سيد قطب
عداوات حول حكم الإسلام
عداوات المستغلين و الطغاة
سلفت الإشارة إلى ما
بين حكم الإسلام و بين المستغلين و الطغاة من صدام , إلا أن يكون الإسلام ستارا
وهميا , لا حقيقة واقعة . ولكن الطغاة و المستغلين لا يطمئنون أبدا إلى دوام
الغفلة من الجماهير , ولا يأمنون أن تستيقظ وهي في ظل حكم إسلامي . فتطالب بحقيقته
لا قشوره , ويصبح في يدها يومئذ سلاح قوي , وحجة يصعب تفنيدها , و منبه كان يستخدم
من قبل للتخدير !
وإن المستغلين و الطغاة ليعرفوا جيدا أن
الجماهير تصعب قيادتها و تسخيرها ضد عقيدتها الدينية , فهم يرخصون لها بقشور هذه
العقيدة وبخرافاتها , فأما أن تصبح حقيقة وجَدّا , فدون هذا وتتحرك الرغبة في
الدفاع عن النفس و الدفاع عن المصلحة , و هما في واد و الحكم الإسلامي في واد .
إنه لا ضير من الإسلام حين يكون تمتمة بالشفاة
وطقطقة بحبات المسابح , أو أدعية و ترتيل , أو محملا يطاف به سبعا , ويسلم مقود
الجمل الذي يحمله رسميا ! أو مولدا تطلق فيه "السواريخ" أو مشيخة طرق أو
نقابة أشراف تخلع فيها الخلع وتمنح فيها الألقاب . . إلى آخر أجهزة التخدير التي
يستغلها الطغاة و المستغلون ليلهوا بها الجماهير فأما حين يصبح حكما جادا ينفذ
شرائع الإسلام في الحكم و المال , ويمنح الحقوق الإنسانية والاجتماعية و القانونية
لكل فرد وكل جماعة , ولا يفرق بين الشعائر التعبدية و الشرائع القانونية .. فدون
هذا ويصبح الإسلام خطرا يتقي , وكارثة تدفع , ومعركة يخوضها الطغاة و المستغلون
بكل ما يملكون !
وحينئذ يخلو الاستعمار إلى الاستغلال , ويخلو
الاستغلال إلى الاستعمار , وتتلاقى مصلحتهما المشتركة في دفع هذا الخطر , و رد هذا
الأذى , و الوقوف في وجه الطوفان , الذي لو اندفع لأغرق هؤلاء و هؤلاء !
وحينئذ يستهين هؤلاء وهؤلاء حتى بخطر الشيوعية
, الذي لا يقاومه شيء كما تقاومه العدالة الإسلامية . لأن الشيوعية خارج الأبواب ,
تمكن مدافعتها بالقوة و بالمغالطة . والإسلام داخل الأبواب , ومعه حجته التي تصعب
فيها المغالطة والالتواء !
إن الإسلام الذي يثير في نفس الفرد العزة و
الكرامة , ويمنعه الخضوع لحكم يخالف شريعته , ويمنحه الامتداد والاستعلاء أمام كل
سلطة و كل جبروت .. وهذا الإسلام لا يوافق السلطات الاستبدادية في الحكم , ولا
يضمن معه المستبدون البقاء .
وإن الإسلام الذي يضع في يد الدولة تلك
السلطات الواسعة , لتحدد الملكيات و الثروات , ولتأخذ منها لإصلاح المجتمع وتدع ما
لا يضر , ولتتحكم في إيجارات العقار , وفي نسب الأجور , ولتؤمم المرافق العامة , و
تمنع الاحتكار , و لتحرم الربا و الربح الفاحش والاستغلال .. هذا الإسلام لا يوافق
الطبقات المستغِلة , ولا يضمن معه المستغِلون البقاء .
وعندئذ لا يسلط المستبدون و المستغِلون على
دعوة الإسلام الحديد و النار فحسب , بل يسلطون عليها رجال الدين المحترفين و
الكتاب المأجورين , و الصحافة الهازلة , تتخذ منها غرضا للتهكم , وموضوعا للسخرية
, ويجد فيها التافهون من فتيان الصحافة في مصر مادة للتسلية تتفق مع تفاهة تفكيرهم
, وضحالة ثقافتهم , وضآلة شأنهم في أية حياة أخرى جادة كريمة , كالحياة الدافقة في
ظل الإسلام .
و العجيب أن جماعة من المفكرين الجادين ,
ينساقون كذلك مع التيار , ويؤمنون بذلك الإيحاء الذي تسلطه الرأسمالية على دعوة
الإسلام , فيتصورون أن الحكم الإسلامي سينالهم بالأذى , ويشفقون منه على حرية
الفكر , كما تخوّفهم أبواق المستغلين و الطغاة !
إن حكم الإسلام لن يمس تفكيرا مستقيما بسوء , و
لن يمس وضعا مستقيما بأذى . ولكنه حرب على الأوضاع الظالمة , و السلطات الفاشية ,
و مادة قاتلة للتفكير الأعوج و الهذر السخيف , لا بقوة الحديد و النار على طريقة
حكم الاستبداد , و لكن بالجدل الحسن , و بدفعة الحياة الجادة التي لا تسمح بالهذر
الفارغ , ولا تجد المتبطلين الذين يستمعون إلى هذا الهذر في جد الحياة .
معركة الإسلام و الرأسمالية
سيد قطب
عداوات حول حكم الإسلام
عداوات المحترفين من رجال الدين
لعل أغرب العداوات لحكم الإسلام هي عداوة
المحترفين من رجال الدين , المحترفين على اختلاف مللهم ونحلهم و فرقهم وطرائقهم .
ولكنها في الواقع ليست غريبة إلا ظاهر الأشياء . إن هؤلاء جميعا إنما يعرفون أن
ليس في الإسلام "رجال دين" يرتزقون باسم الدين وحده ولا يؤدون عملا آخر
منه يأكلون .
إن الدين ليس حرفة في الإسلام , إلا إن يكون
اشتغالا بتعليم الناس , شأنه شأن أية مادة من مواد المعرفة الإنسانية الأخرى . أو
قضاء في أحوالهم المختلفة شأنه شأن أي تخصص في عمل من الأعمال .
وأن هؤلاء جميعا ليعرفون أن الإسلام يطارد
الدجالين , الذين يجمعون حوله الترهات و الخرافات , فالإسلام عقيدة بسيطة واضحة ,
لا تعتمد على المعجزات و الكرامات و الشفاعات و الدعوات . إنما تعتمد على العقيدة
المستقيمة , و السلوك النظيف , و العمل الصالح , و الجد و الإنتاج .
ولو حكم الإسلام فسيكون أول عمل له أن يطارد
المتبطلين الذين لا يعملون شيئا ويعيشون باسم الدين , و الدجالين الذين يلبسون
وضوح الإسلام بغموض الأساطير , و يستغفلون باسمه عقول الجماهير , الدراويش الذين
لا يعرف لهم الإسلام مكانا في ساحته , لا عملا في دولته . وهم في مصر كثير جد كثير
.
و المحترفون من رجال الدين يعرفون أن لهم
وظيفة أساسية في المجتمعات الإقطاعية و الرأسمالية , وظيفة ترزقهم الدولة عليها و
تيسر لهم مزاولتها و الكسب منها في المجتمع .. تلك هي وظيفة التخدير و التغرير
بالجماهير الكادحة العاملة المستغلة المحرومة , فأما حين يحكم الإسلام , فيعطي هذه
الجماهير حقها , و يكف المستغلين و المستبدين عنها , و يحدد الثراء الفاحش الذي
يؤذي بمجرد وجوده نفوس المحرومين الممنوعين . . حين يتم هذا فما وظيفة هؤلاء
المحترفين في المجتمع ؟ وما مكانهم في الدولة ؟ وما عملهم في الجماهير ؟
إن حرفة الدين جزء من النظم الاجتماعية
المختلة , و قطعة أصيلة من أجهزة الحكم فيها , فإذا صحت تلك الأوضاع , وسلمت تلك
الأجهزة , فحرفة الدين تصبح بلا طلب ولا ضرورة , لأن الدين ذاته سيستحيل عملا
وسلوكا , و نظاما ومجتمعا , ولا يظل أقوالا وشعائر وتمتمة و تراتيل .
وتلك حقيقة واضحة لا يدركها أولئك المحترفين
بأفكارهم وعقولهم , فهم يدركونها بحسهم و فطرتهم . وما ينبغي أن نشك في ذكاء هذا
الفريق من الناس فإن الكثيرين منهم طاقة كبيرة من الذكاء و المهارة و البراعة ,
يستغلونها استغلال الحواة , ويستخدمونها استخدام السحرة , ولو عاشوا في ظل نظام
صالح يستغل هذه الطاقة استغلالا سليما , فربما كسب المجتمع منها كسبا عظيما ! فأما
الآن فهم مجرد تروس في جهاز الاستغلال . وهم مستنفعون مستغِلون بدورهم , وهم
يدركون أخطار الحكم الإسلامي , وأقل هذه الأخطار الاستغناء عن خدمتهم السلبية التي
لا يعرفها الإسلام !
سيد قطب
عداوات المستهترين و المنحلين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق