الأربعاء، 6 فبراير 2013

الإسلام كرم المرأة


محمد الغزالي
الإسلام كرم المرأة:
    وأعرف مبعوثا حدث بينه وبين أسرته نزاع انتهى بزواجه من امرأة نمساوية حيث يتعلم! وسبب النزاع أن الأب عرض على ابنه الزواج من فتاة يعرف أهلها معرفة جيدة! قال الابن: إنى لم أر هذه الفتاة من قبل ، وتقاليدنا تقيم حجبا غليظة بين الجنسين حتى لا يرى أحدهما الآخر ، فلنرها أولا.. قال الأب: لكن أهلها يرفضون أن تراها ، فربما لم تعجبك ، فكيف تراها وتتركها؟! ثق فى اختيارنا لك!
واحتد الجدل ، وانتهى الأمر بأن تزوج الولد بالطالبة النمساوية. هل هذه تقاليد إسلامية ، أم عادات أنشأها الناس من عند أنفسهم ، ثم جعلوها دينا؟ وباسم الحجاب ، قامت تقاليد تزدرى المرأة وتؤخرها ، وترفض منحها الحقوق المادية والأدبية التى أقرها لها الإسلام ، فماتت إنسانيتها على مر القرون ، وتولى كبر ذلك كله متدينون جهلة يحسبون التقوى تجهيل المرأة وإذلالها… إن أى مطالع للقرآن الكريم والسن الصحاح يرى المرأة جزءا حيا من مجتمع حى ، فهى تتعلم وتتعبد وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتجاهد ـ إذا شاءت ـ فى البر والبحر ، وتؤخذ منها البيعة على معاقد الإيمان والأخلاق ، وتعارض الحكم أو تؤيده.. إلخ. ودخل التحريف على تعاليمنا وتقاليدنا ، فإذا المرأة كل على قولاه أينما يوجهه لا يأت بخير!! وقال لى صديق: إنه عندما أمر الملك فيصل بتعليم البنات تحولت أسر عن البلد الذى أنشئت فيه أول مدرسة! وكرهت أن ترى هذه البدعة المنكرة!.. ولا يزال نفر من علماء الدين يكرهون وجه المرأة ، ويحملونها مسئولية خروج آدم من الجنة كما زعم اليهود فى كتبهم! ويرون الدين إمساك النساء فى البيوت حتى يتوفاهن الموت ، وحرمانهن من أى نشاط عام.. وأعتقد أن هؤلاء العلماء القاصرين لو كانوا على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لطالبوه بطرد السيدتين اللتين حضرتا بيعة العقبة الكبرى ، وقالوا له: ما للنساء وهذه الشئون.؟! ولو كانوا موجودين عند فتح مكة لقالوا له: حسبك بيعة الرجال ، وهم يعلمون نساءهم! أما استخراج النساء للبيعة فقد يكون سببا فى غرورهن وجرأتهن! بل أعتقد أن هؤلاء العلماء ـ على المجاز لا على الحقيقة ـ لو كانوا مع نبى الله سليمان وهو يكتب خطابه لبلقيس (ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين) ، لقالوا له: عدل هذه الصيغة فإنها تعترف بتوليها منصب الملك ، اكتب بعزلها أولا ثم تفاهم مع الرجال وحدهم! هذه العقلية المختلة فرضت نفسها طويلا على دين الله ، وبعد أن أعانت أقدار حسنة على زلزلة سلطانهم رأيناهم يستميتون فى إحراج المرأة المسلمة وتعكير مستقبلها بفتاوى مكذوبة على الإسلام.
    سمعت فى برنامج مذاع هذا الحوار بين صاحب البرنامج والمفتى المستضاف: ما رأيكم فى اختلاط الرجال والنساء؟ وهل تجوز الخلوة؟ قال المفتى: الخلوة مرفوضة شرعا ، لحديث لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.. والاختلاط الشائع الآن فى بعض المجتمعات مرفوض لخروجه على الآداب الإسلامية.. وسرتنى الإجابة لدقتها وصدقها ، وأغرانى ذلك بمتابعة السماع. سئل المفتى: فهل تجوز الخلوة بامرأتين؟ فأجاب: إننى ألحق الاثنتين بالواحدة ، وأرى أن الحرج ينتفى كلما زاد العدد! ولم أر بأسا فيما قيل ، والحفاظ على الأعراض مطلوب..! وعاد السائل يقول للمفتى: ما معنى رفع الحرج كلما زاد العدد؟ وأجابه الرجل فى هدوء: الإمام فى المسجد ، والأستاذ فى المدرسة ، لا يعتبر أيهما مختليا بالأعداد الكبيرة الذاهبة إلى المسجد أو المدرسة!! وهنا انقلب السائل إلى مصحح ومرشد فقال للمفتى: لا ، ما يجوز أن يراهن هذا ولا ذاك إلا وعلى وجههن النقاب!! قال لى صديق يسمع الحوار: هذا مذهب أحمد بن حنبل ، ويظهر أن المفتى لا يعرفه! قلت: قرأت فى المغنى لابن قدامة أن أحمد رضى الله عنه قبل حديث أسماء أن المرأة إذا بلغت المحيض لا يحل أن يرى منها إلا هذا وهذان ، يعنى الوجه والكفين. وقرأت فى المبدع فى الجزء السابع فى باب النكاح أنهم ـ يعنى الحنابلة ـ متفقون على أن وجه المرأة ليس بعورة !! إن مذهب أحمد مظلوم فى هذه القضية ، وهؤلاء المتحدثون جهلة بفقه الإسلام فى الموضوع كله. والغريب أنهم صدروا هذا الكلام إلينا، ومعه كلام آخر أن الأرض لا تدور ، وأن علم الجغرافيا زائغ ، وراج هذا اللغو للأسف بين طلابنا فكان نكبة أصابت النهضة الإسلامية إصابة فادحة. قال: هل يعجبك الاختلاط الشائع المستورد من الغرب؟ قلت كلا ، وأنا أعلم عن مآسى الانحلال الجنسى الكثير فى أوربا وأمريكا. إننى لا أستبدل بتقاليد الإسلام تقاليد الغرب ، ولكنى أستلفت النظر إلى أن الفكر الدينى الجهول لن يقدم الحل البديل ما دام يعمى عن حقائق الإسلام ، ويريد أن يفرض غباءه ـ باسم الله ـ على عباد الله. إن نتيجة هذا الخبال هى هزيمة الإسلام وانتصار الفسق الاستعمارى عليه.. فى سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأينا عجبا يوم حنين. لقد انهزم الطلقاء ، وأسلموا سيقانهم للريح ، وثبتت مع المؤمنين الراسخين بضعة نسوة قاتلن بشرف وبسالة ، ودافعن عن نبيهن أشرف دفاع.. ورآهن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهن كالآساد حوله. واقترحت أم سليم ـ بعد انتهاء المعركة ـ أن يقتل الرسول الفارين ، ولكن الرسول عفا. قال المقريزى يصف قتال النساء فى معركة حنين: "وكانت أم عمارة فى يدها سيف صارم ، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها ، وهى يومئذ حامل بعبد الله بن أبى طلحة. وكانت أم سليط ، وأم الحارث ـ حين انهزم الناس ـ تقاتلان. وأم عمارة تصيح بالأنصار: أية عادة هذه!! ما لكم وللفرار!! وشدت على رجل من هوازن فقتلته وأخذت سيفه. ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائم مصلت السيف بيده ، وقد طرح غمده ينادى: يا أصحاب سورة البقرة! فكر المسلمون وجعلوا يقولون: يا بنى عبد الرحمن! يا بنى عبد الله! يا بنى عبيد الله! يا خيل الله. وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد سمى خيله خيل الله. وأم سليم بنت ملحان تقول: لا يا رسول الله ما رأيت هؤلاء الذين أسلموا وفروا عنك وخذلوك. لا تعف عنهم إذا أمكنك الله منهم ، نقتلهم كما نقتل هؤلاء المشركين. فقال: يا أم سليم. قد كفى الله ، عافية الله أوسع " . ولننظر فى أدب وتوقير إلى امرأة ألبسها الله تاج الإيمان والكرامة ، حضرت معركة أحد وأبلت بلاءا حسنا ، وفقدت فى هذه المعركة ابنها وزوجها وأخاها. وبقيت على فداحة مصابها راسخة الإيمان ، محبة لله ورسوله ، تقول بعد ما نجى الله رسوله من القتل بأيدى الكفار: كل مصيبة بعده جلل ـ تعنى تافهة.
   خرج زوجها عمرو بن الجموح ، وكان أعرج ، واتجه إلى أحد وهو يقول: اللهم لا تردنى إلى أهلى خزيان ، وارزقنى الشهادة! وقتل البطل المؤمن وهو يرد غارة الشرك على الموحدين ، وأجاب الله دعوته!! وكان قد قتل من قبل أخوها عبد الله بن حرام ـ والد الصحابى الراوية جابر بن عبد الله ، فقال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهند زوجة عمرو بن الجموح: " إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره ، منهم عمرو بن الجموح ، يا هند مازالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين يدفن؟ ". ثم مكث رسول الله حتى قبر الشهداء ، ثم قال : يا هند قد ترافقوا فى الجنة  ، عمرو ابن الجموح ، وابنك خلاد ، وأخوك عبد الله!! قالت: يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلنى معهم قال المقريزى: وكانت أم عمارة نسيبة بنت كعب قد شهدت أحدا هى وزوجها وابنها ، ومعها شن لتسقى الجرحى ـ قربة قديمة ـ فقاتلت وأبلت بلاء حسنا يومئذ ـ وهى حاجزة ثوبها على وسطها ـ حتى جرحت اثنى عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف ، وذلك لأنها كانت بين يدى رسول الله وابناها عبد الله وحبيب ابنا زيد ابن عاصم من زوج آخر غير زوجها غزية بن عمرو الذى حضر معها هذه المعركة. فلما انهزم المسلمون فى أحد جعلت هى تباشر القتال (!) وتذب عن رسول الله بالسيف ، وترمى بالقوس. ولما أقبل ابن قميئة عليه اللعنة يريد قتل رسول الله، كانت فيمن اعترض له (!) فضربها على عاتقها ضربة صار لها فيما بعد غور أجوف فى كتفها ، وضربته هى ضربات ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان ، وقال: ما التفتُّ يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دونى"! وقال لابنها عبد الله : " بارك الله عليكم من أهل بيت ، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان! ومقام ربيبك ـ يعنى زوج أمه ـ خير من مقام فلان وفلان ، ومقامك خير من مقام فلان وفلان ، رحمكم الله أهل بيت "! فقالت أم عمارة: ادع الله أن نرافقك فى الجنة! قال: اللهم اجعلهم رفقائى فى الجنة. قالت: ما أبالى ما أصابنى من الدنيا.. ولست بهذا النقل أدعو إلى تجنيد النساء ليشاركن فى القتال ، كلا ، فلدينا ألوف وألوف من ذوى اللحى والشوارب يجب أن ينهضوا بواجبهم ، فإذا فنوا خلفهم النساء , وإنما أتساءل: أين التقاليد التى مكنت النساء قديما من إحراز هذا الشرف؟ فكن فى معارك الإسلام الكبرى بطلات وأمهات وزوجات أبطال؟ لقد اختفت هذه التقاليد لتحل محلها تقاليد أخرى ، أساسها أن المرأة متعة فى البيت لفحل يغدو عليها ويروح.. وحسب. ولا صلة لها بعلم ولا عبادة ولا جهاد ولا إصلاح..!! ومن دعا إلى شىء من هذا أسرعت الرمم القديرة على الثرثرة إلى اتهام دينه ومروءته ، ثم زعمت أنها تفعل ذلك باسم الإسلام. لا تقاليد الشرق المجحفة تعجبنى ، ولا تقاليد الغرب المسرفة تسرنى.. الغرب غلبته نزعات حيوانية أزرت بالرقى الثقافى للمرأة. والشرق غلبته نزعات أنانية كادت تودى بإنسانية المرأة.. ويوم يرزق الإسلام فقهاء أحسنوا درسه وعرضه ، فسوف ينجح المجتمع كله فى تصحيح أوضاعه المائلة. ولقد أنشأ الأستاذ الإمام قسما للأخوات المسلمات ، رأسته أخيرا السيدة زينب الغزالى الجبيلى ، التى جاهدت جهادا صادقا فى بناء نهضة إسلامية واعية.. ومع ذلك ، فإن الكارهين للسفور مع كمال الحشمة لم ينقطع لهم لغوا! ويجب أن تمضى القافلة غير آبهة لهؤلاء البله!! هل قاتل أولئك النسوة من وراء نقاب؟ ورأيت فى كتب السنة طرفة تستحق التسجيل. فقد اختير لإمامة المصلين شاب حدث فقير ، ويظهر أنه كان فى ثوبه قصر لم يلتفت إلى نتائجه  ، فكان إذا سجد ربما انكشف شىء من مؤخرته.. ولم يعجب إحدى المصليات هذا الوضع فقالت بصوت عال : واروا عنا سوأة إمامكم!! والمعروف أن النساء يصلين خلف الصفوف ، فهل لمحت المرأة ما لمحت من وراء نقاب !
   إن الحجاب الذى ورد فى الإسلام هو تنظيم للتردد على البيت النبوى بعد ما لوحظ أن البعض يجلس دون سبب ، وبعد ما لوحظ أن أحد أجلاف البدو قال فى صفاقة غريبة: لو مات محمد تزوجت فلانة من نسائه! فلم يكن بد من تشريع صارم يمنع هذه الهنات ، ويقمع أصحاب هذه التطلعات. أما الاستئذان فى البيوت الإسلامية كلها ، فله نظام شرحته سورة النور ، كما شرحت السورة ما يؤذن فى رؤيته من الزينة الظاهرة ، وما يحظر وراء ذلك ، ولا مكان للخلط. وفى العلاقة بين أجهزة الحكم وجماهير المسلمين ، وقعت فوضى رهيبة عند تفسير أحكام الشريعة الغراء ، حتى كادت الحقيقة العقلية لكلمة "الشورى" تتلاشى. وذكر الذاكرون اسما " لأهل الحل والعقد " بحثنا عن مفهومه فلم نجده إلا مع الغول والعنقاء والخل الوفى!! وأوجد الحكم الفردى فقها ليس له أصل دينى قائم ، وفقهاء لا يستحقون ذرة من ثقة..!! وقد قرأت مشروع دستور وضعه واحد من هؤلاء، فرأيت "الخليفة" المنتظر يستمتع بسلطات دونها بمراحل سلطات القيصر الأحمر فى موسكو أو ساكن البيت الأبيض فى واشنطن. قلت: وثيقة تضم إلى غيرها من القمامات الفكرية فى حياتنا السياسية الغابرة والحاضرة على سواء!! إن القيمة الإنسانية لحكام العرب والمسلمين لا تحتاج فى تقويمها إلى ذكاء ، فهم ـ إلا من عصم الله ـ اغتنوا من فقر على حساب شعوب بائسة ، وغلوا فى الأرض بعد إشاعة الدمار العقلى والخلقى بين السواد الأعظم من الناس ويعلم سكان المشارق والمغارب أن الحكم عند المسلمين مغنم تتلمظ له أفواه ، وأن الحاكمين ـ إلا من عصم ـ يختفون حتما فى أى انتخاب حر ، كما يختفى الكابوس عند اليقظة. ومع ذلك فقد وجد فقهاء يفسرون الشورى بأنها لا تلزم الحاكم! ويرون أن أهل الحل والعقد ينبتون من تلقاء أنفسهم كما تنبت الذنيبة فى حقول الأرز ، فهم نبات شيطانى لا يزرعه أحد… هؤلاء يخدمون هدفا واحدا ، أن الأمة قطيع يقوده حاكم فذ ، له من أسباب الرغبة والرهبة ما يطوع له كل شئ. فهم باسم الإسلام يعطونه سيف المعز وذهبه.. وبديه أن الإسلام براء من هؤلاء المرتزقة ، وأن فتاواهم وأفكارهم ليس وراءها فقه ولا إيمان… فى تقرير الحق وحده ، واستبعاد الملابسات التى تضلل عنه ، وتجاوز الأعراف التى تسيِّر العوام على غير هدى ، يقول الإمام الشهيد: "العرف الخاطىء لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية ، بل يجب التأكد من حدود المعانى المقصود بها اللفظ والوقوف عندها ، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظى فى كلى نواحى الدنيا والدين ، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء " .

ليست هناك تعليقات: