الاثنين، 4 مارس 2013

معركة الإسلام و الرأسمالية


معركة الإسلام و الرأسمالية
سيد قطب
بسم الله الرحمن الرحيم
" وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا  "
صيحة النذير
   هذا الوضع الاجتماعي السيئ الذي تعانيه الجماهير في مصر .. غير قابل للبقاء والاستمرار .. هذه حقيقة يجب أن تكون معروفة من الجميع , كي يمكن السير بعد ذلك على هداها في الطريق الصحيح .
نعم ! غير قابل للبقاء والاستمرار , ذلك انه مخالف لطبائع الأشياء , لا يحمل عنصرا واحدا من عناصر البقاء , يملي له في الأجل , ويهيئ له فرصة البقاء .
   إنه مخالف لروح الحضارة الإنسانية بكل معنى من معانيها , مخالف لروح الدين بكل تأويل من تأويلاته , مخالف لروح العصر بكل مقتضى من مقتضياته . ذلك فوق مخالفته لأبسط المبادئ الاقتصادية السليمة . ومن ثم فهو معطل للنمو الاقتصادي ذاته , بل النمو الاجتماعي والإنساني .
   وكل وضع اجتماعي يكون من نتائجه شل قوى الأمة عن العمل والإنتاج , فتعويقها بهذا عن النمو والتقدم .. هو و ضع شاذ , لا يفقد فقط حقه في البقاء , بل يصبح بالفعل غير قادر على البقاء . فكيف إذا اجتمع إلى هذه الآفة , أنه يهدر الكرامة الإنسانية , ويفسد الخلق والضمير , ويقضي على كل معاني العدالة , ويقتل الثقة الضرورية في المجتمع والدولة , وينشر القلق , ويذهب بالاطمئنان ؟
إن الذين يتشبثون اليوم بهذا الوضع الشاذ , ويحاولون أن يقيموا له الأسناد , سواء كانوا من المستغلين , الذين يعز عليهم أن يساهموا  في التكاليف والأعباء الضرورية لإقامة المجتمع الصالح وصيانته , أو من الطغاة الذين يصعب على نفوسهم أن تجري العدالة مجراها , فتحرمهم أسباب السلطان الزائف الذي لا يقوم على أساس , أو من المستمتعين الذين مردوا على المتاع الفاجر , فهم لا يطيقون القصد فيه والاعتدال , أو من رجال الدين المحترفين , الذين باعوا أنفسهم لا لله ولا للوطن , لكن للشيطان , ولمن ينقدهم فيها ثمنا بخسا دراهم معدودات ... إن هؤلاء جميعا إنما يحاولون ما لا قبل لهم به , لأنهم يحاولون ضد طبائع الأشياء ! أنهم إنما يلقون بأيديهم إلى التهلكة لأنهم يضيعون كل فرص السلامة السانحة المتاحة . ويا ليتهم يذهبون وحدهم حين يذهبون , ولكنهم سيذهبون ومعهم هذه الأوطان المنكوبة , ما لم تأخذ هذه الأوطان على أيديهم وفي الوقت متسع , قبل أن يحقق عليها النذير الصادق الحاسم " وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا  " .
   إن الحقائق الواقعة لا تعالج , كما نعالجها نحن اليوم , بالخطب الوعظية , أو بالفتاوي المحتالة , كذلك لا تعالج بتكميم الأفواه , وتحطيم الأقلام .. إنما تعالج بحقائق واقعة تقابلها وتغيرها , المعدات الجائعة ولا تفهم المنطق ـ حتى ولو كان منطقا صحيحا لا احتيال فيه ولا التواء ـ وعلينا أن ندرك هذا قبل فوات الأوان ولقد أوشك و الله أن يفوت الأوان ! 
   فليقل من شاء كيف شاء : من الطغاة المستغلين , ومن رجال الدين المحترفين , ومن الكُتاب المرتزقين , والصحفيين المأجورين : إن الدعاة إلى إصلاح الواقع الاجتماعي السيئ , شيوعيون أو خارجون على القانون , أو خطرون على الأمن والنظام , أو دعاة هدم وفوضى , وليحاربوهم بكل الوسائل الجهنمية , التي يملكها الطغاة في كل زمان ومكان , ليزجوا بهم في المعتقلات والسجون , وليعطلوا لهم الصحف والأقلام , وليحاربوا في أرزاقهم وأقواتهم , وليدلوا الستار على حياتهم وذكراهم .
   إن صوتا سيرتفع بعد ذلك كله , ولن يمكن إسكاته أبدا : صوت المعدات الخاوية , التي تملأ جنبات الوادي . صوت الملايين التي تبلل العرق والدماء , ولا تنال مقابلها لقمة الخبز جافة , ولا خرقة الكساء متواضعة , صوت الجموع التي لم تقرأ في حياتها كلمة واحدة عن الشيوعية أو غير الشيوعية , ولكنها جموع من الأحياء , تطالبهم معداتهم بلقمة الخبز . وتطالبهم جلودهم بخرقة الكساء . 
   سيبقى صوت واحد لا يخفت ــ ولو خفتت جميع الأصوات  ــ صوت الواقع الذي ينطق بلسان الملايين من تلك القطع الآدمية المحطمة الزرية , التي مسختها تلك الأوضاع الاجتماعية الظالمة , فحرمتها من حاسة الإحساس بالظلم , وحتى شعور الإنسان بالحرمان . 
   نعم ! وصوت مئات الألوف من الحطام الآدمي المتناثر في الطرقات , اللاصق بالجدران , الباحث عن الفتات في صناديق القمامة مع القطط  الضالة والكلاب . ذلك الحطام المشوه الخلقة , المقرح الجلد , المسمول الأعين , الشارد المتلصص , أو الذليل المتسول .. هنا وهناك في كل مكان .
   ذلك بينما الترف الفاجر الداعر يعربد في المواخير والقصور , والذهب المتجمد في دماء الملايين , تعجز أربابها عن العد والإحصاء بله الإنفاق والاستهلاك !
   من ذا الذي يستطيع أن يقول : إن وضعا اجتماعيا تلك ثماره المتعفنة الخبيثة يمكن أن يدوم , مهما أقيمت له الأسناد المنتحلة من فتاوي المحترفين , أو مقالات المرتزقة المأجورين . أو عسف الطغاة و المستغلين ؟
   إنه عبث . عبث ضائع . عبث ضد طبائع الأشياء .
معركة الإسلام و الرأسمالية
سيد قطب

هناك تعليق واحد:

مصطفى الكومي يقول...

أشطب فقط التعليقات التي تحمل ألفاظ بذيئة