الأربعاء، 20 فبراير 2013

في مفترق الطرق


كتبهامصطفى الكومي ، في 5 نوفمبر 2010 الساعة: 11:10 ص

العدالة الاجتماعية في الإسلام
الشهيد سيد قطب
في مفترق الطرق
والآن فإلى أين نحن نسير؟
   يجب أن نقف لحظة لنسأل أنفسنا هذا السؤال ؛ ولونجه حياتنا في الاتجاه الذي نريد .
إن العالم بعد حربين متواليتين ينقسم اليوم إلى كتلتين كبيرتين : كتلة الشيوعية في الشرق , وكتلة الرأسمالية في الغرب .. هذا ما يبدو في ظاهر الأمر , وما تلوكه الألسن , ويقر في الأذهان .. فأما نحن فنعتقد أنه انقسام ظاهري لا حقيقي ؛ وأنه انقسام على المصالح لا على المبادئ ؛ وانه صراع على السلع والأسواق لا على العقائد والأفكار . فطبيعة التفكير الأوربي الأمريكي لا تفترق في حقيقتها عن طبيعة التفكير الروسي . كلتاهما على تحكيم الفكرة المادية في الحياة , وإذا كانت روسيا والصين وما إليها صارت شيوعية مادية فإن أوربا وأمريكا لا تفترقان عنها في التصور المادي والتاريخ !
   فليس وراء التفكير المادي الذي يسود الغرب , ويرد الأخلاق إلى المنفعة , ويدعو إلى التناحر على الأسواق والمصالح .. ليس وراء هذا التفكير الذي ينفي العنصر الروحي من الحياة ؛ وينفي الإيمان بغير المعمل والتجربة ؛ ويحتقر المثل العليا المجردة ؛ وينكر وجود حقائق للأشياء إلا وظيفتها ـ على نحو ما تصنع فلسفة البراجماتيزم ـ ليس وراء هذا التفكير إلا المادية الماركسية في صورة أخرى !
إنه لا يوجد اختلاف في طبيعة التفكير الأمريكي والروسي , ولكن توجد اختلافات في الظروف الاقتصادية والاجتماعية . والذي يمسك الأمريكي العادي أن يكون شيوعياً ليس فكرة عن الحياة ترفض التفسير المادي للكون والحياة والتاريخ , بل لأن الفرصة مهيأة أمامه ليصبح ثرياً , ولأن أجر العامل مرتفع كذلك .
   فلا يخدعنا أن نرى الصراع قوياً وعنيفاً بين كتلتي الشرق والغرب : فكلتاهما لا تملك إلا فكرة مادية عن الحياة , وكلتاهما قريبة في طبيعة تفكيرها من الأخرى , وكلتاهما لا تتنازعان على مبدأ أو فكرة , إنما تتنازعان النفوذ في العالم , والربح في الأسواق ! ونحن هذه الأسواق !
   أما الصراع الحقيقي العميق , فهو بين الإسلام وبين الكتلتين الغربية والشرقية جميعاً . فالإسلام هو القوة الحقيقية التي تقف لقوة الفكرة المادية التي تدين بها أوربا وأمريكا وروسيا والصين على السواء . والإسلام هو الذي يتضمن التصور الكلي الشامل المتناسق عن الوجود والحياة ؛ ويقيم التكافل الاجتماعي في المحيط الإنساني مقام الصراع والتطاحن ؛ ويجعل للحياة قاعدة روحية تصلها بالخالق في السماء ؛ وتسيطر على اتجاهها في الأرض ؛ ولا تنتهي بالحياة إلى تحقيق أغراض مادية بحتة , وإن كان النشاط المادي المثمر عبادة من عبادات الإسلام .
   وحقيقة إن الأديان الروحية ـ وفي مقدمتها المسيحية ـ تنكر المادية الأوربية الأمريكية , كما تنكر المادية الشيوعية , لأنهما من طبيعة واحدة مع الفكرة الروحية في الحياة . ولكن المسيحية ـ فيما أرى ـ لا تحسب قوة إيجابية في مواجهة الأفكار المادية الجديدة ؛ فقد انتهت إلى أن تكون ديانة فردية انعزالية سلبية ؛ لا تملك الحياة أن تنمو في ظلها النمو الدائم الفعال . ولقد عجزت عن مسايرة الحياة العملية في الأجيال المتلاحقة , ولم تسيطر على الحياة الواقعية , لأنها ـ كما صنعتها الكنيسة والمجامع المقدسة ـ بعيدة عن واقعيات الحياة .
   والمسيحية كما انتهت إليه لا تستطيع أن تجاري الأحوال الاجتماعية والاقتصادية الدائمة التغير ؛ لأنه ليس في صميمها أية فكرة عن الحياة الواقعة العملية . فأما الإسلام فهو نظام كوني كامل ؛ فيه العقيدة , وفيه التشريع , وفيه التنظيم الاجتماعي والاقتصادي الخاضع للوجدان وللتشريع , القابل للنمو في الفروع والتطبيقات .
   وهو يقدم للبشرية تصوراً كاملاً شاملاً عن الوجود والحياة , ونظاماً عملياً واقعياً للمجتمع , وشريعة مفصلة وقابلة للنمو التفريعي الذي يقابل حاجات المجتمع المتجددة .
   وهو يقيم نظامه على أساس تصور شامل عن الحياة ويرفض التفكير المادي , ويقيم السلوك على أساس العنصر الروحي الأخلاقي , فيرفض فكرة المنفعة القريبة . وبذلك يصطدم اصطداماً مباشراً بالعقلية المادية السائدة في الكتلتين الشرقية والغربية ؛ ويرفع الحياة إلى أفق أعلى من تلك الآفاق القريبة ؛ التي تستشرفها أوربا وأمريكا وروسيا على السواء .
*      *      *
   من ذلك الاستعراض السريع يبدو جلياً أن الصراع الحقيقي في المستقبل لن يكون بين الرأسمالية والشيوعية , ولا بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي … ولكنه سيكون بين المادية المتمثلة في الأرض كلها وبين الإسلام .. أو بتعبير أصح وأدق ستكون بين النظام الذي يجعل العبودية لله وحده , ويخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده , وبين سائر الأنظمة الأرضية التي تقوم على أساس من عبودية العباد للعباد ..
   والمعسكران الشرقي والغربي على السواء يدركان هذه الحقيقة . ويعملان معاً ـ على كل ما بينهما من منافسات ومن متناقضات ـ على سحق حركات البعث الإسلامي في كل مكان وعلى حرب الإسلام بكل صور الحرب في كل مكان .
   وهذا ما ينبغي أن يدركه الداعون إلى الله , فلا ينخدعوا بهذا النزاع الظاهر بين المعسكرات المختلفة , وبين الأنظمة المختلفة .
إن الإسلام هو القوة الحقيقة التي يحسب لها المعسكران كل حساب . وبقى أن يعرف أصحاب الإسلام هذه الحقيقة وان يقيموا خطتهم على هذا الأساس .
   حركات البعث الإسلامي اليوم في مفترق الطرق . ونقطة البدء الصحيحة في الطريق الصحيح , هي أن تتبين الشرط الأساسي ل"وجود" الإسلام , أو عدم وجوده ؛ وأن تستيقن أن "وجود" الإسلام اليوم قد توقف ؛ وألا تفزع لهذا التقرير الخطير , ولا يتعاظمها الأمر , فتحجم رؤيته والجهر به . وأن تعلم أنها تستهدف إعادة إنشاء الإسلام من جديد ؛ أو بتعبير أدق رده مرة أخرى إلى حالة "الوجود" بعد أن توقف هذا الوجود فترة .. هذا طريق .. والطريق الآخر أن تظن هذه الحركات ـ لحظة واحدة ـ أن الإسلام قائم , وأن هؤلاء الذين يدّعون الإسلام ويتسمون بأسماء المسلمين هم فعلاً "مسلمون!" وأن الأوضاع "العلمانية" السائدة في الأرض هي أوضاع "إسلامية" كالوضع الذي أقامه أتاتورك , والأوضاع التي سارت على نسقه .. كما يريد " ولفرد كانتول سميث" وأمثاله والمخدوعون به والخادعون , أن يلقوا في روع الناس !
هذا طريق .. وذلك طريق . وحركات البعث الإسلامي اليوم على مفرق الطريق ! فإن سارت في الطريق الأول سارت على صراط الله وهداه ؛ وعلمت أنها تواجه توقفاً في "وجود" الإسلام ذاته . وأنها تستهدف ما استهدفه محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والجماعة المسلمة الأولى ؛ وأنها ستلقى مثلما لقى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه , من الاضطهاد والتعذيب , ومن الصبر والمصابرة , ثم من النصر والتأييد , والتمكين في الأرض في نهاية المطاف .
   وإن صارت في الطريق الثاني الذي يدلها عليه مستر"ولفرد كانتول سميث" وضرباؤه والمخدوعون والخادعون , فستسير وراء سراب كاذب . تلوح لها فيه من بعيد "عمائم" .. تحرف الكلم عن مواضعه , وتشتري بآيات الله ثمناً قليلاً ؛ وترفع راية الإسلام على مساجد الضرار ؛ وتضع لافتات إسلامية على معسكرات الفجور والانحلال !
   إن حركات البعث الإسلامي تتناثر اليوم على وجه الأرض كلها ؛ وتقتحم على الصليبية عرينها في قلب أمريكا وأوربا ؛ وتنتفض في آسيا وإفريقية ـ على الرغم من كل ما رصدته لها الصليبية والصهيونية من الأجهزة والأوضاع التي تحاول سحقها .
   ولكن هذه الحركات يمكن أن تذهب وراء السراب الخادع ؛ ويمكن أن تسلك الطريق القاصد ..
ورجاءنا في الله كبير أن يفتح البصائر على الحق , وان يفتح العيون على الواقع .
والله الهادي والموفق والمعين ..
 العدالة الاجتماعية في الإسلام
الشهيد سيد قطب
     

ليست هناك تعليقات: