الجمعة، 15 مارس 2013

عداوات المستهترين و المنحلين


سيد قطب
عداوات حول حكم الإسلام
عداوات المستهترين و المنحلين
   لقد انتهينا في مصر إلى مجتمع منحل مستهتر مريض . بفعل جميع العوامل السيئة الناشئة من الاختلال الاجتماعي الذي وصفنا أعراضه فيما سبق , والناشئة كذلك من التيار العالمي المنحدر بين الحربين العالميتين الكبيرتين , الحروب بطبيعتها تخلخل بناء المجتمع , وتجرف معها الاستهتار والانحلال على الأقل بحكم التعرض للخطر و الموت , الذي يجعل انتهاب اللذائذ المتاحة أمرا تدفع إليه دوافع الفطرة و الضرورة .
   وأيا ما كانت الأسباب , فقد انتهينا إلى مجتمع تشيع فيه الفاحشة , ويطفو على سطحه الاستهتار , ويبدو الانحلال في كل جوانبه . سواء ما يتعلق بالجنس , وما يتعلق بالمخدرات , وما يتعلق بالذمة و الضمير و الخلق في العمل و السلوك .
   هذه الجموع المستهترة المنحلة من الرجال و النساء يهولها ــ من غير شك ــ أن تسمع شيئا عن حدود الإسلام , التي تفزع الفاحشين و الفاحشات , بل عن أوامره ونواهيه التي تكبح النفوس وتزجر الجناة , وتمنعهم بحكم العرف وحكم القانون من التبجح والاستهتار .
   وتدخل الأوكار النسوية المتناثرة هنا وهناك في هذا المجال , تلك الأوكار التي تشتغل بتفاهاتها الفارغات من النسوة و الفتيات , على سنة الفراغ و التبطل الموحي بكل تافه من الأفكار والأعمال .
   ولقد أسلفت أن لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة , تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف والكرامة . ولكن هذه الأوكار التي أعنيها تعرف أن هذا الشرط لا ينطبق على نشاطها , وأن الحرية الواسعة الكريمة التي يمنحها الإسلام للمرأة , لا تسع ذلك اللون من النشاط !
   هذه الجموع من الرجال و النساء , ومن الشبان و الفتيات , هذه الجموع التي لا تجد في الحرية الواسعة الكريمة التي يتيحها الإسلام للشرفاء والشريفات , كفاية لنشاطها . . تفرغ من حكم الإسلام , بحاسة الخوف على الذات , وحب السلامة , والأمن الذي تيسره لها الأوضاع الاجتماعية القائمة , بما فيها من انحلال و اختلال . فهي إذن بطبيعتها عدوة لحكم الإسلام الذي ليس فيه لها أمان !
   وتملك هذه الجموع نوادي وصحفا , كما تملك نفوذا في جهاز الحكم ومرافق المجتمع , بل إن نفوذها ليفرق كل نفوذ آخر في هذه البلاد ! إنه النفوذ الذي يرتكن إلى شهوات الجسم ونزوات الجسد , وإلى المال وإلى الحكم , ويستخدم كل هذه القوى في مقاومة كل نظام يمكن أن يحد من الفوضى , وذلك الفساد .
   وما زلت أذكر منذ سنوات كلمة أحد الوزراء في ذلك العهد , في رواق من أروقة مجلس النواب , وقد خرج في أثناء مناقشة حادة حول "إلغاء بيوت الدعارة العلنية ومكافحة بيوتها السرية" .. قال ــ لا بارك الله له في بدن ولا عافية !ــ "ونحن إذن أين نذهب ؟" واتبعها بقهقهة غليظة تابعه فيها الذيول والأذناب !
   مثل هذا الوزير كثيرون في مصر. . . وكثيرات ! يسمون هذه الفوضى الحيوانية السائدة في مصر حرية , ويسميها بعضهم تقدما وحضارة , ويباهي بالحديث فيها بشعور الحيوان المنطلق الشهوات . وبعضهم يسميها طلاقة فنية , لأن الفن في نظرهم لا يكون إلا إباحية قذرة مريضة , وكأن الفن لا يعمر روح "إنسان" !
   وما أريد أن أخط هنا خطبة منبرية في الوعظ الشريف , كالتي صاغها أقلام السادة الأجلاء من كبار العلماء ! ولكني أريد أن أدل على أن اختلال المجتمع المصري قد آتى كل ثماره الخبيثة العفنة الكريهة , وأن الحكم الإسلامي سيتولى علاج هذه الثمار باجتثاث الأصل الذي يطلعها , بل بتطهير التربة التي تنبت فيها .
   والذي ضد حكم الإسلام , إنما ينبعث من المواخر والأوكار و الجيف الطافية على وجه ذلك المستنقع الآسن الفسيح . المستنقع الذي لا يخوض فيه اللصوص و السكارى و النخاسون و الرقيق الأبيض فحسب بل تخوض فيه رؤوس كبيرة كثيرة في هذا البلد , وبيوتات فوق مستوى الشبهات !
   فإذا سمع الناس هذه الضجة ضد حكم الإسلام , ورأوا احتفالا بمثيريها الأقزام , فليعرفوا أن الزفة ليست للقزم الذي يلبس الريش , ولكن للمستنقع الذي تخشى ديدانه من المطهر الفتاك !

سيد قطب

عداوات الشيوعية و الشيوعيين

ليست هناك تعليقات: