعن كل بدعة واتباع كل مبتدع مفتون ، وهو الملجأ الذي أوصانا رسول الله اللواذ به عند الفتن ، كما لدينا سنة رسول الله الصحيحة الصريحة سواء كانت متواترة ، أو من رواية الآحاد غير المتعارضة ولا المختلفة .
ولعل العلماء الكرام ، والأكابر من الطلاب ، يقومون بجد ونشاط إلى بيان إبطال فكرة المهدي وفساد اعتقاده ، وسوء عاقبته عليهم وعلى أولادهم من بعدهم ، وعلى أئمة المسلمين
و عامتهم وما هي إلا أحاديث خرافة تلعب بالعقول وتوقع الفضول وهي لا تتفق مع سنة الله في خلقه ولا مع سنة رسول الله في رسالته ، ولا يقبلها العقل السليم ، وإن الجهل بأحكام الدين وحقائقه وعقائده الصحيحة يدفع صاحبه إلى أي فكرة تنقش له بدون مناظرة عقلية ، وبدون رجوع منه إلى نص صحيح وصريح ، وهذا الجهل هو الذي أدى بأهله إلى وضع خمسين حديثاً في المهدي عند أهل السنة ، وإلى وضع ألف ومائتي حديث عند الشيعة ،وإن هذه الأحاديث المختلفة هي التي أفسدت العقول وجعلتهم يتبعون الملاحدة والمفسدين من دعاة المهدي. ولقد قام علماء الأمصار بجد ونشاط إلى تحذير قومهم من اعتقاد المهدي وصحة خروجه ، فواصلوا قولهم ونصحهم بعملهم بكتابة الرسائل في الجرائد والمجلات والنشرات ، يبينون لهم فسادها وسوء عواقب اعتقادها حتى خف أثرها في نفوسهم وحتى زال اعتقادها عن علمائهم و عامتهم على نسبة عكسية من فعل علمائنا ، فإنهم رحمهم الله يسيرون في طريق مخالف ، ويصدعون على رؤوس الناس بصحة اعتقادها ، وينكرون على من أنكرها ويحجرون رأي الجمهور على اعتقاد ما تربوا عليه في صغرهم ، وما تلقوه عن آبائهم ومشايخهم . إنهم لو رجعوا إلى التحقيق المعتبر لأحاديث المهدي المنتظر ، من كتابنا هذا وفكروا في الأحاديث التي يزعمونها صحيحة ومتواترة ،وقابلوا بعضها ببعض ، لظهر لهم بطريق اليقين أنها ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة لا باللفظ ولا بالمعنى ، نسأل الله لنا ولهم التوفيق والسداد ، وأن يجعلنا وإياهم من الذين يهدون بالحق وبه يعدلون.
إن بعض علمائنا عندما يرى أحدهم شيئاً من الرسائل أو البحوث الصادرة من علماء الأمصار المتأخرين ، وهي تعالج شيئاً من المشاكل الهامة التي يشتد الخلاف فيها ، ويهتم كل الناس بأمرها ، كمسألة المهدي ونحوها ، فلا يعطى هذه الرسالة شيئاً من الاهتمام والنظر خصوصاً عندما يعرف أنها تخالف رأيه واعتقاده ، فإنه يشمئز منها ، وينفر عنها ، وتشتد كراهيته لها وربما قال: إن هؤلاء ليسوا بشيء ، حتى لا يكاد يراها ولا يسمعها ، لكون الإنسان إذا اشتدت كراهيته للشيء فإنه لا يكاد يراه ويسمعه ، وقد مدح الله الذي جاء بالصدق وصدق به والذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، فهؤلاء قد حرموا أنفسهم خيراً كثيراً ، وعلماً غزيراً . فإن من واجبهم تلقي هذه العلوم والبحوث بالرحب وسعة الصدر ، وتدبر وتفكر في مدلولها .. ثم التزود مما طاب لهم منها ليزدادوا علماً إلى علمهم ، وعسى أن يفتح لهم من العلوم والفنون ما لم يكونوا يحتسبون ، لأن العلم شجون يستدعي بعضه بعضاً …

ليست هناك تعليقات: