الأربعاء، 27 مارس 2013

التكافل الاجتماعي


العدالة الاجتماعية في الإسلام
الشهيد سيد قطب
اسس العدالة الاجتماعية في الإسلام
التكافل الاجتماعي
لا تستقيم حياة يذهب فيها كل فرد إلى الاستمتاع بحريته المطلقة إلى غير حد ولا مدى , يغذيها شعوره بالتحرر الوجداني المطلق من كل ضغط , وبالمساواة المطلقة التي لا يحدها قيد ولا شرط ؛ فإن الشعور على هذا النحو كفيل بأن يحطم المجتمع كما يحطم الفرد ذاته . فللمجتمع مصلحة عليا لا بد أن تنتهي عندها حرية الأفراد ؛ وللفرد ذاته مصلحة خاصة في أن يقف عند حدود معينة في استمتاعه بحريته ؛ لكي لا يذهب مع غرائزه وشهواته ولذائذه إلى الحد المردي ؛ ثم لكي لا تصطدم حريته بحرية الآخرين , فتقوم المنازعات التي لا تنتهي , وتستحيل الحرية جحيماً ونكالاً ؛ ويقف نمو الحياة وكمالها عند حدود المصالح الفردية القريبة الآماد . وذلك كالذي حدث في "حرية" النظام الرأسمالي , وما صاحبه من نظريات الحرية الحيوانية للشهوات !
والإسلام يمنح الحرية الفردية في أجمل صورها , والمساواة الإنسانية في أدق معانيها , ولكنه لا يتركها فوضى , فللمجتمع حسابه , وللإنسانية اعتبارها , وللأهداف العليا للدين قيمتها . لذلك يقرر مبدأ التبعة الفردية , في مقابل الحرية الفردية , ويقرر إلى جانبها التبعة الجماعية التي تشمل الفرد والجماعة بتكاليفها . وهذا ما ندعوه بالتكافل الاجتماعي.
والإسلام يقرر مبدأ التكافل في صوره وأشكاله . فهناك التكافل بين الفرد وذاته , وبين الفرد وأسرته القريبة , وبين الفرد والجماعة , وبين الأمة والأمم , وبين الجيل والأجيال المتعاقبة أيضاً .
هناك تكافل بين الفرد وذاته , فهو مكلف أن ينهي نفسه عن شهواتها ؛ وان يزكيها ويطهرها ؛ وان يسلك بها طريق الصلاح والنجاة ؛ وألا يلقي بها إلى التهلكة :" فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"(41النازعات).." وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"(10الشمس).."وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ"(195البقرة) . وهو مكلف في الوقت ذاته أن يمتع نفسه في الحدود التي لا تفسد فطرتها , وأن يمنحها حقها من العمل والراحة فلا ينهكها ويضعفها: "وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا"(77القصص) .."يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"(31الأعراف).
والتبعة الفردية كاملة . فكل إنسان وعمله . وكل إنسان وما يكسب لنفسه من خير أو شر , ومن حسنة ومن سيئة , ولن يجزي عنه أحد في الدنيا ولا في الآخرة :"كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ"(38المدثر).." أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى"(41النجم).. "لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ"(286البقرة).. "فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ "(41الزمر).." وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ.."(111النساء) .
وبذلك كله يقف الإنسان من نفسه موقف الرقيب , يهديها إن ضلت , ويمنحها حقوقها المشروعة ؛ ويحاسبها إن أخطأت , ويحتمل تبعة إهماله لها . وبذلك يقيم الإسلام من كل فرد شخصيتين , تتراقبان و تتلاحظان , وتتكافلان فيما بينهما في الخير والشر , في مقابل منح هذا الفرد التحرر الوجداني الكامل , والمساواة الإنسانية التامة . فالحرية والتبعة تتكافآن وتتكافلان .
*    *    *
وهناك تكافل بين الفرد وأسرته القريبة : "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"(24الإسراء) .. "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ "(14لقمان) . ." وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ "(233البقرة) .
وقيمة التكافل في محيط الأسرة أنه قوامها الذي يمسكها ؛ والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع ، ولا مفر من الاعتراف بقيمتها ؛ وهي تقوم على الميول الثابتة في الفطرة الإنسانية , وعلى عواطف الرحمة والمودة , ومقتضيات الضرورة والمصلحة ؛ كما أنها العش الذي تنشأ فيه وحوله مجموعة الآداب والأخلاق الخاصة بالجنس , وهي في صميمها آداب المجتمع الذي ارتفع عن الإباحية الحيوانية والفوضى الهمجية .
ولقد حاولت  الشيوعية أن تقضي على الأسرة بحجة أنها تنمي أحاسيس الأثرة الذاتية وحب التملك ؛ وتمنع الشيوعية الثروة , وشيوعية ملكية الدولة للأفراد . . . ولكنها فيما يبدو قد فشلت في هذا فشلاً تاماً , فالشعب الروسي شعب عائلي , وللعائلة مكانها في نفسه وفي تاريخه , فوق أن الأسرة نظام بيولوجي ونفسي لا نظام اجتماعي فحسب , فتخصيص امرأة لرجل أصلح بيولوجياً وأفلح لإنجاب الأطفال . وقد لوحظ أن المرأة التي يتداولها عدة رجال تعقم بعد فترة معينة أو لا يصح نسلها . أما من الوجهة النفسية فمشاعر المودة والرحمة تنمو في جو الأسرة خيراً مما تنمو في نظام آخر , وتكوين الشخصية يتم في هذا المحيط خيراً مما يتم في أي نظام آخر . وقد أثبتت تجارب الحرب الأخيرة بين أطفال المحاضن , أن الطفل الذي تتناوب تربيته عدة حاضنات تختل شخصيته وتتفكك , ولا تنمو فيه مشاعر الحب والتعاون ؛ كما أن الطفل الذي لا والد له يعاني مركب النقص , ويهرب من هذا الواقع ويتخيل والد لا وجود له , ويتصل به في الخيال , ويصوره في شتى الصور والأشكال .
وليست العوامل البيولوجية والنفسية وحدها , فهناك مقتضيات الضرورة والمصلحة التي تربط بين رجل وامرأة لتكوين بيت ورعاية أطفال , ثم العلاقات التي تربط بين أفراد الأسرة الواحدة , وتجعل منهم وحدة اجتماعية متعاونة في الخير والشر , متكافلة في الجهد والجزاء , جيلا بعد جيل .
ومن مظاهر التكافل العائلي في الإسلام ذلك التوارث المادي للثروة المفصل في الآيات التاليات : "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ "(12النساء) .. "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (176النساء).
أم الوصية التي أشير إليها في الآيتين الأولين لا تتجاوز الثلث بعد وفاء الدين ولا تكون لوارث , لحديث : "لا وصية لوارث "(2) . إنما شرعت لتدارك بعض الحالات التي لا يرث فيها من توجب الصلة العائلية أن يصله المورث ببره , ولتكون مجالاً لإنفاق شيء من التركة في وجوه البر والخير .
هذا النظام الذي شرعه الإسلام مظاهر التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة , وبين الأجيال المتتابعة ـ فوق أنه وسيلة من وسائل تفتيت الثروة لئلا تتضخم تضخيماً يؤذي المجتمع (وسنتحدث عن هذا في فصل سياسة المال) أما هنا فنكتفي بالقول بأن في نظام الإرث الإسلامي عدلاً بين الجهد والجزاء , وبين المغانم والمغارم في جو الأسرة . فالوالد الذي يعمل ـ وفي شعوره أن ثمرة جهوده لن تقف عند حياته القصيرة المحدودة , بل ستمتد لينتفع بها أبنائه وحفدته , وهم امتداده الطبيعي في الحياة  ـ هذا الوالد يبذل أقصى جهده , وينتج أعظم نتاجه ؛ وفي هذا مصلحة له وللدولة وللإنسانية , كما أن فيه تعادلاً بين الجهد الذي يبذله والجزاء الذي يلقاه . فأبناؤه جزء منه يشعر فيهم بالامتداد والحياة .
أما الأبناء فعدل أن ينتفعوا بجهود آبائهم وأمهاتهم , وإذا الصلة بين الوالدين والأبناء لا تنقطع لو قطعت صلة الميراث المالي ؛ فالآباء والأمهات يورثونهم صفات واستعدادات في تكوينهم الجثماني , والعقلي ؛ وهذه الاستعدادات تلازمهم في حياتهم , وتفرض عليهم كثيرا من أوضاع مستقبلهم ـ إن خيراً وإن شراً ـ دون أن تكون لهم يد في رد هذه الوراثة أو تعديلها . ومهما جاهدت الدولة أو جاهد المجتمع فلن يهب طفلاً وجها جميلاً إذا ورثه أبواه وجهاً قبيحاً ؛ ولن يمنحه سلامة أعصاب , واعتدال مزاج , وإذا ورثاه اختلالاً واضطراباً ؛ ولن يعطيه عمراً طويلاً وصحة موفورة , إذا وَرَّثاه استعدادات للبلي السريع والمرض الملازم ... فإذا كان عليه أن يرث هذا كله غير مخيَّر , فإنه من العدل الاجتماعي أن يرث جهود أبويه المادية أيضاً , ليكون هناك شيء من التعادل بين المغانم والمغارم !
وقد ضرب القرآن مثلاً للتكافل بين الآباء والأبناء في قصة موسى ـ عليه السلام ـ مع عبد الله الصالح الذي قال الله عنه : "فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ".."فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ".وقد قال له موسى : " لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا"(77الكهف) . ما دام أهل القرية لم يطعموهما . فكشف له عن السر في تقويمه للجدار فقال :" وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي"(82الكهف).
وهكذا انتفع الوالدان بصلاح الوالد , وورثا ما خلفه لهما من مال وصلاح . وهذا عدل وحق لا شك فيه .
فأما حين يخشى من حبس المال في محيط خاص , فالوسيلة موجودة في يد الإمام المسلم الحاكم بشريعة الله لتعديل الأوضاع ؛ والإسلام يكفل هذا التعديل بوسائله الخاصة كما سيجيء في فصل " سياسة المال ".
وهناك تكافل بين الفرد والجماعة , وبين الجماعة والفرد , ويوجب على كل منهما تبعات ؛ ويرتب لكل منهما حقوقاً والإسلام يبلغ في هذا التكافل حد التوحيد بين المصلحتين , وحد الجزاء والعقاب على تقصير أيهما في النهوض بتبعاته في شتى مناحي الحياة المعنوية والمادية على السواء .
فكل فرد مكلف أولاً أن يحسن عمله الخاص . و إحسان العمل عبادة لله , لأن ثمرة العمل الخاص ملك للجماعة وعائدة عليها في النهاية:" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"(105التوبة). وكل فرد مكلف أن يرعى مصالح الجماعة كأنه حارس لها, موكل بها.والحياة سفينة في خضم , والراكبون فيها جميعاً مسؤولون عن سلامتها:وليس لأحد منهم أن يخرق موضعه منها باسم الحرية الفردية : " مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها , فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مروا علي من فوقهم , فقالوا:لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقناً ولم نؤذ من فوقنا تركوهم وما أرادوا هلكوا , وإن اخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعاً "(البخاري والترمذي) . وهو تصوير بديع لتشابك المصالح وتوحدها , بإزاء التفكير الفردي الذي يأخذ بظاهر المعاني النظرية  , ولا يفكر في آثار الوقائع العملية ؛ ورسم دقيق لواجب الفرد وواجب الجماعة في مثل هذه الأحوال .
وليس هنالك فرد معفي من رعاية المصالح العامة , فكل فرد راع ورعية في المجتمع :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " (الشيخان) .
والتعاون بين جميع الأفراد واجب لمصلحة الجماعة في حدود البَّر والمعروف : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ "(2 المائدة) .." وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ "(104آل عمران) .
وكل فرد مسؤول بذاته عن الأمر بالمعروف , فإن لم يفعل فهو آثم وهو معاقب بإثمه : "خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)"(الحاقة) . وعدم الحض على طعام المسكين يُعَدُّ علامة من علامات الكفر والتكذيب بالدين : "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3 )"(الماعون) .
وكل فرد مكلف أن يزيل المنكر الذي يراه : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده , فمن لم يستطيع فبلسانه , فمن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان "(مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي). وهكذا يصبح كل فرد مسؤولاً عن كل منكر يقع في الأمة ولو لم يكن شريكاً فيه , فالأمة وحدة , والمنكر يؤذيها , وعلى كل فرد أن يزود عنها ويحميها .
والأمة كلها تؤاخَذ وينالها الأذى والعقاب في الدنيا والآخرة إذا سكتت عن وقوع المنكر فيها من بعض بنيها , فهي مكلفة أن تكون قوامة على كل فرد فيها : "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) "(الإسراء) . ولو كان فيها الكثيرون لم يفسقوا , ولكن سكوتهم على الفسق جعلهم مستحقين للتدمير :" وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً .. (25)"(الأنفال) .. وما في هذا ظلم , فالأمة التي تشيع فيها الفاحشة , ويجهر فيها بالمنكر فلا تغيره , أمة منحلة متهافتة , وصائرة إلى الزوال ؛ والدمار الذي يصيبها أمر طبيعي , ونتيجة لازمة .
ولقد استحق بنو إسرائيل اللعنة على لسان أنبيائهم , ودالت دولتهم , وذهبت ريحهم , لأنهم لم يكونوا يغيرون المنكر ولم يكونوا يتناهون عنه : "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)"(المائدة) . وفي الحديث : " لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علمائهم فلم ينتهو ؛ فجالسوهم , وواكلوهم وشاربوهم , فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ؛ ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم (ثم جلس وكان متكئاً فقال ): "لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً "(أبو داود والترمذي) . فأما المؤمنون حقاً فهم الذين يقول عنهم القرآن : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.."(71التوبة).
وقد فهم بعضهم من آية :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"(105المائدة) .. أنها تجيز السكوت عن رد المنكر وتغييره , فنبههم أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ إلى سوء فهمهم لها قال : " يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية … وإنكم تضعونها على غير موضعها , وإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب ". وإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " ما من قوم يعمل فيهم يالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا فلم يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب" (أبو داود والترمذي) .
وهذا التفسير الصحيح الذي ينطبق على منهج الإسلام . والذي يجعل من الأمة المسلمة وحدة واحدة , متكافلة فيما بينها ولا يضرها أن يضل الناس إذا استقامت هي على الهدى ؛ ما أدت واجبها في دفع المنكر وتغييره جهد طاقتها .
والأمة مسؤولة عن حماية الضعفاء فيها ؛ ورعاية مصالحهم وصيانتها , فعليها أن تقاتل عند اللزوم لحمايتهم :" وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ .. (75)"(النساء) وعليها أن تحفظ لهم أموالهم حتى يرشدوا : "وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)"(النساء) … وفي الحديث:" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله , أو القائم الليل , والصائم النهار "(الشيخان والترمذي والنسائي) .
وهي مسؤولة عن فقرائها ومعوزيها أن ترزقهم بما فيه الكفاية فتتقاضى أموال الزكاة وتنفقها في مصارفها ؛ فإذا لم تكف فرضت على القادرين بقدر ما يسد عوز المحتاجين , بلا قيد ولا شرط إلا هذه الكفاية . فإذا بات فرد واحد جائعاً فالأمة كلها تبيت آثمة ما لم تتحاض على إطعامه : "كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)"(الفجر) .. وفي الحديث " أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برأت منهم ذمة الله تبارك وتعالى "(أحمد), " من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له , ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له "(مسلم وأبو داود) . " و" من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث …وإن أربع فخامس أو سادس"(متفق عليه).
والأمة المسلمة كلها جسد واحد , يحس إحساسا واحداً , وما يصيب عضواً منه يشتكي له سائر الأعضاء . وهي صورة جميلة أخاذة يرسمها الرسول الكريم فيقول : " مثل المؤمنين في توادهم , وتراحمهم , وتعاطفهم , كمثل الجسد , إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "(متفق عليه) . كما رسم للتعاون والتكافل بين المؤمن والمؤمن صورة أخرى معبرة دقيقة : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"(الشيخان) . وذلك أسمى ما يتصوره الخيال للتعاون والتكافل في الحياة .
وعلى هذا الأساس وضعت الحدود في الجرائم الاجتماعية , وشددت تشديداً . لأن التعاون لا يقوم إلا على أساس صيانة حياة كل فرد في دار الإسلام وماله وحرماته : "كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه وماله"(الشيخان) . . . لذلك شرع القصاص في القتل والجروح جزاء وفاقاً . وجعل جريمة القتل كجريمة الكفر في العقوبة : "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا(93)"(النساء).." "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا.."(33الإسراء). "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ "(45المائدة) .. وحث على القصاص فجعله حياة للأمة :" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) " (البقرة). وإنه لحياة لما فيه من ضمان الحياة بالكف عن القتل , وبما فيه من حفظ كيان الجماعة وحيويتها وتماسكها بوقف الثأر.
وشدد عقوبة الزنا لما فيه من اعتداء على العرض , وعبث بالحرمة , ونشر للفاحشة في الجماعة , وينشأ عنه تفككها بعد فترة ؛ وتدليس في الأنساب , وسرقة لعواطف الآباء بالبنوة المزورة !
شدد هذه العقوبة فجعلها للمحصن والمحصنة الرجم ولغير المحصنين والمحصنات الجلد , وهو متلف في أحيان كثيرة : "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ .."(2 النور) .
وجعل العقوبة ثمانين جلدة للذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات ويفترون عليهن , ويلوثون أعراضهن كذباً , لأن جريمة الإفك هنا قريبة من جريمة الزنا , فهي اعتداء على السمعة والعرض , ومثار للعداوة والبغضاء , وإشاعة للفاحشة بالسماع : "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا"(4 النور). وشدد عقوبة السرقة لما فيها اعتداء على أمن الناس ـ في دار السلام ـ وطمأنينتهم و الثقة المتبادلة بينهم ؛ فجعلها قطع اليد : "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)(المائدة) .
ولقد يستفظع بعضهم هذه العقوبة اليوم حين يقيسها إلى سرقة مال فرد ؛ ولكن الإسلام إنما نظر فيها إلى أمن الجماعة وسلامتها وتضامنها ؛ كما نظر إلى طبيعة ظروفها وإلى الغرض منها ؛ فهي جريمة تتم في الخفاء , وجرائم الخفاء في حاجة إلى تشديد العقوبة ليعدل عنها مرتكبها , أو ليترك من اضطرابه وخوفه من العقوبة دليلاً عليه وعليها . وهي جريمة يرتكبها صاحبها ليزيد كسبه من الحرام ؛ فلوحظ أن تكون العقوبة ـ وهي قطع اليد ـ من شانها تعجيزه عن الكسب الذي يزيده بهذه الوسائل المحرمة .
على أن هذه العقوبة الحازمة لا تنفذ إذا كانت السرقة اضطرارية لدفع غائلة الجوع عن النفس أو الأولاد . فالقاعدة العامة : أن لا حرج على المضطر :" فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ "(173البقرة) والحد يدرأ بالشبهة :"ادرأوا الحدود بالشبهات"(مسند أبي حنيفة للحارثي). والجوع شبهة ؛ على هذا جرى عمر في خلافته كما سيجيء .
أما الذين يهددون أمن الجماعة العام ـ في دار الإسلام المحكومة بشريعة الله ـ فجزاؤهم التقتيل أو التصليب أو تقطيع الأيدي والأرجل أو النفي من الأرض :" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ "(33المائدة) لأن الائتمار والاجتماع على الفساد والفتنة جريمة أكبر من الجرائم الفردية , وأحق بالحسم وقسوة العقوبة .
*     *     *
وهكذا يفرض الإسلام التكافل الاجتماعي في كل صورة وأشكاله , تمشياً مع نظرته الأساسية إلى وحدة الأهداف الكلية للفرد والجماعة ؛ وفي تناسق الحياة وتكاملها . فيدع للفرد حريته كاملة في الحدود التي تؤذيه , ولا تأخذ على الجماعة الطريق ؛ ويجعل للجماعة حقوقها ,  ويكفلها من التبعات في الوقت ذاته كفاء هذه الحقوق ؛ لتسير الحياة في طريقها السوي القويم , وتصل إلى أهدافها العليا التي يخدمها الفرد وتخدمها الجماعة سواء
*   *    *
وعلى تلك الأسس الثلاثة : التحرر الوجداني المطلق , والمساواة الإنسانية الكاملة ,
والتكافل الاجتماعي الوثيق , تقوم العدالة الاجتماعية , وتتحقق العدالة الإنسانية .

الشهيد سيد قطب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)" أطفال بلا أسر": تأليف أنا فرويد


وسائل العدالة الاجتماعية في الإسلام
العدالة الاجتماعية في الإسلام
الشهيد سيد قطب

ليست هناك تعليقات: