الأربعاء، 13 مارس 2013

لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر


كتبهامصطفى الكومي ، في 29 يوليو 2010 الساعة: 10:56 ص



لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر

للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
قاضي ومفتي دولة قطر
خطبة الكتاب
الحمد الله و لا حول و لا قوة إلا بالله .
أما بعد : فإن هذه الرسالة المسماة ( لا مهدي ينتظر بعدالرسول محمد خير البشر ) اخترت لها هذه التسمية لتكون عقيدة حسنة ، تتدلل بها الألسنة من كل مسلم و مسلمة ، لاعتقاد أنها حقيقة مسلمة .
بدأتها بدعوة العلماء و الطلاب إلى الاتحاد على حسن الاعتقاد من أنه لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر .
لأنني و إن كنت أرى في نفسي أنني أصبت في الرسالة مفاصل الإنصاف و العدل ، و لم أنزع فيها إلى ما ينفيه الشرع أو يأباه العقل ، لكنني فرد من بني الإنسان الذي هو محل للخطأ 
و النسيان ، و قدمت في الرسالة عقيدة المسلم مع المهدي ، و منها : أن جميع الناس من العلماء 
و العوام ، في كل زمان و مكان ، يقاتلون كل من يدعي أنه الإمام المهدي ، لاعتقادهم أنه دجال كذاب ، يريد أن يفسد الدين ، و يفرق جماعة المسلمين ، و يملأ ما استولى عليه جورا و فجورا، كما جرى لكثير من المدعين للمهدية ، و لن يزالوا يقاتلون كل من يدعي ذلك حتى تقوم الساعة، فأين المهدي و الحالة هذه ؟
و أن فكرة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء ، فلم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول ، و لا بين التابعين ، و أن أصل من تبني هذه الفكرة و العقيدة هم الشيعة الذين من عقائدهم الإيمان بالإمام الغائب المنتظر ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، 
و هو الإمام الثاني عشر ، محمد ابن الحسن العسكري ، فسرت هذه الفكرة و هذا الاعتقاد، بطريق المجالسة و المؤانسة و الاختلاط ، إلى أهل السنة ، فدخلت في معتقدهم ، و هي ليست من أصل عقيدتهم .
ثم انتقلت بصورة عامة إلى المجتمع الإسلامي حين نادى بها في الناس عبد الله بن سبأ، المعروف بصريح الإلحاد و العداء للإسلام و المسلمين ، فأخذ هو و شيعته يعملون عملهم في صياغة الأحاديث  ، و وضعها على لسان رسول الله بأسانيد منظمة عن أهل القبور ، و أخذوا في نشرها في مجتمع الناس ، حتى لا يفقدوا الأمل الذي يرتجونه بزعمهم في إرجاع الحكم إلى أهل البيت ، ليزيلوا عنهم الظلم و الاضطهاد الواقع بهم من قبل خصومهم بني أمية ؛ فهي دعوة سياسية إرهابية ن كما أن بني أمية لما سمعوا بهذه الأحاديث الموجهة لهم من العراق ، و التي ترجف بهم و تهددهم بالإيقاع بهم ، و تنبهوا لهذا فأقاموا السفياني مقام المهدي ، و عمل أنصارهم عملهم في وضع الحديث عن رسول الله في السفياني ، من ذلك ما روى الحاكم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج رجل يقال له السفياني من دمشق ، و عامة من يتعبه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ، و يقتل الصبيان ، و ذكر بقيه الحديث ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه، ثم ساق حديثا ثانيا في السفياني ، هي بمثابة تصحيحه و تصحيح الترمذي لأحاديث المهدي على حد سواء،
و 
في الحقيقة أنها كلها غير صحيحة ، و لا متواترة ، فإن قيل : كيف عرفتم أن هذه الأحاديث الكثيرة المسندة ، والمسلسلة عن عدد من الصحابة ، بأنها مختلفة و هي في سنن أبي داود، 
و الترمذي ، و ابن ماجه ن و مسند الإمام أحمد ، و الحاكم ، و غيرها من الكتب ؟
فالجواب : إن هذه الأحاديث الكثيرة التي تبلغ خمسين حديثا في المهدي عند أهل السنة، بعضها يزعمونها صحاحا ، و بعضها من الحسان ، و بعضها من الضعاف ، و قد بلغت ألفا 
و مائتي حديث عند الشيعة ، والمهدي واحد و ليس باثنين تنازعته أفكار الشيعة و أفكار أهل السنة .
فهذه الأحاديث هي التي أخذت بمجامع قلوب الأكثرين من علماء أهل السنة على حد ما قيل و القوة للكاثر ، على أن الكمية لا تغني عن الكيفية شيئا ، و أكثر الناس مقلدة ، يقلد بعضهم بعضا ، و قليل منهم المحققون فإن المحققين من العلماء و المتقدمين و المتأخرين ، قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح و التمحيص ، و للجرح و التعديل ، فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها ، و عدم قبولها ، لأمور منها :
        ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بدين كامل ، و شرع شامل ، مبني على جلب المصالح و تكثيرها ، و دفع المضار و تقليلها، و من المعلوم أن اعتقاد المهدي، و القول بصحة خروجه يترتب عليه من المضار و المفاسد الكبار ، و من إثارة الفتن ، و سفك دماء الأبرياء ، ما يشهد بعظمته التاريخ المدروس ، و الواقع المحسوس، من كل ما يبرأ النبي صلى الله عليه وسلم عن الإتيان به ، إذ الدين كامل بدونه .
ـ و منها أن المهدي الذي يزعمون صحة خروجه ، أن اسمه محمد بن عبد الله ، و أن صفته أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، و هذه التسمية بهذه الصفة توجد بكثرة في الطوائف المنتسبين إلى الحسن و الحسين، فلا تعطي يقينا في التعيين ، فمتى أتى من انطبعت فيه هذه الأوصاف، و قال: إنني أنا المهدي ، فعند ذلك يقع المحذور من إثارة الفتنة بين مصدق به و مكذب ، و بين محب و محارب ، فيكون اعتقاده شقاء على العباد طول حياتهم ، لوقوع الاشتباه فيه دائما ، مما يتنافى مع الدين الذي جعله الله رحمة للخلق أجمعين ، فقال سبحانه: ( و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
       ـ و منها : أنه من الأمر المحال أن يوجب النبي على أمته التصديق برجل من بني آدم، مجهول في عالم الغيب ، و هو ليس بملك مقرب ، و لا نبي مرسل ، و لا يأتوني بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به و العمل بموجبه ، ثم يترك أمته يتقاتلون على حساب تصديقه و التكذيب به و فإن هذا من الأمر المنافي لسنته و حكمة رسالته ، »عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم « .
         ـ و منها : أننا لسنا بأول من رد هذه الأحاديث ، فقد أنكرها بعض العلماء قبلنا ، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في » المنهاج « بعد ذكره لأحاديث المهدي :
إن هذه الأحاديث في المهدي قد غلط فيها طوائف من العلماء ، فطائفة أنكروها مما يدل على أنها موضع خلاف من قديم بين العلماء ، كما هو الواقع من اختلاف العلماء في هذا الزمان.
ـ و منها : أن هذه الأحاديث لم يأخذها البخاري و مسلم ، و لم يدخلاها في كتبهما ، مع رواجها في زمنها ، و ما ذاك إلا لعدم ثباتها عندهما ، كما أنه ليس للمهدي ذكر في القرآن ، مما يقلل الاحتفال بها .
ـ و منها : تناقض هذه الأحاديث و تعارضها في موضوعها ، فمهدي اسمه اسم الرسول، اسم أبيه اسم أبيه ، و مهدي اسمه أبو عبد الله ، و مهدي يشبه الرسولفي الخلق ، و لا يشبهه في الخلق ، و مهدي يصلحه الله في ليلة ، و رجل يخرج هاربا من المدينة إلى مكة ، فيبايع له بين الركن و المقام و رجل اسمه بن حران ، يوطئ أو يمكن لآل محمد ، و رجل يخرج من وراء النهر ، و رجل يبايع له بعد وقوع فتنة عند موت خليفة ، و رجل أخواله كلب ، و تأتيه الرايات السود من قبل العراق ، و أبدال الشام ، و مهدي يصلي عيسى بن مريم خلفه ، و مهدي يقال له بحضرة نبي الله عيسى : صل أيها الأمير ، فيقول : كل إنسان أمير نفسه ، تكرمة الله لهذه الأمة.
فهذه و ما هو أكثر منها ، مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله ، و أنها لم تخرج من مشكاة نبوته ، وليست من كلامه ، فلا يجوز النظر فيها، فضلا عن تصديقها .
فهذه الأحاديث التي رواها أبو داود ، و الترمذي ، و ابن ماجه هي التي حملت بعض علماء السنة لكثرتها على التصديق بها ،فقبلوها قاعدة مسلمة ، و عقيدة محترمة ، سامعين مطيعين لها بدون تفكر و لا تدبر ، كالشيخ صديق و الشوكاني ، و السفاريني ، و الشيخ مرعي، و العبادي ، وسائر العلماء من المتأخرين . فلو أن هؤلاء حققوا النظر بإمعان و تفكر في أحاديث المهدي التي رواها أبو داود ، و ابن ماجه ، و الترمذي ، فقابلوا بعضها ببعض ، لعرفوا من مجموعها حقيقة التعارض و الاختلاف ، و لظهر لهم منها ما يوجب عليهم الرجوع عن التصديق بها ، و كون أكثرها قضايا أحداث وقعت مع أشخاص ، و لا ذكر للمهدي فيها .
و كل حديث يذكر فيه المهدي فإنه ضعيف ، كحديث علي مرفوع : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلا منا يملؤها عدلا كما ملئت جورا و مثله عن علي رضي الله مرفوعا : المهدي منا أهل البيت . و كذا عن علي رضي الله : و نظر إلى ابنه الحسن فقال : إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله ، و سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق و لا يشبهه في الخلق ، و مثله : حديث أم سلمة مرفوعا : المهدي من عترتي و من ولد فاطمة . رواها كلها أبو داود في سننه و غيره .
و قد أعرض أكثر المحدثين عن إثبات أحاديث كثيرة في كتبهم عن أهل البيت ، لتسلط الغلاة على إدخال الشيء الكثير من الكذب في فضائلهم كما تحاشى عنها البخاري و مسلم، 
و النسائي والدار قطني ، الدارمي ، فلم يذكروها في كتبهم المعتمدة ، و ما ذاك إلا لعلمهم بضعفها ، مع العلم أن 
الدارمي هو شيخ أبي داود و الترمذي ، و قد نزه مسنده عن أحاديث المهدي ، فلا ذكر لها فيه .
ثم إن عادة العلماء المحدثين و الفقهاء المتقدمين ، أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث 
و القول على علاته ، تقليدا لمن سبقه ، كما ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد ، فينقلها ، ثم يردها إليه ذكر ذلك في ترجمة ابن سعد ، و كان الشافعي يقول للإمام أحمد : إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إلى حتى أثبته في كتابي ، و كذلك سائر علماء كل عصر ، ينقل بعضهم عن بعض ، فمتى كان الأمر بهذه الصفة فلا عجب متى رأينا أحاديث المهدي تنتشر في كتب المعاصرين لأبي داود كالترمذي و ابن ماجه ، لخروج الحديث من كتاب، إلى مائة كتاب ، 
و انتقال الخطأ من عالم إلى مائة عالم ، لكون الناس مقلدة ، و قليل منهم المحققون المجتهدون ، و المقلد لا يعد من أهل العلم ، و قد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه 
( التحقيق المعتبر في أحاديث المهدي المنتظر ) شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود و الترمذي ، و ابن ماجه ، والإمام أحمد ، و الحاكم بما لا مزيد على فليراجع . و بينت في الرسالة أن أحاديث المهدي ليست بصحيحة ، و لا صريحة ، و لا متواترة بالمعنى ، و قد أسلفنا كلام الشيخ ابن تيمية رحمه الله فيها ، و أن طائفة أنكروها بتاتا ، و مثله العلامة ابن القيم رحمه الله ، فقد قال في كتابه 
» المنار المنيف في الصحيح و الضعيف « : اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال :
أحدها : أنه المسيح ابن مريم ، و هو المهدي على الحقيقة .
الثاني : أنه المهدي بن المنصور ، الذي ولي من بني العباس ، و قد انتهى زمانه .
الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان . و أكثر الأحاديث على هذا .
الرابع : قول الإمامية ، و أنه محمد بن الحسن العسكري .
فهذه الأقوال على اختلافها ، تدل على أن القضية هو موضع نزاع و خلاف  في قديم الزمان و حديثه ، و ليست بموضع اتفاق .
و من لوازم قوله أن ما يزعمونه من خروج المهدي المجهول في عالم الغيب ، أنه لا حقيقة له لكن المتعصبين لخروجه لما كل عليهم الأمد ، و مضى من الزمان أربعة عشر قرنا. 
و ما يشعرني أن يأتي من الزمان أكثر مما مضى بدون أن يروه حتى تقوم الساعة ــ لهذا أخذوا يمدون في الأجل ليثبتوا بذلك استقامة قولهم عن السقوط ، فأخذوا يبثون في الناس بأن لن يخرج إلا زمن عيسى ابن مريم  مع العلم أن الأحاديث التي بأيديهم ، و التي يزعمونها صحيحة 
و متواترة و التي رواها الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي ، وابن ماجه ، أنها وردت مطلقة لم تقيد بزمن عيسى ، إلا حديث صلاة عيسى خلف المهدي ، قال الذهبي وعلي القاري : إنه موضوع ، أي مكذوب ، فسقط الاحتجاج به .
و كلام العلماء من المتأخرين كثير ، و أعدل من رأيته أصاب الهدف في قضية المهدي هو : أبو الأعلى المودودي ، حيث قال في رسالة اسمها » البيانات « عن المهدي :
إن الأحاديث في هذه المسألة على نوعين ، أحاديث فيها الصراحة بكلمة المهدي، 
و أحاديث إنما أخبر فيها بخليفة يولد في آخر الزمان ، و يعلي كلمة الإسلام . و ليس سند أي رواية من هذين النوعين من القوة حيث يثبت أمام مقياس الإمام البخاري لنقد الروايات ، فهو لم يذكر منها أي رواية في صحيحه ، و كذلك ما ذكر منها الإمام مسلم إلا رواية واحدة في 
صحيحه ، و 
لكن ما جاءت فيها أيضا الصراحة بكلمة المهدي .
و قال : لا يمكن بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف بالمهدوية يجب على كل مسلم أن يؤمن به ، و يترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية ، و الاجتماعية في الدنيا و الآخرة .
و قال : مما يناسب ذكره بهذا الصدد ، أنه ليس من عقائد الإسلام عقيدة المهدي ، و لم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد ، انتهى .
و الحاصل الذي نعتقده ، و ندين الله به ، أنه لا مهديينتظر بعد الرسول محمد خير 
البشر ، و أنه لا ينكر على من أنكره ، إذ إنكاره لا ينقص من الإيمان ، و إنما يتوجه الإنكار على من يجادل في وجوده و صحة خروجه . و الله أعلم .
باقي فصول الكتاب
عقيدة المسلم مع المهدي
دعوة العقلاء للاتحاد على حسن الاعتقاد
التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي
المقارنة بين أقوال العلماء في المهدي
كتاب للشيخ عبد الله بن زيد آل  

ليست هناك تعليقات: