سيد قطب
شبهات حول حكم الإسلام
غموض النصوص
بعض الأبرياء الجهلاء يصدق ما
يشيعه المغرضون عن غموض النصوص في الشريعة الإسلامية , لأن بعض هؤلاء المغرضين
يتسمون باسم العلماء , فتنشأ في نفوسهم شبهة في أن قبول النصوص للتأويل , سيحيلهم
إلى عماية ومتاهة , فلا يجدون أصول القانون الذي يحكمهم واضحة معروفة .
والجهل بهذا الدين هو الذي يبقى
على مثل هذه الشبهة في النفوس , و التفسيرات و الحواشي و الشروح التي عكف عليها
الأزهر في وقت جموده , و التي ما يزال يعيش عليها , دون الرجوع إلى المنابع الأولى
الواضحة البسيطة , يجعل للجهلاء بالدين عذرا . فأين هم وهذه المتاهة الواسعة في
الحواشي و الشروح ؟!
وثمة أصل آخر لهذه الشبهة لا
يعرفه الأبرياء الجهلاء , ولكن يتخذه بعض المغرضين وسيلة للتخويف .. هو شمول
المبادئ الإسلامية وسعة أصولها . وبدلا من أن تكون هذه مزية تُحمد فإنهم يجعلونها
خطرا يخشى ..
إن الأصول الإسلامية ليست هي هذه
الشروح و الحواشي التي يتدارسها الأزهر , ليقتل بها شباب طلابه , ويأكل أعمارها ,
ليخرجوا منها بأقوال متعارضة , وجدل عقيم . ولقد كتبت قبل اليوم كتابا كاملا عن
" العدالة الاجتماعية في الإسلام " في نحو ثلاثمائة صفحة وكتابا آخر عن
"السلام العالمي و الإسلام " في نحو مئتي صفحة , فلم أجد أنني بحاجة إلى
الرجوع إلى شيء من كتب الحواشي , لأن الينابيع الأصيلة في الإسلام في الكتاب و
السنة و السيرة و التاريخ , كانت كافية لي لإخراج هذين البحثين ولإخراج سواهما مما
سيجيء .
و المذاهب الأربعة الكبرى في
الإسلام كان مصدر كل ما فيها من أحكام وتشريعات هو من الكتاب و السنة .. وهي مصادر
ميسرة للكثيرين .
نعم قد تختلف الآراء في الجزئيات
و التطبيقات . ولكن كل نظرية تشريعية في العالم تختلف حولها الشروح . وبتجادل فيها
الفقهاء القانونيون . ثم لا يدعو أحد إلى نبذ تلك النظريات التشريعية , لأن الشراح
لم يجمعوا فيها على تفسير .
فأما سعة المبادئ وعمومها , فذلك
في غير الحدود , أي في الشؤون العامة المتجددة مع الحياة . كتقرير مبدأ الشورى في
الحكم , وترك الطريقة التي تتم بها الشورى دون تحديد . كما ينص الدستور المصري
الحاضر على أن تكون الحكومة برلمانية , ثم يترك طريقة الانتخاب لقانون الانتخابات
. وكتقرير مبدأ درء الحدود بالشبهات , ثم ترك بيان الحالات التي يدرء فيها الحد عن
المتهم , يصوغها القانون الذي يفسر هذه القاعدة , أو يحددها القاضي الذي يزاول
النظر في الحادثة . وكتقرير مبدأ قتال الفئة الباغية من المتحاربين حتى تفيء إلى
أمر الله , وترك تحديد الحالات التي توصف بأنها حالات يفي للمحكومين فيها . وذلك
ما تصنعه هيئة الأمم المتحدة اليوم في تقرير أن حالة ما تُعد اعتداء ترده بقية
الأمم . حتى يفيء المعتدي إلى أمر القانون الدولي!
إن الحلال بين و الحرام بين .
أما الذين يتعمدون التأويل لأغراض غير التي يعنيها القانون , فهم مستطيعون
ذلك في كل وقت , وفي ظل أي قانون . وها
نحن أولاء نرى كل وزارة تلي الحكم تجد للقانون تفسيرا و تأويلا , وترتكب في ظله ما
لم يخطر على بال واضعه . أيقال حينئذ أن القوانين يجب أن تلغى , لأن طاغية من
الطغاة قد أوّلها تأويلا سيئا تقبله نصوصها أو لا تقبله ؟ فما بال القانون
الإسلامي وحده هو الذي يتهم عندما يؤوله الطغاة تلك التأويلات ؟ إنها شبهة ظالمة
في الواقع لا تنهض على أساس سليم .
سيد قطب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق