الجمعة، 15 مارس 2013

طغيان الحكم


سيد قطب
شبهات حول حكم الإسلام
طغيان الحكم
   ويجزع الكثيرون من المفكرين ورجال الفنون من حكم الإسلام أن ينصب لهم المشانق أو بالنار أو يلقى بهم في ظلمات السجون !
   لماذا ؟ لأن الحكومة الدينية من طبيعتها الاستبداد و الظلم , وخنق الحريات وكتم الأنفاس , وضيق الأفق وجمود التفكير . . !
   ومن أين جاءت هذه الصورة البائسة النكدة لحكم الإسلام وحكومة الإسلام أيها المفكرون المثقفون ؟ أنها جاءت من محاكم التفتيش في عصور الظلمات , تلك التي حرقت العلماء , وقتلتهم بالخوازيق و ألقت بهم إلى الحيات و الثعابين . كما جاءت من الحكومات القائمة اليوم باسم الدين في بعض بلاد المسلمين .
   ولكن واحدة من هذه الحكومات ليست من الإسلام , إنما تعتمد على الجهل الفاشي , والانحطاط العقلي , والتأخر الفكري , في البلاد التي قامت بها في القديم و الحديث.
   أعط هذه الشعوب الخاضعة للاستبداد علما ورقيا ونورا , ومعرفة بالدين . . تسقط عنها هذه الغشاوة , و تدرك أن الإسلام في صفها على الحاكمين المستبدين , وليس في صف هؤلاء الحاكمين .
   أ فإذا ادعى الحاكم المستبد أنه يستبد باسم الدين كان ذلك تهمة لهذا النوع من الحكم يوجب إقصاءه عن الحياة ؟ إذن فما الرأي في الحكم الديمقراطي الذي تحكم اليوم باسمه مصر و العراق والأردن , وكلها تحكم ــ و الحمد لله ــ حكما ديمقراطيا دستوريا برلمانيا على آخر طراز الدساتير !
أهذه ديمقراطية دستورية برلمانية ؟ وجهاز الدولة كله يعمل لحساب الرأسمالية , وهذه الملايين جائعة عارية مريضة مستغلبة , ولا حامي لها ولا نصير ؟
أهذه ديمقراطية دستورية برلمانية ؟ و "نفر البوليس " يملك أن يتهم أي فرد في عرض الطريق أنه ارتكب جريمة ما , ثم يقبض عليه ويصفعه ويركله ويشتمه , ويجرجره في الوحل إذا تأبى عليه , حتى يذهب به إلى قسم البوليس , ليحرر له محضرا . وكل ذلك قبل أن يعرض على النيابة , وقبل أن يقدم إلى القضاء , وقبل أن يتقرر إذا كان مجرما أو بريئا من المحكمة بعد التحقيق !
   أهذه ديمقراطية دستورية برلمانية , تلك التي يقع فيها ما يرويه رجل كالأستاذ المجاهد محمد على الطاهر في كتابه الجامع "معتقل هاكستب" يقول:
   " وقد بلغ بوالدة "على عمار" الطالب بكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول أحد المعتقلين وشقيقاته البنات أن اختبأن تحت السراير هربا من نيران البنادق السريعة الطلقات فقلبت السراير وصرخ قائد القوات فيهن فانعقدت ألسنتهن .
   " ويساق رجال الأسرة بأكملها إلى المعتقل ضربا بالعصي و السياط في جميع أجزاء الجسم , من باب المنزل إلى باب المعتقل .
   " وعادت النساء إلى الأم المشدوهة المتطلعة إلى وليدها وأبيه وأشقائه وهم يجلدون أمامها , فوجدن المسكينة قد أصيبت بالشلل لا تتكلم , وما زالت حتى الآن .
   " وقد أثبت الطبيب الشرعي في تقريره الذي قدمها إلى القضاء العادل أن على عمار الطالب بكلية الحقوق بجامعة فاروق و المتهم في الجناية العسكرية قد نزعت أظافره "!
   أهذه ديمقراطية دستورية برلمانية , تلك التي يقف متهم فيها أمام المحكمة يروي ما نشرته أحدى الصحف اليومية الكبرى في مصر على النحو التالي :
   " ثم جيء بعبد الفتاح ثروت وهو المتهم الثالث في قضية الاعتداء على حامد جودة وأجلسته المحكمة على مقعد .
   " وأجاب بناء على مناقشة الأستاذ حسن عشماوي بأنه لم يعترف بأي شيء في التحقيق , وأن التعذيب جعله فاقد الشعور .
   " و روى بصوت مرتعش ضعيف صنوف التعذيب فقال: إن اللواء طلعت بك هدده بالتشريح إذا لم يعترف , قائلا : أن البلد في أحكام عسكرية .
   واستطرد يقول : وأخلوني إلى الغرفة مع الضابطين العشري وفاروق كمال , وجردوني من ملابسي ونزلوا في ضرب من تسعة مساءا إلى أربعة صباحا .
   وقد قسموا أنفسهم أربع مجموعات كل مجموعة من 12 عسكريا وضابطا : ووضعوا رجلي في الفلكة واستمر الضرب حتى أن الفلكة انكسرت .
   " ثم استعملوا كرابيج الهجانة . ولما أفقت من إغمائي قال لي طلعت بك : هذه هي الجولة الأولى و البقية تأتي .
   " وأخذوني إلى إبراهيم عبد الهادي باشا فقال لي : أنا عندي أمر أموتك . ثم أمر بموالاة تعذيبي .
   " وكان التعذيب على أربع درجات بالضرب بالعصي و الكرابيج ثم الكي بالنيران . واحضروا سيخ حديد محمي , ولكن الضابط محمود طلعت طلب من الضابط أن يكفوا عني قائلا : ده صاحبي و سيعترف بكل شيء .
   " ثم نمت على الأسفلت فكانوا يطرقون الباب حتى يهرب النوم من عيني , وما كانوا في حاجة إلى ذلك لأنني لم أكن أستطيع الرقاد على أي جزء من جسمي المشوي كله .
   " ثم طالبوني بالاعتراف وهددوني إن لم أفعل أن يعتدوا علي اعتداء منكرا , وفعلا تقدم واحد يريد الاعتداء علي , فقلت له : أنا أعرف أنني لا أستطيع مقاومتك وأنت يمكنك أن تفعل معي هذه الجريمة , ويمكنك أن تنجو من عقاب القانون , ولكني أريد أن أقول لك قبل أن تبدأ : أن الله لن يترك هذه الجريمة بلا حساب . فابتعد عني .
   " وظل تعذيبي . وتلفت أعصابي .. وكنت لما أذهب إلى إسماعيل عوض بك أشكو له يضرب الجرس ويأتي الحرس فيقول لهم : هاتوه لي أخرس خالص !
   " وجاءني إبراهيم عبد الهادي باشا 4 مرات وقال لي أنا أبهدلك وأبهدل أهلك وأنا الحاكم العسكري .
   " كما جاء النائب العام محمود منصور باشا فلما تقدمت له شاكيا قال أنا عارف كل حاجة . وتركني .  
   " إن من الغريب حقا أنني حينما حضرت اليوم لأداء الشهادة وجدت بعض رجال البوليس معهودا إليهم المحافظة على الأمن . وكنت أعتقد أنهم الآن أمام المحكمة لمعاقبتهم على ما ارتكبوه من آثام .
   " الرئيس: هل طلبوا منك أقوال معينة ؟
   " نعم . أن أقول أنني أعرف مالك وعاطف وأنني مشترك في الاعتداء على حامد جودة.
   " وما كاد المتهم ينتهي من هذه العبارة حتى ارتجف بدنه وحملق في الهواء وأصيب بنوبة عصبية إغمائية . وجعل يرسل شهيقا عصبيا مؤلما أبكى معظم الحاضرين في القاعة .
   " وبادر رجال البوليس برش الماء على وجهه كما خف إليه طبيب من الموجودين وحملوه إلى الخارج .
   " وطلب الأستاذ مختار عبد العليم إثبات ذلك في محضر الجلسة فوافقت المحكمة , وأضاف الرئيس أن يثبت أيضا أن النوبة طالت مدة طويلة " !
   فإذا كان هذا كله , وكثير غيره مما ترويه قصة كل منهم سياسي في تاريخ مصر الحديث قد وقع , فهل الديمقراطية الدستورية البرلمانية هي التي أنتجته , وهي المسئولة عنه , وهي التي يجب أن تُقْصى عن الحكم , لأنه في ظلها ترتكب هذه المنكرات كما يقال : أنها ارتكبت وترتكب في العصور المظلمة وفي البلاد المعاصرة باسم الإسلام ؟
    إن المرجع في الحكم على نظام ما يجب أن يكون هو قواعده وأصوله . فأما حين تخالف هذه القواعد والأصول , بسبب الجهل أو الانحطاط , أو أية عوامل أخرى , فالذي يجب أن يقوله المخلصون للحق في هذه الحالة : أن الأصول و الدعوة إلى هذه الرجعة تكون أذن قوية لأنها ترتكن إلى أصول معترف به , ولكنه مهمل في التطبيق .
   لقد كان إقصاء الإسلام عن الحكم يكون مقبولا , لو كان الخائفون من الاستبداد , يقولون أن طبيعة الإسلام تدعو إلى الاستبداد من الحاكم , أو تدعوا المحكومين إلى الرضى و الخنوع !
   ولكن الإسلام هو الدين الذي قرر للمجتمع نظاما لا سيد فيه و مسود , ولا أشراف فيه ولا عبيد ـ نظاما يجعل أبا بكر وعمر ــ أكبر صاحبين لرسول الإسلام ــ تحت إمرة مولى من الموالي وقيادته , فلا يرى أحد في هذا شيئا ولا يريان . نظاما يدع ابن الرجل من عامة الشعب في مصر يضرب " ابن الأكرمين " , وابن حاكم مصر عمرو بن العاص , بأمر الخليفة وأمام الجموع . نظاما ينذر من يقبلون الاستضعاف و الذل بالعذاب الأليم :" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " ويحرضهم على القتال لحقهم :" ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد " وينذرهم لو سكتوا عن الحاكم الظالم فلم يغيروا عليه : " من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله , ناكثا لعهد الله , مخالفا لسنة رسول الله , يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان , فلم يغير عليه بفعل ولا قول , كان على الله أن يدخله مدخله ".
   أ فهذا هو النظام الذي يشفق المشفقون أن يؤدي إلى استبداد الحاكم واستسلام المحكومين ؟ أم هو التمحل و التضليل ؟
   بقى الخوف من ضيق آفاق القائمين على الحكم الإسلامي وجمود تفكيرهم . وما أحسب هذه الصورة قامت في أذهان هؤلاء الرفاق , إلا من اقتران حكم الإسلام بعمائم الشيوخ ومسابح الدراويش !
   فإذا تبين أن هؤلاء لن يكونوا أسناد حكم الإسلام في مصر , بل طُرَدَاءه ما لم يغيروا ما بأنفسهم , ويعملوا عملا منتجا غير مجرد الصلوات و الأذكار و التراتيل . إذا تبين هذا فيجب أن تُخْفَي هذه الصورة النكدة لحكم الإسلام , ما لم تكن التهمة موجهة لمبادئ الإسلام في ذاتها لا للمشايخ و الدراويش .
   إن أحد لم يجرؤ إلى اليوم أن يتهم هذا الدين ذاته بضيق الأفق أو الجمود , وهو يعرف عنه شيئا يسمح له بالحديث في الموضوع . فأما الذين يخوضون فيما لا يعرفون , فهم لا يستحقون الاحترام , لأنهم لا يحترمون أبسط قواعد الجدل و الحديث .
   إن هذا الدين لا يدخل نفسه أبدا في الشؤون العلمية البحتة , ولا العلوم التطبيقية المحضة , باعتبارها من أمور الدنيا . "أنتم اعرف بأمور دنياكم" قاعدة أساسية فيه . وعندئذ يخرج نفسه نهائيا من الميدان الذي حشرت الكنيسة نفسها فيه في القرون الوسطى , فحرقت العلماء وسجنتهم لأنهم يتحدثون في العلم , وهي تحشر نفسها فيه !
   فأما شؤون الاجتماع وشؤون العبادات , وسائر ما يتعلق بروح الإنسان وفكره , فكل ما لم يحلل حراما منصوصا عليه نصا صريحا , أو يحرم حلالا منصوصا عليه نصا صريحا , فهو رأي يحتمل الصواب و الخطأ , ويُجَادَل صاحبه بالحسنى , و يحميه الإسلام أن يصيبه الأذى , إلا أن يكون كفرا صراحا بواحا , لا يحتمل الشك ولا التأويل .
    فأما الحدود الإسلامية فتلك شيء آخر . شيء يدخل في دائرة الجرائم الاجتماعية التي تصان بها حرمة المجتمع وكرامته ومصلحته . فإذا خطر لأحد أن يرميها بالقسوة , وأن يتحدث عنها باسم المدنية و الهمجية فذلك شأن آخر . لنا فيه حديث .
   إن هذه الحدود كقطع يد السارق , ورجم الزاني المحصن أو جلده , وجلد غير المحصن , وجلد السكير .. وقد تبدو قاسية عند النظرة الأولى وعند من لم يدرس فكرة هذا الدين الكلية وقواعده العامة جملة .
   إن الإسلام لا يقيم هذه الحدود على مرتكبي تلك الجرائم إلا بعد أن لا يكون لهم عذر في ارتكابها ولا شبهة في وقوعها .
   إنه يقطع يد السارق الذي لم يسرق اضطرارا ليطعم نفسه أو أهله , فإذا كانت هنالك مبررات اجتماعية أو فردية تضطر إلى هذه الفعلة فلا عقوبة , بل ربما عاد بالعقوبة على من دفع المجرم إلى ارتكاب جريمته ! وهكذا فعل عمر مع غلمان سرقوا ناقة . فلما علم أنهم سرقوا لأن سيدهم لا يعطيهم الكفاية من الطعام , أطلقهم وغرم السيد ثمن هذه الناقة ضعفين . ولما كان الجوع في عام الرمادة عطل حد السرقة .
   وأنه يرجم الزاني الذي يضبطه الشهود في حالة تلبس كامل أو يجلده , في الوقت الذي لا يبيح لأحد أن يتسور على أحد داره أو يتجسس عليه . فالزاني الذي يضبطه الشهود إذن لا يرتكب هذه الفاحشة في خفية , بل في مكان يستطيع الشهود أن يضبطوه فيه , فهو إذن مجرم فاحش متبجح , ينشر الفاحشة ويشيعها , و الله يكره هذا ويمقته :" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ " .
   فأما الذين يرتكبون هذه الفاحشة متسترين , ثم يعترفون طلبا للتكفير , فالإسلام يرأف بهم رأفة شديدة , ويحاول أن يتلمس لهم الشبهات , كي يعفي هذه الضمائر المتحرجة المتطهرة من العقاب .
   و الذي يرجح أن هذه العقوبة مراعي في تشديدها , فكرة نشر الفاحشة , أن عقوبة الجلد , توقع على فريق آخر : فريق الذين يشيعون الفاحشة بنشر الإشاعات والأراجيف حول أعراض المؤمنات الطاهرات :" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".
   كذلك الحال في حد شارب الخمر . فهو يجلد إذا ضبط شاربا . فإذا كان في خفية , لم يره أحد , فليس لأحد أن يتسور عليه بيته أو يتجسس . فأما ذلك المستهتر الذي يجهر بالمعصية , فمن حق المجتمع أن يقي نفسه من نشر المثل السيئ في جوانبه , ومن حقه إذن أن يعاقبه . فأما من يتستر ولا يتبجح فذلك حسابه مع ضميره ومع خالقه . وتلك مسألة أخرى , يتولاها الإسلام بإيقاظ الضمير لا بالعقوبة .
   ونستعير هنا رأيا للأستاذ محمد قطب سجله في كتابه : "الإنسان بين المادية و الإسلام " عن العقوبات الإسلامية , خلاصته : إن الإسلام يمنع أولا كل الأسباب التي تضطر الفرد إلى ارتكاب الجريمة , ويعالج علاج وقاية قبل وقوعها , وبذلك لا يبقى لمرتكبها عذر في ارتكابها , إلا متبجحا مستهترا مختارا , وحينئذ لا تكون العقوبة قاسية مهما بدت قاسية , لأن الإسلام لا يلتمس الأسباب ولا يتربص الدوائر بل يقي . فإذا لم تنفع الوقاية , فالعلاج إذن ضروري لا محالة (1) .
   ذلك واضح . فأما الذين في قلوبهم مرض , فيعدون هذه الاحتياطات في حدود الإسلام دلالة على عدم جديتها ! وهي جهالة تافهة , تأخذ الأشياء من سطوحها في عجلة مستهترة تنافي كرامة العلم , ووقار البحث , و الجد الضروري في تناول مثل هذه الأمور .
   ... وبعد ! فليطمأن المخلصون من المفكرين و رجال الفنون ومن إليهم أن حكم الإسلام لن يسلمهم إلى المشانق و السجون ! ولن يكبت أفكارهم , ويحطم أقلامهم , وينبذهم من حمايته و رعايته , ولا يأخذوا الصيحات التافهة التي يصيحها اليوم رجال الدين المحترفون في وجه بعض الكتب و بعض الأفكار حجة !! فإنما هذه الصيحات تجارة رابحة اليوم , وحرفة كاسبة , لأنهم يعيشون في عهد الإقطاع الذي يقيمهم حراسا لمظالمه وجرائمه , ولكي يبرروا وجودهم في أعين الجماهير يطلقون هذه الصيحات الفارغة بين الحين و الحين .
   فأما حين يكون الحكم للإسلام , فلن يبقى لهؤلاء عمل , فسيكونون يومئذ مجندين لعمل منتج نافع , هم وبقية المتعطلين المتسكعين من كبار الملاك ورجال الأموال , ومن الموظفين و المستخدمين في الدواوين , و من أحلاس المقاهي و المواخير و الحانات , و من المشردين في الشوارع و الطرقات , أو المصطلين للشمس حول الأجران .. وكلهم في التبطل و التسكع سواء . بعضهم كاره مضطر , و بعضهم كسول خامل , و بعضهم مستغل مستهتر .
   وحين تندفع الجموع في تيار العمل النشيط , لن تكون هناك جرائم تقام عليها الحدود إلا في القليل النادر , وفي حالات الشذوذ , الذي لا بد منه في المجتمعات .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)             يراجع فصل الجريمة و العقاب في كتاب "الإنسان بين المادية و الإسلام"

ليست هناك تعليقات: