سيد قطب
في الإسلام خلاص
مشكلات أخرى يحلها
الإسلام
وبعد . فإن الإسلام لا يحل لنا المشكلات
الاجتماعية وحدها ولا يقف بنا داخل حدودنا الداخلية في عزلة وانزواء .
إنه يمنحنا الذاتية الشخصية التي تبرز بها في
المجتمعات الدولية . فلإسلام عقيدة استعلاء واعتداد , وهو يأبى علينا أن نكون ذيلا
و إمعة , أو أن نسلم زمامنا إلى كتلة شرقية أو غربية , أو أن نقف تحت لواء غير
لواء الإسلام . اللواء الذي يمكن أن تجتمع إليه كتلة ضخمة يتجاوز تعدادها ثلاثمائة
مليون , و التي تتحكم بمراكزها الإستراتيجية , وبمواردها الطبيعية , في كتلتي
الغرب و الشرق سواء . لو كان لها علم واحد تؤوب إليه , وتصطف تحته في استعلاء
الإسلام وعزة الإسلام .
إنه ليس من الضروري الآن أن تكون هناك حكومة
واحدة في تلك الرقعة الفسيحة , وإنما المهم أن تتكتل تحت لواء واحد , فالإسلام هو
الإسلام , وقوانينه هي قوانينه , وشخصيته من القوة و الوضوح بحيث لا تندغم ولا تنبهم
في نظام آخر , وروحه من القوة بحيث لا تخضع للتلاشي و الفناء .
إنما نحن مستعمرات ومناطق نفوذ , لأننا تخلينا
عن هذا الروح , فتخلى عنا , وخجلنا من الوقوف تحت لوائه فأنف منا , وتهنا في غمار
الآخرين, ففقدنا شارة العزة و الاستعلاء و الاحترام .
فلنعتزم أن نسلك الطريق الوحيد الذي يرد إلينا
اعتبارنا بين كتلتي الشرق و الغرب , ويمنحنا احترامنا في نظر الجميع . وقد يرد
للعالم طمأنينته و أمنه , حين تنهض الكتلة المسلمة , فتمسك بيدها ميزان التوازن و السلام
, وتضع حدا لهذا الجنون الذي تزاوله الكتلتان بإثارة حرب ثالثة , لأنها تقف وجها
لوجه , تتنازع وتتصارع علينا . نحن الممتلكات و المستعمرات و الأشياء ! حينئذ لا
ينعق الناعقون في أرض الإسلام من هنا و من هناك : انضموا إلى هذا المعسكر أو ذاك !
كأنه لا سبيل لنا إلا هذا أو ذاك , وكأنه لا مفر من أن نكون أبدا في ذيل القافلة ,
ولا يكون لنا يوما كيان مستقل , ووجود محترم , وكأننا لا نملك أن نبرز إلى الوجود
كتلة ثالثة تمسك بيدها ميزان التوازن , وتمثل فلسفة اجتماعية خاصة , قائمة على
فكرة الإسلام جميعا , وتبرأ من عيوبها جميعا , وتزيد على هذه وتلك آفاقا أعلى ,
وعدالة أشمل , ومثالا كريما للحياة لم تعرف مثله الحياة .
ونحن نملك أن نقدم للبشرية هذه الفكرة التي
تهدف إلى تعاون إنساني كامل , وإلى تكافل اجتماعي صحيح , وترمي إلى رفع قيمة
الحياة إلى المستوى اللائق بعالم يصدر عن الله , ومكاننا إذن ليس ذيل القافلة ,
ولكن في مأخذ الزمام (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)فكرة الإسلام
الكاملة عن الحياة عالجت منها طرفا في كتاب "العدالة الاجتماعية" في فصل
"طبيعة العدالة الاجتماعية في الإسلام" وموعدي بمعالجتها علاجا شاملا
كتابا مستقل عن : "فكرة الإسلام عن الكون
الحياة" بمشيئة الله .
سيد قطب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق