الاثنين، 4 مارس 2013

مشكلة العمل والأجور


معركة الإسلام و الرأسمالية
سيد قطب
في الإسلام خلاص
مشكلة العمل والأجور
  إذا كان العمل هو وسيلة التملك ووسيلة تنمية الثروة في اعتبار الإسلام , فهو إذن قيمة أساسية من القيم الاجتماعية والاقتصادية .
   والإسلام يحيط العمل بقداسة , ويمنح اليد العاملة توقيرا , حتى ليقول نبي الإسلام الكريم عن يد ورمت في العمل : " هذه يد يحبها الله ورسوله " وتتوارد أحاديثه تترى عن هذه القداسة :" من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له " , " إن الله يحب العبد المحترف " .. " ما أكل أحدكم طعاما قط خيرا من عمل يده " . 
  ولقد مر أن بعض فقهاء الإسلام يجعل للعامل الحق في الحصول على نصف الربح , و المبدأ العام الذي يجعل للحاكم أن يستجد من الأحكام بقدر ما يجد من القضية , يجعل للدولة من حقوق التشريع , حسب مقتضيات الأحوال في حدود العدل وكفاية العامل ورضاه .
   وفي هذا المضطرب الواسع , و الحرية العريضة , فسحة لتلافي كل ظرف طارئ ومواجهة كل حالة استثنائية , على ضوء المصلحة الاجتماعية العامة , وعلى ضوء المبادئ الإسلامية الأخرى , التي تحرم الغبن , كما تحرم كل إجراء يؤدي إلى الترف في جانب و الحرمان في جانب , أو يؤدي إلى احتباس المال في يد قليلة , وتداوله في محيط ضيق . ومن أول مبادئ الإسلام ألا يكون المال في أيدي الأغنياء وحدهم : "كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ " فكل نظام للأجور يؤدي إلى هذه النتيجة هو نظام محرم لا يقره الإسلام . وعلى ضوء هذا المبدأ وتلك المبادئ العامة السابقة يمكن التشريع للأجور في اطمئنان .
  أما ساعات العمل فهي محددة بالمبدأ الإسلامي العام الذي يحرم الضرر : لا ضرر ولا ضرار " فكل ما يؤدي إلى إرهاق صحة العامل , أو حرمانه حق الراحة الضرورية , أو حق الاطمئنان النفسي على حاضره و مستقبله , هو نظام محرم لا يقره الإسلام في العمل ولا يرضاه ,  وعلى الدولة أن تشرع في هذه الحدود حسب المقتضيات .
   ونظام العمل نظام متجدد , ومقتضياته وظروفه أبدا في تغير . لهذا وضع الإسلام المبادئ العامة للتشريع له , ولم يحدد قوانين ثابتة , فتلك خطته العامة ليواجه حاجات الحياة المتجددة , ويتقبل تجارب البشرية الواقعة في كل زمان , ويبقى حارسا للاتجاه العام , كي لا يحيد عن وجهته , ولا يخالف عن روحه ومبادئه .
   ولقد كانت هنالك بقية من الحديث عن " الملكية الفردية " آثرت نقلها هنا , لأنها حديث عن " الاحتكار" وللاحتكار  صلة بالملكية العامة إلى هنا , و صلة بالعمل والأجور . ذلك أن نظام الاحتكار كثيرا ما يؤدي إلى تحكم صاحب العمل في العمال ــ فوق تحكمه في السوق والاستهلاك ــ لأن العمال الذين يعملون في صناعة أو حرفة محتكَرة لفرد أو شركة , يعانون نظاما أشبه شيء بنظام الإقطاع . كل ما هنالك أن الإقطاع احتكار للأرض , والاحتكار احتكار للصنف .
   والإسلام يحرم نظام الاحتكار , كما يحرم ما يدعونه حقوق الامتياز بالنسبة إلى الموارد العامة و الخدمات العامة . وما يسمى اليوم : " تأميم المرافق العامة " هو مبدأ رئيسي من مبادئ الإسلام .
   فكل هذه الاحتكارات القائمة : كاحتكار صناعة السكر , واحتكار صناعة المواد الكحولية , واحتكار صناعة السمنت . وكل الامتيازات المعروفة : كامتياز شركة القنال , وامتياز شركة الترام , وامتياز شركات النور و المياه .. وما إليها , وكلها لا يقرها الإسلام . أولا : لأنها وسيلة من وسائل التحكم في السعر و التحكم في العامل . وثانيا : لأنها وسيلة لتضخم الثروة بطريقة جائرة  لا تحقق تكافؤ الفرص للجميع . وثالثا : لأنها وسيلة من وسائل تعطيل الإنتاج و رفض التحسينات في كثير من الأحيان .
   أن المرافق العامة يجب أن تبقى ملكا للشعب , وحصيلة استغلالها يجب أن تعود لخزانة الشعب لا لخزائن الأفراد .. هذا هو الإسلام !
* * * 

ليست هناك تعليقات: