الأربعاء، 14 أبريل 2010

حق التغيير



في هذا العصر كثرت الأحداث التي جعلت كثير من الشعوب تنتفض وتتظاهر وتثور من أجل الحصول على حقوق ضائعة أو للتعبير عن اعتراضها على قانون تم تشريعه لا يخدم مصالح أو توجهات الشعوب أو ضد حرب ضد الإنسانية أو استبداد حاكم أو نظام أو ضد تزوير انتخابات .
وكثير ما يحدث استجابة للسلطات جزئياً أو كليا لهذه المطالب وأحياناً أخرى يحتاج الأمر إلى مزيد من التظاهرات والجولات قد تحتاج إلى سنين حتى يتم الاستجابة للرأي العام ولكن في العموم فإن التظاهرات تحدث تأثير ولو قليل في توجهات الحكومات ولنضرب مثلاً فإن التظاهرات المستمرة والقوية في سنة 1919استطاعت أن تغير قليلا في حياة المصريين إلى الأفضل واحتاج الأمر إلى المزيد حتى تحولت القوات الإنجليزية من قوات احتلال إلى قوات رابضة في القناة بمعاهدة وهذا لاشك أفضل من احتلال كامل يتحكم في كل شيء في حياتنا ولو كان الشعب بذل جهدا أكثر في هذا الشأن لكنا حصلنا على استقلال تام و في سنة 79 استطاعت المظاهرات القوية والمستمرة أن تزيح شاه إيران من الحكم وأن تنقل إيران إلى أقوى دولة إقليمية و في التسعينات استطاعت أن تزيح شاوشيسكو دكتاتور رومانيا عن الحكم وكذلك كارلوس في الفلبين وسوهارتو في اندونيسيا وبدون حرب عصابات أو كثير من الدماء البريئة وكذلك استطاعت أن تفرض على أوباما في أمريكا أن يجعل الانسحاب من العراق ضمن برنامجه الانتخابي , والمظاهرات الأخيرة بسبب الاعتداء الإسرائيلي على غزة جعلت بعض الأطراف الدولية تتحرك ولو بشكل غير ضعيف من أجل محاولة وقف نزيف الدماء بل جعلت إسرائيل تتوقف عن مزيد من الدماء بعد أن أخفقت في تحقيق أهدافها وبعد أن خافت على سمعتها العالمية بعد أن اندلعت المظاهرات ضد الحرب على غزة في جميع أنحاء العالم من اليابان وكوريا شرقا إلى أمريكا وتشيلي غربا , وحاليا في قرغيزيا جعلت الرئيس كرمان باكييف المستبد هاربا من شعبه يخشى العودة إلى العاصمة بعد أن تسلمت المعارضة الشعبية السلطة. بل إن الانقلابات العسكرية التي تحدث في بعض الدول إذا أرادت أن تكتسب شرعية لنفسها سيرت المظاهرات الشعبية ولو بالإغراء بالمال.
إذن هذه التظاهرات كوسيلة لها نتيجة مؤكدة في تغيير مسار الشعوب والحكومات وإن حدث مرة لم يحدث فيها التظاهر اثر فليس هذا حكم عليها بعدم الفائدة فقد يكون ذلك بسبب ضعفها أو أن الأمر يحتاج إلى جولات مستمرة وعديدة وهذا رد على كل من يقولون لا فائدة من التظاهر أو أن ضررها اكبر من نفعها , وهي وسيلة مهمة لاشك فيها ويقدر عليها كل إنسان حتى إن النساء والأطفال يشاركون فيها أحياناً " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (71) التوبة. ولهذا لابد من دراسة الموضوع وتأصيله من الناحية الشرعية حتى نقف على مدى شرعيته وأهميته .
مشروعيته :
الحقيقة أن التظاهر هو وسيلة للتغيير باللسان هو إنفاذ لأمر الله تعالى "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (104)ال عمران وهو التطبيق العملي لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان "وهي أيضا أعظم الجهاد كما قال صلى الله عليه وسلم "أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" فالتظاهر هو إنكار باللسان بشكل جماعي ولاشك أن الجموع تعطي له أثر اكبر بكثير من الإنكار فـُرادى , بل كلما كثرت الجموع زاد أثرها وتحسنت النتيجة المرجوة , أما من ناحية أنه إنكار جماعي فذلك أن كل تعاليم الإسلام وتوجيهاته جاءت بصيغة الجمع مثل قوله " يا أيها الذين آمنوا .." والتي تكررت في القرآن الكريم بشكل كبير جدا.
كذلك التظاهر ينفي عن المسلمين اللعن الذي استحقته بني إسرائيل " عن عبد اللّه بن مسعود، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق اللّه ودع ما تصنع، فإِنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب اللّه قلوب بعضهم ببعضٍ" ثم قال: {لُعن الذين كفروا منن بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} إلى قوله: {فاسقون}" ثم قال: "كلاَّ واللّه لتأمرن بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر ولتأخذنَّ على يدي الظالم ولتأطرنه على الحقِّ أطراً ولتقصرنه على الحقِّ قصراً أو ليضربنَّ اللّه بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم ليلعنكم كما لعنهم".رواه أبو داود والبيهقي أليس هذا ما نقله لنا السلف الصالح
أهميته :
ـ هي أكثر وسيلة تصل إلى سمع وبصر الظالمين مباشرة بدون وسيط ,وهي لاشك أفضل من غيرها من الوسائل التي تقال في الغرف المغلقة وبعيدا عن أعين الظالمين حيث تنقلها وسائل الإعلام إلى أعينهم وآذانهم صوت وصورة فهي أكثر جدوى من كلمة مقروءة أو مسموعة لا تصل إلى سمع وبصر الظالمين .
ـ يقلق مضاجع الظالمين ويجعلهم يعيدون حساباتهم ويعملوا ألف حساب عندما يريدون أن يمرروا ظلما أو يقروا قانونا يغضب الله تعالى .
ـ يُعلم الناس الشجاعة في الحق أن هناك طريقة للتخلص من الظلم وتغيير الواقع المر وأن هناك من يشاركهم الهم غير خانع ولا ذليل ولا ينتظر الفرج من السماء بدون عمل ولا حركة فيقتدوا بهم وتعظم المشاركة المجتمعية وتخلص المجتمع من السلبية السائدة , وبها يتعرف الناس على طريقة صحيحة تناسب الظروف والعصر ولا تخالف الشرع .
ـ لاشك أن توقيف الظالمين عند حدودهم يمنعهم من التمادي في الظلم وفي تعديل سياساتهم لتكون أبعد عن الظلم واقرب للعدالة .
ـ أن السكوت يظنه الظالم رضا مما يجعله يتمادى في ظلمه فينتج عن ذلك أن تسوء أوضاع الناس وتسير من أسوء إلى أسوء وهذا ما سار عليه حالنا .
ـ أنها أكثر وسيلة يخشى منها الظالمون وتجعله ضعيفا أمام الرأي العام وتضعف شرعية نظامه ولذلك يعدوا لها عدتها ويعملوا لها ألف حساب أكثر من غيرها من الوسائل .
ـ الواقع والتاريخ المعاصر يشهد بأثرها في التغيير ونتيجتها في تحسن مسيرة الشعوب إلى الأفضل .

ـ أنها شهادة على ظالم أو ظلم أمرنا الله أن نشهد عليه وألا نكتمه بل نقيمه على كل ظلم أو ظالم " ...وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)الطلاق .

ـ أخيرا هو متنفس سلمي للتغيير أفضل من العمليات المسلحة التي تسيء إلى الإسلام والتي قد تذهب فيها أرواح بريئة ليس لها ذنب والتي تتبناها بعض الجماعات المعارضة
شبهات:
ـ وهناك من يقول إنها بدعة لم يأت بها الإسلام وكلنا نعرف أن البدعة إنما تكون في الدين والشعائر أو النسك وليس في الوسائل والأشكال فالإسلام أمرنا بتغيير المنكر وحدد درجاته ولم يحدد وسائل . وللناس أن تختار الوسيلة المناسبة وفق الشروط التي حددها العلماء وهي :
1 ـ ظهور المنكر
2 ـ ألا يؤدي إزالة المنكر إلى منكر أكبر منه
3 ـ أن يكون الإنكار على منكر متفق على أنه منكر وليس مختلف فيه
4ـ ألا يتم إزالة المنكر بمنكر اكبر منه
والشرع لم يحدد وسائل بعينها فيجوز التغير بالوعظ والخطابة أو الكتابة والنشر في الصحف أو الانترنت أو الحديث الإعلامي أو التظاهر أو الحوار مع الناس أو غيره مما يبتكر في كل عصر المهم الالتزام بالشروط الشرعية.
ـ والتظاهر ليس خروج على الحاكم لأن الخروج المنهي عنه هو الخروج المسلح والتظاهر ليس فيه أي سلاح ولا حتى عصا أو شومة والذين حرموا التظاهر قياساً على الذين خرجوا على سيدنا عثمان رضي الله عنه قياس غير صحيح لأن الذين خرجوا على سيدنا عثمان خرجوا مسلحين ومن أجل باطل وعلى حاكم عادل والتظاهر موضوع الدراسة مختلف تماماً عن هذه الصورة المحرمة فهو سلمي وباللسان واللافتات أو الصور المعبرة عن موضوع التظاهر .
ـ وقد يقولون أن التظاهر دعوة للفتنة وهل هناك فتنة أكبر من إبعاد شرع الله عن الحياة وتغليب الغش والكذب والزور والإباحية ونهب أموال الناس بالباطل وإفقارهم وإمراضهم وتجهيلهم أليس بفتنة أم أن هؤلاء قد استمرءوا هذه الأوضاع فصار المنكر معروفا والمعروف منكرا أم أنهم يعتبرون ما يتعرضون له من ضرر فتنة؟ .
ـ أما من يحرم التظاهر بسبب ما قد يحدث من ضررـ وهو محتمل وليس مؤكد ـ على المتظاهرين تقوم به السلطات فإن تحمل هذا الضرر وهو الأصغر مقدم على تحمل ضرر عدم إنكار المنكر وهو الأكبر والمؤكد فإن حقن دماء المسلمين في غزة أو حماية الأقصى من الهدم أو تغيير ظلم أو منكر وهو الأثر الذي يُرجى من هذه التظاهرات مقدم على ضربة عصا في سبيل الله أو حبس هو للمسلم خلوة مع الله والأجر والثواب على قدر المشقة " أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ "(3)العنكبوت.إن من يغلق هذا الباب يفتح باب أخر هو أشد وأنكى وهو العمليات الإرهابية
ـ والتظاهر هو لاشك خير من السكون والسكوت وهو مطلب الذين يحرمونه علينا فإن سكوتنا علامة رضانا على ما يحدث وهو ما يشجع على التمادي في الظلم والقتل , والسكوت هو مطلب كل ظالم فتحريم التظاهر هو خدمة مجانية لكل ظالم بل للعدو إن العدو أو الظالم يريد أن يقتل أو يظلم بدون إزعاج وبدون تلويث سمعته العالمية التي يحرص على أن يظهر فيها بمظهر الضحية المعتدى عليها أو السلطة الشرعية ونعوذ بالله أن نكون من خدام الأعداء أو الظالمين.
ـ وقد يكوم الدافع للتحريم هو ضعف وخوف على البدن أو على الجاه والهيبة والمكانة أو خوف من فقدان لذات الدنيا فأقول لهم اجعلوا خوفكم من الله هو أكبر وأعلى واطمعوا فيما عند الله هو خير وأولى و تذكروا قوله تعالى" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل*فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم *إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين"

موضوعات ذات صلة على صفحة .. إسلاميات

ليست هناك تعليقات: