الأربعاء، 13 مارس 2013

التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر



كتبهامصطفى الكومي ، في 29 يوليو 2010 الساعة: 10:40 ص


التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر
 للشيخ عبد الله زيد آل محمود
من كتابه لا مهدي ينتظر بعد رسول الله خير البشر
اعلم أن أحاديث المهدي تدور بين ما يزعمونه صحيحا و ليس بصريح ، و بين ما يزعمونه صريحا و ليس بصحيح ، و أننا بمقتضى الاستقراء والتتبع لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا صريحا يعتمد عليه في تسمية المهدي ، و أن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم فيه باسمه .
و قد نزه البخاري و مسلم كتابيهما عن الخوض في أحاديث المهدي ، كما أنه ليس له ذكر في القرآن ، لهذا لا ننكر على من أنكره ، و إنما الإنكار يتوجه على ما اعتقد صحة خروجه .
و سنتكلم على الأحاديث التي يزعمونها صحيحة ، و التي رواها أبو داود و الأمام أحمد
و الترمذي و ابن ماجه ، و كلها متعارضة و مختلفة ، و ليست بصحيحة و لا متواترة ، لا بمقتضى اللفظ و المعنى .
الحديث الأول :
روى أبو داود في سننه عن جابر بم سمرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول : ( لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة . ثم قال كلمة فقلت لأبي ما
قال ؟ قال: كلهم من قريش ) فالجواب أن هذا الحديث يجعلونه رأسا و أصلا في أحاديث المهدي بحيث يستقي منه أهل السنة الذين يصدقون بصحة خروج المهدي ، كما يستقي منه الشيعة حيث يرون أن إمامهم محمد بن الحسن العسكري هو الثاني عشر .
و بمقتضى التأمل لم نجد للمهدي ذكرا في هذا الحديث ، لا بمقتضى التصريح و لا
التلميح ، فالاستدلال به ، على فرض صحته ، غير موافق و مطابق ، فأنه لا ذكر للمهدي فيه و لم يقل في الحديث : إن أحدهم المهدي حتى يكون حجة .
و قد صار أمر المهدي و خروجه مشترك بين السنة و الشيعة ، و كل منهم يستدل بهذا الحديث ، و قد سماه العلامة ابن كثير في نهايته بالخليفة ، و جعله بصف الخلفاء الراشدين أبي بكر و عمر و عثمان و علي .
و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ) . و قد انتهت بوفاة علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
كما أن السفاريني سماه بالإمام و بالخاتم فقال :
محمد المهدي و المسيح                     و منها الإمام الخاتم الفصيح
 
و لا أدري من أين وجدوا بأن رسول الله قال في هؤلاء الأئمة أن أحدهم المهدي أو أنه الإمام أو الخليفة ، و ما هو إلا محض المبالغة في الغلو في القول بخروجه حتى أدخلوا هذا الاعتقاد في قلوب بعض العلماء ، و أكثر العامة ، و حتى أدرجوا في عقيدة أهل السنة و الجماعة.
و الحق أن حديث جابر بن سمرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( و لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ) . ينبغي أن يحمل على الواقع الملموس و المشاهد بالأسماع و الأبصار ، و ذلك في حمله على حكام المسلمين الذين كانوا في القرون الثلاثة المفضلة ، و الذين قام بهم أمر الدنيا و الدين و جماعة المسلمين ، و هم أبو بكر و عمر و عثمان و علي و معاوية بن أبي سفيان ثم عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد بن عبد الملك ، ثم سليمان بن عبد الملك ثم عمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ثم يزيد ابن الوليد ، و من بعده إلى مروان بن محمد ، ثم انتقلت الإمامة إلى بني العباس و منهم : المنصور، ثم ابنه المهدي ، ثم هارون الرشيد إلى ممن استقام بهم أمر الدنيا و الدين و جماعة المسلمين، و من بعد هؤلاء عماد الدين زنكي ، و نور الدين محمود الشهيد ، و صلاح الدين الأيوبي .
فلا ينبغي أن نبخس هؤلاء حقهم ، أو ننسى محاسنهم ، أو نجحد عموم عدلهم الذي طبق مشارق الأرض و مغاربها ، ثم نحمله على المهدي الذي لا يخرج بزعمهم إلا زمن عيسى بن مريم ، و هو محمول في عالم الغيب .
و لا نقول : إن هؤلاء ليس فيهم و لا ذنوب ، بل قد يوجد فيهم ما يعابون به كما قالوا في معاوية و قتاله لعلي ، و كون علي أحق بهذا الأمر منه بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في الخوارج : يقتلهم أولى الطائفتين بالحق . وقد قاتلهم علي ، و قال في عمار : تقتلك الفئة الباغية . و قد قتله أصحاب معاوية و هذه كلها ذنوب خاضعة تحت عفو الله و مغفرته ، إذ لا يلزم أن تحبط سائر عمله ، ماضيه و مستقبله ، و الحسنات يذهبن السيئات ، فقد حكم معاوية عشرين سنة ، و استقام عليه أمر الدنيا و الدين و جماعة المسلمين .
و قبله قد قاتل الزبير و طلحة في وقعة الجمل عليا رضي الله عنهم أجمعين ) و مع هذا فقد قال علي رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا و الزبير و طلحة من الذين قال الله فيهم
و نزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ) .
فمتى قلنا : إن الإثني عشر خليفة الذين استقام بهم الدين لن يخرجوا عن هؤلاء الأئمة الذين أعز الله بهم الدين ، و جمع بهم شمل المسلمين لم نكن آثمين ، بدلا من أن نحيل أحدهم إلى تسميته بالمهدى ، ثم نجعله خيالا غيبيا يوجد في الأذهان دون الأعيان ، إذ هذا من التخرص
و الظنون ، و القول على الله و على رسوله بغير حق .
الحديث الثاني :
روى أبو داود في سننه عن طريق أبي نعيم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث اله رجلا منا يملؤها عدلا كما ملئت جورا.
و رواه الإمام أحمد عن طريق أبي نعيم ، و رواه الترمذي أيضا .
و الجواب :
إن هذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة ، و هي ليست بصريحة في الدلالة على المعنى الذي ذكروه ، إذ ليس فيها ذكر للمهدي .
و على فرض صحته ، فإنه لا مانع من جعل هذا الرجل الذي يملأ الأرض عدلا من حكام المسلمين الذين مضوا و انقضوا و استقام عليهم أمر الدنيا و الدين و جماعة المسلمين .
فقوله : » منا « يحتمل أن يكون من أهل ديننا و ملتنا ، على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يكاد أن يكون من المحال ، فقد خلق الله الدنيا و خلق فيها المسلم و الكافر، و البر و الفاجر كما قال سبحانه : ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن و الله بما تعملون بضير ) لكون الدنيا دار ابتلاء و امتحان ، و المصارعة لا تزال قائمة بين الحق و الباطل،
و بين المسلمين و الكفار .
و في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أنتم في الأمم المكذبة للرسل إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود . و في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال : يقول الله يا آدم ابعث بعث النار : فيقول : يا ربي و ما بعث النار ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة و تسعة و تسعون في النار و واحد في الجنة .
و على كل حال فإنه ليس في الحديث باسم المهدي ، و لا زمانه و لا مكانه و لا الإيمان
به ، و لا يمتنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين ، و بسطوا العدل في مشارق الأرض و مغربها ، و بين المسلمين و بين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين .
و هذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة و ليست بصريحة .
الحديث الثالث :
روى أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : المهدي منى أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، يمكث في الأرض سبع سنين .
و الجواب :
إن هذا بمعنى الحديث الأول ما عدا الأوصاف ، و من كونه أجلى الجبهة أقنى الأنف،
و هذه الأوصاف موجودة في كثير من الناس ، و خاصة الأشراف فلا تفيد بالمهدي علما و لا يقينا ، و رسول الله صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يحيل أمته على هذه الأوصاف الموجودة في أكثر بني آدم ، و لا يأتي من اتصف بها بكتاب من ربه يصدق قوله ، و لا بدين جديد يكمل به دين محمد رسول الله ، و ليس بملك مقرب و لا نبي مرسل ، و قد صارت دعوى المهدي،
و الاتصاف بالأوصاف المذكورة ، مركبا للكذابين الدجالين ، فكل واحد منهم يحاول أن يكون هو ، فيقع الناس في مشكلة لم تحل ، و فتنة لا تنتهي يتوارثها جيل حتى تقوم الساعة ، و حاشا أن يأتي بها رسول الله لأمته .
الحديث الرابع :
روى أبو داود في سننه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المهدي من عترتي و من فاطمة .
فالجواب أن نقول :
إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، و أم سلمة ، و أبا سعيد الخدري ، و ابن مسعود
و سائر الصحابة كلهم إن شاء الله منزهون عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
و إنما حدث وضع أمثال هذه الأحاديث و صياغتها من الغلاة الزنادقة .
و قد تعقب صاحب تهذيب السنن على حديث أم سلمة هذا و أعله بالبطلان ، قال أبو جعفر العقيلي : إن هذا الحديث يروي عن أبي نفيل العقيلي ، و إنه من قول نفيل ، و لا يتابع عليه و لا نعرفه إلا منه ، و ذكر البخاري أن في سنده زياد بن بيان ، و قد وهم في رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحديث مما قلنا إنه صريح في ذكر المهدي ، لكنه ليس بصحيح لا في سنده و لا
متنه ، و لم يحفظ عن رسول الله اسم » العترة « و هم أقارب الشخص ، و لا اسم المهدي .
الحديث الخامس:
روى أبو داود في سننه عن أم سلمة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكون اختلاف عند موت خليفه ، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، ويبعث إليه بعث من الشام ، فتخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة ، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام ، و عصائب أهل العراق ، فيبايعونه ، ثم ينشأ رجل من قريش ، أخواله كلب فيبعث إليهم بعثاً ، فيظهرون عليهم ، وذلك بعث كلب ، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب ، أو قال: بيعة كلب ، فيقسم المال ، ويعمل في الناس بسنة نبيه ، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فليبث سبع سنين ، ثم يتوفى ، ويصلى عليه المسلمون .
فالجواب: إن هذا الحديث ليس بصحيح ولا بصريح ، وليس للمهدي فيه سوى ذكر رجل خرج هارباً من المدينة إلى مكة ، ويبعد كل البعد أن يصدر هذا الخبر عن أم سلمة ، فإنها ليست معروفة برواية الحديث كهذا ، وبطلانه يظهر من دراسته ، ولقد صرح السيوطي في كتاب
" اللآليء المصنوعة " بأنه موضوع والموضوع : هو المكذوب على الرسول.
وكم خليفه قد مات فوقع من بعده اختلاف ، ولما قتل ابن الزبير ألزم الحجاج الناس بأن يبايعوا لعبد الملك بن مروان بين الركن والمقام ، أفيقال إنه هو؟ ولأن حوادث الزمان لا تنضبط وليس من شأن الرسول ، ولا من شأن عالم الغيب ، أن يخبر أمته بكل حادثة تحدث من بعد موته إلى يوم القيامة ، وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية كلاماً ينكر فيه حديث أبدال الشام ورايات العراق ، ويقول: إنه لا صحة له .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يؤخذ بأناس من أمته ذات الشمال فأقول: يا رب أمتي . فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول بعداً وسحقاً لمن غير بعدي ، أقول كما قال العبد الصالح : وكنت شهيداً عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد.
وأما قوله في الرجل الذي من قريش:
» والذي يبايعه الناس ثم يلقي الإسلام يجرانه بين الناس سبع سنين ، ثم يتوفى فيصلى عليه المسلمون « .
فكم من رجل من قريش تولى الحكم على الناس ، وألقى الإسلام بجرانه في زمانه، واجتمعت عليهم كلمته واستفادوا في زمانه بالإيمان والأمان وزيادة الاطمئنان ثم نشر العدل في جميع الأوطان ، ومكث في ولايته سنين طويلة دون أن يسمى المهدي .
  أما هذا الرجل الذي لا يمكث في ولايته على الناس إلا سبع سنين فإنه فيء زائل.
وكيف يملاً الأرض عدلاً في سبع سنين ، وقد ملئت جوراً وكفراً ؟ فهل يغزو الناس بالأحلام في المنامات ، أو يغزو الناس بالملائكة أو بالجن؟
وهل هذا الرجل أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي جادل وجاهد وصبر على اللأواء والضنك والشدة ، وأوذي في الله ، وشج رأسه ، وكسرت رباعيته ، ومشى على طريق السنن المعتادة ، واستقام على ذلك ثلاثا وعشرين سنة ، ولم يتمكن من ملء الأرض عدلاً إلا في الجزيرة العربية ، التي هي بمثابة النقطة بالنسبة إلى سعة الدنيا ، ومتى صدقنا بهذا الحديث فإننا نكون ممن يفضل هذا الرجل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، مع العلم أنه لم يذكر إسم المهدي فيه ، فسقط الاستدلال به ، إذ الرجل مبهم ، وتعيين شخص معين هو تحكم بغير علم ، إذ هذا يعود إلى علم الغيب .
الحديث السادس:
روى أبو داود بسنده إلى علي بن ألي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : » يخرج رجل من وراء النهر يقال له: الحارث بن حران على مقدمة رجل يقال
له: منصور ، يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت على كل مؤمن نصرته : أو قال: إجابته « .
فالجواب:
إن هذا الحديث هو من جملة ما أورده أبو داود في سننه عن المهدي ، وإنه يبعد كل البعد عن المعنى الذي أرادوا ، فليس فيه ذكر للمهدي قطعاً لا باللفظ ولا بالمعنى ، فليس هو بصحيح ولا بصريح ولا متواتر ، وإن أمارات الكذب تلوح عليه جلية ، إلا يوجب الرسول على أمته البيعة لرجل مجهول إسمه الحارث يخرج من وارء النهر ، ويوطئ الملك لآل محمد .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش: » يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من عذاب الله لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً « .
فليس من شأن الرسول ، ولا من عمله ، ولا من خلقه ودينه ، أن يمهد الملك ويوطد البيعة لأهل بيته ، ولو كان كذلك لقدم علياً على أبي بكر في البيعة ، ولما قال: » يأبى الله ورسوله إلا أبا بكر « .
ولهذا قال الصحابة عند بيعته : رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا ؟ بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية الذي رواه الإمام أحمد ، وأبو داود والترمذي عن العرباض قال: وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع ، فأوصنا ، قال: » أوصيكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، فإن من يعش منكم فيسرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة« .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل بيته: » إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تروني على الحوض« . والأثرة: الإستئثار بالشيء عن الآخرين.
وقريش لم تمهد لآل محمد الملك ، إنما قاتلتهم عليه ، فقد غزت قريش النبي صلى الله عليه وسلم في عقر داره يوم بدر ، ويوم أحد ، ويوم الأحزاب ، وإنما بذلوا له الطاعة بعد فتح مكة، لأن الدنيا دار أنكاد وأكدار ودار شرور وأضرار وأشد الناس فيها بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، والآخرة عند ربك للمتقين.
الحديث السابع :
روى الإمام أحمد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا يسن العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة . وقد رأيت من ينتقد هذا الحديث قائلاً : والعجيب أن يكون المهدي بعيداً عن التوفيق ، والفهم والرشد ثم يهبط عليه الصلاح في ليلة ليكون في صبيحتها داعية هداية ومنقذ أمة .
ورواه ابن ماجة عن عثمان بن أبي شيبة ، وقال: يسن العجلي ضعيف:
فهذا من جملة الأحاديث التي فيها التصريح بإسم المهدي ، لكنها ليست بصحيحة كما أشار ابن ماجة إلى تضعيفه ، ومن الأمر العجيب في هذا الحديث كون المهدي بعيداً عن الهداية والتوفيق والرشد ، ثم يهبط عليه الصلاح في ليلة فيكون في صبيحتها : هادياً مهدياً ومنقذ أمة من جورها وفجورها .
الحديث الثامن:
روى أبو داود عن هارون بن المغيرة ، حدثنا بن أبي قيس عن شعيب ابن خالد عن أبي إسحاق قال: نظر علي إلى ابنه فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى بإسم نبيكم يشبهه في الخلق ، ولا يشبهه في الخلق ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاًوهذا يعد من كلام علي رضي الله عنه ، وليس بحديث عن رسول الله فسقط الاحتجاج به ، ومن المحتمل أن يكون مكذوباً على علي به .
الحديث التاسع:
روى أبو داود في سننه من حديث سفيان الثوري بسنده عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل مني ، أو من أهل بيتي يواطئ إسمه إسمي وإسم أبيه إسم أبي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماْ . ورواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح .
والجواب:
إن علماء الحديث قد تحاشوا عن كثير من أحاديث أهل البيت ، كهذه الأحاديث وأمثالها لكون الغلاة قد أكثروا من الأحاديث المكذوبة عليهم . وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة قلت لعلي رضي الله عنه: هل خصكم رسول الله بشيء؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يعطيه الله رجلاً ، وما في هذه الصحيفة . قلت: وما في هذه الصحيفة ؟ قال: العقل وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر ، وفي رواية: والمؤمنون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم . ولم يذكر شيئاً من هذه الأحاديث التي هي من عالم الغيب ، ولهذا تحاشى البخاري مسلم عن إدخال شيء من أحاديث المهدي في صحيحيهما ، لكون الغالب عليها الضعف والوضع ، وأصح ما ورد في ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به فئتين عظيمتين من المسلمين . وقد وقع ما أخبر به حيث تنازل الحسن عن المطالبة بالملك لمعاوية بن أبي سفيان ، فأطفأ الله به نار الحرب بين الصحابة ، وسموا ذلك العام بعام الجماعة .
الحديث العاشر:
روى ابن ماجة بسنده إلى الحارث بن جزء الزبيدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج الناس من المشرق فيوطئون للمهدي ، يعني السلطان . روى ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم ، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ، إغرورقت عيناه ، وتغير لونه فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه ‍؟ قال: إنا أهل البيت اختار لنا الله الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بلاء وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود ، يسألون الحق فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرفون فيعطون ما سألوا ، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً ، فمن أدرك ذلك فليأتهم ولو حبواً على الثلج . قال الذهبي: هذا حديث مرفوع ، والموضوع : المكذوب على رسول الله . وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو سيء الحفظ ، اختلط في آخر عمره ، وكان يقلد الفلوس أي : يزيفها .
الحديث الحادي عشر:
روى ابن ماجة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزداد الأمر إلا شدة ، لا الدنيا إلا إدباراً ، ولا الناس إلا شحاً ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، وما المهدي إلا عيسى بن مريم.
وقالوا: إن هذا الحديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي المؤذن شيخ الشافعي .
وهذا الحديث لو صح لقضى بإبطال سائر الأحاديث في المهدي ، ولكنه ضعيف عندهم لمخالفته لسائر الأحاديث ، ولا يقل عن ضعف سائر الأحاديث المذكورة في المهدي ، وهنا حديث كثيراً ما يحتج به المتعصبون للمهدي وهو: أن المهدي مع المؤمنين يتحصنون به من الدجال ، وأن عيسى عليه السلام ينزل من منارة مسجد الشام ، فيأتي فيقتل الدجال ، ويدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة ، فيقول المهدي: تقدم يا روح الله ، فيقول: إنما هذه الصلاة أقيمت لك  فيتقدم المهدي ، ويقتدي به عيسى عليه السلام إشعاراً بأنه جملة الأمة ، ثم يصلى عيسى عليه السلام في سائر الأيام . قال علي ابن محمد القاري في كتابه " الموضوعات الكبير" بأنه حديث موضوع .
وإننا متى حاولنا جمع أحاديث المهدي التي يقولون بصحتها وتواترها بالمعنى ، وقابلنا بعضها ببعض ، لنستخلص منها حديثا صحيحاً صريحاً في المهدي ، فإنه يعسر علينا حصوله
 وكلها غير صحيحة ولا صريحة ولا متواترة بالمعنى بل هي متعارضة ومتخالفة ، وغالبها حكايات عن أحداث ومتى حاولت جمعها نتج لك منها عشرة مهديين ، صفة كل واحد غير الآخر مما يدل بطريق اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتكلم بها ، منهم مثلاً :
1 -    مهدي يخرج من إثني عشر خليفه الذين يستقيم بهم الدين.
2 -    ومهدي استخرجوه من حديث: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلا منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً .
3 -    ومهدي منا أجلى الجبهة ، أقنى الأنف .
4 -    ومهدي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : المهدي من عترتي ، ومن ولد فاطمة.
5 -    ومهدي يكون اختلاف عند موت خليفه ، فيخرج رجل من أهل المدينة إلى مكة ، فيبايعونه بين الركن والمقام .
6 -    ومهدي يخرج من وراء النهر يقال له : الحارث بن حران ، وعلي مقدمته رجل يقال
له: منصور ، يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
7 ـ     و مهدي قال فيه رسول الله : المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة .
8 ـ     ومهدي قال فيه رسول الله : إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، و إن أهل بيتي سيلقون ذلا و تشريدا من بعدي حتى يأتي قوم من المشرق معهم رايات سود ، فيسألون الحق فلا يعطونه
9 ـ     ومهدي أخواله كلب .
10 - ومهدي قال فيه رسو الله : لا مهدي بعدي إلا عيسى بن مريم.
          وهذه الأحاديث هي التي يزعم المتعصبون لصحة خروج المهدي بأنها صحيحة ومتواترة بالمعنى وهي لا صحيحة ولا صريحة ولا متواترة .
فصـــــــــــــــــــل
إننا عندما نتحدث في كتابنا هذا عن المهدي ، فإنما نعني به المهدي المجهول في  عالم الغيب ، والذي يصدق بخروجه بعض أهل السنة .
أما مهدي الشيعة فإنه معلوم إسمه ، ومعروف مكانه فلا حاجة للكلام فيه .
وأول من قال بالمهدية : كيسان مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ابنه محمد بن الحنفية ، فقد زعم بأنه المهدي ، وأنه مقيم بجبل رضوي في الحجاز بين مكة والمدينة ، وأن عنده عيني عسل وماء . وهذا هو اعتقاد المختار بن أبي عبيد ومن معه ، ثم دخلت فكرة المهدي وخروجه في المجتمع الإسلامي ، وكان لعبد الله بن سبأ اليد العابثة في تحقيقه ، وصناعة الحديث في التصديق به ، وكانت الكوفة موطناً أو مسرحاً لجميع الناس ،وخاصة غلاة الزنادقة ومن دخل في الإسلام في الظاهر من اليهود والنصارى والمجوس ، فدخلت من بينهم الأهواء ، ومجادلة انتصار قوم على آخرين مع الحرص منهم على إفساد عقيدة الدين ، فصار من السهل عليهم مع عدم إيمانهم وأمانتهم بأن أنشأوا الأحاديث المكذوبة عن أهل القبور بحيث يقول: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله وهم كلهم أموات غير أحياء ، فوسعوا الشكوك الإلحادية ، وزعزعوا بآرائهم العقائد الدينية ، ولقحوا أفكار الناس بعقائد خيالية دخيلة ليست من عقائد الإسلام والمسلمين، كعقيدة المهدي المنتظر وما يكون من أمره ونشره للعدل في جميع الدنيا في خلال سبع سنين، وساعد على رسوخ فتنة المهدي نشاط دعاتها ، وجوبهم للأخطار في سبيل نشرها ، واشتهارها وصحتها ويوهمون أتباعهم بنجاح دعوتهم ، وكثرة أتباعهم ، مع حلاوة ما يدعون إليه من محاربة الجور والظلم ، وبسط العدل والأمن الذي يخالفه فعلهم عند إستيلائهم .
فكانوا يرون بالضروري بزعمهم أن يلجأوا إلى صناعة الأحاديث المكذوبة ليشغلوا بها الأذهان وضعفة العقول والأفهام ، ويستعملوها بمثابة آلة الانتصار لحزبهم وحرب عدوهم والباطل لا تقوى شوكته وتعظم صولته إلا في حالة رقدة الحق عنه ، فإذا انتبه له هزمه بإذن الله.
يقول الله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) .
لهذا رأينا كما رأي المؤرخون قبلنا بأن دعوى المهدي لا تزال تتكرر في الأعصار والأمصار ، فكان دعاتها يملأون ما استولوا عليه من البلدان جوراً وفجوراً وظلماً وعدواناً ويستجيبون سفك الدماء وأخذا الأموال ويفسدون الدين ويفرقون جماعة المسلمين حتى في أشرف بقاع الأرض كالمسجد الحرام ، والذي جعله الله مثابة للناس وأمنا ، ومن دخله كان آمناً .
لهذا وقبل ذلك تنبه العلماء من المتقدمين والمتأخرين لرد الأحاديث التي يرددونها ويموهون بها على الناس ، فأخضعوها للتصحيح والتمحيص وبينوا ما فيها من الجرح والتضعيف وكونها مزورة على الرسول من قبل الزنادقة الكذابين . وممن انتقد هذه الأحاديث وبين
معايبها: العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه " المنار المنيف في الصحيح والضعيف" .
وقد أشرنا إلى كلامه في كتابنا ومنهم : الشاطبي صاحب الاعتصام فقد ألحق المهدية
و الإمامية بأهل البدع ، ويعني بالمهدية : الذي يعتقدون صحة خروج المهدي ، وكذلك ابن خلدون في مقدمته فقد فحص أحاديث المهدي وبين بطلان ما يزعمونه صحيحاً منها ، فسامها كلها بالضعف وعدم الصحة ، وأن من رواتها من يتهم بالتشيع ، ومنهم الحروري ، ومنهم من يعتقد رفع السيف على أهل القبلة ، ومنهم من يتهم بالكذب ، ومنهم من يتهم بسوء الحفظ ، ومن يتهم برفع الحديث إلى رسول الله بدون أن يتكلم به الرسول ، مع ما فيها من التعارض والاضطراب والاختلاف .
ثم قال: » والحق ينبغي أن يتقرر أن ما تدعيه العامة والأغمار من الدهماء ممن لا يرجع في رأيه إلى اعتقاد صحيح ، ولا إلى علم صريح يفيده ، فيجيبون في ذلك على غير نسبة وفي غير مكان تقليلداً لما اشتهر من ظهور الفاطمي ، ولا يعلمون حقيقة الأمر وإنما يقولون تقليداً فقد ظهرت حركات كثيرة كلها تدعي أنها المهدي ، ثم ظهر ناس بهذه الدعوة وينتحلون السنة وليسوا عليها إلا الأقل « .
ويقول " محمد فريد وجدي " في دائرة المعارف الجزء 99 صـ 480 : ما ورد في المهدي المنتظر من أحاديث ، والناظرون فيها من أولي البصائر لا يجدون في صدورهم حرجاً من تنزيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولها ، فإن فيها من الغلو والخبط في التواريخ والإغراق في المبالغة ، والجهل بأمور الناس والبعد عن سنن الله المعروفة ما يشعر المطالع لأول وهلة أنها أحاديث موضوعة تعمد وضعها رجال من أهل الزيغ المشايعين لبعض أهل الدعوة من طلبة الخلافة في بلاد العرب أو المغرب .

وقد ضعّف كثير من أئمة المسلمين أحاديث المهدي ، واعتبروها مما لا يجوز النظر فيه منهم : الدار قطني والذهبي ، وقد أوردناها مجتمعة لتكون بمرأى من كل باحث في هذا الأمر حتى لا يجرؤ بعض الغلاة على التضليل بها على الناس . انتهي . 

ليست هناك تعليقات: