الجمعة، 15 مارس 2013

مشكلات أخرى يحلها الإسلام


سيد قطب 
في الإسلام خلاص
مشكلات أخرى يحلها الإسلام
   وبعد . فإن الإسلام لا يحل لنا المشكلات الاجتماعية وحدها ولا يقف بنا داخل حدودنا الداخلية في عزلة وانزواء .
   إنه يمنحنا الذاتية الشخصية التي تبرز بها في المجتمعات الدولية . فلإسلام عقيدة استعلاء واعتداد , وهو يأبى علينا أن نكون ذيلا و إمعة , أو أن نسلم زمامنا إلى كتلة شرقية أو غربية , أو أن نقف تحت لواء غير لواء الإسلام . اللواء الذي يمكن أن تجتمع إليه كتلة ضخمة يتجاوز تعدادها ثلاثمائة مليون , و التي تتحكم بمراكزها الإستراتيجية , وبمواردها الطبيعية , في كتلتي الغرب و الشرق سواء . لو كان لها علم واحد تؤوب إليه , وتصطف تحته في استعلاء الإسلام وعزة الإسلام .
   إنه ليس من الضروري الآن أن تكون هناك حكومة واحدة في تلك الرقعة الفسيحة , وإنما المهم أن تتكتل تحت لواء واحد , فالإسلام هو الإسلام , وقوانينه هي قوانينه , وشخصيته من القوة و الوضوح بحيث لا تندغم ولا تنبهم في نظام آخر , وروحه من القوة بحيث لا تخضع للتلاشي و الفناء .
   إنما نحن مستعمرات ومناطق نفوذ , لأننا تخلينا عن هذا الروح , فتخلى عنا , وخجلنا من الوقوف تحت لوائه فأنف منا , وتهنا في غمار الآخرين, ففقدنا شارة العزة و الاستعلاء و الاحترام .
   فلنعتزم أن نسلك الطريق الوحيد الذي يرد إلينا اعتبارنا بين كتلتي الشرق و الغرب , ويمنحنا احترامنا في نظر الجميع . وقد يرد للعالم طمأنينته و أمنه , حين تنهض الكتلة المسلمة , فتمسك بيدها ميزان التوازن و السلام , وتضع حدا لهذا الجنون الذي تزاوله الكتلتان بإثارة حرب ثالثة , لأنها تقف وجها لوجه , تتنازع وتتصارع علينا . نحن الممتلكات و المستعمرات و الأشياء ! حينئذ لا ينعق الناعقون في أرض الإسلام من هنا و من هناك : انضموا إلى هذا المعسكر أو ذاك ! كأنه لا سبيل لنا إلا هذا أو ذاك , وكأنه لا مفر من أن نكون أبدا في ذيل القافلة , ولا يكون لنا يوما كيان مستقل , ووجود محترم , وكأننا لا نملك أن نبرز إلى الوجود كتلة ثالثة تمسك بيدها ميزان التوازن , وتمثل فلسفة اجتماعية خاصة , قائمة على فكرة الإسلام جميعا , وتبرأ من عيوبها جميعا , وتزيد على هذه وتلك آفاقا أعلى , وعدالة أشمل , ومثالا كريما للحياة لم تعرف مثله الحياة .
   ونحن نملك أن نقدم للبشرية هذه الفكرة التي تهدف إلى تعاون إنساني كامل , وإلى تكافل اجتماعي صحيح , وترمي إلى رفع قيمة الحياة إلى المستوى اللائق بعالم يصدر عن الله , ومكاننا إذن ليس ذيل القافلة , ولكن في مأخذ الزمام (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)فكرة الإسلام الكاملة عن الحياة عالجت منها طرفا في كتاب "العدالة الاجتماعية" في فصل "طبيعة العدالة الاجتماعية في الإسلام" وموعدي بمعالجتها علاجا شاملا كتابا مستقل عن : "فكرة الإسلام عن الكون  الحياة" بمشيئة الله .

سيد قطب

ليست هناك تعليقات: