الخميس، 15 نوفمبر 2012

عمالة العالمانيين



   استلم العالمانيون حكم مصر من الاحتلال الانجليزي واستمروا في حكمها ونهبها وقهر أهلها حتى ظنوا أن مصر عزبتهم , وأن الشعب المصري المسلم لن يجرأ أن ينتزعها منهم , لكن لما قامت الثورة ولأول مرة يختار الشعب من يحكمه , فاختار من يمثل دينه وثقافته , ولفظ الغرباء المعتنقون لثقافة الشرق الشيوعي والغرب الليبرالي , تمرد العالمانيون على إرادة الشعب وظنوا أن التظاهرات الفئوية تسقط حكومة أو رئيس منتخب , لذلك لم اختار هذا العنوان تجنيا ولكن من يتابع تاريخ العالمانيين ويعرف توجهاتهم سيعرف مدى عمالتهم , وأنا اقصد بالعالمانيين كل من يعادي الإسلام كمنهج شامل للحياة .
   ظهور العالمانية كان مواكبا للاحتلال الغربي للمنطقة العربية الأمر الذي يؤكد أن النبع الذي يستقون منه الأفكار العالمانية كان غريبا وعدوا , وأن هناك صلة معقودة بين العالمانيين والاحتلال سابقا وبين أعداء الأمة حاليا , ويؤكد هذه العلاقة أن الاحتلال وأعوانه هو الذي مكن له بداية احتلال مواقعه في السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام والتعليم واستخدمهم الاحتلال ووكلائهم الطغاة من بعده في تبرير المظالم وتعظيم دورهم المزعوم في التقدم والحريات .
  إن العالمانيين الآن مع فلول النظام البائد وبتمويل رجال الأعمال الفاسدين والأقباط ومن ورائهم الكنيسة التي كانت تؤيد النظام السابق حتى بعد انهياره اصطفوا جميعا لمحاربة المشروع الإسلامي ولو كانت حربهم هذه بمثل هذا الاصطفاف والقوة ضد نظام مبارك لسقط من عشرين سنة على الأقل , ولكنهم لم يفعلوا ولو استمر هذا النظام ما كانوا ليفعلوا لسبب واضح أن نظام مبارك كان عالماني وهم عالمانيين , كان يخدم إسرائيل وكذلك فريق منهم , كان الغرب يحتضن مبارك من قفاه راضيا غير مكره  وكذلك العالمانيين , يؤكد هذا أن كل العالمانيين بفريقيه الليبرالي والشيوعي الآن خدامين في صحف وفضائيات رجال أعمال مبارك النهيبة , وكل هذا يثبت أن الفريق العالماني الذي كان يرسم نفسه معارضا لنظام مبارك كان في الحقيقة مجرد ديكور للديمقراطية المزعومة في الفترة المخلوعة .
   هذا النفاق والتملق الذي رضعوه وأدمنوه  مع مبارك لو مارسوه مع الإسلاميين لأكلوا من فوقهم ومن تحت أيديهم ولكن أبوا إلا الحرب إتباعا لشياطينهم  ما يؤكد عمالتهم .
   ولو كان حبهم لمصر ككرههم للإسلام لكانت مصر الآن قوة عظمى , لكنهم ينفذون مخطط الإضعاف والإفقار ولهذا أتهمهم بالعمالة .
   لقد كان الأقباط أقرب لهم من الإسلاميين فلم يُحرم الأقباط من الوظائف في الجيش و الشرطة و الخارجية و القضاء و النيابة و الإعلام و الثقافة بينما حرم الإسلاميون من كل هذا لهذا أقول عن يقين أنتم وكلاء أعداءنا , دافعوا عن حقوق الأقباط والبهائيين والشواذ وعبدة الشيطان وحقوق الملحدين  ولم يدافعوا عن حقوق الإسلاميين في حرية التعبد لله بإغلاق المساجد أو حتى الدفاع عن دينهم .
 وهذا الهدم والإحباط الذي يمارسه إعلام العالمانيين الفلول يريد أن يجعلنا نيأس ونشعر أن الثورة لم تفعل لنا شيئا جديدا هو يصب في مصلحة الحرامية الذين نهبونا وفي مصلحة أعداءنا بالخارج التي لا تريد لمصر نهضة و لا قومة .
   العالمانيين كانوا دائما مستعدون لتمرير مخططات الغرب والدعاية ومباركة خطواتها , على سبيل المثال أراد الغرب أن يفصل جنوب مصر النوبي عن شمال مصر فنجد دار النشر ميريت تنشر المخطط  ورجل الأعمال ساويرس يمول بإهداء الكاتب حجاج أدول مروج الانفصال جائزة كبيرة(1)
   أرادت إسرائيل ألا يقام مشروع نوويي في مصر فتجد جريدة الشروق تنشر لمحمد المخزنجي مقالا يدعو لهدف إسرائيل في بقاء مصر خارج معسكر التكنولوجيا النووية (2)
  قامت هوليود وصهاينتها بتشويه كل عربي وإسلامي بأفلامها فاتبعها عادل إمام و وحيد حامد و غيرهم وقاموا بتشويه كل عربي و مسلم أليس هذا يعمل لحساب هؤلاء بعضهم أولياء بعض .
رغبة إسرائيل في التخلص من غزة يتبناها حزب التجمع يحرض الشعب المصري(3) ضد حماس بل ويطالب الحكومة المصرية بغزو غزة (4)بعد أن انتصرت على انقلاب حركة فتح كما ذكر ذلك الكاتب حسين كروم.
    أراد الغرب أن يفتت لحمة الوحدة الإسلامية والعربية فعمل إعلامهم على شيطنة العرب فتجد صحافة العالمانيين  يوميا تفيض بغضا في السعودية و قطر والجزائر وتجد الكاتب جمال الغيطاني يكتب رواية "الزيني بركات" ليبث الكراهية بين مصر وتركيا وتنتجها القناة الرابعة الفرنسية كمسلسل تلفزيوني وتفيض كتاباتهم بشيطنة العرب (5)
  أراد الغرب أن نظل تحت قهر حكم عالماني عسكري مستبد فنجد الكاتب د مصطفى كامل السيد يطالب المجلس العسكري بوضع حد للرغبة الشعبية في أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع بجريدة الشروق وغيره كثير يطالب المجلس العسكري بأن يكون له دور في حماية العالمانية و لا ننسى محاولات يحي الجمل و ووثيقة علي السلمي قطب حزب الوفد الليبرالي .
  أراد الغرب أن نظل في معسكر التخلف الاقتصادي والضعف العسكري والجهل العلمي فخير من مارس هذا وكرسه وكلائهم من العسكر وخير من روج لهم وساندهم ومدح حكمهم وبرر مظالمهم هم العالمانيين , فلم تنهض أي دولة عربية ولم تخرج من هذه الدائرة في ظل حكم العالمانيين .
كان المحتل يعمل جاهدا على إقصاء الإسلام والإسلاميين من مواقع الصدارة في كل شيء , وقد فعل ولكن بعض الأعمال لم ينجزها قبل أن ينصرف فجاء وكيله عبد الناصر فنزع الأزهر من استقلاله وضمه إلى البيض الفاسد الذي يرقد تحت جناحه , وألغى المحاكم الشرعية وسجن واعتقل الإسلاميين بعد أن أقصاهم من كافة المراكز المؤثرة في المجتمع وأفسح للشيوعيين كافة مجالات الإعلام وفنون التأثير ومازالوا وارثيها حتى الآن وأقصى كل من كان له توجها إسلاميا ومنهم على سبيل المثال الكاتب المعروف علي أحمد باكثير (6)أقاله من رئاسة المسرح لأنه ألف رواية يفضح فيها اليهود *, ثم أعطى سيناء هدية لإسرائيل والقدس وفلسطين فوق البيعة بعد أن تخلى عن دور مصر الحضاري القيادي .
بالطبع العالمانيين لم يعملوا "ببلاش" ولكن كان الثمن في انتظار كل من أبدى كرهها أو تهميشا للدين في حياته وفي المجتمع من وظائف في الثقافة و الإعلام والتعليم والقضاء والخارجية والجيش والشرطة وفي المؤسسات السياسية والاقتصادية , في الوقت الذي أقصي كل من بدا عليه علامات التدين الحق .
لقد كان حشدهم يوم الجمعة  12/10/2012 سببا رئيسيا في تراجع النائب العام وتمرده على قرار رئيس الجمهورية وتمسكه بمنصبه الذي يحمي من خلاله قوى الفساد التي وقفت ضد الثورة وضد إرادة وحق الشعب في اختيار من يحكمه وينيب عنه .
  لماذا لا نرى انتخابات حزبية كالتي رأيناها في انتخابات حزب الحرية و العدالة أو حزب النور ؟ لسبب بسيط أن زعماء الأحزاب يتعاملون مع الحزب كعزبة , والعزبة لا تعمل انتخابات فهي ملك من يمولها وبالطبع الأعضاء لا يمولون ولكن يأكلون فقط ويصفقون فليس لهم حق الانتخاب , أذكر أن بعض الأحزاب الورقية أيام النظام البائد كان يعمل وليمة فتة باللحمة فإذا جاء الفقراء وجدوا العزومة عبارة عن مؤتمر يزأر فيه زعيم الحزب لمطالب الغلابة فإذا سألوا على الفتة كان الرد بعد الاستماع إلى خطبة الزعيم وتصوير الجموع التي أتت على لحم بطنها للاستماع إلى خطبة الزعيم .
لقد  رصدت وثائق ويكيليكس طابورا خامسا يرتاد باب السفارة الأمريكية يطلب الأجرة و ويتلقى التعليمات (7) ولا نجد من يحقق و يبحث ورائهم من زوار الفجر الذين كان الإسلام وحده هدفهم وشغلتهم .



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   حجاج أدول يحصل على حائزة من ساويرس http://www.masress.com/shorouk/539903

(2)   محمد المخزنجي يكتب عن البرنامج النووي المصري بأنه ضرب من الجنون http://www.shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=410722

(4)   حزب التجمع يحرض الحكومة المصرية على غزو غزة و التخلص من حماس http://today.almasryalyoum.com/printerfriendly.aspx?ArticleID=73246
(5)عبد المنعم سعيد رئيس تحرير الأهرام السابق يندد باختراق مزعوم لحماس لحدود مصر ويتغاضى عن اختراقات إسرائيلية وقتل الجنود المصريين على الحدود http://www.ahram.org.eg/The-Writers/News/1927.aspx
(6)علي أحمد باكثير
(7) قائمة بالصحفيين والسياسيين ونشطاء حقوق الإنسان الذين تلقوا تمويلا من السفارة الأمريكية والتي نشرها موقع ويكيلكس

الخميس، 18 أكتوبر 2012

شاهد على أحداث التحرير 11/10/2012


بعد أن حكمت المحكمة ببراءة رجال أعمال الحزب الوطني المتورطين في موقعة الجمل ذهبت يوم الخميس الماضي 11/10/2012 إلى ميدان التحرير بعد صلاة المغرب بقليل وقابلت بعض الإخوان الذين أعرفهم في الميدان وسط جمهور عريض من الشعب المصري .. هتفنا ضد النائب العام وطالبنا بضرورة تطهير القضاء.  لم يعجب هذا بعض الشيوعيين, وحاول بعضهم الهتاف لإسقاط الإخوان لكن أفرادًا من الشعب أسكتوهم وحصلت مشادات أخرجت ما كان يضمره بعض الشيوعيين وخرجت من أفواههم تهديدات كمثل" اللي ها نشوفه بكره من الإخوان هنا ها نطلع دين أمه" استفز ذلك بعض الشباب فكانت النتيجة طردهم من الميدان, سمعت التهديد ولم أعر له أهمية ولكن عندما عدت إلى الفيس بوك وجدت التهديدات للإخوان تملأه .. ولم آخذها على محمل الجد.
 ذهبت يوم الجمعة بعد الصلاة مصطحبا زوجتي وابنتي الصغيرة .. درت حول "الصينية" أي قلب الميدان, وحول المنصة فلم أقابل أحدًا من الإخوان أعرفه أبدا.. عرفت أن الإخوان لم يأتوا بعد وكان الميدان يموج بمختلف التيارات فضلا عن الشعب.. كانت الهتافات تدور حول إقالة النائب العام وتأييد مرسي في قراره وتطهير القضاء, اتصلت بالإخوان الذين أعرفهم قالوا إنهم في الطريق, ذهبت لنأكل وصليت العصر ثم خرجت من المسجد القريب من الميدان في شارع باب اللوق فوجدت أثرًا لمشادات, وشخصًا له لحية خفيفة منزويًا يكاد يبكي يقول "مش معقول شوية عيال زي دول يطردونا من الميدان " عرفت أنها  كانت معركة.. دخلت الميدان فوجدت العديد من الرايات الحمراء للاشتراكيين الثوريين والحزب الشيوعي الثوري والحزب الشيوعي المصري تلتف حول المنصة, تأكدت أن الشيوعيين قد تعاركوا مع جموع الشعب التي رفضت الشتائم والإهانات لمرسي والإخوان, علمت أنه قد حصلت مشادات في الميدان وتأكدت أن الإخوان لم يأتوا بعد. عزمت على الخروج من الميدان والعودة للبيت طالما أن الإخوان لم يأتوا, وأثناء ذلك بدأ قذف الطوب نحوي أنا وزوجتي وابنتي.. أسرعنا الخطى.. لم أعرف من الذي يقذف الطوب.. أسرعت في اتجاه المترو طلبت من زوجتي أن تذهب خوفا على ابنتي, وعدت أنا لأعرف من يقذف الطوب. اتصلت مرة ثانية بمن أعرفه من الإخوان فعرفت أنهم يتجمعون عند المتحف ثم الذهاب إلى دار القضاء العالي, عزمت على التوجه إلى المتحف من ناحية قصر النيل ومن خلف مبنى الحزب الوطني المحترق ثم ميدان عبد المنعم رياض إلى المتحف.  بالفعل وجدت الإخوان وعرفت أنهم يتجمعون للذهاب لدار القضاء العالي ويرفضون المشاركة في قذف الطوب الدائر في الميدان. كان البعض مصطحبا أسرته والبعض قد أعادهم إلى البيت تحسبا لتطورات الأحداث, ولكني أصررت أن أعرف من يقذف الطوب ودخلت الميدان.. أول ما قابلني بعض أفراد الشعب قد أمسكوا بلطجيا بعد أن أوسعوه ضربا يعترف بأنه تلقى مائة جنيه ليشترك في ضرب الإخوان من سيارة سوداء لا يعرف من بداخلها, دخلت الميدان فوجدت قذف الطوب قد انتهى وأن أصحاب الرايات الحمر قد طردوا من الميدان إلى شارع طلعت حرب ولكنهم يواصلون قذف الطوب ليدخلوا الميدان مرة أخرى. حاولت التعرف على واحد من الإخوان الذين أعرفهم يشترك في قذف الطوب نحو الشيوعيين فلم أتعرف على أحد. قلت إذا كان الإخوان متجمعين عند المتحف فمن يقذف هؤلاء إلا الشعب المصري الذي يرفض الشيوعيين ببذاءاتهم وأفكارهم المعوجة, وإن كان من بينهم بعض الإخوان ممن استفزتهم بذاءات الشيوعيين. ووجدت أنصار حمدين قد طُردوا أيضا إلى شارع باب اللوق وكانت تدور بينهم مشادات وبين أفراد من الشعب حول اليوم وضرورة التكاتف حول أهداف الثورة التي من بينها إقالة النائب العام وتطهير القضاء, ولكن إصرار حمدين على توجيه الشتائم لمرسي والإخوان كان يستفز الشعب ضدهم ويحول بينهم وبين دخول الميدان حتى أن البعض كان يقابل هتافات حمدين المستفزة بهتاف "أيد واحدة "كان حمدين يرد "إيدكم وسخة "  وكان الشعب يهتف ضد النائب العام فيقابلهم أنصار حمدين بهتاف بسقوط الإخوان.. كان المتظاهرون يرفعون أعلام مصر بينما كان الشيوعيون والتيار الشعبي يرفعون أعلامهم الخاصة, لم يكن في الميدان 6 ابريل واستغربت من عدم تواجد السلفيين بالرغم من تصريح قادتهم بضرورة الضغط لإقالة النائب العام, فهمت هنا أنهم يقصدون: "على الإخوان والشعب أن يضغطوا لإقالة النائب العام" , تأكدت أن الإخوان لا يريدون مواجهة بدليل تجمعهم عند المتحف, واصطحابهم لزوجاتهم وأبنائهم, عدت ووقفت معهم عند المتحف وقبيل المغرب بقليل تجمعنا في مسيرة وذهبنا إلى دار القضاء العالي, وعلمنا أن الشيوعيين أحرقوا أوتوبيسين للإخوان بعد أن غادر الشعب والإخوان الميدان, ورفضت القيادات الميدانية أن نتحرك لإنقاذ الأوتوبيسات, وفي الثامنة مساءًا غادرنا, ولكن كثيرًا من أفراد الشعب ظلوا واقفين عند دار القضاء يرددون الهتافات ضد النائب والقضاء.
  عرفت وتأكدت أن الشعب يكره الشيوعيين لذلك أصر على طردهم من الميدان, ولا غرابة في ذلك فالشيوعيون أنفسهم يعرفون كراهية الشعب لهم ولذلك يتخفون وراء رايات وأسماء مختلفة, فهم يتخفون تحت الاشتراكية والناصرية والعدالة الاجتماعية ويتوزعون تحت قيادات متعددة مرة تحت حمدين باسم حزب الكرامة, ثم لفظ الحزب الذي أسسه بعد أن ظن انه في غنى عنه واستقال تحت زعم أنه قيادة شعبية لا يحتاج إلى حزب يدعمه ثم آخراً التيار الشعبي, وحزب التجمع التقدمي بقيادة رفعت السعيد الذي استقال منه البدري فرغلي بعد أن فضح الحزب قائلا إنه فرع للحزب الوطني ولا نستغرب فقد كان حزب التجمع ممثلا في حكومة العسكر, وكلا الحزبين دخل انتخابات مجلس الشعب السابقة متخفيا تحت قائمتي حزبين كبيرين, دخل حزب الكرامة تحت قائمة الحرية والعدالة, ثم تنكر له بعد أن أكل في بيته  وحضر مؤتمرات الحرية والعدالة الانتخابية ووزعت لهم دعاية عليها صورهم دون أن يدفعوا مليما واحدا, وها نحن نرى حمدين يتنكر ويتهم الإخوان, وكمال أبو عيطة يتهم الإخوان بأن لهم ميليشيات.. وتخفى حزب التجمع تحت قائمة المصريين الأحرار ولولا تخفيهم ما فاز منهم أحد, ولا ننسى تصريحات سامح عاشور وهو يطالب العسكري بإلحاح للتدخل لتشكيل اللجنة الدستورية رافضا نتائج الانتخابات, ويقف محاميا عن النائب العام بعد أن قام بتمثيل دور المدافع عن الشهداء أمام قضاة مبارك, وتدخل المجلس العسكري لإنقاذ سامح خليل زعيم الاشتراكيين الثوريين من ضرب الشعب له في الإسكندرية.

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

فضيحة الشيوعيين


        


بعد أن حكمت المحكمة ببراءة رجال أعمال الحزب الوطني المتورطين في موقعة الجمل ذهبت يوم الخميس 11/10/2012 إلى ميدان التحرير بعد صلاة المغرب بقليل قابلت بعض الإخوان الذين أعرفهم في الميدان وسط جمهور عريض من الشعب المصري هتفنا ضد النائب العام وطالبنا بضرورة تطهير القضاء لم يعجب هذا بعض الشيوعيين أتباع حمدين حاول بعضهم الهتاف لإسقاط الإخوان لكن أفراد من الشعب أسكتوهم وحصلت مشادات أخرجت ما كان يضمره بعض الشيوعيين وخرجت من أفواههم تهديدات كمثل" اللي ها نشوفه بكره من الإخوان هنا ها نطلع دين أمه" استفز ذلك بعض الشباب فكانت النتيجة طردهم من الميدان , سمعت التهديد ولم أعر له أهمية ولكن عندما عدت إلى الفيس بوك وجدت التهديدات للإخوان تملئه ولم آخذها على محمل الجد , ذهبت يوم الجمعة بعد الصلاة مصطحبا زوجتي وابنتي الصغيرة لففت الصينية وحول المنصة فلم أقابل احد من الإخوان أعرفه أبدا عرفت أن الإخوان لم يأتوا بعد وكان الميدان يموج بمختلف التيارات فضلا عن الشعب كانت الهتافات تدور حول إقالة النائب العام وتأييد مرسي في قراره وتطهير القضاء , اتصلت بالإخوان الذين أعرفهم قالوا أنهم في الطريق , ذهبت للإفطار أنا وزوجتي وابنتي وصليت العصر ثم خرجت من المسجد القريب من الميدان في شارع باب اللوق وجدت أثر لمشادات وأحد أفراد الشعب ملتحي لحية خفيفة واقفا على جنب يكاد يبكي يقول "مش معقول شوية عيال زي دول يطردونا من الميدان " عرفت أنها  كانت معركة , دخلت الميدان وجدت العديد من الرايات الحمراء للاشتراكيين الثوريين والحزب الشيوعي الثوري والحزب الشيوعي المصري تلتف حول المنصة , تأكدت أن الشيوعيين قد تعاركوا مع جموع الشعب المصري التي رفضت الشتائم و الاهانات لمرسي والإخوان , علمت أنه قد حصلت مشادات في الميدان وتأكدت أن الإخوان لم يأتوا بعد عزمت على الخروج من الميدان والعودة للبيت طالما أن الإخوان لم يأتوا بعد , وأثناء ذلك رأيت قذف الطوب قد بدأ نحوي أنا وزوجتي وابنتي أسرعنا الخطى , لم أعرف من الذي يقذف الطوب أسرعت في اتجاه المترو طلبت من زوجتي أن تذهب هي خوفا على ابنتي رؤى , وعدت أنا لأعرف من يقذف الطوب اتصلت مرة ثانية لمن أعرفه من الإخوان عرفت أنهم يتجمعون عند المتحف ثم الذهاب إلى دار القضاء العالي , عزمت على التوجه إلى المتحف من خلف موقع البناء أمام هيلتون ثم خلف مبنى الحزب الوطني المحترق ثم ميدان عبد المنعم رياض ثم المتحف بالفعل وجدت الإخوان عرفت أنهم يتجمعون للذهاب لدار القضاء العالي ويرفضون المشاركة في قذف الطوب الدائر في الميدان كان البعض مصطحبا أسرته والبعض قد أعادهم إلى البيت تحسبا لتتطور الأحداث  , ولكني أصررت أن أعرف من يقذف الطوب ودخلت الميدان أول شيء قابلته بعض أفراد الشعب قد أمسكوا ببلطجي بعد أن أوسعوه ضربا يعترف بأنه تلقى مائة جنيه ليشترك في ضرب الإخوان من سيارة سوداء لا يعرف من بداخلها , ثم دخلت الميدان وجدت قذف الطوب قد انتهى من الميدان وأن أصحاب الرايات الحمر قد طردوا من الميدان إلى شارع طلعت حرب ولكنهم يواصلون قذف الطوب ليدخلوا الميدان مرة أخرى حاولت التعرف على أي أحد من الإخوان الذين أعرفهم يشترك في قذف الطوب نحو الشيوعيين فلم أتعرف قلت إذا كان الإخوان متجمعون عند المتحف فمن يقذف هؤلاء إلا الشعب المصري الذي يرفض الشيوعيين ببذاءتهم وأفكارهم المعوجة , وإن كان من بينهم بعض الإخوان ممن استفزتهم بذاءات الشيوعيين ووجدت أنصار حمدين قد طردوا أيضا إلى شارع باب اللوق وكانت تدور بينهم مشادات وبين أفراد من الشعب حول اليوم وضرورة التكاتف حول أهداف الثورة التي من بينها إقالة النائب العام وتطهير القضاء , ولكن إصرار حمدين على توجيه الشتائم لمرسي والإخوان كانت تستفز الشعب ضدهم وتحول بينهم وبين دخول الميدان حتى أن البعض كان يقابل هتافات حمدين المستفزة بهتاف "أيد واحدة "كان حمدين يرد "إيدكم وسخة "  وكان الشعب يهتف ضد النائب العام فيقابلهم أنصار حمدين بهتاف لسقوط الإخوان ظنا منهم أن المتواجدين أمامهم كلهم إخوان وبينما كان الشعب ومن بينهم من الإخوان يرفعون أعلام مصركان كل الشيوعيون ومنهم التيار الشعبي يرفعون أعلامهم الخاصة فقط , لم يكن في الميدان 6 ابريل واستغربت من عدم تواجد السلفيين بالرغم من تصريح قادتهم بضرورة الضغط لإقالة النائب العام , فهمت هنا أنهم يقصدون : "على الإخوان والشعب أن يضغطوا هم لإقالة النائب العام ونتفرج نحن وننتظر توزيع الغنائم" , تأكدت أن الإخوان لا يريدون مواجهة بدليل تجمعهم عند المتحف , واصطحابهم لزوجاتهم وأبنائهم , عدت ووقفت معهم عند المتحف وقبيل المغرب بقليل تجمعنا في مسيرة وذهبنا إلى دار القضاء العالي , وعلمنا أن الشيوعيين أحرقوا أوتوبيسين للإخوان بعد أن غادر الشعب والإخوان الميدان , ورفضت القيادات الميدانية أن نتحرك لإنقاذ الأتوبيسات , وفي  الثامنة مساءا غادرنا , ولكن كثير من أفراد الشعب ظل واقفا عند دار القضاء يرددون الهتافات ضد النائب والقضاء .
  عرفت وتأكدت أن الشعب يكره الشيوعيين لذلك أصر على طردهم من الميدان , ولا غرابة في ذلك فالشيوعيين أنفسهم يعرفون كراهية الشعب لهم لذلك فهم يتخفون وراء رايات وأسماء مختلفة فهم يتخفون تحت الاشتراكية والناصرية والعدالة الاجتماعية ويتوزعون تحت قيادات متعددة مرة تحت حمدين باسم حزب الكرامة ثم لفظه الحزب الذي أسسه بعد أن ظن انه في غنى عنه واستقال تحت زعم انه قيادة شعبية لا يحتاج إلى حزب يدعمه ثم آخراً التيار الشعبي , وحزب التجمع التقدمي بقيادة رفعت السعيد الذي استقال منه البدري فرغلي بعد أن فضح الحزب قائلا إنه فرع للحزب الوطني ولا نستغرب فقد كان حزب التجمع ممثلا في حكومة العسكر , وكلا الحزبين قد دخل انتخابات مجلس الشعب السابقة متخفيا تحت قائمتي حزبين كبيرين , دخل حزب الكرامة تحت قائمة الحرية والعدالة , ثم تنكروا لهم بعد أن أكلوا في بيوتهم  وحضروا مؤتمرات الحرية والعدالة الانتخابية و وزعت لهم دعاية عليها صورهم دون أن يدفعوا مليما واحدا , وها نحن نرى حمدين يتنكر ويجرح ويتهم الإخوان  , وكمال أبو عيطة الآن يتهم الإخوان بأن لهم ميلشيات , وتخفى حزب التجمع تحت قائمة المصريين الأحرار ولولا تخفيهم ما فاز منهم أحد , ولا ننسى تصريحات سامح عاشور بإلحاح يطالب العسكري ضرورة أن يتدخل لتشكيل اللجنة الدستورية رافضا نتائج الانتخابات , والذي وقف الآن محاميا عن النائب العام بعد أن قام بتمثيل دور المدافع عن الشهداء أمام قضاة مبارك  , وتدخل المجلس العسكري لإنقاذ سامح خليل زعيم الاشتراكيين الثوريين من ضرب الشعب له في الإسكندرية.

موضوعات ذات صلة على صفحة .. العالمانية

الخميس، 27 سبتمبر 2012

دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين

لا تفوّت رسالة المدونة هذه!

دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين

كتبهامصطفى الكومي ، في 27 سبتمبر 2012 الساعة: 13:03 م


 دستور الوحدة الثقافية                                                                                                    
محمد الغزالي
مقدمة
   هذا كتاب يتعرض لحاضر المسلمين ومستقبلهم، ويشارك فى إنعاشهم من الغيبوبة الطويلة التى ألمت بهم! إنها إغماءة مقلقة حقا، ظنها أعداء الإسلام بوادر موت، ولكننا خبراء بأمتنا وتاريخها وكبواتها ونهضاتها، ومن أجل ذلك قررنا اعتراض العلل المؤذية ومتابعة جراثيمها هنا وهناك حتى تعود العافية ونستأنف نشاطنا العتيد.. ملهم هذا الكتاب وصاحب موضوعه الأستاذ الإمام حسن البنا ، الذى أصفه ويصفه معى كثيرون بأنه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة.. فقد وضع جملة مبادئ تجمع الشمل المتفرق، وتوضح الهدف الغائم، وتعود بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، وتتناول ما عراهم خلال الماضى من أسباب العوج والاسترخاء بيد آسية ، وعين لماحة ، فلا تدع سببا لضعف أو خمول.. وعملى كان تأصيل هذه المبادئ وشرحها على ضوء تجاربى المستفادة خلال أربعين عاما فى ميدان الدعوة ، قضيت بعضها مع الإمام الشهيد ، وبعضها مع الرجال الذين رباهم ، وبعضا آخر مع مؤمنين أحبوا دينهم ، وجاهدوا فى سبيله ، وقاوموا ببأس شديد جميع القوى التى أغارت عليه وحاولت إطفاء نوره ، وتنكيس رايته.. إن الظروف التى بدأ فيها حسن البنا دعوته ما تزال قائمة مع خلاف طفيف حينا وكثيف حينا آخر. وهذه الظروف تنشأ من منبعين رئيسين: الاستعمار العالمى الذى اكتسح بتفوقه المدنى والعسكرى كل شبر من أرض الإسلام ، وحاول أن يغير معالمها جملة وتفصيلا لمصالحه الخاصة.. والمنبع الآخر ـ وهو الأخطر والأخبث يجئ من الأدواء التى استشرت فى الكيان الإسلامى نفسه ، نتيجة فساد عام فى أحواله المادية والأدبية ، العلمية والعملية ، الفردية والاجتماعية ، التربوية والسياسية.. والواقع أن الاستعمار العالمى انحدر إلى أقطار فقدت القدرة على الحياة الصحيحة ، واسترق جماهير كان نسبها إلى دينها أبعد شىء عن الصدق ، وقطَّع أوصالا كانت ميتة أو شبه ميتة. كان قلب العالم الإسلامى مذهولا أو مشلولا، والروس يمزقون جناحه الشرقى فى التركستان وسيبيريا. وكان قلب العالم الإسلامى مذهولا أو مشلولا ، والأمريكان يشنون حرب إبادة على مسلمى الفليبين وكان هذا القلب على بلائه وعنائه ، وأجنحته الغربية تهشِّم وتستذل. ثم أطبق الظلام على أرضه جمعاء ، واستفاقت عناصر المقاومة بعد ما فقدت الأمة الكبيرة كل شىء تقريبا ، وتوزعت جهود المقاومين على جبهات عديدة مضنية. كان ذلك فى مبادئ القرن الرابع عشر وأواسطه ، ولا ريب أن الأخلاف العانين كانوا يحصدون ثمرات انحراف قديم ، وإسفاف غبرت عليه أيام كالحة! ومن الخطأ القول بأن حسن البنا أول من رفع راية المقاومة فى هذا القرن الذليل. لقد سبقه فى المشرق العربى، والمغرب العربى، وأعماق الهند وإندونيسيا، وغيرهما، رجال اشتبكوا مع الأعداء فى ميادين الحرب والسياسة والتعليم والتربية، وأبلوا بلاء حسنا فى خدمة دينهم وأمتهم. وليس يضيرهم أبدا أنهم انهزموا آخر الأمر، فقد أدوا واجبهم لله ، وأتم من بعدهم بقية الشوط الذى هلكوا دونه.. إن حسن البنا استفاد من تجارب القادة الذين سبقوه ، وجمع الله فى شخصه مواهب تفرقت فى أناس كثيرين. كان مدمنا لتلاوة القرآن يتلوه بصوت رخيم ، وكان يحسن تفسيره كأنه الطبرى أو القرطبى ، وله مقدرة ملحوظة على فهم أصعب المعانى ثم عرضها على الجماهير بأسلوب سهل قريب.. وهو لم يحمل عنوان التصوف ، بل لقد ابعد من طريقة كانت تنتمى إليها بيئته. ومع ذلك فإن أسلوبه فى التربية وتعهد الأتباع وإشعاع مشاعر الحب فى الله كان يذكر بالحارث المحاسبى وأبى حامد الغزالى… وقد درس السنة المطهرة على والده الذى أعاد ترتيب مسند أحمد بن حنبل ، كما درس الفقه المذهبى باقتضاب فأفاده ذلك بصرا سديدا بمنهج السلف والخلف. ووقف حسن البنا على منهج محمد عبده وتلميذه صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا و وقع بينه وبين الأخير حوار مهذب. ومع إعجابه بالقدرة العلمية للشيخ رشيد، وإفادته منها، فقد أبى التورط فيما تورط فيه. ولعله كان أقدر الناس على رفع المستوى الفكرى للجماهير مع محاورة لبقة للابتعاد عن أسباب الخلاف ومظاهر التعصب.. وقد أحاط الأستاذ البنا بالتاريخ الإسلامى ، وتتبع عوامل المد والجزر فى مراحله المختلفة ، وتعمق تعمقا شديدا فى حاضر العالم الإسلامى ، ومؤامرات الاحتلال الأجنبى ضده… ثم فى صمت غريب أخذ الرجل الصالح يتنقل فى مدن مصر وقراها ، وأظنه دخل ثلاثة آلاف قرية من القرى الأربعة الآلاف التى تكون القطر كله.. وخلال عشرين عاما تقريبا صنع الجماعة التى صدعت الاستعمار الثقافى والعسكرى ، ونفخت روح الحياة فى الجسد الهامد.. ثم تحركت أمريكا وإنجلترا وفرنسا ، وأرسلت سفراءها إلى حكومة الملك فاروق طالبين حل جماعة الإخوان المسلمين. وحلت الجماعة وقتل إمامها الشاب الذى بلغ اثنتين وأربعين سنة من العمر، وحملته أكف النساء مع والده الشيخ الثاكل إلى مثواه الأخير، فإن الشرطة كانت تطاردنا ـ نحن المشيعين ـ حتى لا نقترب من مسجد " قيسون " الذى بدأت منه الجنازة!! وتحدثت مع ولده "سيف الإسلام " حديثا لم أنسه!! كان الابن المفزع مغيظا لأن الجسد قطِّع لحما فما تنضام القطع بعضها إلى بعض إلا "بالشاش " ثم بالكفن ولولا ذلك لتبعثرت.!! تذكرت قول الشماخ يرثى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وقد طعنه علج طعنة مزقت أمعاءه، وجعلت الدم يخرج ممزوجا بالطعام. جزى الله خيرا من أمير وباركت يد الله فى ذاك الأديم الممزق فمن يسع أو يركب جناحى نعامة ليدرك ما قدمت بالأمس يُسبق قضيت أمورا ، ثم غادرت بعدها بوائج فى أكمامها ، لم تُفتق يعنى أن عمر خلف بعد مماته دواهى كانت على عهده كامنة ، ولم تتحرك إلا بعد ما ولى.
* * *
ولست فى موطن رثاء للإمام، ولا تأريخ لحياته. إننى هنا أعرض المبادئ التى كان يجمع الناس عليها، والأسلوب الناجح الذى أحدث به يقظة إسلامية عظيمة. فإن الظروف التى بدأ فيها جهاده لا تزال قائمة لم يتغير منها إلا الشكل! الاستعمار السياسى هو هو وإن اتخذ ضغطه أسلوبا غير مباشر ، ومادام الختل واللف يغنيان فلا معنى للمصارحة وما تستتبعه من إثارة! والاستعمار الثقافى دائب على سرقة القلوب والقيم ، واجتياح العقائد والشرائع وحيله كثرت وتشعبت حتى بات يخاف على الأجيال المقبلة! واضمحلال العقل الإسلامى واضح فى أغلب ميادين الفقه! وعدد كبير من المشتغلين بفقه العبادات أو المعاملات يحسن النقل التقليدى أكثر مما يحسن الوعى والاجتهاد ، ويغلب عليه ضيق الأفق ولزوم مالا يلزم أما الفشل فى شئون الدنيا فأمره مخجل حتى إن ما نأكله من طعام أو ما نأخذه من دواء أو ما نرتديه من لباس يصنعه لنا غيرنا وأما صناعات السلاح وما يحمى الشرف ويصون الإيمان فشىء لا ناقة لنا فيه ولا جمل ، كما يقول العرب الأقدمون. لقد بدأ حسن البنا عمله من الصفر ، وشرع دون ضجيج يحى الإسلام المستكن فى القلوب ، ويوجهه للعمل ويكفى الإمام الشهيد شرفا أنه صانع الشباب الذين نسفوا معسكرات الإنجليز على ضفاف القناة ومازالوا بهم حتى أغروهم بالرحيل! ويكفيه شرفا أنه صانع الشباب الذين ما اشتبكوا مع اليهود فى حرب إلا ألحقوا بهم الهزيمة وأجبروهم على الهرب… إن ذلك هو ما جعل الاستعمار مصرا على معاداة هذه المدرسة ، وإلحاق الأذى بها حيثما ظهرت.. لقد بدأت العمل مع حسن البنا وأنا طالب فى الأزهر ، من خمس وأربعين سنة تقريبا ، والحالة العامة يومئذ جديرة بالتسجيل: الحكم منفصل عن العلم ، وهو انفصال مبكر فى تاريخنا للأسف ، كما أشرت إلى ذلك فى بعض كتبى. والتعليم قسمان مدنى ودينى ، وهو عمل استعمارى بارع لضرب الدين والدنيا والتعليم الدينى منقسم على نفسه ، فالفقهاء شىء، والمتصوفة شىء آخر. والمتصوفون فرق لها رايات وشارات مختلفة. والفقهاء توزعوا على المذاهب الأربعة ، ويرفض أحدهم الصلاة وراء الآخر إلا مضطرا. ثم نشب خلاف زاد الطين بلة بين هؤلاء جميعا وبين أهل الحديث. ودخلت الوهابية المعركة باسم أنصار السنة ، فاستعرت الحرب بينها وبين هذه وتلك. وولدت الأحزاب السياسية بعيدة عن الهوس الدينى جاعلة الوطنية شعارها ، وانقسمت هذه الأحزاب بين ضالع مع القصر الملكى ومؤيد للتيار الشعبى. ثم تسللت الشيوعية مستغلة الفقر السائد ، وعارضة ما لديها من فنون الإغراء.. وظهر مستغلون فى مجال العمل السياسى ، وآخرون يقصرون نشاطهم على العمل الاجتماعى وحده وسط هذا البلاء والتمزق الشامل كان حسن البنا يدعو إلى الإسلام دينا ودولة، ويتخلص بلباقة من الآصار الموروثة والأهواء الوافدة. كان يحارب التقاليد الغبية بنفس العزم الذى يحارب به الغزو الفكرى. وأشهد أنه محق ذاته فى مرضاة الله وبذل النصح للعامة والخاصة ، وكان يضن بالدقيقة من يومه أن تضيع فى غير مصلحة الإسلام والمسلمين.. والأصول العشرون التى وضعها والتى أشرحها هنا ليست الكلمة الأولى والأخيرة فى الطرق الثقافية لخدمة الأمة الإسلامية.. إنها مقترحات ـ وأصطنع هنا أسلوب حسن البنا ـ مقترحات مجربة للم الشمل ، وعلاج العثرات ، فمن كان لديه أحسن فليعرضه ، أو نقد فليذكره ، ولنتعاون جميعا على إعلاء كلمة الدين والنصح لهذه الأمة. المسلمون الآن عبء ثقيل على الإسلام ، وهم لا يستحقون الحياة إلا إذا أنصفوا الوحى النازل بين ظهرانيهم ، وخلصوه من تخليطهم وجهلهم المعيب قرنا بعد قرن.
قد تملكنى ـ وأنا أؤلف هذا الكتاب ـ شعور بأنه لا قداسة إلا للوحى الأعلى ، ولا مكانة إلا للرجال الذين أحسنوا الفقه فيه والعمل به حيث أقامهم القدر.. يجب أن تغربل الأفكار والمذاهب والأعراف والتقاليد التى سادت تاريخنا ، فقدمها لا يعطيها حق البقاء! والاحترام للحق وحده! لما قرأت كلمة الشخص الذى قال فى مجلس معاوية: أمير المؤمنين هذا، فإن هلك فهذا ـ يعنى يزيد ـ فمن أبى فهذا ـ يشير إلى سيفه ـ قلت : منافق مرتزق ، يطلب دنيا لنفسه ولقبيلته! والفقيه الذى يصور الشريعة من خلال هذه الكلمة ليس أحسن حالا منه إن الفلك قذف بعدة قرون ميتة أمام الحكم العباسى ، وقذف بعدة قرون هالكة أمام الحكم التركى.. فما ذنب الإسلام حتى يحمل المخلفات الثقافية والسياسية لهذه القرون؟ وقد شاء الله أن أعد كتابى هذا فى مطالع القرن الخامس عشر الهجرى وأعداؤنا يحفرون لنا القبور التى تطوينا ، وأمتنا ـ عفا الله عنها ـ لا تزال تتعثر فى تفاهاتها. إن الإسلام يجب أن يبقى وأن يقود.
    فالحق عندنا وحدنا ، وعلينا أن ندرك نفاسة ما أكرمنا الله به ، وأن نحسن نفع أنفسنا ونفع الناس به. هناك تحديات تواجه الدعوة الإسلامية ، بل تواجه الرسالة الإسلامية ذاتها ، أقلها من الخارج وأكثرها من الداخل!! نعم فإن الآفات التى تنخر فى الكيان الإسلامى أشبهت الأمراض المتوطنة وقد ألحقت به معاطب مخوفة ، ثم انتهت به خواتيم القرن الرابع عشر الهجرى إلى حال تسوء الصديق وتسر العدو.. عندما تعرض المذاهب العلمانية برامجها السياسية والاقتصادية تحسن التفاهم مع الطبيعة البشرية ، وتحسن تقديم الحكم بريئا من نزوات الاستبداد الفردى ، وتقديم المجتمع بعيدا عن شهوات الشح والأثرة والتظالم البغيض. أما نحن فماذا نقدم للناس؟ شورى هى حبر على ورق ، وتراحم هو حديث منابر ، وشعائر توقف فيها نبض الحياة ، فلا هى حب لله ولا هى حنان على الناس إننا منتمون إلى الإسلام ومنكرون له فى آن واحد ، منتمون له بالميراث وخارجون عليه ماديا وأدبيا ولست أتحامل على الجيل المعاصر ، ولا على الجيل الذى سبقه. إن موجة الجزر بدأت قبل ذلك ، ثم شدت فى انسحابها الأجيال المتأخرة إلا قليلا ممن تشبث بالحق فى مصادره المعصومة ، واستمات كيما تبقى أعلام الإسلام قائمة…
قلت لصديق يحدثنى عن التاريخ الإسلامى : اسمع يا أخى ، إن الأمويين والعباسيين والعثمانيين لم يقدموا صورة صادقة للخلافة الإسلامية ، وتتفاوت نسبة الدمامة فى الصورة التى قدموها تفاوتا يسيرا! وقد عد أئمتنا عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس بعد الراشدين الأربعة ، ثم ماذا؟ ملك عضوض يعمل لنفسه ولله معا ، وعمله لله هو الغطاء الذى يدارى به نهمته إلى الجاه والمال. قد وجد من كان عمله لله أرجح، ثم بدأ هذا الصنف يقل حتى انفرد بالسلطان من لا يعمل إلا لنفسه وحسب. سبحان الله إن الإنسان الكبير الذى قال: "ابغونى فى ضعفائكم! هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ " قامت باسمه نظم تستهلك الشعوب وتفتات على الجماهير ، وتزدرى كل ذى رأى ، وتسجن أئمة الدين أو تقتلهم كما يسجن المجرمون ويقتل السفاحون!! هل تنجح دعوة للإسلام سنادها الداخلى هذا المجون؟ بل هل يبقى الدين نفسه ، مع تلك الأوضاع المقلوبة والحقوق المغصوبة؟ اسمع يا أخى أنا لا أعتبر التتار هم مسقطى الخلافة فى بغداد، إن الخلافة أسقطتها من قبل قصور مترعة بالإثم متخمة بالملذات الحرام أنا لا أعد الصليبيين هم مسقطى دولتنا فى الأندلس ، إن المترفين الناعمين هم الذين أنزلوا راية الإسلام عن هذه الربوع الخضرة ، إن ملوك الطوائف فى الأندلس لم يكونوا أبناء شرعيين لطارق بن زياد ، ولا لغيره من الأبطال الذين باعوا لله أنفسهم فأورثهم الأرضين. إننا نحن قبل غيرنا العقبة الأولى أمام دين عظيم إن التحدى الأولى يجئ من داخل أرضنا ثم تجئ من بعده تحديات الأعداء التقليديين. وقد نقلت فى بعض ما كتبت حديثا يجب أن نتدبره مثنى وثلاث ورباع ، عن ثوبان ـ رضى الله عنه ـ أن النبى - صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زُوى ـ جُمع ـ لى منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ـ معادن الأرض وثرواتها ـ وإنى سألت ربى لأمتى ألا يهلكها بسنة عامة ـ قحط شامل ـ وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ـ أجنبيا ـ فيستبيح بيضتهم. وإن ربى قال: يا محمد إنى إذا قضيت قضاء فإنه لا يردّ! إنى أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة! وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها أو مِن بين أقطارها ـ يعنى أهل القارات المعمورة ـ حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبى بعضهم بعضا " . والحديث ظاهر فى أن مصائبنا من أنفسنا قبل أى شىء ، وأنها تجىء ابتداء من فساد الحكم كما قال عليه الصلاة والسلام فى نهاية هذا الحديث. "وإنما أخاف على أمتى الأئمة المضلين " ـ أى الحكام الفاسدين. فإذا وقع ذلك فى دار الإسلام فينبغى أن ننظر إلى ما وراء هذه الدار لنرى مسافة الخلف بيننا وبين غيرنا ممن لا يدين ديننا. عن المستورد القرشى ـ رضى الله عنه ـ أنه قال عند عمرو بن العاص : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ يقول : تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو: أبصر ما تقول قال: أقول ما سمعت من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عمرو: لئن قلت ذلك ، إن فيهم لخصالا أربع. إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين وضعيف ويتيم. وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك الحق أن هذا وصف رصين أمين لأقطار كثيرة وراء دارنا ، أعنى دار الإسلام. وقد أسأل نفسى: إذا كان المرء يبيت فى دمشق أو بغداد أو استامبول عواصم الخلافات الثلاث الكبرى غير آمن على ماله أو دمه ، ويبيت فى لندن أو باريس أو واشنطن مستريح الطرف والقلب ، فمن يعطيه ربك قيادة الإنسانية ، ويقر الأمور فى يده ؟! قال لى محدثى: أنت غضبان، وفى أحكامك قسوة أو حيف! دعك من الكلام فى عوج الحكام ، وحدثنا عن التحديات التى تعترض الدعوة الإسلامية فى الخارج.. قلت: أنا أحب علاج العلل من جذرها ، وما ذكرت قصة الحكم إلا لأنها نموذج للانحراف عن الخط الإسلامى ، وإلا فالانحراف أصاب أغلب التقاليد الاجتماعية التى تؤثر فى أخلاقنا ومسالكنا. قال لى: لننظر إلى التحديات الخارجية! قلت: لعل أول هذه التحديات جهلنا بالآخرين! إننا لم نكلف أنفسنا مد البصر إلى ما وراء حدودنا مع أننا أصحاب دعوة عالمية. نعم لم نحاول أن نعرف كيف يفكر أو كيف يعيش اليهود والنصارى وغيرهم فى بلادهم ، وما هى الأطوار النفسية والاجتماعية التى تمر بهم؟ والغريب أن القوم هم الذين تعرفوا علينا ودرسوا بلادنا وخبروا شئوننا ، وكشفوا حتى عما فى تربتنا من معادن وفى برنا وبحرنا من خيرات. إن علماء المشرقيات أو المستشرقين نقبوا فى تراثنا الماضى ، وفى واقعنا المعاصر ، ومنذ عدة قرون وهم دائبون فى البحث ، ونحن مغرقون فى الجهل حتى عرفونا معرفة استيعاب. أما نحن فقابعون فى أماكننا لا ندرى ماذا يحدث فى أوربا ، ثم ماذا يحدث فى أمريكا واستراليا بعد اكتشافهما. ولا ندرى ما ثورات التحرر التى وقعت فى انجلترا وفرنسا وغيرهما. ولا ندرى ما يخطط اليهود لمستقبلهم ومستقبل الدنيا معهم. ولا ندرى أدوار الصراع بين الدين والعلم فى الغرب ، والصدع الذى أصاب الكنيسة فى هذا النزاع الوحشى. ومن المضحك أن "نلسون " وهو يطارد نابليون فى البحر الأبيض المتوسط رسا بأسطوله فى الإسكندرية ، وسأل محافظ الثغر عن قائد الحملة المنتظرة؟ ودهش المحافظ الساذج ، ونفى علمه بنية الفرنسيين ، وتساءل: هل يجرؤ أحد على التعرض لأملاك السلطان؟ إن الموظف الكبير لا يدرى شيئا عما يقع فى دنيا الناس! وهو مثل الجماهير قد تفق فى حلق الشارب وإنماء اللحية ، وتحسب أنها استكملت عرى الإيمان بالوفاء للشكل ، والمحق للموضوع. إن تربية اللحية لا وزن لها مع انعدام تربية النفس والعقل ، ومع فراغ القلب واللب..! وأمر آخر ساء موقفنا فيه جبرا هو عدم إفادتنا من العلم المادى الذى وثب وثبات فسيحة فى اكتشاف أسرار الفطرة وإحسان تطويعها لمطالب الناس. بدأ هذا العلم مسيرته المظفرة بعدما قهر كهنوت الكنيسة ، وتجاوز العجز الإسلامى فى بلاده الهاجعة!! العقل الإنسانى وحده أخذ يتحسس طريقه فى البحث والدرس حتى نجح، ثم أغراه النجاح فطفر من أفق إلى أفق حتى غزا الفضاء. ص _01 ص
صحيح أنه استفاد من إشراقة الإسلام الأولى حين غمرت حضارته الدنيا، ومؤرخو الحضارة الإنسانية يؤكدون ذلك. ولكن المسلمين نسوا وظيفتهم، ورسالتهم، واستطاع الجهلة فى بلادهم أن يملكوا أزمة السلطة، فما الذى يربط العالم بهم؟ لقد انطلق العلم وحده وترك طابعه الذكى على كل ما حولنا. واستيقظ اليهود والنصارى قبل فوات الفرصة، واصطلحوا مع المدنية الجديدة كى ينتفعوا بها فى تحقيق مآربهم. ووصلنا نحن بعدما تحرك القطار، فإذا أعداء الأمس يتحركون ومعهم تفوق علمى ساحق ليحتلوا أرضنا، ويفرضوا طابعهم عليها. وشرع المسلمون يستجدون المعرفة الجديدة ليدعموا بها وجودهم المدنى والعسكرى ، وهم يطرقون أبواب المجهول ، علهم يعودون بشىء!! وجرح نفسى أن سمعت مفتيا فى إحدى الإذاعات يقول: إن تعلم اللغات الأخرى يجوز للضرورة ، هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية. كأن تعلم اللغات محظور أصلا ، وما يباح إلا للضرورة! قلت إن ابن تيمية ليس جاهلا ليقول هذا الكلام ، كيف ونبينا مرسل للعالمين ولغات الناس لا حصر لها؟ وعدت إلى كتاب "ابن تيمية": (اقتضاء الصراط المستقيم فى مخالفة أصحاب الجحيم) فرأيت الرجل فى واد ، والمفتى فى واد آخر.. رأيت ابن تيمية يكره انحلال الشخصية العربية ويرفض أن يتكلم الرجل بكلام بعضه عربى وبعضه أعجمى اعتزازا بجنسية أخرى ، كما تلمح ذلك فى بعض ضعاف الشخصية الذين ينسون عروبتهم وتغلب عليهم رطانات أخرى. وشتان بين القضيتين! إن لبس الحق بالباطل ما يجىء إلا من هذا القصور الفقهى. وتعلم اللغات الأخرى واجب لمنافع دينية ودنيوية لا حدود لها ، وليس ذلك بداهة على حساب اللغة القومية! والناس يعرفون ذلك فى كل قارة ، ولكن التدين المغشوش يفسد البداهة ويمسخ الفطرة.. وكأن القدر ـ ازدراء لهذا التدين ـ أبى إلا أن تكون النهضة العقلية العارمة بعيدة عنه ، ولا نقول: منكرة له.. على أن التحدى الأعظم للإسلام كله هو فى يقظة كل القوى المعادية له، وتبييتها النية على اغتياله! أجل لقد صحت اليهودية والنصرانية والشيوعية والوثنية ، وتملكتها رغبة مجنونة للقضاء على هذا الدين وانتهاز ما يسود بلاده من غفلة وفرقة لتوجيه الضربة الأخيرة. ولو قدرت على استنصات المسلمين فى المشارق والمغارب، وبعث شعورهم العازب، لصرخت فى آذانهم: احذروا : الإسلام فى خطر!! إن خصوم الدين الحق يتمتعون بقوى مدنية وعسكرية هائلة، ويرسمون سياساتهم فى أناة وذكاء، يرسمونها على قدر كبير من البرود والثقة.. وما أظن العالم يساوى شيئا إذا جحدت الخلائق ربها وأرخصت حقه ونسيت لقاءه.. وأماتت هذا الإسلام الجريح وأنكرت عليه حق الحياة!! ولا أعرف للبقاء فى الدنيا معنى إذا حدث ذلك! وأعود إلى ما ذكرت آنفا. إن تحديات الدعوة الإسلامية تجىء ـ قبل أى زحف خارجى ـ من داخل أرضه ، وسوف تتلاشى هذه التحديات كلها يوم يعتنق المسلمون الإسلام ، ويدخلون فيه أفواجا ، حكاما وشعوبا. لقد ألفت هذا الكتاب عارضا فيه تجاربى ـ وهى حصيلة معاناة مرة إلى جانب توجيهات رجل موفق لا شبيه له فى تأليف الهمم والألباب وتحشيد الشيوخ والشباب لخدمة الإسلام ومد أشعته فى كل أفق.. أسأل الله ذا الجلال والإكرام أن ينفع به، وأن يجعله فى موازين الحسنات ، وأن يغفر لى ما قدمت وما أخرت. إنه أهل التقوى وأهل المغفرة.
محمد الغزالى القاهرة أول المحرم سنة 1 ص 01 هـ أول القرن الخامس عشر الهجرى
الدائرة الإسلامية

موضوعات ذات صلة على صفحة .. إسلاميات

السبت، 22 مايو 2010

حفظ القرآن

تكفل الله تعالى بحفظ القرآن الكريم وهذا الحفظ كان مخصوص للقرآن دون الكتب السابقة لسبب وجيه هو أن القرآن هو الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء أي أنه لن ينزل كتاب بعد القرآن حتى لا تكون للناس عند الله حجة إلى أن تقوم القيامة .
والمستشرقين ورجال الكنيسة يرون أن طريقة حفظ القرآن كانت طريقة بدائية تحول دون إتمام عملية الحفظ وذلك لأنهم تصوروا أن حفظ القرآن تم عن طريق الكتابة على الأحجار والجريد والرقاع ولم يتعداه إلى وسائل أخرى للحفظ ولكن الله تعالى وفر للقرآن ظروفا و وسائل كثيرة ساعدت على حفظ القرآن بل على استحالة تحريفه أو تزويره ومنها الآتي :
ـ أن الله يسر القرآن للذكر والحفظ في الصدور والذاكرة حتى أن طفل صغير ذو سبع سنوات أو أكثر ومن بلد لا تعرف العربية في أندونيسا أو ألمانيا يستطيع أن يحفظ القرآن كاملا بدون حتى أن يفهم معنى ما يحفظ وهي خاصية تتوافر في القرآن فقط ولا تتوافر في الكتاب المقدس حتى أن البابا شنودة أو بابا الفاتيكان لا يستطيع أن يحفظ الكتاب المقدس ولا أعظم كاردينال مسيحي أو حتى صفحة كاملة منه بل أن البابا شنودة استطاع أن يستشهد في بعض خطبه بعدة آيات من القرآن حفظا بدون قراءة من المصحف . و كذلك الأمي الذي لا يقرأ يستطيع حفظه بسهولة ويسر وبدون تعلم القراءة والكتابة .
ـ أن الإسلام حس المؤمنين على التلاوة والحفظ في الذاكرة وجعل لمن يحفظ ويتلوا القرآن الجزاء العظيم في الدنيا والآخرة فتسابق الناس في الحفظ والتلاوة حديثا وقديما وهذا جعل كثير من الصحابة بالآلاف يحفظون القرآن وذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن فمه الشريف ويكفي أن أقول أن الإحصاءات تقول أن من حضر مع النبي حجة الوداع يصل إلى مائة ألف من المسلمين . وما زال الناس تتسابق على الحفظ بحيث لا يعدوا ولا يحصوا . بينما المسيحية لا تطلب من معتنقيها حفظ أو تلاوة الكتاب المقدس . فكان هذا مدعاة للنسيان والخطأ واستحالة التصحيح للمغير أو المبدل .
ـ يُقرأ القرآن خمس مرات يوميا خلال إقامة الصلاة حيث يقرأ جهرا ثلاث مرات وسرا مرتين غير الصلوات الأخرى المستحبة جعلت المسلمين الأوائل معتادين على سماعه وحفظه وهم يصلون خلف الأئمة بحيث إذا أخطأ الإمام في القراءة صحح المصلين له في الحال أي أن جمهور المسلمين مراجعين ومصححين لأخطاء القراء وهذه عملية مستمرة قبل جمع القرآن في كتاب واحد وبعد ذلك و حتى الآن ولو كان حدث تغيير بعد الجمع لصححوه أو لهاجت نفوسهم على من غير أو بدل في القرآن ولكن هذا لم يحصل بل كانوا واثقين ومطمئنين لصحة القرآن . وهذا أيضا غير متوافر في المسيحية فلا قراءة الإنجيل ولا دخول الكنيسة متكرر لهذا الحد فينطبع الإنجيل في نفوسهم كما أنطبع القرآن في نفوس المسلمين الأوائل والمعاصرين .
ـ أن البيئة العربية التي نزل فيها القرآن كانت معتادة على حفظ الشعر والنثر في الذاكرة بسهولة . وبالرغم أنهم كانوا يدونون ما يكتبون من مواثيق ورسائل إلا أن الحفظ في الذاكرة كان هو الأكثر اعتمادا و انتشارا بين العرب . وظلت دواوين الشعر الجاهلي محفوظة حتى بعد ظهور الإسلام .
ـ أن عملية جمع القرآن في كتاب واحد تمت على أيد الصحابة المقربين والمشهود لهم بالحفظ والأمانة وفي حضرة جميع من أمنوا بالإسلام من المهاجرين والأنصار ولم ينقل عنهم أنهم اعترضوا على كتابة أية واحدة أو أنهم وجدوا أخطاء فصححوها أو أن أحد قال نقصت أو زادت آية واحدة . لقد تم هذا في حضور عدد يعد بالآلاف من الصحابة المقربين الثقات الذين إن وجدوا الحاكم معوج قالوا له لنقومنك بسيوفنا وهذا ما حدث مع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لما طلب منهم تقويمه إذا اعوج. فلم يكن لأحد أن يمنعهم من قول الحق في كتاب الله وقد أمروا مراراً بالنصح و الأمر بالمعروف وقول الحق . بينما تمت كتابة الإنجيل حتى بدون حضور التلاميذ الاثنى عشر حتى يكونوا شهداء على صحته فهم كانوا حاضرين مع المسيح وشهدوا تنزيل الإنجيل والأحداث وقد أخذوه من فم المسيح عليه الصلاة والسلام ولكنهم لم يكونوا موجودين حين كتب الإنجيل فأين الشهود الذين شاهدوا الأحداث ليشهدوا على صحة النقل والكتابة .
ـ إن عملية جمع القرآن تمت في تجمع آمن وأخوي للمسلمين حيث كانت القوة والسلطة والغلبة للمسلمين الصحابة فلم يكونوا مضطهدين أو مطاردين تحت احتلال روماني أو فارسي أو أي عدو على غير دينهم أي أنهم كانوا مسيطرين على دولتهم وشئونهم الدينية تماما قادرين على حفظه وتطبيق وممارسة شعائرهم وشريعتهم في دولتهم متمكنين من نشر دينهم بحرية . فاجتماعهم في المدينة المنورة جعلهم شهداء متضامنون على عدم حدوث أي تغيير في القرآن . لم يتحكم فيهم سلطان وثني كما تحكم قسطنطين الوثني الذي لم يتعمد إلا على فراش الموت كما يقول تاريخ النصارى فجمع القساوسة فقرب من كانت عقيدته تقترب من عقيدته الوثنية واستبعد من صحت عقيدته وخالفت وثنيته . وهذا الذي توفر للمسلمين الأوائل لم يتوافر للمسيحية حيث رفع المسيح بسبب مطاردة الرومان واليهود وتفرق تلاميذ المسيح الأثنى عشر في الأقاليم مطاردين ومضطهدين في ظل سيطرة واضطهاد روماني وثني جعلهم مضطرين لإخفاء دينهم أحيانا أو مختفين عن الناس لم يستطيعوا إظهار شعائرهم ولم يستطيعوا أن يسيطروا على أو يصححوا الانحراف الذي حصل في العقيدة أو تفسيرات المبشرين ولم يراجعوا الذين كتبوا الأناجيل المختلفة وسقطاتهم وهم كثير وأنى لهم هذا وهم مطاردين في البلاد مختفين من أعدائهم . لم يجمعهم مكان واحد فيكونوا شهداء على بعضهم أو مصححون لمن أخطأ أو نسى منهم .
ـ كان الصحابة خير الناس حفظا وحبا وإخلاصا لدين الله وهم الذين تم على أيديهم جمع القرآن في كتاب واحد وكلهم معروف بحسن خلقه وحقيقة دينه ونسبه وقصة حياته تفصيلا ,منهم من ظل ملازما للرسول لمدة ثلاث وعشرين عاما, يتلقى منه ويتعلم منه ويمارس كافة تعاليم دينه, كانوا متحابين متعاونين وقد نقلت لنا كتب السير كل ما يثبت ذلك وعلى سبيل المثال الخليفة الأول أبو بكر الذي حارب مانعي الزكاة قائلا " أينقص الدين وأنا حي والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه " فهو لم يرض من الناس عدم تطبيق فريضة واحدة من شرائع الإسلام . وعند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أخرج جيش أسامة الذي قد جهزه الرسول للجهاد فنصحه بعض الناس بألا يخرج الجيش في مثل هذه الظروف فقال " أنفذوا بعث رسول الله " فهذا من حرصه تنفيذ ما أراده النبي حتى بعد مماته فلم يبدل ولم يغير . وهذا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب يقول" قوموني إن رأيتم في اعوجاجا فيرد عليه أحد المسلمين والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بالسيف " وهذا يدل على شجاعة الصحابة في قول الحق وحقهم في تقويم المعوج فمثل هؤلاء لو رأوا في كتاب الله تغيير أو تبديل لصححوه وقوموه وما منعتهم هيبة الخليفة . وحدث أن عمر قد رأى ارتفاع قيمة المهور فأراد أن يحددها .فوقفت له امرأة من المسلمين فقالت له " تريد أن تحرمنا ما رزقنا الله" فقال قولته التي تدل على أنه ليس مستبدا كملوك الرومان " أصابت امرأة وأخطأ عمر ".وفي مرة رأى أن المسلمين يحبون زيارة الشجرة التي ذكرت في القرآن فقطعها خوفا من أن يتبرك الناس بها على عادة الوثنية وحرصا على نقاء وصفاء دين الإسلام . هل توافر مثل هذا للمسيحية . انظر عن من أخذت النصرانية . بطرس الرسول كما يقولون أخبر عنه المسيح أنه سيتنكر للمسيح ثلاث مرات حين يصيح الديك وبالفعل بعد رفع المسيح وزوال الخطر عنه . سئل بطرس ثلاث مرات فينكر معرفته بالمسيح وتذكر مصادر المسيحية أن بطرس كان قد ضل وظن أن المسيح بشر فحسب تعبيرهم أن بطرس لم يكن يفهم عقيدة المسيح وقد كان من تلاميذه . فكيف يثقون فيمن لم يفهم عقيدة المسيح خلال سنوات صحبته ثم تنكر له.
وبولس الرسول كما يقولون قبض عليه الرومان فادعى أنه روماني الجنسية وقبض عليه اليهود فادعى أنه من الفريسيين يعني أسلوب مراوغة ومن يأمن للمراوغ . ونصح المبشرين أتباعه أن يتعلموا اللغات والسحر أو الحيل حسب تعبير الكتاب المقدس ما حاجة المبشرين لتعلم الحيل إلا لخداع الناس وإثبات أنهم يعملون المعجزات . ثم مِن مَن تلقى الدين المسيحي ؟ من بطرس الذي لم يستوعب عقيدة المسيح طوال سنوات صحبته وما المدة التي تعلم فيها الدين المسيحي ؟ خمسة عشر يوما في صحبة بطرس ثم تصاحب مع برنابه ثم تخاصم معه وطرده برنابه لماذا ؟ لفساد عقيدته وقد كان برنابه أسبق منه في المسيحية . من هم كتاب الإنجيل هل يعرف نسبهم أو سيرتهم أو حقيقة أيمانهم ؟ وعلى يد من أمنوا وتعلموا الدين ؟ لا تعرفون حقيقة كُتاب الإنجيل ومع ذلك سلمتم بصحة ما يقولون ولم تعرفوا حقيقتهم .
ـ المؤمنين من الصحابة يعدوا بالآلاف الذين عايشوا نزول الوحي وتلقوه من فم رسول صلى الله عليه وسلم ( فتح مكة تم بعشرة ألاف صحابي) فإن أخطأ منهم واحد أو عشرة أو اثني عشرة في القرآن صحح له بقية الآلاف وإن غير أو بدل واحد أو أثني عشر اجتمع عليه الآلاف يقوموه بالسيف . وهذا جعل عملية الثقة في عملية التواتر( نقل القرآن من جيل إلى جيل)أعلى وأكبر من أن يُشك في صحة النقل والتواتر . أي أن ألاف حفظوا القرآن من فم الرسول ثم لقنوه إلى عشرات الآلاف من الذين جاءوا بعدهم ثم لُقن وحُفظ بعد ذلك إلى مئات الآلاف من الذين جاءوا بعدهم وهكذا استمرت عملية التواتر وحفظت من الانقطاع , ومن المستحيل أن يجتمع الآلاف على كذب أو نسيان .
فكم عدد التلاميذ الذين عاصروا المسيح وأخذوا منه الإنجيل وتلقيتم أنتم منه الإنجيل ؟ واحد فقط هو بطرس الذي تنكر للمسيح ولم يفهم الرسالة حيث كان يظن المسيح بشر كما قال مؤرخي المسيحية . ثم من كان سيصحح لبطرس إن أخطأ وقد أفترق عن بقية التلاميذ . لقد أغفل كُتاب الإنجيل ذكر ماذا حدث لبقية التلاميذ الأثني عشر ومن علموه ولمن سلموا الرسالة أما بولس فلم ير المسيح ولم يتلقى عن التلاميذ إلا من بطرس . وكُتاب الإنجيل ممن نقلوه وكتبوه ومن هم الذين نقلوا منهم وكم عددهم وما حقيقة تدينهم ؟ لا يعرفون!!!
ـ لم يعرف الإسلام الكهانة ولا النظام الكنسي والذي كان يحتكر تفسيرات الدين ويفرضها على أتباعه ويمنح صكوك غفران للخاضعين لسلطانه والطرد لمن اعترض على شيء من معتقداته والذي كان يسوق الناس كالعميان ويحتكر فهم العقيدة .
ـ إن عدم ظهور نسخ أخرى للقرآن واحتجاج الناس بها لدليل على عدم التبديل أو التغيير في كتاب الله وما حدث أيام عثمان دليل على انتباه ووعي الصحابة وحرصهم على كتاب الله من التحريف , حيث ظهرت نسخ كتبت بلهجات محلية وبعد أن دخل كثير من الأعاجم في الإسلام وكانوا حديثي عهد بالإسلام والعربية فلم يحسنوا كتابة أو حفظ القرآن لعجمتهم فكان لابد من التصحيح حيث عين ألاف المسلمين متيقظة ومتحفزة لمن غير أو بدل وتم إخبار خليفة المسلمين الثالث ولم يكن يقل عن من سبقوه حفظا وأمانة لدين الله وكتابه فأمر بنسخ عدة نسخ من القرآن المحفوظ في المدينة المنورة وتحت عين المسلمين من الصحابة وكان يرسل النسخ المكتوبة ومعها قارئ حافظ ممن تربوا في مدينة القرآن يعني صوت وصورة لكل مصر من الأمصار ثم أمر بحرق النسخ التي كتبت ولم تكن موافقة للنسخة المحفوظة بالمدينة المنورة ,بموافقة الصحابة وبشهودهم ذلك, ولو لم يفعل ذلك لكانت فتنة وضلال كبير . ولنعم ما فعل ولولاه لظهر المؤلفون كما ظهروا في المسيحية , ولظهرت النسخ المتناقضة كما ظهرت في المسيحية ولكن هذا لم يحدث والحمد لله .
كل هذه العوامل حالت دون إضافة أي شيء للقرآن فاستحال تزويره أو الحذف منه أو تغييره , و إلى الآن لم يعترف المسلمون إلا بقرآن واحد وإله واحد ورسول واحد وقبلة واحدة وصلاة واحدة ." يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)"

موضوعات ذات صلة على صفحة .. إسلاميات

السبت، 8 مايو 2010

ثقافة الخوف






عندما أراد الله لبني إسرائيل أن يتحرروا من عبودية فرعون وإذلاله وقهره لهم اصطفى لهم إنسان لم يتربى ولم يعيش حياة الذل والقهر التي كانوا يعيشونها حتى بات الذل والجبن طبعا وثقافة ومكون أساسي لشخصيتهم " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) "القصص " فلو رُبي موسى بين بني إسرائيل ربما اعتاد واستمرأ حياة الذل والمهانة التي كان يحياها بني إسرائيل " فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا..." ولربما ما قدر على تحمل أعباء الرسالة وقيادة بني إسرائيل إلى العزة والكرامة التي أرادها الله لورثة الوحي بقية المؤمنين في الأرض في زمانهم .
وكذلك الله سبحانه وتعالى عندما أراد للعالم المستَعبد المقهور تحت سيادة الروم والفرس أن يتحرروا من عبادة البشر والحجر , اصطفى لهم العرب لأنهم لم يكونوا محكومين بقوانين العبودية التي كانت تحكم العالم في هذا الزمان حيث لم يكونوا محتلين ولم يحكمهم ملوك وطواغيت ذلك الزمان .
ولما تحررت الشعوب من ذل العبودية والتبعية والقهر التي كان يمارسها فراعين ذلك الزمان الفرس والروم وخاصة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والراشدين من بعده بدأ مؤشر التحرر والعزة في الانخفاض حتى صرنا الآن في ذيل الأمم وأضعفها بل صرنا فريسة مقبوض عليها بفكي أسد فك الغرب الاستعماري وفك النظم التابعة له والتي نصبها علينا قبل خروجه العسكري.
لاشك أن البيئة لها تأثير كبير في تشكيل نفسية الفرد والمجتمع وعصور القهر الأخيرة التي عشناها سواء قبل خروج المستعمر أو بعده كان لها أثر كبير في أوضاعنا الحالية والمتردية التي هي سبب في تأخرنا وتخلفنا وفقرنا وضعفنا , بل إن عصور الاستبداد التي سبقت الغزو الاستعماري الأخير كان سببا رئيسيا في قابليتنا للاستعمار.
فقد كان الحكم في هذه الفترة بالحديد والنار ولم نستمتع بحياة ديمقراطية سليمة كغيرنا من الشعوب أو كالتي أسسها سلفنا الصالح من الخلفاء الراشدين ومارست الحكومات المتعاقبة كافة أشكال القهر والإذلال لكل من عارض سياستها الظالمة حتى استمرأنا واعتدنا حياة الذل والقهر والمهانة وأنشأت فينا القابلية للاستعمار حتى صار الاستبداد جزء أساسي من مكونات ثقافتنا وجرت على ألسنتنا أمثلة تعكس حقيقة نفسية وثقافة مجتمعنا البائس المغلوب على أمره منها " من خاف سلم " أو " يا بخت من بات مظلوم ولا بات ظالم " أو " يا بخت من قدر وعفي " كذلك المثل القائل " إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي " وهذه الأمثلة بالرغم أن لها استعمال صحيح في مواضع خاصة إلا أنها في ثقافتنا نلاحظ أنها تقال في غير موضعها ويستشهد بها لتبرير التقاعس عن طلب الحق من صاحب قوة أو سلطان أو للتهاون بالأخذ على يد الظالم القوي وهي تعكس حالة الخوف والسلبية التي انتابت مجتمعنا في عصور القهر و الاستبداد السياسي التي مر بها مجتمعنا عبر سنين عديدة مرت أثرت على شخصية المسلم وجعلت الخوف من ذوي السلطان ثقافة مشهورة وبالرغم من أنها ثقافة سلبية إلا إن المجتمع لا يتحرج من إظهارها أو التمسك بها بل و تحريض الغير عليها .
وانتشار هذه الأمثلة على الألسن أيضا تعكس حالة غياب القيم الإسلامية النبيلة من حياتنا الاجتماعية ما أحوجنا لنحييها في مجتمعنا .
وبالرغم من الصحوة الإسلامية وكذلك انتشار الفضائيات الإسلامية ودعاتها ـ وكان لهم فضل في نشر كثير من الفضائل الإسلامية ـ إلا أن فضيلة الشجاعة مازالت مفتقدة في شخصية المسلم ولعل ذلك ناتج من أن بعض الدعاة أصلا يفتقدون الشجاعة ويجعلون لهم خطوط حمراء أكثر من المساحة المتاحة من الحرية والشجاعة التي يتمتع بها رجل الشارع العادي وبعض الصحفيين والنشطاء في مجال السياسة وحقوق الإنسان على مختلف تياراتهم الفكرية .
وبالرغم أن تعاليم ديننا العظيم تحث المسلم على التحلي بالشجاعة والشهامة والانتصار للحق مهما كانت تكاليفه, والشجاعة الإنتصار للحق وعقاب الظالم هي في الأصل فطرة فطر الله تعالى الناس عليها ولهذا جاءت الآيات والأحاديث موافقة للفطرة وقد فاضت بالحث على الشجاعة والانتصار للحق , فالإسلام يجعل من صفات المؤمنين أنهم إذا ظُلموا أو ضُربوا أو قوتلوا أنهم يثأرون لأنفسهم وذلك في قوله تعالى " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " (39)الشورى ثم أن الله يشجع المسلم ألا يبات مظلوما لأنه مؤيد بنصر الله في قوله تعالى " ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ"(60)الحج والآية الآتية تمدح الذين ينتصرون لحقوقهم " إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ "(227)الشعراء .
وشن حملة على من يتبع الظالمين ولعن من يسير ورائهم " وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ "(60) بل وجعلهم من الفاسقين " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ "(54)الزخرف .
والرسول صلى الله عليه وسلم يفصل ويشرح ويؤكد على هذه المعاني ويجعل الموت من أجل الدفاع عن المال أو العرض أو الدين أو النفس شهادة وهذا قمة التحريض على الشجاعة والإقدام, وذلك في قوله " من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد "رواه أحمد
ويجعل قول الحق للطغاة وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر أفضل الجهاد
عن أبي سعيد الخدري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أفضل الجهاد، كلمة عدل عند سلطان جائر)).رواه بن ماجة والترمذي وأحمد بألفاظ مختلفة
ويستعيذ من الجبن ويجعله من شر ما يوصف به الرجل أبا هريرة يقول:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول:
"شرُّ ما في رجلٍ شحٌّ هالعٌ وجبنٌ خالعٌ ".رواه أبو داود
لاشك أن هذه من سنن نبينا صلى الله عليه وسلم ولكنها غائبة عن خطابنا الدعوي وقليلا ما تذكر بالرغم من حاجتنا الملحة لقيمة جهاد الطغاة بالكلمة والموقف
ومن مواقف سلفنا الصالح في الشجاعة والجرأة على قول الحق موقف عمر عندما خطب المسلمين فقال إن اعوججت فقوموني فقام رجل من المسلمين فقال والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا , وعندما أراد أن يحدد قدرا معينا من المهور للنساء فقالت له امرأة اما سمعت قوله تعالى "... وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ..." فقال أصابت امرأة وأخطأ عمر, وروي عن سعيد بن المسيب التابعي الجليل أنه دعي للبيعة للوليد وسليمان بعد عبد الملك بن مروان،" قال: فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار، قال: فقيل: أدخل من الباب وأخرج من الباب الآخر، قال: والله لا , فيقتدي بي أحد من الناس " وروى لنا التاريخ عن سعيد بن جبير حين سأله الحجاج عن رأيه فيه فقال له غير خائف ولا راغب " ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.فقال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت. أليس هذا فهم سلفنا الصالح لهذا الدين.
لكن الاجتزاء من الدين والتبعيض والانتقاء من الأحاديث ومن أقوال السلف ونسيان حظا مما ذكرنا به هو الذي ضيع قيمة ديننا وشموله وبيانه لكل شيء وهذا الذي أعجزنا عن بلوغ العزة والنصر والتمكين لهذا الدين وإقامته في سائر مجالات الحياة التعبدية والخلقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية فضلا عن عجزنا عن قهر الطغاة.