الجمعة، 15 مارس 2013

عداوات الشيوعية و الشيوعيين


سيد قطب
عداوات حول حكم الإسلام
عداوات الشيوعية و الشيوعيين
   الشيوعية دعوة قاست من رجال الدين الأمرّين , وهي تكافح لتحطيم حكم القياصرة , وإعطاء الجماهير ضروريات حياتها التي كانت محرومة منها .
   وهي نظرية فلسفية تنكر أن يكون في هذه الحياة مؤثر في سيرها , خارج عن مادتها , فهي تنكر منذ اللحظة الأولى أن يكون هناك إله , ليس كمثله شيء في هذه الحياة .
   وهي تقرر أن المؤثرات في سير التاريخ كلها ناشئة من الماديات الواقعية . فهي تنكر منذ اللحظة الأولى أن يكون هناك رسل يوحى إليهم .
   وهي تعتنق مذهب التفسير المادي للتاريخ . فهي تنكر منذ اللحظة الأولى أن يكون للأفراد ــ رسلا أو أبطالا ــ أدوار إنشائية في تطور المجتمع .
   وهي ــ على ما فيها في الجانب الاقتصادي من موافقات كثيرة لبعض النظم الإسلامية ــ تناقض فكرة الإسلام الأساسية عن الكون و الحياة والإنسان , وتعاديه عداء شديدا بسبب هذا الاختلاف الأساسي في طبيعة التفكير .
   والشيوعية تعد نفسها في مرحلة حرب وكفاح , فكل عقيدة فيها جانب للروح , و فيها حساب لله , تعدها الشيوعية عدوة لها , ولو كانت هنالك مشابه كثيرة في الجانب الاقتصادي بينهما . بل إن الشيوعية لتعادي الإسلام أكثر مما تعادي المسيحية , لأن المسيحية لن تعد قوة إيجابية في طريقها , ولأن الإسلام يملك أن يحقق عدالة اجتماعية اقتصادية ــ بجانب احتفاظه بالله في العقيدة واحتفاظه بالروح في الحياة ــ ومثل هذا خطر كل الخطورة على الدعوة الشيوعية التي تعتمد أول ما تعتمد على سوء الأحوال الاجتماعية , ويأس الجماهير من أن تجد لها طريقا إلى العدالة غير الشرعية .
وقد أحست الشيوعية هذا في السنوات الأخيرة , فأخذت تجند لمحاربة الدعوة إلى الحكم الإسلامي جهودها , وتبث ضد هذه الفكرة دعايتها . وهذه الدعاية تأخذ  طريقها في شعبتين : الشعبة الأولى : هي تشويه صورة الحكم الإسلامي, مستغلة تلك الصورة المزورة للحكومة الإسلامية في بعض الشعوب الشرقية . وبيان عدم جدية هذا الحكم , وغموض الأسس التي يتركن إليها وصلاحية هذا الغموض للتأويل والاستغلال ضد الجماهير , وضد الحرية و المفكرين الأحرار .
   والشعبة الثانية: هي الإلحاح في القول بأن العالم ينقسم فقط إلى كتلتين اثنتين : الشرقية و الغربية . وأن عدم الانضمام إلى الجبهة الشرقية , معناه تقوية الجبهة الغربية . وكذلك أي تفكير في إيجاد كتلة ثالثة و معناه تجزئة القوى مما يقوي جبهة الرأسمالية !
   ولقد كشفنا ما في هذا القول وذاك من مغالطة , وما يخفي وراءه من أغراض . و المهم أن يفطم الناس حين يسمعون الدعوة ضد الحكم الإسلامي إلى بواعثها الحقيقة .
   إن الشيوعيين يتعصبون لمذهبهم تعصبا يجعله في نظرهم غاية في ذاته , لا وسيلة لتحقيق عدالة اجتماعية , لذلك يهمهم أن يسدوا في وجوه الجماهير أي طريق آخر يمكن أن يحقق لها عدالة حقيقية , كي لا يبقى هنالك إلا طريق واحد : طريق الشيوعية .
   ولا يجوز أن نغفل كذلك أن ليس التعصب المذهبي وحده هو الذي يملي على دعاة الشيوعية خطتهم , بل إن الدولة الروسية لها من ذلك شيء ! فالشيوعية وسيلة إلى السيطرة على كل دولة تعتنقها , وليس مجرد اعتناقها كافيا إن هي رفضت النفوذ الروسي . وهذه يوغوسلافيا شيوعية لا يطعن أحد في شيوعيتها , ولكنها رفعت رأسها أمام ذلك النفوذ , فحلت عليها اللعنة , ولم تشفع لها شيوعيتها !
   وفي مصر تتدخل عوامل أخرى غير التعصب للشيوعية , ويجب أن نحسب لهذه العوامل حسابها .. أن في مصر شيوعيين لأنهم يحبون الشيوعية , بل لأنهم يكرهون الإسلام , فكل ما يحارب الإسلام إذن هو لها صديق !
   وهم يتظاهرون أمام المغفلين من المسلمين بأنهم مجردون من كل تعصب ديني , ولا يحفلون كل الأديان : وهم في حقيقتهم صليبيون , ينصبون للإسلام وحده "وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ"!
   وما أحب أن أفيض في هذا الموضوع , ولكن أحب أن أنبه كل مسلم من الأبرياء الذين تخدعهم هذه المؤامرة إلى أن يتأكد من الباعث الأول على الطعن في الإسلام وحكم الإسلام . فقد لا تكون الشيوعية إلا ستارا لذلك الطعن الخبيث . وأحب لكل فتى من فتيان المسلمين انزلقت خطاه إلى خلية شيوعية , أن يلتفت , فإن وجد فيها معه أحد من هؤلاء الصليبيين المستترين , فليأخذ حذره أنها عمل لحساب الصليبية , لا لحساب الشيوعية , ولا العدالة الاجتماعية .
   و وددت أن أنتهي إلى هذا الحد في الفصل , أولا دعاية تنبض في خاطري حول بعض شيوعيينا المصريين الأعزاء , الذين يتحدثون أحيانا ضد حكومة الإسلام !
   معظم هؤلاء الأعزاء , يتناولون الحديث في هذه الشؤون , وهم "منسجمون" في خدر الحشيش اللذيذ , وأمامهم جمرات الفحم وحولها دخان النرجيلة المناوي !
   هؤلاء الرفاق المِرَيّحون , لا يريدون مواجهة الواقع السيئ في دنيا الناس ــ ونحن نشفق عليهم فهم ضحايا بريئة لذلك الواقع الأليم ــ وهم يهربون منه في خدر الحشيش اللذيذ , يحلمون الأحلام المريحة عن "بابا ستالين" وهو يدس لهم في " شجرة الهدايا " عدالة اجتماعية لذيذة , لا يتعبون حتى في تناولها .
   فما لهم إذن ولهذا الإسلام المتعب , الذي يكلفهم جهدا ومشقة , بل ويفرض عليهم الصحو و العمل . . دعنا يا عم دعنا من هذا الإسلام , ومن متاعبه الجسام . وغدا نصحو من المنام , على وقع خطوات "ستالين الهمام" .


سيد قطب


والآن أيتها الجماهير ...

ليست هناك تعليقات: