الأربعاء، 6 فبراير 2013

فرق ضالة


 دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين
محمد الغزالي
فرق ضالة
   فى الأمة الإسلامية الآن فرق تذكرنا بمذاهب الباطنية وفلسفاتها الدخيلة التى نجحت قبل ألف عام. هناك النصيرية ، والدروز، والإسماعيلية ـ الأغاخانية ـ وأمثال أولئك جميعا ممن ينتمون إلى الإسلام انتماء غامضا. وقد يزعمون أنهم مسلمون شيعة! بيد أن جماهير الشيعة ترفضهم وتتنكر لهم.. إنهم سلالات باطنية تلبس الإسلام على خليط من الأفكار التى لا سناد لها ، وهم فى نظرى ضحايا الإهمال الغريب من الدولة والأمة معا.. لماذا تمر القرون الطوال وهؤلاء الناس معزولون داخل دار الإسلام على هذا النحو المتوارث؟ أكثر من ألف عام والحكم الإسلامى غير مكترث بالتجميد الأدبى لألوف مؤلفة من الناس تعيش فى صميمه لا هم منه ولا هم من عدوه..!! إن هذا الخطأ لابد أن يوضع له حد ، ولا بد من التعفية على آثاره.! ولدت الباطنية ونمت فى الفراغ الحقيقى الذى كان موجودا بين الحكام والشعوب. أغلب الحكام كان جائرا جاهلا، وإن لبس برد الخلافة أو لاذ بمن يلبس هذا البرد.. وتعلقت القلوب بمنقذ ، من آل البيت ، ينسخ الجور ويؤنس المستوحشين. وحول هذا الأمل الحبيب تكونت فى الظلام عصابات ، لم تجد لها فى وضح النهار مكانا. وحول قليل من الحق تكونت مذاهب مستوردة من الهندوكية والمجوسية واليونانية وغيرها ، فكان التفكير الباطنى وكانت شعبه العديدة. نصوص من القرآن يتم تفريغها من محتواها الصحيح لتحل محله أوهام المستغلين وخيالات ما أنزل الله بها من سلطان… واتسعت دائرة المخدوعين المستغلين وخصوصا فى القرنين الثالث والرابع. وبلغ من سطوة الباطنية أن إحدى فرقهم انتزعت الحجر الأسود من مكانه فى الكعبة المشرفة ، فلم يعد إلا بعد نيف وعشرين سنة بشفاعة فرقة أخرى… وإذا كان ذلك عجيبا فإن رد الفعل أعجب لدى الحاكمين والمحكومين على سواء. ولقد استيقنت ـ وأنا أقرأ هذه الصحائف السود ـ أن نظام الحكم من قديم كان القشرة العفنة فى كياننا كله.
  ولقد نهض عدد كبير من العلماء بدحض الفكر الباطنى وفضح خرافاته حتى انصرف عنه جمهور العقلاء ، وانكسرت حدته السياسية انكسارا تاما. لكن حكام المسلمين ـ فى غيبوبتهم الفكرية ـ لم يكملوا ما بدأه العلماء المجاهدون ، بل لقد خيل إلى أنهم جمدوا ـ عن عمد ـ بقايا الباطنية ، مع أن قضاياها أمست بلا موضوع. وجمهور المنتسبين إلى هذه الفرق انقطع عن المنابع التى كانت تمده فى القديم ، وبقيت نسبته إلى الإسلام أبرز فى وعيه من النسبة إلى أفكار أخرى.. والخطوة التالية والواجبة أن يستلحق الكيان الإسلامى الكبير هذه الطوائف التى اقتطعت منه لظروف مؤسفة ، يستطيع بالتعليم الموصول والإعلام الدائم أن يجعل راية الكتاب والسنة ترفرف عليها وعلى جميع المسلمين.. نعم ، فليس لهذه الطوائف دين تنتسب إليه إلا الإسلام ـ كما يقولون ـ وليست لها فلسفات عقلية أو اجتماعية تمثل مذهبا مستقلا فى الحياة ، وربما كانت الروابط التى تمسك أبناءها روابط قبلية ، أو عصابات جنسية.. وخطأ الجماعة الإسلامية فى الحفاظ على كيانها الكبير لا يجوز أن يستمر بعد اليوم.. لقد دخل الصليبيون الأندلس فلم يبقوا فيه إلا مذهبا واحدا هو "الكثلكة".. وسيطر الإسلام على ما يسمى الآن " الشرق الأوسط " وبقى فيه أربعة عشر قرنا ، ومع ذلك فإن الطوائف الكثيرة لا تزال تكون فيه عصبة أمم..!! ربما كان ذلك شاهدا على ما انفرد به الإسلام من سماحة مستغربة فى التاريخ البشرى الحافل بفنون التعصب.. ولكن هذه السماحة لا يسوغ أن تتحول إلى فتوق تأتى عليه من القواعد ، وتأذن للخيانات والمخادعات أن تنال منه. وعلى الجماعة الإسلامية أن تدافع عن وجودها بالوسائل العادية التى فاتتها من قديم ، أى أن عليها تذويب هذه الفرق كلها فى الكيان العام.
الشيعة وأهل السنة:
   من الخلافات الموروثة، ما بين الشيعة وأهل السنة من فجوات ، ملأتها الدماء فى بعض الأعصار!! وزادها البهت والافتراء بين الحين والحين..! وما أنكر أن أسبابا علمية وعاطفية تخفى أو تظهر وراء هذا الخلاف.. بيد أن للسياسة ومطالب الحكم أسبابا أضرى وأنمى. وقد تحدثت فى كتب أخرى عن حقيقة ما بين الفريقين من الناحية العلمية ، ولا مجال هنا لتفصيل أو زيادة.. وأعترف بأن لى أصدقاء من الشيعة أعزهم وأحبهم. ومن أجل ذلك أعرض هذه المبادئ لدفع الأمور إلى طريق التصالح والإخاء: أ ـ يتفق الفريقان فى مؤتمر جامع على أن القرآن الكريم هو كتاب الإسلام المصون الخالد ، والمصدر الأول للتشريع ، وأن الله حفظه من الزيادة والنقص وكل أنواع التحريف ، وأن ما يتلى الآن هو ما كان يتلوه النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه ، وأنه ليس هناك فى تاريخ الإسلام كله غير هذا المصحف الشريف.
ب ـ السنة هى المصدر الثانى بعد القرآن الكريم ، والرسول أسوة حسنة لأتباعه إلى قيام الساعة ، والاختلاف فى ثبوت سنة ما أو عدم ثبوتها مسألة فرعية.
ج ـ ما وقع من خلاف بين القرن الأول يدرس فى إطار البحث العلمى والعبرة التاريخية ، ولا يسمح بامتداده إلى حاضر المسلمين ومستقبلهم ، بل يجمد من الناحية العملية تجميدا تاما ، ويترك حسابه إلى الله وفق الآية الكريمة: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون).
د ـ يواجه المسلمون جميعا مستقبلهم على أساس من دعم الأصول المشتركة ـ وهى كثيرة جدا ـ وعلى مرونة وتسامح فى شتى الفروع الفقهية ووجهات النظر المذهبية الأخرى. إننى لا أستطيع خلال سطور ، أن أحل مشكلة تراخت عليها العصور ، لكننى أستلفت النظر إلى أن أوهاما وأهواء تملأ الجو بين الشيعة وجماعة المسلمين لا يسيغ العقلاء بقاءها.
ولو وضع كل شىء فى حجمه الطبيعى ، وأغلقت الأفواه التى تستمرئ الوقيعة والإفك لتلاشت أنواع من الفرقة لا مساغ لوجودها. وإنى إذ أرسل هذه الكلمات إلى إخوانى فى كل قطر ، أستشعر الخطر الذى يكتنف المسلمين هنا وهناك ، وكثافة القوى التى تتجمع فى هذه الأيام للإجهاز عليهم واستئصال شأفتهم. لقد اتفقت أحزاب أهل الكتاب وأحزاب الوثنية ، وأحزاب الماديين ، جميعا على استئصال شأفتنا فإلى متى نتفرق؟ لماذا يتباعد أتباع المذاهب الفرعية؟ لماذا تجتر خلافات بين السلف وتمنح القدرة على الحياة والأذى؟ فى سبيل وحدة الأمة على الحق لا على الهوى ، ودفعا على الصراط المستقيم. قال الإمام الشهيد : " كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه. وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع. ولكننا لا نعرض للأشخاص فيما اختلفوا فيه بطعن أو تجريح ، ونكلهم إلى نياتهم ، وقد أفضوا إلى ما قدموا". وقال: "لكل مسلم لم يبلغ درجة النظر فى أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين، ويحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما استطاع فى تعرف أدلة إمامه ، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صدق من أرشده وكفايته ، وأن يستكمل نقصه العلمى إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر".. وقال: "الخلاف الفقهى فى الفروع لا يكون سببا فى التفرق فى الدين ، ولا يؤدى إلى خصومة أو بغضاء ، ولكل مجتهد أجره ، ولا مانع من التحقيق العلمى النزيه فى مسائل الخلاف فى ظل الحب فى الله ، والتعاون على الوصول إلى الحقيقة ، من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم أو التعصب ". وقال: "كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذى نهينا عنه شرعا. ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التى لم تقع ، والخوض فى معانى الآيات القرآنية التى لم يصل إليها العلم بعد ، والكلام فى المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم ، وما جرى بينهم من خلاف ، ولكل منهم فضل صحبته، وجزاء نيته ، وفى التأويل مندوحة". وقال: "معرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام. وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة ، وما يلحق بذلك من المتشابه ، نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل ، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء ، ويسعنا ما وسح رسول الله وأصحابه (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا).
***

ليست هناك تعليقات: