الاثنين، 4 مارس 2013

عدم تكافؤ الفرص


معركة الإسلام و الرأسمالية
سيد قطب
في الإسلام خلاص
عدم تكافؤ الفرص
   لا يكره الإسلام شيئا كما يكره اختلال المساواة في أية صورة من الصور , وفي أي وضع من الأوضاع , ولا ينفي شيئا من محيطه , كما ينفي التفاوت بسبب المولد أو الجنس أو اللون أو الثراء . . . أنه يقر مبدأ التفاوت في الطاقة و المقدرة , ولكن الجميع يجب أن تتاح لهم فرص متكافئة , فإذا سبق أحد بموهبته وحدها , لا بأي اعتبار آخر , فذلك هو السبق الوحيد الذي يقره الإسلام .
   ليس أحد بمولده خيرا من أحد , والولادة في أي بيت علا أو هبط , لا تمنح الفرد مزية زائدة , و لا تسلبه مزية قائمة . وما عادى الإسلام شيئا كما عادى فكرة الطبقات .
   ويخلط بعض الناس فهم الإسلام , فيفهمون آية : " ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات " بأنها إقرار لنظام الطبقات في الإسلام . وفي مجتمع مريض كمجتمعنا وحده يمكن أن يفهم هذا المعنى !. . وأن الارتفاع هنا فردي لا طبقي , فردي قائم على الموهبة الشخصية , لا طبقي قائم على المولد في طبقة . فالموهبة الفردية تهيئ لصاحبها مكانة باستحقاق , أما الولادة في بيت فلا ترتب لصاحبها مقاما واحدا لا يستحقه باستعداده وعمله في الحياة . وهذا هو الفارق الأصيل بين النظام الطبقي ونظام الإسلام . وهو فارق حاسم لا مجال لتجاهله أو الشك فيه . وهو يهدم النظام الطبقي من أساسه , ويقرر التفاوت بين الأفراد بتفاوت المواهب والاستعدادات . 
   من حق كل وليد في الأمة أن يولد صحيحا خاليا من الأمراض الوراثية كالآخرين . فضمانات الحياة التي تتهيأ لأي أبوين في المجتمع , يجب أن تتهيأ لكل أبوين آخرين . لا لحسابهما وحدهما ولكن لحساب الوليد الذي سينسلانه , لأن فرصة الصحة يجب أن توفر له قبل أن يجيء . وإلا فليس هنالك تكافؤ حقيقي في الفرص بين وليد مصاب بالصرع الوراثي و وليد سليم . وتكافؤ الفرص لا يبدأ بعد الميلاد , فالميلاد موعد متأخر جدا لتحقيق هذا التكافؤ . وعلى الدولة أن تضمن لكل مولود هذه الفرصة , بمنحه أبوين صحيحين على قدر المستطاع !
   ومن حق كل وليد أن يجد من الكفاية الغذائية , و الرعاية التربوية , ما يجده كل وليد آخر في الدولة . فإذا حدث أن كان دخل أبويه أو ظروفهما المعيشية لا تمكنهما من توفير هذه الفرصة له , فإن على الدولة أن توفر لهما هذه الظروف .. لا لحسابهما وحدهما كعضوين في هذا المجتمع , بل لحساب هذا الوليد , الذي يصبح تكافؤ الفرص بالقياس إليه خرافة , إذا نشأ ناقص التغذية أو مهملا في البيئة , بينما هنالك ولدان آخرون محظوظون تتاح لهم هذه الفرصة دونه في الحياة .
   ومن حق كل طفل بعد ذلك أن يجد العلم و أن يجد الصحة , وأن يجد الفرصة للعمل , بحسب طاقته وموهبته . وهنا يكون التفاوت الطبيعي حقه , لأنه ينشأ عن التفاوت في داخل الشخصيات , لا في ظاهر المجتمع والملابسات .
   وفي تاريخ الإسلام من النماذج ما لا حصر له على سمو المواهب الفردية بأصحابها إلى أعلى المستويات الاجتماعية , لا يضيرهم مولد في بيت فقير , ولا في بيئة متواضعة , ولا في حرفة صغيرة ذلك أنه : " لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى " .
   والإسلام لا يقر تلك الامتيازات الكاذبة التي تمنح للأطفال بمجرد مولدهم , لمجرد ولادتهم في بيت أو أسرة , أو تمنح للأبناء لمجرد خواطر الآباء !.. هذا الذي يتاح له الالتحاق بالكلية الحربية قبل زميله لمجرد أنه من أسرة ارستقراطية أو عسكرية ! وذلك الذي يتاح له العمل في وظائف النيابة أو السلك السياسي لمجرد أنه من أسرة ارستقراطية أو قضائية ! وذلك الذي يرسل في بعثة علمية إلى الخارج لا لأنه الأول أو الأليق , ولكن لأنه من بيت ارستقراطي ! كل أولئك أمور لا يعرفها الإسلام , لأنها تصدم مبدأ أساسيا من مبادئه التي جاء ليقررها في الحياة .
   وعندما ننظر إلى الأوضاع الاجتماعية القائمة من هذه الزاوية الإسلامية , نطلع على شناعات بشعة , ونبصر بمخالفات صريحة , بل نجد الأساس الاجتماعي كله مقلوبا .. إن الإسلام ليصرخ في وجه الاستثناءات و المحسوبيات , التي أصبحت قوام الدولة وقوام المجتمع . و لو كان الأمر للإسلام ما ترك هذا البناء كله يقوم على الظلم والتفريق و الفساد كما قام ! 
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات: