السبت، 16 مارس 2013

معالم الوسطية


كتبهامصطفى الكومي ، في 1 يناير 2012 الساعة: 22:22 م

معالم الوسطية كما أراها
كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها
د/ يوسف القرضاوي
  وحتى لا يدَّعي هذا المنهج (الوسطية) مَن لا يفقهه ولا يعيه , ولا يخوض كل من هَبَّ و دَبَّ , بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير : وجدت لزاما علىَّ أن أضع للقارئ المسلم معالم أو ملامح أو ضوابط : تحدد الأصول الفكرية والشرعية لهذا التيار أو هذا المنهج , لتكون منارات تهدي من أراد الاهتداء بهذا المنهج , والسير في ضوئه على نور وبينة , " أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الملك22) .
  ومن الضروري هنا ألا ندع مفهوم الوسطية مائعا رجرجا هلاميّا , يفسره كل من شاء , بما شاء , ويدعيه كل فريق لنفسه , زاعماً أن ما يدعو إليه هوالوسطية التي يدعو إليها الداعون , ويُنوَّه بها المنوَّهون .
و قد كنت منذ فترة وضعت " عشرين معلماً " على سبيل الإيجاز لمنهج الوسطية , وزعتها على الجمعية العامة التأسيسية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين , الذين انعقد في لندن في شهر يوليو سنة2004م .
وقد طلب بعض الأخوة من العلماء : أن يقوم بشرحها , فقلت أولى الناس بشرحها , هو صاحبها . فالمفروض أن أقوم بشرحها وتجليتها , وتأصيلها وتفصيلها . وهي في الحقيقو مشروحة في كثير من كتبي , ولكنها منثورة فيها , فلا بد من تجميعها , وترتيبها , والاستدلال عليها , وربط الفروع بأصولها , ورد الجزئيات إلى الكليات . حتى تستبين للقارئ الكريم , بلا لبس ولا غبش .
   وقد نظرت في هذه المعالم العشرين ـ فكل مصنف دائما يسعى إلى تحسين ما كتبه , حتى يصل به إلى أكمل ما يكون فكرة وعرضا وأسلوبا ـ وأعدت صياغتها وترتيبها , وفصلتها بعض التفصيل  ,فبلغت الثلاثين معلما , ثم اختصرتها , ليسهل حفظها لمن أراد .
   وقد أردت بها : أن يُعرف المنهج الوسطي لطلابه ومريديه , وأن تتضح صورته وملامحه , وتتحدد أركانه و مقوماته , وتتجلى خصائصه .
   وها هي ذي في صياغتها الخيرة . أملا بعد ذلك أن يُيسر الله في شرحها على الوجه الذي أحب , وأدعو الله أن يوفقني إليه .
1ـ الفهم الشمولي للإسلام
الفهم الشمولي التكاملي للإسلام , كما أنزله الله على رسوله , بوصفه : عقيدة وشريعة , علما وعملا , عبادة ومعاملة , ثقافة وأخلاقا , حقا وقوة, دعوة ودولة, دينا دنيا , حضارة وأمة.
ورفض كل تجزئة لأحكام الإسلام وتعاليمه , كدعوى الذين يريدونه أخلاقا بلا تعبد أو تعبدا بلا أخلاق , أو عقيدة بلا شريعة , أو زواجا بلا طلاق , أو سلاما ـ أو استسلاما ـ بلا جهاد , أو حقا بلا قوة , أو دينا بلا دولة , وهو ما يرفضه الإسلام نفسه الذي يقول كتابه :" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ "(المائدة49).  
2ـ مرجعية الكتاب والسنة
الإيمان بمرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة, للتشريع والتوجيه للحياة الإسلامية , وللأمة الإسلامية التي تستمد من المصدرين المعصومين : عقائدها وتشريعاتها , وآدابها وأخلاقها , ومفاهيمها وموازينها .
  مع ضرورة فهم النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية للإسلام وشريعته , ولا يجوز معارضة أحدهما الآخر , أو الاكتفاء بالجزئي عن الكلي أو بالكلي عن الجزئي . والحذر من الحرفية من جانب , ومن سوء التأويل من جانب آخر, ومن اتباع المتشابهات وترك المحكمات.
3ـ ترسخ المعاني والقيم الربانية
ترسيخ المعاني والقيم الربانية التي هي أساس الدين , من الإيمان بالله تعالى وتوحيده واليقين بالدار الآخرة وما فيها من حساب وجزاء , وجنة ونار واستحضار خشية الله تعالى وتقواه , التي هي من عمل القلوب , والتركيز على عبادة الله تعالى بوصفها الغاية التي خُلق لها الإنسان , وتوجيه هذه العبادة لله وحده . وهي تتجلى في الشعائر الأربع الكبرى : الصلاو والزكاة والصيام والحج , وهي العبادات المفروضة ,  وبجوارها عبادات أخرى مندوبة مثل تلاوة القرآن وذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار .
هذا بالإضافة إلى العبادات الباطنية : من صدق النية والإخلاص لله , والمحبة له والرضا عنه , والرجاء فيرحمته , والخوف من عذابه , والشكر لنعمائه , والصبر على بلائه , والزهد في الدنيا , والإقبال على الآخرة . وهي أساس التصوف الحقيقي الذي يقوم على "الصدق مع الحق , والخُلُق مع الخَلق"
  ومن الواجب : غرس هذه المعاني الربانية عن طريق الدعوة والتربية والثقافة والإعلام .
   ونرفض موقف الذين ينكرون التصوف كله ويعرضون عنه , والذين يأخذونه كله بما فيه من شركيات فيالعقيدة , ومبتدعات في العبادة وسلبيات في التربية دون مراجعة ولا تمحيص.     
4ـ وضع التكاليف في مراتبها الشرعية
فهم التكاليف والأعمال فهما متوازنا , يضعها فيمراتبها الشرعية , وينزل كل تكليف منزلته وفق ما جاءت به النصوص , التي تغيرت بين الأعمال :" أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ .."(التوبة19) فلا يجوز أن يكبَّر الصغير , ولا أن يُصَغَّرَ الكبير , ولا يُؤَخَّرَ ما حقه التقديم , ولا يقدم ما حقه التأخير . ومن هنا وجب تقديم العقيدة على العمل والأصول على الفروع , والفرائض على النوافل , والفرائض الركنية على غيرها من الفرائض , وفرائض العين على فرائض الكفاية , والشرك على المعصية , والكبيرة على الصغيرة , والمحرم المجمع عليه على المختلف فيه , كما يقدم الكيف على الكم , والجوهر على الشكل , والباطن على الظاهر , وأعمال القلوب على أعمال الجوارح .
   وأيضا يقدم القطعي على الظني ,  والثابت بالنص على الثابت بالاجتهاد , والمتفق عليه على المختلففيه . وهو ما أطلقنا عليه اسم "فقه الأولويات".   
5ـ القيم الأخلاقية
التركيز على القيم الأخلاقية التي عُنِي بها الإسلام , وجعلها من شعب الإيمان , وجعلها ثمرات العبادات التي فرضها الله , وجاء في الحديث النبوي :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق(1)". واعتبر الإخلال بها من خصال النفاق , ,سواء كانت أخلاقا فردية مثل :الصدق والمانة وإنجاز الوعد , والوفاء بالعهد , والإنصاف في الخصومة , والتواضع والحياء , والسخاء والشجاعة والعفة , أم أخلاقا اجتماعية مثل العدل والإحسان , وبر الوالدين , وصلة الأرحام والجيران , والرحمة بالضعفاء , والتعاون على البر والتقوى , ولزوم الجماعة , وإيتاء ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل , وعدم التبذير في إنفاق المال , والإسراف فيه , كمنع الشح والبخل به.
   ورفض موقف الذين يعتبرون العبادات الشعائرية هي كل شيء , وإن لم تؤثر في أخلاقهم وسلوكهم , وموقف الذين يعتبرون الأخلاق كل شيء , وإن لم يودوا فرائض ربهم .
6ـ التجديد والاجتهاد من أهله وفي محله
   تجديد الدين من داخله , وإحياء مبدأ الاجتهاد الذي لا تحيا الشريعة إلا به , سواء كان اجتهادا إنشائيا أم انتقائيا , كليا أم جزئيا , فرديا أم جماعيا . على أن يكون الاجتهاد من أهله : الذين استجمعوا شرائطه المعروفة , وفي محله : أي في غير القطعيات , التي تجسد وحدة الأمة العقدية والفكرية والشعورية والعملية , وهي قليلة جدا , ولكنها مهمة جدا ؛ لأنها تمثل "الثوابت" التي لا يجوز اختراقها بحال .
   ورفض موقف الذين يغلقون باب الاجتهاد , ويوجبون التقليد على كل العلماء , وموقف الذين يفتحون أبوابه لكل من هب ودب . 
7ـ الموازنة بين الثوابت والتغيرات
 الموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر , فلا يجوز إغفال الثوابت , ولا إهمال النتغيرات , ولا تحويل الثوابت إلى متغيرات , ولا المتغيرات إلى ثوابت , ولكن يجب ملاحظة أثر تغير الزمان والمكان والحال والعرف في تغير الفتوى , وفي أسلوب الدعوة والتعليم . مع ضرورة مراعاة الثبات في الأهداف والغايات , والمرونة والتطور في وسائل الدعوة والتعليم . مع ضرورة مراعاة الثبات في الأهداف والغايات , والمرونة والتطور في الوسائل والآليات , وكذلك الثبات في الأصول والكليات , والمرونة فيالفروع والجزئيات .
   وبهذا نقول : نعم "للتحديث" ولمواكبة العصر فيالتقدم العلمي والتكنولوجي والتطور المحمود ,  الذي يرقى بالحياة والإنسان . كما نقول : لا "للتغريب" الذي يريد أن يسلخ الأمة من جلدها , ويجعلها تبعا لأمم أخرى , باسم "الحداثة" أو العولمة أو غيرها.
ورفض موقف الذين يريدون أن يجمدوا الحياة باسم الشرع , فلا مجال لتطوير ولا تغيير , وموقف الذين يريدون أن يغيروا الدين واللغة والشمس والقمر ! كما قال الرافعي رحمه الله .
8ـ تبني منهج التيسير في الفتوى
   تبني منهج التيسير والتخفيف في الفقه والفتوى, اتباعا للمنهج القرآني :".. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.."(البقرة185)"..وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.." (الحج 78) , وللمنهج النبوي :"يسروا ولا تعسروا" , " أنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين "(2) .ومن ذلك التضييق في الإيجاب والتحريم والإفتاء بالرخص , ولا سيما عند الحاجة إليها , وبقاعدة " الضرورات تبيح المحظورات" وقاعدة "الحاجة تنزل منزلة الضرورة" , والتوسع في مصادر التشريع فيما لا نص فيه من الأخذ بالاستصلاح والاستحسان ورعاية العرف , وسد الذريعة .. وإن كان ولا بد من التشديد , فليكن في الأصول لا في الفروع . وقد حذر الرسول الكريم من الغلو والتنطع والتشديد والتعسير .
   وإذا كان التيسير مطلوبا في كل زمان , فهو أشد ما يكون طلبا في هذا العصر , الذي غلبت فيه الماديات على المعنويات , وتعقدت فيه حياة الناس , وكثرت العوائق عن الخير , والمغريات بالشر .
   والتيسير المطلوب هنا : لا يعني تبرير الواقع , أو مجاراة الغرب , أو إرضاء الحكام , بلىّ أعناق النصوص حتى تفيد التيسير قسرا , فيحلُّوا الحرام , ويبدّلوا الأحكام , فهذا موقف مرفوض , كموقف الذين يعسرون ما يسر الله , ويعرضون عن كل قول فيه تخفيف على عباد الله .
9ـ تبني منهج التبشير في الدعوة
   تطوير مناهج الدعوة إلى الإسلام للمسلمين تفقيها للتعاليم , وتصحيحا للمفاهيم , وتثبيتا وتذكيرا للمؤمنين , وبيانا لحقائق الإسلام , وردا على أباطيل خصومه . . ولغير المسلمين , باعتبار دعوة الإسلام دعوة عالمية خالدة موجهة للناس كافة "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء107) مع ضرورة استخدام آليات العصر من الفضائيات والأنترنت وغيرها , فيتبليغها إلى العالمين , بلغاتهم المختلفة مع وجوب رعاية الأصول , بجانب رعاية روح العصر , أسلوب العصر .
   ودعوة المسلمين تكون كما رسمها القرآن ـ بالحكمة والموعظة الحسنة ـ ودعوة المخالفين عن طريق الحوار بالتي هي أحسن , سواء كانوا مختلفين في أصل الدين , أم مخالفين فيالمذهب داخل الدين أم مخالفين في غير ذلك . وتبني منهج التبشير في الدعوة , إلى جوار منهج التيسير في الفتوى . وبذلك يتكامل المنهج النبوي الذي أمرنا به :"يسروا ولا تعسروا , وبشروا ولا تنفروا"(3) .
   والتبشير في الدعوة : أن نذكّر بالرجاء مع الخوف أو قبل الخوف , وبالوعد مع الوعيد أو قبل الوعيد , ونؤكد بواعث الأمل بدل المثبطات والمحبطات , ونعرف بالإسلام : أنه دين التفاؤل لا التشاؤم , دين الأمل لا القنوط , دين الحب لا البغض , دين التعارف لا التناكر , دين الحوار لا الصدام , دين الرفق لا العنف , دين الرحمة لا القسوة , دين السلام لا الحرب , دين البناء لا الهدم , دين الجمع لا التفريق . ومن هنا تتكامل العناية بالعبادة والثقافة والرياضة والفن , فالعبادة تغذي الروح , والثقافة تغذي العقل , والرياضة تغذي الجسم , والفن يغذي الوجدان .
    
10ـالتدرج الحكيم
   التدرج الحكيم : في الدعوة والتعليم والإفتاء والتغيير , وعدم استعجال الشيء قبل أوانه , والثمرة قبل نضجها . والتدرج سنة كونية , كما هو سنة شرعية . قال تعالى : "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ.."(الأحقاف35).
   وقد أنزل الله القرآن في ثلاث وعشرين سنة على رسوله صلى الله عليه وسلم , ليقرأة على الناس على مكث , وليعايش الناس في تطور حياتهم , ويجيبهم عن تسؤلاتهم كلما سألوا :" وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا" (الفرقان33).
11ـ المزج بين المتقابلات
   تأكيد الدعوة إلى المزج بين الروحانية والمادية , وبين الربانية والإنسانية , وبين العقل والقلب , وبين الدنيا والآخرة , وبين حق الرب وحظ النفس , وحقوق الغير , وبين الإبداع المادي والاقتصادي ,والسمو الروحي والأخلاقي , بحيث يأخذ كل جانب منها حقه , دون طغيان على الجانب الآخر , أو الجوانب الآخرى .   
12ـ السلام والجهاد
 الدعوة إلى السلام من كل من بسط يده للسلام , وتجنيب البشرية الحروب المدمرة بغير ضرورة , والسعي إلى الصلح و المعاهدات بين الدول , والجنوح إلى السلم كلما تيسرت سبله , وهذا مع التمسك بفرضية الجهاد في سبيل الله للدفاع عن حرمة الدين والمقدسات, عن أرض الإسلام , وأمة الإسلام , والمستضعفين في الأرض , والوقوف فيوجه الفراعنة والمستكبرين في الأرض . وإعداد أقوى ما يستطاع من العدة العسكرية لإرهاب الأعداء , وبيان أنواع الجهاد ومجالاته : من الجهاد النفسي , والجهاد الدعوي , والجهاد المدني , والجهاد ضد الظلم والفساد في الداخل , إلى جانب الجهاد العسكري .
   ومن الجهاد الواجب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وتغيير المنكر باليد أو اللسان أو القلب حسب الاستطاعة .
13ـ فريضة تحرير الأرض الإسلامية
   توعية الأمة بأن الجهاد مفروض عليها فرض عين لتحرير أرضها من كل سلطان أجنبي مسلط عليها . ولهذا كانت مقاومته الاحتلال الأجنبي فرضا دينيا مؤكدا , حتى يطرد من أرض الإسلام .
  أول أرض يجب تحريرها هي أرض فلسطين , أرض الإسراء و المعراج , التي غزاها اللاستعمار الصهيوني ,  القادم من خارج المنطقة , مؤيَّدا من الغرب كله , فاغتصب الرض , وشرد أهلها , وسفك دمائهم , واستحل حرماتهم , وبنى دولته على أشلائهم , وبالحديد والنار والدم : استطاع الاستعمار الصهيوني الوحشي العنصري الاستيطاني الإحلالي أن يثبت دولته في قلب بلاد العرب والمسلمين , على رغم أنوفهم .
   ولم تكتف الدولة بحدودها المغتصبة , ففكرتها الأصلية أن ملك إسرائيل من الفرات إلى النيل , ومن الأرز إلى النخيل  ,فاحتلت فلسطين كلها , بل احتلت بعض أجزاء من بلاد عربية أخرى . ولا تزال تقتل وتدمر بغير حساب في فلسطين وما حولها , مؤيدة بالمال الأمريكي , والسلاح الأمريكي , والسياسة الأمريكية التي تستخدم إسرائيل في تحقيق أهدافها فيالمنطقة , التي تريد تغييرها من الجذور , وحتى تغير اسمها , فهي شرق أوسط كبير أو جديد .
   وعلى الأمة أن تتصدى لهذا الاستعمار المزدوج : الصهيوني الأمريكي , والذي جعل هدفه أمة الإسلام جمعاء .وهو يحارب الإسلام تحت عنوان محاربة الإرهاب.
14ـ حقوق الأقليات الدينية
   الاعتراف بحقوق الأقليات الدينية ـ يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو غيرها ومعاملتهم بما أوجبه لهم الإسلام من تركهم وما يدينون , وعدم التدخلفي شؤونهم العقدية أو التعبدية , أو أحوالهم الشخصية , والتأكيد على أنهم من "أهل دار الإسلام" بإجماع فقهاء الأمة , ومقتضى هذا : أنهم بلغة عصرنا "مواطنون" لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم , إلا ما اقتضاه التميز الديني , فلا تفرض عليهم عبادة إسلامية , ولا تقاليد إسلامية , ولا تضييق عليهمفيما يحله لهم دينهم , وإن كان الإسلام يحرمه مثل أكل الخنزير وشرب الخمر . وتسميتهم"أهل الذمة" ليس بلازم دينا , فقد أسقط عمر رضي الله عنه :ما هو أهم من الذمة , وهو كلمة "جزية" المذكورة فيالقرآن , حين عرض بنو تغلب , وهم عرب نصارى : أن يدفعوا ما يطلب منهم ـ ولو مضاعفا ـ باسم الزكاة التي يدفعها المسلمون , لأنهم عرب يأنفون من كلمة "جزية" فقبل منهم عمر.
   ولم ينهنا القرآن أن نبر هؤلاء , ونقسط إليهم ما داموا لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا , ولم يظاهروا على إخراجنا .
    
15ـ احترام العقل والتفكير
   احترام العقل والتفكير , والدعوة إلى النظر والتدبر :في آيات الله الكونية في النفس والآفاق , وآيات الله التنزيلية في القرآن , وتكوين العقلية العلمية التي ترفض الخرافات , ولا تقبل دعوى إلا ببرهان , وهي العقلية العلمية التي ترفض الخرافات , ولا تقبل دعوى إلا ببرهان , وهي العقلية التي أنشاها القرآن بتعاليمه . ومقاومته الجمود والتقليد الأعمى للآباء أو للسادة والكبراء , أو لعامة الناس . واعتبار العقل أساس النقل وثبوت الوحي , وهو المخاطب بأحكام الشرع , والأداة الفذة في فقه الدين وفهم الدنيا . وتأكيد نفي التعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح . أو بين الوحي الرباني , والعقل الإنساني , بل هما نور على نور . وإذا تعرض عقلي ونقلي : قُدم القطعي على الظني منهما , وإذا كان ظنيين : قُدَّم النقليّ , حتى يثبت العقلي أو ينهار .
   ونرفض موقف الذين يعطلون العقل أو يجمدونه باسم الشرع , وموقف الذين يقدمون العقل على الشرع أبدا , وباسمه يريدون تحريف شرع الله .
16ـ القيم الإنسانية والاجتماعية
   الدعوة إلى المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية , التي فرط فيها كثير من المسلمين , وتوهم بعضهم : أنها مبادئ و قيم غربية , وهي في الحقيقة من قيم الإسلام الأصلية , مثل العدل في القضاء وفيالسياسة والاقتصاد , ومثل : الشورى في المجتمع والحكم , والحرية والكرامة , وحقوق الإنسان , ولا سيما حقوق الفئات الضعيفة في المجتمع , وتوفير الحرية المدنية والدينية والسياسية : التي شرط للرقي بالمجتمع , وإقامة العدل والمساواة بين أبناءه , بل شرط لتطبيق الشريعة على وجهها , حين يختارها الناس طوعا بإرادتهم الحرة .
   ومن المطلوب : إقامة الجمعيات والأندية والمؤسسات المدنية الخيرية والتعليمية والاجتماعية والثقافية , التي تهتم بخدمة المجتمع والنهوض به , حتى يصعد ويرقى , ويخرج من سجن التخلف , ويقوم بواجبه نحو نفسه , ونحو أمته الكبرى ونحو الإنسانية كلها من حوله .
17ـ إنصاف المرأة وتكريمها
   توكيد ما جاء به الإسلام من إعطاء المرأة حقوقها ومكانتها وكرامتها : إنسانا وأنثى , وبنتا , وزوجة , وأُما , وعضوا في المجتمع , وتحريرها من رواسب عصور التخلف والتراجع الإسلامي , التي حرمتها من كثير من حقوقها , حتى الصلاة في المسجد , وحتى حقهافي اختيار الزوج  , ومن غوائل الغزو الحضاري الغربي الذي أخرج المرأة من فطرتها , ولم يراع أنوثتها , والذي جعل المرأة المسلمة تسير وراء المرأة الغربية شبرا بشبر وذراعا بذراع . في حين يشكو النقاد والمصلحون من جناية هذه الحضارة على الفطرة الإنسانية , وعلى المرأة والرجل جميعا .
   ونحن نرفض تفكير الغلاة الذين يريدون أن يسجنوا المرأة في البيت ويحرموها من حق العلم والعمل , والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية كما قال تعالى :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ.." (التوبة71) .
   كما نرفض الذين يريدون أن يذيبوا الفوارق بين الذكورة والأنوثة , مناقضين فطرة المرأة , وفطرة الكون كله , القائم على قاعدة الزوجية :" وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " (الذاريات49) , وليس على قاعدة "المثلية" التي يتبنى الغرب إشاعتها اليوم , فالحياة إنما تستمر بالجنس ومقابله , لا بالجنس ومثله .
  
18ـ العناية بالأسرة وتوسيعها
   العناية بأمر الأسرة , باعتبارها الدعامة الأولى لقيام المجتمع الصالح , وإقامتها على الأسس الإسلامية الصحيحة , من حسن الاختيار , وشرعية الرؤية بين الخاطب والمخطوبة , والبعد عن الإسراففي المهور والاحتفالات , وكل مظاهر الرياء الاجتماعي , وتأسيس الحياة الزوجية على السكينة والمودة والرحمة , ورعاية حقوق كل الزوجين على صاحبه , ومعاشرته بالمعروف , والصبر عليه , وإن أحس بالكراهية , والتحكيم عند النزاع , وعدم اللجوء إلى الطلاق إلا إذا تعذر الوفاق , وشرعية تعدد الزوجات بقيوده وشروطه , دون توسع ولا تحريم . والإيمان بالأسرة الممتدة التي تشمل الأبوين والإخوة والأخوات , والأعمام والعمات , والأخوال والخالات , وأولادهم , بما لهم من حق في البر والصلة .
  
19ـ حق الشعوب في اختيار حكامها
   احترام حق الشعوب في اختيار حكامها من الأقوياء الأمناء , الذين تثق بكفايتهم ودينهم , دون تزييف لإرادتها , أو فرض حاكم عليها يقودها على رغم أنوفها , فإذا اختارت هذا الحاكم فله عليها حق المعونة والنصيحة والطاعة في غير معصية . ولها ـ بل عليها ـ أن تسائله وتحاسبه , وترشده إذا أخطأ , وتقومه إذا انحرف , وتعزله إذا تمادى في غيه بالطرق السلمية . ويقوم نظام الحكم على العدل والشورى ورعاية الحقوق , والالتزام بشريعة الله وما أنزل من الكتاب والميزان . والاستفادة من النظام الديمقراطي بما فيه من آليات وضمانات ووسائل في مساندة الشعوب , وتقييد سلطان الحكام , دون أن نأخذ بكل ما فيها من مثل إطلاق الحرية الفردية , ولو على حساب القيم الأخلاقية , والأحكام الشرعية . وبهذا نأخذ خير ما في الديمقراطية , ونتجنب شر ما فيها .
  
20ـ تقوية اقتصاد الأمة وبناؤه على فقه الشريعة
   تقوية اقتصاد الأمة , والعمل على تكاملها فيما بينها , حتى تكتفي اكتفاء ذاتيا , مدنيا وعسكريا , وبناء هذا الاقتصاد على فقه الشريعة ومقاصدها , وتشجيع إقامة المصارف والمؤسسات المالية والإسلامية , وتحريرها من الصورية والشكلية , والعمل على تحسينها حتى تسهم بقوة في تنمية المجتمعات الإسلامية , والتخطيط العلمي و السعي العملي لتأسيس اقتصاد إسلامي متميز , يتحققفيه : زيادة الإنتاج , وترشيد الاستهلاك , واستقامة التداول , وعدالة التوزيع . والإبقاء على وسطية الاقتصاد الإسلامي , فلا ينهج نهج النظام الرأسمالي الذي يطغى الفرد على حساب المجتمع , ولا النظام الشيوعي الذي يطغى المجتمع على حسا ب الأفراد .
  
21ـ الأمة الإسلامية ووحدتها والولاء لها
   الإيمان بوجود الأمة الإسلامية وخلودها , و أنها أمة لن تموت , لأنها حاملة الرسالة الخاتمة , والإيمان بفرضية وحدتها , وبالأخوة الدينية بين أبنائها , على اختلاف مدارسها ومذاهبها , واعتبار الفرق المختلفة كلها من الأمة الواحدة , ما دامت تصلي إلى القبلة , وتؤمن بالقرآن الكريم , وبالسنة المشرفة , والسعي إلى التقريب بين فئاتها , بحيث تتعاون فيما يتفق عليه , وتتسامح وتتحاور في المختلف فيه , وتقف صفا واحدا في القضايا الكبرى . والتأكيد على مبدأ الولاء للأمة , بمعنى المودة  والنصرة لها و لا يكون لأمة أخرى دونها .
22ـ الإيمان بالتعددية والتنوع
   الإيمان بالتعددية الدينية , والتعددية العرقية , والتعددية اللغوية , والتعددية الحضارية (أو الثقافية) , والتعددية السياسية , وضرورة التعايش بين الحضارات , والتلاقح بين الثقافات , وتفاعل بعضها مع بعض ,واقتباس بعضها من بعض , دون انكماش ولا استعلاء بالقوة أو بالكثرة أو بالمال , وإشاعة روح التسامح الذي دعا إليه الإسلام , وتميز به خلال تاريخه .
23ـ تجنب التكفير والتفسيق
   تحسين الظن بكل من شهد الشهادتين , وصلى إلى القبلة ,ولم يصدر منه ما يخالفها بيقين. والأصل حمل حال المسلم على الصلاح ما أمكن ذلك , وتجنب التفسيق والتكفير ما وُجد إلى التجنب سبيل , وخصوصا : فسق التأويل , وكفر التأويل . فمفتاح الدخول في الإسلام هو كلمة "لا إله إلا الله , محمد رسول الله " فلا يخرجه من الإسلام إلا جحود ما أدخله فيه , واليقين لا يُزال بالشك .
   والتكفير خطيئة دينية , وخطيئة علمية , لا يحل لمسلم السقوط في هاويته , لما يترتب عليه من الحكم على المسلم بالإعدام المادي والأدبي أو كليهما , من المجتمع المسلم . لذا وجب الحذر كل الحذر من الوقوع فيه , إلا ما ثبت بيقين لا شك فيه , من تكذيب لقواطع القرآن , أو إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة , أو سب صريح لله ورسوله , كما جاء فيالحديث :"إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان"(4) , والمقصود : البرهان القاطع . أما ما يحتمل التأويل و فإن الشك يفسر لصالح المتهم بالكفر .
24ـ الأقليات الإسلامية في العالم
   العناية بالأقليات الإسلامية في العالم ؛ باعتبارها جزءا من الأمة المسلمة , قدر لها أن تعيش وسط مجتمعات مخالفة لها في الدين . وعلى المة أن تعينهم على أن يعيشوا بإسلامهم في مجتمعاتهم , عناصر حية فاعلة , تجسد الإسلام في سلوكها وتعاملها , على أن يكون لها فقهها الذي يراعي ظروفها في ضوء الشريعة , وأن يكون شعارها : استقامة على الدين بلا انغلاق , واندماج في المجتمع بلا ذوبان .
25ـ عمارة الأرض وتحقيق التنمية وحماية البيئة
   العناية بعمارةالأرض , وتحقيق التنمية المتكاملة , مادية وبشرية , ورعاية البيئة بكل مكوناتها , وحمايتها من التلوث والفساد , والحفاظ على التوازن البيئي والتوازن الكوني , والتعاون على كل ما ييسر المعيشة للناس , وكل ما يشيع الجمال في الحياة , واعتبار ذلك عبادة وجهاد ا في سبيل الله . وعلى سكان الأرض : أن يتحدوا فيما بينهم ليحافظوا على أرضهم , ويواجهوا الأخطار المهددة لهم , من الذين يفسدون في الأرض بعد إصلاحها , ويحافظوا على الميزان الكوني , "أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ" (الرحمن9) . بدل أن يحارب بعضهم بعضا .وبذلك يقيمون حضارة متوازنة تكرم الإنسان , وتعتبره خليفة الله في الأرض , لا مجرد حيوان متطور .
26ـ ضرورة الإصلاح والتغيير
   حث دعاة الإصلاح والتغيير على مقاومة التخلف والفساد , فالتخلف يعطل عقل الأمة , والفساد يعطل ضميرها , وهو أول عائق للتقدم : الفساد السياسي , والفساد الاقتصادي , و الفساد الإداري , والفساد الأخلاقي . وعلى هؤلاء الدعاة أن يتعاونوا لإقامة إصلاح حقيقي ؛ يشمل هذه المجالات كلها . ولا يكون الإصلاح حقيقيا إلا إذا تم بإرادتنا وبأيدينا , ومن منظورنا , ولتحقيق أهدافهم , ولينفذ بأيديهم أو أيدي عملائهم , فيستحيل أن يكون إصلاحا.
   ومدخل كل إصلاح هو إصلاح الأنظمة السياسية المستبدة التي تحكم شعوبنا , وتتحكم في مصائرها , وتخرس كل لسان حر , وتكسر كل قلم حر , وتسجن كل داعية حر , وتزوّر الانتخابات , وتقهر الخصوم بقوانين أحكام الطوارئ , والمحاكم العسكرية . فلا علاج لهذا الفساد إلا بتغيير جذري , يأتي بحكام يختارهم الشعب بكل حريته , ويستطيع أن يحاسبهم ويسائلهم , ويقوّمهم ويعزلهم إذا تمادوافي السوء .
   وأساس كل تغيير هو تغيير الإنسان من داخله , فهو يقاد من باطنه لا من ظاهره , و من عقله وضميره لا من أذنه أو رقبته , وشعار الإصلاح هنا : قوله تعالى :"..إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.." (الرعد11) .
  
27ـ تجميع كل قوى الأمة وحركاتها
   العمل على تجميع القوى والجماعات والحركات العاملة لنصرة الإسلام وبعث أمته , في صف واحد , ووجهة واحدة . وليس من الضروري , بل لعله ليس من المفيد أن يجتمعوا في حركة واحدة ؛ أو جماعة واحدة , فهذا يقتضي أن تتوحد أهدافهم , و تتوحد برامجهم , وتتوحد قيادتهم , وهذا ليس بالأمر السهل . ويكفي أن يكون بينهم قدر معقول من التفاهم والتنسيق , وأن يقفوا صفا واحدا في القضايا المصيرية , وأن يكونوا في مواجهة أعداء دينها كالبنيان المرصوص . ولا سيما في أوقات الشدائد والأزمات , فالمصائب تجمع المصابين , والمحن توحد المختلفين , والأزمات تقرب المتباعدين ..
   على أن الاحتلال والتعدد بين العاملين لا يضر إذا كان اختلاف تنوع لا اختلاف تناقض , وكان التعدد تعدد تخصص لا تعدد صراع .
28ـ الدعوة إلى فقه جديد
   تأكيد الدعوة إلى تجديد "الفقه القرآني والنبوي" "..قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (الأنعام 98) , " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "(5) , وهو يضم عدة ألوان من الفقه المنشود : فقه سنن الكون وفقه مقاصد الشرع , وفقه المآلات , وفقه الموازنات , وفقه الأولويات , وفقه الاختلاف أو الائتلاف , والفقه الحضاري , وفقه التغيير , وفقه الواقع .
   والواجب على علماء العصر : أن يحيطوا علما ـ كلٌّ على قدر سعة واديه ـ بهذه الأنواع من الفقه , حتى إذا دَعَوْا : دَعَوْا على بصيرة , وإذا أْتَوا :أفْتَوا ببينة , وإذا علّموا :علّموا على نور , وإذا قضوا : قضوا عن علم .
29ـ منجزات أمتنا الحضارية
   الإشادة بما قدمته أمتنا من منجزات تاريخية بهرت العالم , ومن فتوحات في زمن قياسي , كانت تحرير للشعوب من مستعبديها , ولم تكن يوما لإذلالها أو استغلالها . والتنويه بما أسسته أمتنا من حضارة جمعت بين العلم والإيمان , وبين الربانية والإنسانية , وبين الرقي المادي والسمو الأخلاقي , وقد شاركفي صنع هذه الحضارة أناس من أديان وأعراق وأوطان مختلفة , لم تضق الحضارة الإسلامية بهم ذرعا , وظلت هذه الحضارة أكثر من ثمانية قرون تعلم العالم , وتنشر النور ومنها اقتبست أوربا المنهج التجريبي الاستقرائي , وتعلمت من ابن رشد وغيره .
  ولا ندعي أن تاريخنا معصوم من الأخطاء , ولكنه أقل تواريخ الأمم مثالب , كما لا نقبل أن يشوه تاريخنا , وخصوصا خير القرون فيه , التي أثنى عليها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم , وواجب الأمة أن تصل هذا الماضي المجيد بحاضر يكافئه , إن لم يزد عليه , ولا يكتفي بالتغني بأمجاده , والبكاء على مآسيه , بل واجبنا هو استلهام الماضي , والارتقاء بالحاضر واستشراف المستقبل .
30ـ الانتفاع بخير ما في تراثنا على تنوعه
   الانتفاع بأفضل ما في تراثنا الرحب المتنوع : من ضبط الفقهاء , وتأصيل الأصوليين , وحفظ المحدثين , وعقلانية المتكلمين , وروحانية المتصوفين , ورواية المؤرخين  , ورقة الأدباء والشعراء , وتأمل الحكماء , وتجارب العلماء , مع العلم بأن هذا التراث كله ـ حتى ما له صلة بالدين ومصادره ـ من صنع العقل الإسلامي , وهو بالطبع غير معصوم , فهو قابل للنقد والمراجعة و المناقشة والترجيح أو التضعيف . ولكن الأمة في مجموعها لا تجتمع على ضلالة . ويجب النظر إلى التراث في ضوء قواطع الوحي الإلهي , وقواطع العلم البشري .
   كما يجب العمل على إحياء هذه التراث وخدمته بأساليب العصر وآلياته , حتى يستطيع أن يقوم بوظيفته في رقي الأمة , وقيامها برسالتها الخالدة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في الأدب الأدب المفرد (1/104) وأحمد في المسند(8952)بلفظ :"صالح الأخلاق" , وقال مخرّجوه:"صحيح وهذا قوي", والحاكم في تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين (2/670) ,وقال:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" , والبيهقي في الشعب(6/230)والبيهقي في الكبرى كتاب الشهادات(10/191)عن أبي هريرة.
(2) رواه البخاري في الوضوء(220) , وأحمد فيالمسند (7255) , وأبو داود في الطهارة (380) , والترمذي في الطهارة (147) , والنسائي في الطهارة (56), عن أبي هريرة .
(3) رواه البخاري في العلم (69) . ومسلم في الجهاد والسيرة (1734). وأحمد في المسند(13175) . وأبو داود في الأدب(4794)عن انس .
(4) رواه البخاري في الفتن(7055) و مسلم في الإمارة (1709) وأحمد في المسند (22679) ,(22725) عن عبادة بن الصامت.
(5) رواه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة(7312) ,ومسلم في الزكاة (1037) , وأحمد فيالمسند(16834),(16842) , وابن ماجه في افتتاح الكتاب (221), والطبراني في الكبير(19/321) عن معاوية .
  

ليست هناك تعليقات: