الأربعاء، 20 فبراير 2013

موقف من الشيعة


 (1)

كتبهامصطفى الكومي ، في 3 نوفمبر 2010 الساعة: 13:17 م

 .د.عبد الحليم عويس   |  31-10-2010 00:11                                       

وقع بيني وبين رئيس تحرير مجلة المنهاج الشيعية الصادرة من بيروت نوع من الحوار، أصر أن ينشره مشكورا في الافتتاحية (العدد 16) للسنة الخامسة، وكان مما أخذته على الفكر المطور الرصين في المجلة أن المصادر معظمها شيعية: تفسيرا أو حديثا أو فقها أو أدبا أو تاريخا، وأنها إذا تعاملت مع مصادر أهل السنة فإنما تتعامل معها كما يتعامل الانتقائيون؛ فهي تنتقي منها ما يؤكد القضايا الفكرية المذهبية الخاصة بها، ثم تفسر النقول تفسيرا يخدم الآراء المطروحة، ثم توضع الهوامش بطريقة تجعل بعض ضعيفي الثقافة من أهل السنة مبهورين بها، عاجزين عن استيعاب مجموع ما ورد فيها، فضلا عن الرجوع إلى مظانها والرد عليها.
* * *
وفي رده المهذب على ما قلته ذكر أنه ينبغي أن نوضح أن التقارب المنشود بين أجزاء الأمة الإسلامية، وبخاصة بين جزئيها الأساسيين: السنة والشيعة، لابد من أن يسبقه – في المرحلة الأولى – سعي مخلص حثيث من قبل كل منهما إلى أن يتفهم الآخر، ويطلع على رؤاه ومواقفه المذهبية المتصلة بمختلف مسائل الدين والعقيدة.
فتلك هي البداية العلمية الصحيحة التي تمهد لكسر الحواجز النفسية بينهما، وتسهم في إزالة كثير من عوامل سوء الفهم، وفي تصحيح الشبهات والتصورات الخاطئة التي يحملها كل فريق عن الفريق الآخر، وتؤدي في النهاية إلى أن يدركوا معا أن شقة الخلاف بينهما، لا تتعدى مساحة ضعيفة لا تقارن في حجمها بمساحة الوفاق التي تتحد فيها رؤاهما المذهبية، سواء في أصول العقيدة أم في فروع الشريعة أم في المفاهيم والقيم والأخلاق الدينية العامة. وبذلك ينفتح أمامها المجال واسعا للوصول إلى تقارب حقيقي، يتم فيه التواصل والتعاون والتكامل بينهما على مختلف الأصعدة، لا سيما في هذا الزمن الذي تواجه فيه الأمة الإسلامية تحديات هائلة، وقوى عالمية شرسة، تسعى إلى استئصال المسلمين جميعهم….سنة وشيعة.
* * *
والحق أني أؤيده في هذا الرأي الحصيف، وأعتقد أن الأستاذ أحمد الكاتب الذي ورث جهود (علي شريعتي) و(موسى الموسوي) – الموضوعية؛ هو المؤهل الأول للقيام بهذا الدور، وتحقيق هذا الأمل.

* * *
وثمة ميزان لا يجوز أن يغيب عن البال في تقويمنا لقضايا التاريخ، ألا وهو أن الأعمال أهم من الأقوال، وأن الأفعال مقدمة على الأحساب والأنساب؛ فنسب الإنسان هو علمه وعمله، فلو ادعى شخص ما أنه من أهل البيت وكان فاسقا فاجرا، فإننا نرد دعواه؛ فالانتساب لأهل البيت ليس مجرد أنساب تنتحل ليصل بها منتحلوها إلى الربط بينهم وبين الحسن والحسين وأبيهما الإمام علي رضي الله عنهم أجمعين….وكم عرفنا في القديم والحديث صورا من هذا الانتحال، لكي يصل هؤلاء المدعون إلى نقابات الأشراف، أو هيئاتهم، وينالوا امتيازاتهم الدينية والأدبية والاجتماعية، وقد ينتقلون من ذلك إلى المطالبة بحقهم في الحكم.
وإذا نظرنا إلى بعض هذه الدول والجماعات التي انتحلت النسبة إلى آل البيت، وجدناها كانت في سلوكها واستهانتها بالدماء وتبديدها لطاقة الأمة، وتمكينها لليهود والنصارى من بلاد المسلمين، واعتمادها على البدع والخرافات والاحتفالات والمواكب إلهاء للشعوب وإبعادا لها عن التفكير العلمي السليم، بل عن العلم والعمل معا…… وجدناها بهذا كله بعيدة كل البعد عن أخلاق آل البيت الذين يجب أن يكونوا قدوة للمسلمين كلهم، وحتى لو كان نسبهم إلى آل البيت صيحا، وكانوا لا ينتهجون منهج الإسلام، فإن هذا لا يغني عنهم شيئا، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يبين لنا هذا حين يقول: " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ".
لقد كان انتقام العبيديين الإسماعيلية الذين عرفوا في التاريخ باسم (الفاطميين) من خصومهم (أهل السنة) مرعبا ولا إنسانيا ، فقد كانوا يحرقون بعضهم أحياء، ويسلخون جلودهم، كما فعلوا بأبي يزيد بن مخلد ، بل كانوا يخرجون الموتى من أهل السنة من قبورهم ليحرقوهم أو ليمثلوا بهم، إن كان قد بقي فيهم شيء يسمح بالتمثيل.
وكانوا يبيدون قرى بأكملها لمجرد أن أهلها ليسوا على منهجهم الباطني، وقد هدموا مساكن عاصمة الأغالبة ودمروا آثارها كلها…وغير ذلك كثير، فهل هذه الأفعال ترضي النبي وآله؟!
ودعنا من انتحال الأنساب، فكثير من هذا الانتحال موجود في عصرنا، وتدفع له الأثمان في شكل رشاوى أو هدايا……فما تغني الأنساب عن الإنسانية والأخلاق والقيم شيئا.
ومن العجيب أن تجد من يدافع عن هؤلاء الذين أذاقوا المسلمين الويلات، وسموا لأعداء الإسلام أن يتسلطوا على المسلمين وأن يعبثوا بحياتهم، فنجد أحدهم يقول في معرض تمجيد الفاطميين: "إن الفاطميين هم الذين بنوا الأزهر الشريف" ، ثم يصادر حق البحث التاريخي قائلا: " إن الطعن في الإسماعيلية الفاطمية جريمة تاريخية " . وينحدر الكاتب إلى مستوى من الحقد والتجني فيطلق على بطل الجهاد الإسلامي وقاهر الصليبيين في حطين ومنقذ مصر والشام والعالم الإسلامي من خرافات الدولة الفاطمية التي كانت قد سقطت فعلا قبل أن يسقطها هو رسميا…..يطلق عليه " هولاكو الدين الأيوبي " ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) (الكهف : 5).
فالعالم الإسلامي كله يعرف قيمة صلاح الدين الأيوبي الذي أنقذ المسلمين من خطر التعاون الإسماعيلي الفاطمي مع الصليبيين …..
ويستمر الجاهل في دفاعه عن هؤلاء العبيديين (الفاطميين)، فيقلب حقائق التاريخ ، ويزعم أن صلاح الدين إنما جاء إلى مصر بدعوة من الخليفة العاضد " العاجز " ، مع أن الثابت تاريخيا أن صلاح الدين وفد إلى مصر مع عمه أسد الدين شيركوه، حينما استجار شاور بنور الدين محمود يستقوي به في صراعه ضد ضرغام.
ولكن ماذا نقول لمن يتجاوز كل الحدود الأخلاقية والأمانة العلمية في البحث التاريخي المنهجي.
إننا نقول لهؤلاء الذين يدافعون عن المفسدين في الأرض، والذين كان من حكامهم الحاكم بأمر الله الذي يعلم الجميع تصرفاته الحمقاء وكفره الظاهر، نقول لهم: نعم، إن العبيديين بنوا الأزهر ولكنهم ما بنوه ليخدم الكتاب والسنة وعلومهما، وإنما بنوه ليكون قلعة الدعوة الإسماعيلية الباطنية، وحسبنا أنه كان من أساتذته اليهود والنصارى الذين يعلمون الناس المذهب الإسماعيلي الفاطمي. وقد بنوا بعده دار الحكمة بعد أن رأوا الأزهر مكانا لا يصلح إلا للعامة، فأسسوا الأخيرة لتكون مكانا لخاصة أهل المذهب والمنظرين له، والقادرين على أن يقتبسوا من الفلسفات الوثنية ما يرفعون به مذهبهم الباطني المغلوط.
ونقول لهؤلاء أيضا: لقد صدقتم، فقد بقيت حضارة الفاطميين إلى يومنا هذا، لكن السؤال هنا: ماذا بقي منها؟ إنها ما بقيت إلا في "الكنافة" و"القطايف" والموالد والاحتفالات التي لا أصل لها في دين الله، وإنما هي تقديس أشخاص لا يملكون نفعا ولا ضرا، ولعلهم أبرياء مما يجري باسمهم!!!
وحسبنا أن نحيلهم إلى كتاب الأستاذ المرحوم جمال بدوي الذي سماه "الدولة الفاطمية: دولة التفاريح والتباريح".
لقد كانت هذه التفاريح والتباريح – كما ذكر الأستاذ بدوي - مؤامرة لإلهاء الشعب، ولصرف تفكيره عن مخطط المبادئ السرية التي أخذت تشق طريقها مخالفة كل المخالفة للقرآن والسنة الصحيحة، ومخالفة كذلك لعهد الأمان الذي أعطاه جوهر الصقلي للمصريين، ملتزما فيه بعدم التدخل في عقائدهم وإبقاء كل شيء على ما هو عليه.
إن التاريخ يذكر أن هؤلاء العبيديين (الفاطميين) بعد أن استتب لهم الأمر ضيقوا على علماء السنة المخلصين واضطهدوهم ونكلوا ببعضهم وقتلوا آخرين، وهم العلماء الذين كانوا يريدون الحفاظ على الكتاب والسنة ويرفضون تقديس الخلفاء الفاطميين الذين يدعون لأئمتهم العصمة، بل والذين يريدون أن يمهدوا لكي يكونوا آلهة على غرار الحاكم بأمر الله الذي وصل بالأمر إلى منتهاه.
إننا نقول لهؤلاء المجترئين على الإسلام والتاريخ: إن كنتم لا تعلمون فاقرأوا وتعلموا ، وإن كنتم تريدون الحق فنسأل الله أن يريكم الحق، وإن كنتم تريدون مؤازرة الباطل، فإن الحق هو الغالب أبدا لأن الله هو الحق.
* أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
رئيس تحرير مجلة التبيان

ليست هناك تعليقات: