العدالة الاجتماعية في الإسلام
الشهيد سيد قطب
اسس العدالة الاجتماعية
في الإسلام
يقيم الإسلام هذه العدالة الاجتماعية التي كشفنا عن طبيعتها إجمالاً ,
على أسس ثابتة ؛ ويحدد لبلوغ أهدافها وسائل معينة ؛ فلا يدعها قضية
غامضة ؛ ولا دعوة مجملة ؛ فهو بطبيعته دين تنفيذ وعمل في واقع الحياة , لا دين
دعوة وإرشاد مجردين في عالم المثال .
وقد
رأينا هناك إجمالاً أن للإسلام تصوراً أساسياً عن الألوهية والكون والحياة
والإنسان ؛وأدركنا أن قاعدة "العدالة الاجتماعية" متأثرة بذلك التصور
الأساسي , داخلة في إطاره العام ؛ وأن طبيعة نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية ,
تجعل العدالة الاجتماعية عدالة إنسانية شاملة لكل مقومات الحياة الإنسانية , ولا
تقف عند الماديات والاقتصاديات , وأن القيم في هذه
الحياة مادية معنوية في الوقت ذاته , لا يمكن الفصل بين صفتيها المتحدة , وأن
الإنسانية وحدة متكافلة متناسقة , لا جماعات متعارضة متنافرة .
وربما
بدا في بعض الأحيان أن الواقع يخالف هذه الفكرة الأساسية للإسلام , فيجب أن نعرف
أولاً ما هو الواقع ؟
إن
الواقع الذي يعده الإسلام حقيقة , ليس واقع فرد , ولا واقع أمة , ولا واقع جيل ..
فهذا إنما هو الواقع الصغير المحدود الموقوت , الذي تقف عنده مدارك الأفراد
البشريين الفانين , حين يكفون بصيرتهم عن الاستشراف لما هو أكبر وأشمل في حياة
البشرية الكبرى وحياة الكون كله . فأما الإسلام فإنه يمد
ببصره إلى جميع الآفاق ؛ ويحسب حساباً لجميع المصالح ؛ ويهدف إلى تحقيق غاية
الإنسانية كلها منذ البدء إلى النهاية . فما يبدوا تعارضاً في الواقع
المحدود , قد لا يبدو كذلك حين نتجاوزه إلى الواقع الشامل . واقع الإنسانية كلها ,
لا واقع فرد ولا أمة ولا جيل.
وهذه
النظرة الكلية البعيدة الأهداف إلى العدالة الاجتماعية , هي التي تفسر لنا فيما
بعد نظماً عدة في الإسلام , لا تفهم حق الفهم إذا هي أخذت جزئيات وتفاريق , وإذا
حسب فيها حساب الفرد وحده في جماعة , أو حساب الجماعة وحدها في أمة , أو حساب الأمة
وحدها في جيل , أو حساب الجيل وحده في أجيال ... وهي التي تفسر لنا نظام الملكية
الفردية , ونظام الإرث , ونظام الزكاة ,
ونظام الحكم , ونظام المعاملات ... إلى آخر ما يتضمنه الإسلام من نظم , تتناول
الأفراد والجماعات والأمم والأجيال.
ولسنا
هنا بصدد الحديث عن ذلك كله , فسنقتصر إذن على تناول الأسس العامة التي أقام عليها
الإسلام بناء العدالة الاجتماعية , في حدود فكرته الكلية . وسنرى من طبيعتها أن الإسلام قد نظر إلى وحدة الروح والجسد في
الفرد , إلى وحدة المعنويات والماديات في الحياة . كما نظر إلى وحدة الهدف بين
الجماعة , ووحدة المصلحة بين الجماعات المختلفة في الأمة الواحدة , ووحدة الغاية
بين الأمم الإنسانية , ووحدة الصلة بين الأجيال المتعاقبة على اختلاف المصالح
القريبة المحدودة .
هذه
الأسس التي أقام عليها الإسلام العدالة الاجتماعية هي :
1 ـ التحرر الوجداني المطلق .
2 ـ المساواة الإنسانية الكاملة .
3 ـ التكافل الاجتماعي الوثيق .
فلنفرد
لكل أصل من هذه الأصول كلمة نكشف عن طبيعته وغايته .
الشهيد سيد قطب
التحرر
الوجداني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق