الأربعاء، 6 فبراير 2013

الانحرافات النفسية والبدنية


محمد الغزالي
الانحرافات النفسية والبدنية :
   الإخلاص روح الدين ، وآية الصدق؟ وسياج العمل ، وضمان قبوله فى الدنيا والآخرة.. وهو عنصر نادر بين الناس ، لأننا نقصد بالإخلاص تجريد القصد لله وحده ، وابتغاء وجهه الكريم.. وأغلب الناس يدورون حول أنفسهم فيما يعملون أو يتركون ، وينشدون مصالحهم الخاصة ، أو منافعهم العاجلة. أساس الإخلاص ذكر الله ، والتمهيد للقائه ، وانتظار البشرى السارة عندما يقع هذا اللقاء تصديقا لقوله تبارك اسمه: ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين). ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخلص إنسان عرف الله ، ودعاه ، ودعا إليه.. وقد حدد موقفه من الدنيا فى هذا المبدأ: ما لى وللدنيا؟ ما أنا فى الدنيا إلا كرجل قال تحت ظل شجرة ، ثم مضى لشأنه. وحدده لما شارط نساءه ألا يتطلعن إلى متاع الدنيا ما دمن عنده ، وإلا فليذهبن إلى أهلهن (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما). وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا المسلك خالف اليهود الذين عبدوا الدنيا وحدها وجحدوا ما وراءها ، وخالف الكهان الذين أكلوا أموال الناس بالباطل ، ووعدوا الناس بنعيم الآخرة لينفردوا هم بنعيم الدنيا… ومع ذلك كله ، فإن الإخلاص لله والتجرد للقيم الإسلامية قد يكثران فى القاعدة ولكنهما يقلان عند القمة! قد يكثران بين الكادحين والمحترفين ولكنهما يقلان بين مدمنى الحديث عن الدين وعلومه ومثله.. والفساد السياسى فى العالم الإسلامى يعتمد على رجال دين باعوا ذممهم للشيطان ، وهذا بلاء قديم حاربه الأئمة الواعون والدعاة الصادقون ، فإن شهوة الملق عند شيخ منافق أوغل فى الفساد من شهوة الزنى عند شاب طائش… والآفات النفسية المهلكة معروفة لدى علماء التربية. ومن الإنصاف ألا نجعلها حكرا على الكبار ، فقد رأيت فقراء متكبرين وأغنياء متواضعين! ورأيت رؤساء مخلصين وعوام مداهنين! ورأيت ناسا فى ساحات العمل للدنيا يستحقون الاحترام ، وناسا آخرين يزحمون ساحات العمل الأخروى يستحقون الطرد , إن القلب السليم هو المحور الفذ للقبول ، والله وحده يعلم أين يكون.. وقد كنت أحسب أن التزوير أشيع فى ميدان التدين ، ثم رأيت أنه فى ميدان السياسة بارز الآثار ، فأدركت أن الأمر ليس أمر مقارنة بين ميدان وميدان وإنما هو معالجة لعلل القلوب ، وتقليب لأغوار النفس الإنسانية حتى لا يهرب داء عن أيدى الأطباء.. كان علماؤنا الأوائل موفقين عندما قسموا المعاصى إلى معاصى قلوب ومعاصى جوارح ، أو بتعبير معاصر: معاص بدنية ومعاص نفسية… إن المعاصى البدنية شهوات محدودة الخطر ـ على قبحها وسوء مغبتها ـ فالإسراف فى الطعام مثلا ، يسلب المرء عفته. وربما كانت للبدن تطلعات أشد ضراوة ، ومع ذلك فهى أدنى من جنون العظمة أو عبادة الذات التى تقود إلى الفرعنة وقسوة القلب وإهلاك الحرث والنسل فى سبيل المجد الشخصى!!. إن الشعوب دفعت الألوف المؤلفة من أرواح بنيها ، والقناطير المقنطرة من كسبها وكدها ، لتلبى طموح زعيم مغرور أو رئيس مغامر ، مقل فى مواهبه الرفيعة مكثر فى مطامعه السيئة! ومعاصى القلوب ، أو الرذائل النفسية تسيطر على أصحابها فلا يعرفون منها متابا ، لأنهم لا يحسون دمامتها. وتأمل فى موقف إبليس بعد ما عصى الأمر بالسجود ، لقد مضى فى تحديه يقول لله: أهذا آدم الذى فضلته على؟ (أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا). والاغترار بالنفس أو الدوران حول الذات لا يبدو فى طلب الرياسة بالأساليب القذرة وحسب ، كلا ، إنه قد يبدو فى تنقص رجل معروف أو اعتناق رأى شاذ ، أو المكابرة فى حوار ، أو ما شابه ذلك من مواقف لأناس يعملون فى الميدان الدينى أو الميدان المدنى على سواء.. وقد ورد أن هؤلاء أول من تسعر بهم النار يوم القيامة: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين). وفى ميدان التدين ، تعتبر الطاعات التى يقوم بها هؤلاء ستارا لنيات مغشوشة أو ترجمة معكوسة لما يكمن فى عقولهم الباطنة..
   روى التاريخ أن أمية بن أبى الصلت كان فى الجاهلية كثير الثناء على الله والدعاء إلى وحدانيته ، فلما ظهر محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان من أول الكافرين به! والرافضين رسالته! لم يا رجل تكفر به؟ إنه يثنى على الله بألفاظ أعذب مما كنت تقول ، ويودع فى السرائر شعورا غامرا بمجده ، فما يصرفك عنه؟ الواقع أن الحسد أكل ضمير أمية وكشف القناع عن إيمانه المزعوم. لقد كان يؤمن بنفسه لا بربه ، ويذكر باسمه فى الجاهلية ليذكره الناس على أنه الرائد العبقرى لدعوة التوحيد. وسمع من أهل الكتاب أن نبيا سوف يبعث فتطلع إلى منصب النبوة ، ورشح نفسه لذلك بأبيات من الشعر معتقدا أنها ستعطف عليه القلوب وترغم السماء على اختياره! فلما ترامى إليه أن الله اصطفى محمدا غضب من الله؟ وحارب مصطفاه ، وندم على قصائده التى صاغها فى حمده..!! هذا تدين مدخول لا قيمة له. والغريب أن نماذج من أمية بن أبى الصلت تزحم ميادين العمل الدينى ، وتلحق به أفدح الخسار. خذ مثلا هذا الكذوب الذى قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعدما قسم بعض الغنائم على الناس ـ اعدل ، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله! فتغير وجه النبى لهذا التطاول ، وقال للرجل: ويحك، من يعدل إذا لم أعدل؟ خبت وخسرت إن لم أعدل! إننا لا نستلفت النظر إلى سوء أدب هذا المرء ، فهو ظاهر ، وإنما نستلفت إلى ما وراء هذا السفه من استطالة وشموخ ، فالذى يعلم الزعماء لابد أن يكون أعظم منهم ، والذى يتهم سلوكهم لابد أن يكون أنزه وأزكى! وذلك ما يريد المعترض أن يبرز فيه وأن يتزكى به ، كأنه يقول لمعلم القيم: أنت لا تدرى فاسمع منى. ولعله يعود بعد ذلك إلى أهله ليقول فى كبرياء: لقد ألقيت على محمد درسا يستحقه ! وهذا الغبى لو كان طالب حق لسأل النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أسباب التفاوت فى الأعطية ، وسيسمع الإجابة: إنى أعطى الرجل ـ وغيره أحب إلى ـ مخافة أن يكبه الله فى النار. إنى أعطى قوما أتألفهم وأكل آخرين إلى ما فى قلوبهم من إيمان. إن بعض الناس يقاد من بطنه فهو يلقى إليه طعاما ، والبعض الآخر يقاد من عقله فحسبه معه الآيات وروابط القلوب ولقد عرض عمر أن يقتل هذا المنافق المتطاول ، ولكن الرسول أبى ، واكتفى بوصف دقيق لهذا الصنف من الناس كى يحذره المؤمنون.. إنهم ناس سيطرت عليهم علل نفسية خبيثة ، وبدل أن يستشفوا منها استبقوها وستروها بمزيد من الهمهمة والركوع والسجود. وعندما يكون المرء بخيلا مثلا ، فعلاج شحه أن يتعلم الكرم ويتعوده فيصبح على مر الأيام إنسانا طبيعيا ، أما أن يلجأ إلى الصلاة الطويلة كى تخفى نقيصته فذاك لا يجديه ، وسيبقى بخيلا ولو صلى آناء الليل وأطراف النهار.. وهؤلاء المرضى بالشذوذ والحقد يكثرون من التلاوة وصور العبادة ، وينتهزون الفرص التى تتنفس فيها طباعهم فيضربون ضربتهم ، وقد كانوا كثرا فى جيش على بن أبى طالب ، ولكنهم شغلوا عليا عن هدفه حتى انهزم ، وكانت صيحتهم لا حكم إلا لله! وكان تعليق على: "كلمة حق أريد بها باطل " إن المتدينين من هذا الصنف الغاش بلاء على الدين ، وعقبة أمام امتداده. كان ابن عمر يراهم شرار الخلق ، وقال: "إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت فى الكفار فجعلوها على المؤمنين "! وذلك لرداءة فقههم وعوج منطقهم! وفى التنبيه إلى غائبهم فى فهم النصوص وسوء تطبيقهم لأحكامها جاء الحديث عن على رضى الله عنه: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " سيخرج قوم فى آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". أى لا يعلق بخلقهم وعملهم شىء من لب الدين إنما هى صور عبادة ، وصوت قراءة ، إلى جانب فظاظة فى الأخلاق ، وقساوة فى الأفئدة وقباحة فى الأعمال!! وليس هذا من الدين فى قليل ولا كثير… قلوب قاسية: قسوة القلب وعماه لعنة إلهية تهبط على رءوس الناقضين للمواثيق ، المارقين من التقوى ، اللاعبين بالإيمان. قال تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية).. ومظهر القسوة فى سلوكهم اعتداد بالشخصية لا يعرف التواضع ، وميل إلى اتهام الغير لا يقبل العذر ، وفرح بافتضاح المخطئين ملىء بالشماتة! وتلك كلها خلال تنافى الإيمان ، فالإيمان إنكار للذات ، وحب للغير ، وستر على المخطئ ، وسعى لإقالته من عثرته ، وسرور غامر بتوبته. الإيمان سعادة بالرخاء يشيع بين الناس ، وألم للكوارث التى يقطب لها الجبين ، ولو كان هذا أو ذاك خبرا ينقل لا علاقة لشخصك به.. لقد عنانى أمر العلل النفسية أو معاصى القلوب لأنى اكتويت بنارها ، ورأيت من أدعياء التدين ما يدعو للجزع.. اتهمنى أحد الناس بإنكار السنة! قلت: ويحك! ما تقول؟ قال: رفضت حديث مسلم فى تعذيب "عبد الله " والد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ! قلت: ثم ماذا؟ قال: ورفضت حديث البخارى فى المعراج الذى يقول : دنا الجبار فتدلى ، وقلت: الذى دنا الملك جبريل.. ثم ماذا؟ قال: ورفضت حديث البخارى أن الرسول أغار على بنى المصطلق وهم غارون بحجة أن إعلان الحرب لم تسبقه دعوة إلى الإسلام ، مع أن الحديث نص على أن الدعوة ألغيت ، وأن الحرب تعلن دون دعوة.. ثم ماذا؟ قال: وأنكرت حديث أنس "ما من يوم يجىء إلا والذى يليه شر منه"، وهو من رواية البخارى.. قلت: أبقى لديك شىء؟ قال: لا وماذا بعد هذه التهم التى تكشف حقيقتك ، وتسقط مكانتك؟
قلت: إن لى من ستر الله ما يحمينى إن شاء الله وعليك ـ أنت وأمثالك ـ من خذلان الله ما يطفىء ناركم ، ويقى الناس أحقادكم.. لقد ذكرت تهمة كبيرة ، ولم تجىء عليها بدليل.. إن رد حديث ما لعلة فيه ، أو لدليل آخر من الكتاب والسنة لا يسمى تكذيبا للسنة. إنه دفاع عن السنة وتصحيح للتراث ، سبق إليه جمهور الأئمة ، ولا أطيل بعرض الأمثلة ، وإنما أكتفى برد ما قلته عنى! أما حديث مسلم فى تعذيب أبى النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد رجحنا عليه الآية (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقد روى مسلم أن صلاة السفر ركعتان وصلاة الخوف واحدة! وذهب الجمهور إلى غير ذلك ، فرأى أن صلاة الخوف ركعتان فى الرباعية والصبح،  وثلاث فى المغرب ، مرجعا السنن الأخرى إلى الآية.. ولم يتهم الذين ردوا حديث الركعة الواحدة بشىء!! أما القول بأن الذى دنا وتدلى هو الله ـ سبحانه ـ فإن ذلك خلط من الراوى "شريك عن أنس بن مالك "، وقد تعقب العلماء البخارى فى هذه الرواية وردوها ولم يتهم أحدهم بشيء.. وأما القول بأنه لا دعوة إلى الإسلام قبل إعلان الحرب فرأى منكر ، توهمه أحد الرواة وليس من قول الرسول. وقد صحت الأحاديث والتطبيقات الإسلامية بضرورة الدعوة قبل القتال. من أجل ذلك قلنا: إن حديث البخارى يجىء فى المرحلة الأخيرة من المعركة ، ولا يصح سوقه فى وصف الدور الأول منها. وأخيرا حديث أنس "لا يأتى عليكم زمان إلا الذى بعده شر منه " . لقد رجحنا عليه حديث: "مثل أمتى كمثل الغيث لا يدرى أوله خير أم آخره " ، وحديث: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من عاداهم حتى يأتى أمر الله " ، وسنن كثيرة.. وأريد أن أسأل: ما غرامكم فى القول بأن الأمة الإسلامية فى هبوط مستمر ، وأن كل يوم يجد يقربها إلى الهاوية؟ وما غرامكم فى القول بأن المحاربين المسلمين قطاع طريق يغيرون على الناس فيأخذونهم على غرة؟ وما غرامكم فى القول بأن الله هو الذى نزل بالوحى على نبيه لا جبريل؟ وما غرامكم فى ملء المجالس بأن والد محمد فى النار؟! إنكم فى الفقه أصفار! لا فى العير ولا فى النفير. وهذا الجهل مقبحة محدودة ، أما المقبحة التى لا تحد فهى اشتهاؤكم لذم الناس ، والتماس العيب للأبرياء. إنكم تطلقون كالزنانير الهائجة تلسعون هذا وذاك باسم الحديث النبوى والدفاع عن السنة! ونحن نعرف أن آباءكم قتلوا عليا باسم الدفاع عن الوحدة الإسلامية ، وقتلوا عثمان باسم الدفاع عن النزاهة الإسلامية ، وقتلوا عمر باسم الدفاع عن العدالة الإسلامية ، فيا أولاد الأفاعى إلى متى تتسترون بالإسلام لضرب الرجال الذين يعيشون له ويجاهدون لنصرته؟! ولحساب من تكنون هذه الضغائن عليهم ، وتسعون جاهدين للإيقاع بهم وتحريش السلطات عليهم ..؟! فى عصرنا هذا نبغ كثير من الصحافيين والإعلاميين فى دراسة النفس البشرية والغوص وراء أسباب السلوك ووصف الإنسان عاريا عن الحجب أو التزاويق التى يستخفى وراءها.. وقل أو انعدم التعويل على المجادلات اللفظية أو أخذ الطريق على الخصوم بالصياح المفتعل.. إن كثيرا من الخصومات الفكرية القديمة فى علم الكلام كان مظهرا للعلل النفسية أكثر مما هو لخدمة الإسلام.. وقد رأيت ناسا من هذا الصنف يعملون فى الميدان الدينى ، نجحوا فى الهدم ولم ينجحوا فى البناء ، وقطعوا الطريق على أناس صالحين ، وفشلوا فى إرشاد نفس حائرة. ذكرت هؤلاء المعلولين من الناس ، وأنا أقرأ كلمة جيدة للأستاذ مصطفى أمين يقول فيها: "عرفت جبناء يخافون من أشباحهم ويرتعدون رعبا إذا رأوا فأرا يجلس على كرسى ، وتسيب مفاصلهم أمام غضب عمدة أو تهديد مأمور! وعرفت شجعانا تطول قامتهم أمام العواصف. يثبتون فى مواجهة الأعاصير. يذهبون إلى الموت وكأنهم يذهبون إلى حفلة شاى! وكنت ألاحظ دائما أن الجبان لا يؤمن إلا بنفسه. إلهه فى داخله. يتعبد له ويصلى له ولا يشرك به أبدا. ولهذا فهو خائف على رزقه ، وخائف على وظيفته ، وخائف على حياته. يعيش طوال حياته خائفا ، من كل شىء ، لا يطمئن إلى شىء ولا يثق بشىء. ولهذا فهو يرى الجبن هو المخبأ الذى يتحصن فيه من أخطار الحياة! ولم أر فى حياتى جبانا وصل إلى المقدمة. لابد أن يتعلق بذيل صاحب سلطة ، أو صاحب جاه. وهو ليست لديه الشجاعة أن يتقدم خطوة ، فهو إذا قدم ساقا أخر ساقا ، ولهذا يبقى فى مكانه طويلا ، وإذا دفعته الأيام إلى الأمام عاش صغيرا فى المكان الكبير ، وتصرف كما يتصرف الصغار. يدس ولا يواجه. يضرب من الخلف ولا يقاتل من أمام. يهمس ولا يرفع صوتا. لأنه أجبن من أن يعلن رأيه. وهو فى أغلب الأحيان لا رأى له فهو يقبل على الشمس إذا أشرقت ويدير لها ظهره إذا غربت. وخوفه يجعله يتضاءل. ويرى خصومه يكبرون ويتعاظمون. ولو كان شجاعا لرأى الناس بأحجامهم الحقيقية. وهو له قامة تساوى قامة الناس ، ولكن فى داخله دودة الجبن التى تجعله يحس أنه دودة صغيرة ، ولهذا يتضاءل ويصغر وينكمش… والشجاع لا يخاف إلا الله. إذا حارب حارب فى النور ، وإذا آمن برأى أعلنه ولم يكتمه ، وإذا اعتنق عقيدة قاتل من أجلها. والذين فى قلوبهم الإيمان يشعرون بقوة هائلة ، تقتحم الأهوال وتواجه الأعاصير وتحتمل المحن والخطوب. والإيمان يصنع من القزم عملاقا ، والجبن يحول العملاق إلى قزم صغير! الإيمان يمنح الإنسان جيشا يحارب معه. والجبن يجرد الإنسان من كل سلاح ، فيستسلم قبل أن يدخل المعركة ، ويرفع الراية البيضاء عندما تطلق الرصاصة الأولى". إن أمراض القلوب شىء بالغ العفن ، وهى بين المشتغلين بالقضايا الدينية قذى لا يطاق!! وقد تخصص هؤلاء فى الشؤون الخيالية ، والنواحى الجانبية. أما قضايا الأمة الكبرى فلا اكتراث بها. إن تزوير انتخابات واغتصاب إرادة الجماهير شىء لا يستحق التفكير الطويل! إن سرقة ثروة بلد وتبديدها فى ملذات فرد شىء لا يستحق التفكير الطويل! إذن ما الذى يستحق التفكير؟ وتحمل راية الجهاد من أجله؟ القول بنجاسة ريق الكلب وعرقه ، القول بأن الكلب الأسود شيطان يقطع الصلاة ، ولو كان هؤلاء الناس موجودين مع فتية أهل الكهف لاشتبكوا معهم فى معركة حامية لماذا يصحبون معهم كلبا؟! ولا يزعجنا شىء كانتقال هذه الغباوة إلى بعض المتعلمين فى شتى العواصم! مزيج من الجهالة والكبرياء أساسه الانشغال بلا شىء والذهول عن أهم شىء. وهؤلاء المرضى المعتوهون يفهمون فى المرويات فهما ما ، ثم يقولون: هذا هو النص! ما نراه نحن هو رأى الله ورسوله ، أى حكم الله ورسوله! ومعنى ذلك أنك حين تقاومهم تقاوم الإسلام نفسه وتحارب الله ورسوله. وهذا هو البلاء المبين.. ونقول جادين: إن الإسلام لن يحكم ، ولا يجوز أن يحكم إذا كان أولئك العميان قادة قافلته والمتحدثين باسمه ، فإن أمراضهم النفسية والفكرية تمحق دين الله ودنيا الناس على سواء.. الإسلام نور وهؤلاء ظلمة ، إنه طهر وهؤلاء قذى!! إن المسلم الحقيقى رجل سوى التكوين الفكرى والخلقى ، معافى من الأدواء التى تجر التخلف والانحلال. وفى هذا المعنى يقول الإمام الشهيد: "العقيدة أساس العمل ، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة ، وتحصيل الكمال فى كليهما مطلوب شرعا ، وإن اختلفت مرتبتا الطلب " .
***

ليست هناك تعليقات: