الأربعاء، 27 مارس 2013

اسس العدالة الاجتماعية في الإسلام


العدالة الاجتماعية في الإسلام
الشهيد سيد قطب
اسس العدالة الاجتماعية في الإسلام
يقيم الإسلام هذه العدالة الاجتماعية التي كشفنا عن طبيعتها إجمالاً , على أسس ثابتة ؛ ويحدد لبلوغ أهدافها وسائل معينة ؛ فلا يدعها قضية غامضة ؛ ولا دعوة مجملة ؛ فهو بطبيعته دين تنفيذ وعمل في واقع الحياة , لا دين دعوة وإرشاد مجردين في عالم المثال .
وقد رأينا هناك إجمالاً أن للإسلام تصوراً أساسياً عن الألوهية والكون والحياة والإنسان ؛وأدركنا أن قاعدة "العدالة الاجتماعية" متأثرة بذلك التصور الأساسي , داخلة في إطاره العام ؛ وأن طبيعة نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية , تجعل العدالة الاجتماعية عدالة إنسانية شاملة لكل مقومات الحياة الإنسانية , ولا تقف عند الماديات والاقتصاديات , وأن القيم في هذه الحياة مادية معنوية في الوقت ذاته , لا يمكن الفصل بين صفتيها المتحدة , وأن الإنسانية وحدة متكافلة متناسقة , لا جماعات متعارضة متنافرة .
وربما بدا في بعض الأحيان أن الواقع يخالف هذه الفكرة الأساسية للإسلام , فيجب أن نعرف أولاً ما هو الواقع ؟
إن الواقع الذي يعده الإسلام حقيقة , ليس واقع فرد , ولا واقع أمة , ولا واقع جيل .. فهذا إنما هو الواقع الصغير المحدود الموقوت , الذي تقف عنده مدارك الأفراد البشريين الفانين , حين يكفون بصيرتهم عن الاستشراف لما هو أكبر وأشمل في حياة البشرية الكبرى وحياة الكون كله . فأما الإسلام فإنه يمد ببصره إلى جميع الآفاق ؛ ويحسب حساباً لجميع المصالح ؛ ويهدف إلى تحقيق غاية الإنسانية كلها منذ البدء إلى النهاية . فما يبدوا تعارضاً في الواقع المحدود , قد لا يبدو كذلك حين نتجاوزه إلى الواقع الشامل . واقع الإنسانية كلها , لا واقع فرد ولا أمة ولا جيل.
وهذه النظرة الكلية البعيدة الأهداف إلى العدالة الاجتماعية , هي التي تفسر لنا فيما بعد نظماً عدة في الإسلام , لا تفهم حق الفهم إذا هي أخذت جزئيات وتفاريق , وإذا حسب فيها حساب الفرد وحده في جماعة , أو حساب الجماعة وحدها في أمة , أو حساب الأمة وحدها في جيل , أو حساب الجيل وحده في أجيال ... وهي التي تفسر لنا نظام الملكية الفردية , ونظام الإرث ,  ونظام الزكاة , ونظام الحكم , ونظام المعاملات ... إلى آخر ما يتضمنه الإسلام من نظم , تتناول الأفراد والجماعات والأمم والأجيال.
ولسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك كله , فسنقتصر إذن على تناول الأسس العامة التي أقام عليها الإسلام بناء العدالة الاجتماعية , في حدود فكرته الكلية . وسنرى من طبيعتها أن الإسلام قد نظر إلى وحدة الروح والجسد في الفرد , إلى وحدة المعنويات والماديات في الحياة . كما نظر إلى وحدة الهدف بين الجماعة , ووحدة المصلحة بين الجماعات المختلفة في الأمة الواحدة , ووحدة الغاية بين الأمم الإنسانية , ووحدة الصلة بين الأجيال المتعاقبة على اختلاف المصالح القريبة المحدودة .
هذه الأسس التي أقام عليها الإسلام العدالة الاجتماعية هي :
1 ـ التحرر الوجداني المطلق .
2 ـ المساواة الإنسانية الكاملة .
3 ـ التكافل الاجتماعي الوثيق .
فلنفرد لكل أصل من هذه الأصول كلمة نكشف عن طبيعته وغايته .
التحرر الوجداني

ليست هناك تعليقات: