الأحد، 12 مايو 2013

الإسلام و العالمانية صراع بقاء

  

   طوال عقود من الزمان و بعد تسلم العالمانيون  الحكم من المحتل الإنجليزي , حرمونا من حقنا في اختيار من يحكمنا وبما يحكمنا , لأنهم يعرفون جيدا أن مشروعهم ـ بفرعيه الليبرالي واليساري "الشيوعي" ـ محكوم عليه بالفناء في ظل مناخ الحرية و الديمقراطية ولهذا حرمونا منها , و حاربوا الإسلام حرب استئصال وإقصاء , حاولوا فيها تجفيف كل منابع بعث هذا الدين حتى لا يكون حاضرا وفاعلا في حياة الناس , وعندما فشلت العالمانية بعد الثورة من نيل ثقة الشعب في خمس جولات انتخابية و استفتائية ,  لجأت إلى إرهاب الشوارع وحرب المولوتوف والحرق و الفوضى والقتل , ثم محاولات مستميتة لتحريض الجيش على الانقلاب على إرادة الشعب , ثم دعم وتحريض القضاة الذين انقلبوا فعلا على إرادة الشعب , ثم القفز في بئر الخيانة بالاستعانة بأمريكا وطلب تدخلها علنا وجهرا , مصحوبا بأكبر حرب إعلامية سمعنا عنها في التاريخ , مغموسة بكمية كذب و تضليل يعجز الشيطان أن يأتي بمثلها , ثم الآن تُجرب اغتيال رموز الإسلاميين بدءا من صبحي صالح ثم مصطفى محمد مصطفى عضوي مجلس الشعب , مرورا بمحاولة اقتحام قصر الرئاسة واعتراض سيارة رئيس الوزراء بإطلاق الرصاص , ومع ذلك فرص بقاء العالمانية في بلاد المسلمين ضعيفة جدا وإلى ضمور, لأن كل ما يفعله العالمانيون يعكس حجم الفشل والإفلاس في منهجهم وأشخاصهم , بالإضافة إلى كمية من الطمع في السلطة تكفي لإطلاق حمم بركانية نارية من الحقد و الغل لتدمير بلد بحجم مصر , لكن القوة والعنف لن تُحيي فكرة تم تجربتها وأثبتت فشلها عقودا طويلة .

  كان العالمانيون يحاربون الإسلام بشكل متدرج , بدئوا أولا بإدخال المحاكم المختلطة الأجنبية لتعمل بجانب المحاكم الشرعية ثم تم إلغاء المحاكم المختلطة لتحل محلها المحاكم الأهلية التي تستمد قانونها من القانون الفرنسي ثم يأتي عبد الناصر ويقضي على المحاكم الشرعية تماما ويحتل الأزهر ويلغي استقلاله ويلغي مادة الدين من كونها مادة أساسية تضاف للمجموع إلى مادة هامشية ,ثم يقصي كل من وقف مدافعا عن الإسلام من كل مواقع السلطة أو التأثير في المجتمع , فضلا عن اعتقال وإعدام أهم فصيل يحمل هم الإسلام وقضاياه ,   ثم تسخير كل فنون السينما و المسرح والتلفزيون و الأدب و الشعر للاستهزاء بالدين و رموزه و شعائره وشرائعه واستبدال كل ذلك بنهج من الإباحية قضى على أخلاق المصريين و معتقداتهم وتفسخ المجتمع وضاعت الثوابت وضاعت معها سيناء و القدس وفلسطين وصرنا مجرد مشروع ذيل إما لإنجلترا ثم  لروسيا ثم لأمريكا  .

   أقامت العالمانية هذه الحرب على الإسلام لأنها  تعرف أنه منافسا قويا لا يُقاوَم , يؤكد هذا أن العالمانية في مصر وفي كافة الدول الإسلامية لم تحكم إلا بقوة محتل أو عسكر وفي الحالتين تساندهما قوة عسكرية وبوليسية وآلة إعلامية جبارة , ولم تستطع تطبيق عالمانية كاملة في كل الحالات بسبب الخوف من تنامي المعارضة الشعبية المقاومة للعالمانية و المتمسكة بالإسلام .

   ثم إن العالمانيين يعرفون أن الإسلاميون إذا وصلوا إلى الحكم فعلا , سيثبتون عمليا بأنهم جديرين بالقيادة ذلك لأنهم يعتبرون خدمة الناس وتحقيق العدالة وإعداد القوة عبادة لله تعالى , الأمر الذي يجعل الشعب ينتخبونهم .. وهذا ما حدث في النقابات المهنية في مصر ومع حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي زادت شعبيته إلى أكثر من 60% في الانتخابات الأخيرة .

  ـ أكثر العوار الذي يواجه المشروع العالماني هو كونه ـ في تاريخه كله ـ كان دائما يمثل دور التابع للمشروع الأجنبي سواء كان شرقيا أو غربيا , وكان دائما معترفا بواقع السيطرة الأجنبية مستسلما لها وأقصى طموحه في الاستقلال  كان استقلالا اقتصاديا محدودا تم تطبيقه في عصر عبد الناصر ولم يؤسس على الاستقلالية الكاملة لهذا فشل في أول تغيير لشخص صاحب المشروع , وكون المشروع العالماني  الليبرالي أو الشيوعي مستوردا من الخارج فسيظل عوار التبعية متلبثا به , مهما حاول الظهور كمشروع مستقل أو أوهم الناس بأنه مشروع مصريا صميما فأهم ما يوصف به المشروع المستقل ليس كونه خرج على أيد من يتصفون بالإسلام أو حمل الجنسية المصرية و لكن كونه يستلهم الهوية الثقافية و الدينية لمصر والتي لم تتغير بالرغم من حرب العالمانية ضد الإسلام   .

    وأكثر ما يتميز به المشروع الإسلامي هو كونه مستقلا تماما عن أي مشروع مستوردا من الخارج أو غريب على ثقافة المجتمع ودينه , كما أنه مشروع مستقل بشكل شامل سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا , فهو لا يركز على الاستقلال الاقتصادي كما فعلت التجربة الناصرية في حين أنها سياسيا كانت تابعة للسياسة الروسية التي تمثلت في قبول أكثر من 70 ألف عسكري روسي في مصر تحت زعم المساعدة العسكرية , ومساعدتها للحركات اليسارية التحررية تحديدا , دعما لها ضد الحركات التحررية الإسلامية والوطنية , بينما جاء النموذج الليبرالي في عصر السادات ومبارك حيث حول تبعيته السياسية إلى الاتجاه المعاكس ناحية الغرب وإسرائيل , ولم يفكر في أي تحرر اقتصادي أو ثقافي , وصلت إلى درجة العمالة , حتى أن إسرائيل صرحت في أكثر من مناسبة أن مبارك كان كنزا استراتيجيا لإسرائيل , وتعامل معها كثير من الإعلاميين والمفكرين والكتاب على أساس أنها دولة صديقة .

  ـ ومن عوار المشروع العالماني أنه في ظل حكمه , لم يهتم بأمر الفقراء بل اتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء إلى أقصاها ففي عهد عبد الناصر كانت الهوة سحيقة بين أفراد الشعب وبين طبقة الحاكمين من العسكر وكبار موظفي الدولة , وظهرت الطوابيرـ كظاهرة جديدة ـ على الجمعيات الاستهلاكية من أجل الحصول على السلع الضرورية وتم توزيع الفقر بشكل أوسع على غالبية الشعب , ونفس الأمر في عصر السادات كانت الهوة تزداد اتساعا ولكن بين الشعب وبين طبقة رجال الأعمال , وفي كلا النظامين الاشتراكي الناصري والليبرالي الرأسمالي عانى الفقير معاناة شديدة , مات كثير من  الناس من الأمراض ومن عدم توافر تكلفة العلاج وظهرت مصر في ترتيب متأخر جداً في معدلات التنمية والدخل القومي , بل كان يسُمح لرجال الأعمال ممارسة كافة طرق الاستغلال والاحتكار والرشوة لنهب الشعب المصري وفي نفس الوقت يتمتع أبنائهم بالمناصب العليا , و في مناطقهم السكنية تقدم لها كافة خدمات النظافة والتجميل والمواصلات وغيرها , بينما هم محرومون من أبسط هذه الحقوق , ثم يلومون على الإسلاميين أنهم  يراعون الفقراء ويواسونهم بقليل من السلع الغذائية .

   في حين أن ثقافة الناس تتقبل الإسلام لأنه المنهج الوحيد الذي عنى بالفقراء عناية فائقة حتى أنه في تاريخ البشرية شن أول حربا في العالم  دفاعا عن حقوق الفقراء و ضد مانعي الزكاة , والمنهج الوحيد والسابق في ضمان حق الحياة الكريمة للفقراء فضلا على أنه المنهج الوحيد الذي شن حربا شديدة في القرآن ضد ترف وبخل الأغنياء .

  ـ التدني الأخلاقي والتفريط الديني الملازم للعالمانيين جعل الناس ـ كمسلمين ـ يتشككون في صدق أطروحاته ووعودهم بالعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات , فقد شهد الناس على مدى السنين العالمانيين يرتادون البارات ونساءهم شبه عاريات ويشجعون تدني مستوى الفن الذي ينشر التفسخ الأخلاقي ويحمون وجوده باسم الحرية لأن المتفسخون أخلاقيا  هم الذين يحمون العالمانية لأنها تتيح لهم ممارسة فسقهم الذي تعودوا عليه .

   ـ كون المشروع العالماني فُرض على الناس بالقوة و القهر والاستبداد والإقصاء لكل ما و من هو إسلامي , مع بداية الاحتلال وظهور الدولة العسكرية البوليسية جعل الناس تنفر منه وتتقبله مكرهه تحت نير التهديد بالسجن والاعتقال والتعذيب , بينما الإسلام لم يفرض بالقوة ولم يعتنقه الناس إلا بإرادتهم الحرة , وهذا هو ما تنزع إليه النفس الإنسانية أن تكون حرة فيما تؤمن به وتتبناه .

   ـ أهم ما جعل الناس تكره العالمانيين هو موقفهم العدائي من الإسلام عموما ودعمهم لكل من يجرح أو يشكك في الإسلام ورموزه , أذكر أن محكمة النقض حينما حكمت بارتداد نصر أبو زيد وفرقت بينه وبين زوجته , أقاموا الدنيا ولم تقعد حتى تم تغيير قانون الحسبة حتى لا يمكن لأحد بعد ذلك أن يقيم دعوة ضد من يجرح أو يشكك في الإسلام , وأذكر عندما نشأت تجربة شركات توظيف الأموال وقف أحد أعضاء الحزب الوطني في مجلس الشعب يقول محذرا ومستنكرا و بصوت جهوري زاعق "دول بيطبعوا كتب التراث وبيفتحوا مدارس إسلامية " هذا هو ما يؤذيهم و يستفزهم .

المعركة مستمرة ولن تتوقف , والإسلام قادم ليقود ويسود , طالما وجد الإسلام من يدافع عنه ويدعم توجهاته , لأنه متسق مع الفطرة مصلح للنفس والمجتمع وأصلح لتحقيق الأمن والسعادة للبشرية , " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (33)التوبة .
موضوعات ذات صلة على صفحة .. إسلاميات

ليست هناك تعليقات: