الأربعاء، 13 مارس 2013

دعوة العقلاء للاتحاد على حسن الاعتقاد



كتبهامصطفى الكومي ، في 29 يوليو 2010 الساعة: 10:45 ص


من كتاب
لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر
للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
قاضي ومفتي دولة قطر
دعوة العلماء و العقلاء إلى الاتحاد على حسن الاعتقاد
الحمد الله رب العالمين و صلى الله على نبينا محمد خاتم النبيين و على آله و صحبه أجمعين . أما بعد : فيا معشر العلماء الأجلاء و يا معشر العقلاء الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
تعالوا بنا نجلس على بساط البحث و التحقيق في أحاديث المهدي الذي وقع فيها الجدال
و كثرة القيل و القال ، فننظر إلى صلاحيتها و صحتها ، و ما يجب الإيمان به منها ، و ما يجب على المسلمين اعتقاده و منعه .
فإن البحث نتيجته الفائدة ، و ملاقاة التجارب من الرجال تلقيح لألبابها ، و العلم شجون يستدعي بعضه بعضا .
و متى قلنا : إننا مسلمون سلفيون ، و عقيدتنا عقيدة أهل السنة و الجماعة ، فإن هذا الاعتقاد يوجب علينا الاتحاد على كلمة الحق و قول الصدق ، فنتفق و لا نفترق . يقول الله
تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ) و إنه من المعلوم بطريق اليقين أن الله سبحانه
و تعالى خلق الناس متفاوتين في العلوم و الأفهام ، كما أنهم متفاوتون في العقول و الأجسام،
و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك .
من ذلك أحاديث المهدي و ما يقال في صحتها و صلاحيتها ، و ما يجب اعتقاده منها،
و أنه بمقتضى التحقيق له و الدرس لرواياتها يتبين بطريق اليقين أن فيها من التعارض
و الاختلاف ، و عدم التوافق و الائتلاف ، و وقوع الإشكالات ، و تعذر الجمع بين الروايات ما يحقق عدم صحتها ، و يجعل العلماء المحققين من المتأخرين و بعض المتقدمين يحكمون عليها بأنها مصنوعة و موضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ليست من كلامه،
و ينزهون ساحة رسول الله و سنته عن الإتيان بمثلها ، إذ الشبهة فيها يقينية ، و الكذب فيها ظاهر جلي ، و حاشا أن يفرض رسول الله على أمته الإيمان برجل من بني آدم مجهول في عالم الغيب لا يعلم زمانه و لا مكانه ، و هو ليس بملك مقرب و لا نبي مرسل ، و لن يأتي بدين جديد من ربه مما يوجب الإيمان به ، ثم يترك أمته يتقاتلون على حساب تحقيقه و التصديق به ، ثم يتقدم أحدهم فيحل نفسه هذا المهدي المجهول ، و يترتب عليه فتنة في الأرض و فساد كبير،
و كل الأحاديث التي يوردونها لتحقيق خروجه متناقصة متعارضة ، و مختلفة غير مؤتلفة ، فما يزعمونه صحيحا منها فإنه ليس بصريح في الدلالة على ما ذكروا ، و ما يزعمونه صريحا و فيه ذكر المهدي فإنه ليس بصحيح ، و جماع القول : إنها كلها ليست بصحيحة و لا صريحة و لا متواترة.
لكن قد يعرض لتحقيق ما قلنا قول بعضهم بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال بصحة خروج المهدي ، و هو العالم المحقق المشهود له بصحيح الرواية و صريح الدراية .
و أقول : نعم و إنني رأيت لشيخ الإسلام قولا يثبت فيه بأنه ورد في المهدي سبعة أحاديث رواها أبو داود . و كنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الإسلام ، حيث تأثرت بقوله ، حتى بلغت سن الأربعين من العمر و بعد أن توسعت في العلوم و الفنون ، و معرفة أحاديث المهدي
و عللها و تعارضها و اختلافها ، فبعد ذلك زال عني الاعتقاد السيئ و الحمد لله ، و عرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدي بعد رسول الله ، و بعد كتاب الله . و شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو حبيبنا و ليس بربنا و لا نبينا .
و قد قيل : كم فات على العالم النحرير ما عسى أن ينسب فيه إلى الخطأ و التقصير . و هو كسائر علماء البشر فلا يحيط بكل شيء علما ، فقد يحفظ شيئا و ينسى أشياء ، إذ الكمال لله سبحانه الذي لا راد لحكمه و لا معقب لكلماته. و قد شبهوا زلة العالم بغرق السفينة ، يغرق بغرقها الخلق الكثير ، و كم غرق في كلمة شيخ الإسلام هذه كثير من العلماء و العوام حين اعتقدوا صحة خروج المهدي ، فكان من لقيته من العلماء و العوام يحتج بكلام شيخ الإسلام رحمه الله .
و لعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم و الفنون و هو مجتهد
و مأجور على اجتهاده ، إذ يقول العالم المحقق قولا ضعيفا مرجوحا فلا يكون المقلد لقوله،
و المنتصر لرأيه بمثابته في حصول الأجر ، و حط الوزر بل فرضه الاجتهاد و النظر ، فكم من عالم كان يقول أقوالا في بداية عمره ثم يتبين له ضعفها فيقول بخلافها .
فهذا الإمام الشافعي له أقوال قالها في العراق ، و تسمى أقواله القديمة ثم صار له أقوال جديدة قالها في مصر ، و صار العمل على أقواله الجديدة الأخيرة ،  مثله الإمام أحمد فإن له في المسألة الواحدة عدة روايات ، لكون الاجتهاد في عرفهم يتجدد .
و هذا الدارقطني رد على البخاري في بضعة و ثمانين موضعا في صحيحه ، و لا عيب على البخاري و لا على الدارقطني ، و حسبك تفرق المذاهب إلى أربعة و كل يرى عنده دليلا ليس عند صاحبه و يترضى بعضهم على بعض .
و في البخاري : أن موسى لما لقي الخضر في مجمع البحرين ، و هاله ما رآه من تصرفه من قتله للغلام ، و بنائه للجدار الذي يريد أن ينقض ، و خرقه لسفينة المساكين الذين يعملون فيها التكسب في البحر ، فضاق صدر موسى من تصرفه ، و عيل صبره ، فأراد أن يفارقه فقال له الخضر يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت ، و أنت على علم علمكم لا أعلمه . و قال له أيضا يا موسى ما نقص علمي و علمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر . و هكذا يقع تفاوت العلماء فيما علموه ، و الاختلاف فيما فهموه ، كما قيل :
و تفاوت العلماء في أفهامهم             في العلم فوق تفاوت الأبدان
 
إنه يجب علينا بأن يكون تعليمنا و اعتقادنا قائما على أنه لا مهدي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا نبي بعده .
جزى الله عنا كل خير محمدا                       فقد كان مهديا و قد كان هاديا
 
كما نعتقد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلف وراءه علما و لا دينا يرتجي حصوله و وصوله على يد المهدي من بعده ، لأن الله سبحانه قد أكمل لنا الدين ، و أتم به النعمة على المسلمين بإرسال هذا النبي الكريم (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
و أنزل الله في كتابه المبين ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ) فما بعد الكمال إلا النقص ، و لا بعد الإسلام إلا الكفر .
و إننا بكتاب ربنا و سنة نبينا لفي غنى واسع عن دين يأتينا به المهدي المنتظر إذا المهدي ليس بملك مقرب و لا نبي مرسل ، و ليس ديننا الذي جاء به كتاب ربنا وسنة نبينا بناقص حتى يكمله المهدي ( و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم ) .
إن رسول الله قال في موقف عرفة حين خطبهم تلك الخطبة الطويلة فقال فيها : لعلي لا تلقوني بعد عامي هذا ، و قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله ، و في رواية أخرى : و سنتي ، و لم يقل : و تركت من بعدي المهدي ، إذ أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث صحيح صريح أنه ذكر المهدي باسمه .
إن من العلم ما يحسن كتمانه و يضر بيانه لبعض الناس ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص ببعض العلم أفرادا من الناس ، و يوصيهم بكتمانه خشية أن يفتن الناس ، كما خص معاذا بقوله صلى الله عليه وسلم : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة . فقلت : و إن زنا و إن سرق . فقال : و إن زنا و إن سرق . فقلت : أ فلا أبشر بها الناس ؟ فقال : لا تبشرهم فيتكلوا. متفق عليه . فأمره رسول الله بكتمان هذه البشرى خشية أن يتهاون الناس في فعل المعاصي  و المنكرات ، اتكالا على ما سمعوه فيفتنوا ، و لم يخبر معاذ بهذا الحديث أحدا إلا عند موته ..
ومثله إخباره حذيفة بأسماء ثلاثين من المنافقين و أمره بكتمانه ، فكان الصحابة لا يصلون إلا على من صلى عليه حذيفة ، و يسمونه صاحب السر المكتوم .
و قد ترجم له البخاري في صحيحه فقال : ( باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن يفهموا ) و ساق عن علي : حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله و رسوله ! و قالوا: إنك لن تحدث الناس بحديث لم تبلغه عقولهم إلا كان عليهم فتنة .
فمتى كان الأمر بهذه الصفة ، فإن السياسة الشرعية توجب على العالم بأن يذكرهم بما ينفعهم ، و ما يزيد في إيمانهم و تقواهم ، و أن يجتنب التذكير بما يفتنهم و يزعزع إيمانهم،
و يوقع القلق و الاضطراب في مجتمعهم ، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، و قد
قيل : إياك و ما سيق إلى القلوب إنكاره و إن كان عندك اعتذاره .
من ذلك : تذكير الناس بأن المهدي حق ، و أنه سيخرج على الناس لا محالة و أنه يملأ الأرض عدلا ، فإن هذا لا يزيد في الإيمان ، و لا في صالح الأعمال و يوقع في الناس الافتنان بين مصدق و مكذب . مع العلم أن أحاديث المهدي ليست بصحيحة ، و لا صريحة ، و لا متواترة بل هي كلها مجروحة و ضعيفة ، و الجرح مقدم على التعديل ، و قد رجح أكثر العلماء المتأخرين من خاصة أهل الأمصار بأنها كلها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، صنعها غلاة الزنادقة لما زال الملك عن أهل البيت ، فأخذوا يرهبون بها بني أمية و يوعدونهم بأنه سيخرج المهدي ، و قد حان خروجه فنزع الملك من بني أمية ثم يرده إلى أهل بيت رسول الله إذ أنهم أحق به و أهله .
و كان لعبد الله بن سبأ اليد العاملة في صياغة الحديث ، و التلاعب بعقول الناس ، وكان يقول : إن المهدي هو محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب ، و إنه بعث بعد موته و سكن بجبل رضوى في الحجاز بين مكة و المدينة ، و إن عنده عين عسل و عين ماء ، و سيقود الجموع لقتال بني أمية ، و سموا بالسبئة و فيه يقول كثير عزة و هو سبيء.
و سبط لا يذوق الموت حتى                يقود الجيش يقدمه اللواء
 
تغيب لا يرى فيهم زمانا                    برضوى عنده عسل و ماء
 
و على كل حال فإنه متى ساء الاعتقاد ساء العمل ، و ساءت النتيجة .
و لقد عاش الخلفاء الراشدون و الصحابة و التابعون ، ثم عاش من بعدهم العلماء و السلف الصالحون ممن كانوا في القرون الثلاثة المفضلة ، ثم عاش من بعدهم جميع العلماء و الحكام
و منهم : عماد الدين زنكي ، و نور الدين محمود الشهيد ، و صلاح الدين الأيوبي ، و جميع الناس بعدهم ، و في مقدمتهم شيخ الإسلام بن تيمية و العلامة ابن القيم ، فلم ينقص إيمانهم
و تقواهم عدم وجود المهدي من بينهم لعلمهم و اعتقادهم أن الدين كامل بدونه فلا حاجة لهم به خرج أو لم يخرج .
و إننا الآن في العام التمام للقرن الرابع عشر من السنين ، و ما يشعرني أنه سيأتي من الزمان أكثر مما مضى حتى تقوم الساعة دون أن يخرج المهدي ، و الله أعلم .

  

ليست هناك تعليقات: