الجمعة، 15 مارس 2013

التعصب ضد الأقليات

معركة الإسلام و الرأسمالية
سيد قطب
شبهات حول حكم الإسلام

التعصب ضد الأقليات
   بقيت شبهة أخيرة , أنا أكره الحديث فيها , ولكن بعضهم يشير إليها تصريحا أو تلميحا , وبعضهم يتخذها تكأة وسببا لإرضاء غايات صغيرة , وتحقيق منافع يسيرة .. تلك هي مسألة الأقليات في حكم الإسلام , وقومية الحكم في ظل إسلامية التشريع .
   إنني أحسب مجرد التخوف من حكم الإسلام على الأقليات القومية في بلاده نوعا من التجني الذي لا يليق , فما من دين في العالم وما من حكم في الدنيا , ضمن لهذه الأقليات حرياتها وكرامتها وحقوقها القومية , كما صنع الإسلام في تاريخه الطويل . بل ما من حكم دلل الأقليات فيه كما دلل الإسلام من تقلهم أرضه من أقليات . لا الأقليات القومية التي تشارك شعوبه في الجنس و اللغة و الوطن , بل الأقليات الأجنبية عنه وعن قومه .
   وما كان جزاء الإسلام على عدله وحسن رعايته , إلا اضطهاد أتباعه في بلاد الأديان الأخرى , وفي ظل جميع أنواع الحكم ما عداه في القديم وفي الحديث سواء مما يجعل الحديث عن قومية الحكم لا إسلاميته , حديثا بغيضا , لا سند له من الحق ولا من الواقع ولا من التاريخ , ولا من روح الإنصاف التي يجب أن يتحلى بها المواطنون في كل بلاد الإسلام .
   وسأختار هنا عهدا من عهود الإسلام كان ينتظر أن يكون أشد العهود تعصبا وقسوة و فظاظة . إذ أنه كان في العهود المظلمة , وكان القائمون عليها هم الأتراك . وسأدع كاتبا مسيحيا أوربيا يتحدث عنه في معاملته للأقليات غير المسلمة و للبلاد المفتوحة . وسأكتفي بهذا المثال دون سواه , لأنه يبلغ فصل الخطاب في هذا المقام .
   قال "سير ت. و . أرنولد " في كتابه " الدعوة إلى الإسلام " ترجمة حسن إبراهيم حسن وعبد المجيد عابدين , وإسماعيل النحراوي ص 138 ـ 139
    " إن المعاملة التي أظهرها الأباطرة العثمانيون للرعايا المسيحيين ــ على الأقل بعد أن غزوا بلاد اليونان بقرنين ــ لتدل على تسامح لم يكن مثله حتى ذلك الوقت معروفا في سائر أوربا : وإن أصحاب كلفن في المجر وترنسلفانيا , وأصحاب مذهب التوحيد من المسيحيين الذين كانوا في ترنسلفانيا , طالما آثروا الخضوع للأتراك على الوقوع في أيدي أسرة هابسبورج المتعصبة , ونظر البروتستانت في سيليزيا إلى تركيا بعيون الرغبة , وتمنوا بسرور أن يشتروا الحرية الدينية بالخضوع للحكم الإسلامي . وحدث أن هرب اليهود الإسبانيون المضطهدون في جموع هائلة , فلم يلجأوا إلا إلى تركيا . كذلك نرى القوزاق الذين ينتمون إلى فرقة المؤمنين القدماء الذين اضطهدتهم كنيسة الدولة الروسية , قد وجدوا من التسامح في ممالك السلطان ما أنكره عليهم إخوانهم في المسيحية . وربما يحق لمقاريوس بطريق أنطاكية في القرن السابع عشر أن يهنئ نفسه حين رأى أعمال القسوة الفظيعة التي أوقعها البولنديين من الكاثوليك على روسيي الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية , قال مقاريوس : " أننا جميعا قد ذرفنا دمعا غزيرا على آلاف الشهداء الذين قتلوا في هذه الأعوام الأربعين أو الخمسين على يد أولئك الأشقياء الزنادقة أعداء الدين . ربما كان عدد القتلى سبعين ألفا أو ثمانين ألفا . فيا أيها الخونة ! يا مردة الرجس ! يا أيتها القلوب المتحجرة ! ماذا صنع الراهبات و النساء ؟ وما ذنب هؤلاء الفتيات والصبية والأطفال الصغار حتى تقتلوهم ؟ ولماذا أسميهم البولنديين الملعونين ؟ لأنهم اظهروا أنفسهم أشد انحطاطا وأكثر شراسة من عباد الأصنام المفسدين , وذلك بما أظهروه من قسوة في معاملة المسيحيين , وهم يظنون بذلك أنهم يمحون اسم الأرثوذكس . أدام الله بقاء دولة الترك خالدة إلى الأبد ."
   فماذا لقي المسلمون في مثل ذلك الزمان , بل ماذا يلقون حتى الآن ؟ إن الجرائم الوحشية ترتكب ضدهم في الحبشة جارتنا . وفي الملايو تحت الحكم الإنجليزي (1) وفي روسيا ويوغوسلافيا وسائر  البلاد الشيوعية التي يزعم المروجون لها هنا , و المستغفلون من إخواننا أن لا علاقة لها بالأديان , ولا عصبية فيها ضد الإسلام . وفي الهند التي هددنا سفيرها في مصر , لأن سفيرنا بالباكستان قد نسبت إليه كلمة حق عن كشمير . لا بل أن هذه الجرائم الوحشية لترتكب ضدهم في عقر دارهم , في الشمال الأفريقي على يد فرنسا , وفي جنوب السودان على يد انجلترا , وفي كل مكان يضع فيه الاستعمار قدمه حتى الآن !
   إن كل ما يذكرونه ضد حكم الإسلام هو أصداء لبعض المذابح الأرمنية على أيدي الترك المتأخرين . ولكن هذه المذابح لم تكن وليدة تعصب ديني , بل كانت ذات طابع سياسي . فهذه العناصر كانت شوكة تستخدم دائما لوخز الدولة العثمانية في أبان ضعفها وتحركها روسيا أو أوربا لأسباب سياسية , ناشئة عن روح صليبية , على ما وقع للأرمن المسيحيين وقع مثله للعرب المسلمين في سورية , وفي ظروف سياسية مشابهة . وقد قامت بهذه وتلك أرذل العناصر في الدولة العثمانية , تلك العناصر التي هي بطبيعتها شغوفة بالدماء و القسوة والإجرام , واستوي المسلمون وغير المسلمين في تلقي ويلاتها وآثامها في طول البلاد . وما كان هؤلاء فهمة للإسلام و لغير الإسلام !
   إن الحكم حين يصير إلى الإسلام , سيسير على مبادئه السمحة الكريمة , التي لا يملك إنكارها أحد . ولن يتغير على الأقليات شيء في أوضاعها ولا حقوقها التي تتمتع بها الآن . وعلى الذين يتحدثون في هذا الموضوع أن يذكروا أن الولايات المتحدة الأمريكية التسع و الأربعين , ليس فيها حاكم كاثوليكي واحد , لمجرد أن الأغلبية هناك من البروتستانت . وكلاهما مسيحي , لا يختلف عن صاحبه إلا في المذهب .
   وعليهم أن يذكروا أن اضطهاد المسلمين في الحبشة قد بلغ إلى حد استرقاق المدين المسلم الذي لا يوفي بدينه للمسيحي . لمجرد أن الحكم للمسيحيين . ولو أن الأغلبية العددية هناك للمسلمين !
   ما الذي يمكن أن يفتح به فمه إنسان عن حكم الإسلام من ناحية الأقليات ؟ إن الحياء وحده لا يكفي , وإنني لأكره الحديث في هذا الموضوع , فكل حديث فيه هو نوع من التجني القبيح لا يليق !
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)             أقرب الحوادث إلى الأذهان حادث الفتاة الهولندية التي التقطتها سيدة مسلمة وهي طفلة شاردة فرعتها وربتها فنشأت مسلمة وتزوجت من مسلم , وإذ بالدولة الإنجليزية تجند جيشها لرد هذه الفتاة إلى المسيحية , وضرب مسلمي سنغافورة بالمدافع الرشاشة ! إنها تدل على التسامح الديني الكامل ! التسامح الإنجليزي و الهولندي بطبيعة الحال !


عداوات حول حكم الإسلام

ليست هناك تعليقات: