الاثنين، 18 مارس 2013

السنة في مجال الدعوة والتوجيه


ثانياً
السنة في مجال الدعوة والتوجيه


   السنة النبوية ـ بعد القرآن الكريم ـ هي المورد الذي لا ينضب , والكنز الذي لا ينفد , ليستمد منه الداعية في خطبته إذا خطب , في موعظته إذا وعظ , وفي درسه إذا درس . 
   ففيها من التوجيهات المشرقة , والحجج الدامغة , الحكم البالغة , والكلم الجامعة , والمواعظ المؤثرة , والأمثال المعبرة , والقصص الهادفة , وألوان الأمر والنهي , والوعد والوعيد , والترغيب والترهيب  , ما يلين القلوب الجامدة و ويحرك العزائم الهامدة , وينبه العقول الغافلة , فهي تسير في خط القرآن في مخاطبة كيان الإنسان كله : عقله وقلبه , وهي تعمل على تكوين الشخصية المسلمة المتكاملة , ذات العقل الذكي والقلب النقي , والجسم القوي .
   وفي كتب السنة ثروة طائلة للداعية الموفق , يتخذ منها زاده , ويملأ منها جعبته , ويتكون منها ـ مع معرفته القرآنية ـ محصوله الأساسي للدعوة والتوجيه .
   وأول ما ينبغي على الداعية أن يعتمد عليه وينهل من معينه , من كتب السنة : الصحيحان : صحيح البخاري ومسلم , واللذان تلقتهما الأمة بالقبول . ولم ينتقد عليهما إلا أحاديث معدودة , يتعلق النقد في جلها بأمور شكلية وفنية .
 ثم عليه أن ينتقي من كتب السنة الأخرى مثل كتب السنن الأربعة , وموطأ مالك ومسند أحمد وسنن الدارمي , وصحيح ابن خزيمة , وابن حبان , ومستدرك الحاكم , ومسانيد أبي يعلي , والبزار , ومعاجم الطبراني , وغيرها ـ ما نص الحفاظ النقاد على صحته أو حسنه من الأحاديث , وألا يعتمد على الأحاديث الواهية والمنكرة والموضوعة , التي غدت ـ للأسف الشديد ـ بضاعة كثير من الخطباء والمرشدين الدينيين .
   ومن فضل الله تعالى أن عددا من كتب السنة الأساسية قد خدم وحقق , فظهر (موطأ مالك) و (صحيح مسلم) و (سنن ابن ماجه ) محققة مرقمة مفهرسة من عمل خادم السنة محمد فؤاد عبد الباقي ـ رحمه الله ـ وكذلك ظهر كتاب (سنن أبي داود) و (سنن الترمذي) محققين مرقمين مفهرسين من عمل أخينا الأستاذ الدعاس .
   وأعظم من ذلك : القيام بمهمة التخريج , وبيان درجة الحديث , وتمييز صحيحه من سقيمه . فظهر ابن ماجة , وصحيح الترمذي , وصحيح النسائي للمحدث الشيخ ناصر الدين الألباني(10) ويوشك أن يصدر له صحيح أبي داود , كما يوشك أن تكتمل أجزاء صحيح ابن حبان بتحقيق وتخريج الشيخ شعيب الأرناؤوط(11) , وقبل ذلك ظهر ما عثر عليه من صحيح ابن خزيمة بتحقيق د . محمد مصطفى الأعظمي , وتخريج الألباني .
   وقد ظهر قبل ذلك من مسند أحمد خمسة عشر جزءا بتحقيق وتخريج العلامة أحمد محمد شاكر , وهو قريب من ثلث الكتاب , وقبل ذلك كان الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا قد رتب المسند حسب الموضوعات وشرحه وخرجه في ثلاثة وعشرين مجلدا .
كما أن الشيخ شاكر حاول أن يخرج من تفسير الحافظ ابن كثير منتقى مهذبا مخرجا سماه (عمدة التفسير) ونشر منه خمسة أجزاء , ولكن لم يقدر له إكماله .
وكذلك أخرج هو وشقيقه الأديب المحقق محمود محمد شاكر بضعة عشر جزءا من تفسير الإمام الطبري (ت:310هـ) .محققة مخرجة الأحاديث والآثار , ثم توفى الأخ الأكبر الشيخ أحمد , وأصدر الأستاذ محمود من بعده جزأين , ثم توقف هذا العمل العلمي الكبير .
   وكذلك ظهر كتاب (المصنف) لعبد الرازق الصنعاني(ت:211هـ) في أحد عشر جزءا بتحقيق محدث الهند الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي .
   وكذلك حققت بعض كتب الجميع المهمة مثل :"مشكاة المصابيح" للخطيب التبريزي (ت:737هـ) حققها الأباني , وخرجها بإيجاز . ومثل تمييز (صحيح الجامع الصغير وزيادته) للسيوطي عن (ضعيفه) للألباني .
    ومثل (جامع الأصول) لابن الأثير(ت:606)حققه وخرجه عبد القادر الأرناؤوط.
  ومن قبل ظهر (مجمع الزوائد) لنور الدين الهيثمي(ت:807هـ) وإن لم يكن محققا , وميزته أنه يحكم على الأحاديث تصحيحا وتضعيفا , وهو يضم : ما زاد على الكتب الستة من أحاديث : مسند أحمد , ومسند البزار , ومسند أبي يعلي , ومعاجم الطبراني الثلاثة .
   ومن الكتب المهمة التي طبعت مرارا , ولكنها لم تحقق وتخرج : مستدرك الحاكم (ت:405هـ) وتلخيصه للذهبي (ت:748هـ) .
  كما حققت وخرجت كتب مهمة مثل :"زاد المعاد) لابن القيم (ت:751هـ) حققه شعيب الأرناؤوط , نشرته (الرسالة ) في خمسة أجزاء , وجزء للفهارس .
   ومثل (رياض الصالحين) للنووي (ت: 676هـ) وهو كتاب مبارك جليل النفع حققه وخرجه كل من الألباني وشعيب الأرناؤوط.
   وهناك تخريجات قديمة يجب الرجوع إليها والاستفادة منها , مثل تخريج زين الدين العراقي (ت:806هـ) لأحاديث (الإحياء) للغزالي (ت:505هـ) الذي سماه المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار) وهو مطبوع بحاشية (الإحياء) ولا يستغنى قاريء الإحياء عن الرجوع إليه , ليعرف درجة الحديث الذي استشهد به الغزالي , فكم فيه من أحاديث شديدة الضعف , وأخرى لا أصل لها , وثالثة محكوم عليها بالوضع ! , ومثل تخريج الحافظ ابن حجر العسقلاني لأحاديث تفسير الكشاف , وهو نافع بالنظر إلى كثير من الأحاديث التي يتداولها المفسرون , ويتناقلها بعضهم عن بعض .
   وهناك (الشروح) للكتب المعروفة ,وأعظمها : فتح الباري في شرح البخاري لابن حجر , وهو الذي قال فيه الشوكاني : لا هجرة بعد الفتح ! .
   وإن كان هناك شروح أخرى سابقة عليه ومعاصرة له , ولاحقة به , ينبغي الاستفادة منها جميعا, مثل شروح : الكرماني (ت:676هـ) والعيني (ت:855هـ) و القسطلاني (ت:923هـ) .
وهناك شروح مسلم , مثل شرح النووي , وشرح عياض والابي والسنوسي . وهناك شروح الموطأ مثل شرح أبي الوليد الباجي (474هـ) (المنتقى ) , وشرح السيوطي (تنوير الحوالك ) .
وشروح أبي داود , ومن أعظمها معالم السنن للإمام الخطابي (ت:388هـ) وتعليق ابن القيم عليه المسمى (تهذيب سنن أبي داود).
   ومن الشروح الحديثة لعلماء الهند (عون المعبود) للديناوي , (بذل المجهود في حل أبي داود) للسهارنفوري (ت:1346هـ) بتعليق شيخ الحديث الكندهلوي , وتقديم السيد أبي الحسن الندوي , و (المنهل العذب المورود) للشيخ محمود خطاب السبكي مؤسس الجمعية الشرعية , وهو شرح حافل ظهر منه عشرة أجزاء , لم يتمه رحمه الله .
   وشروح الترمذي , ومن أعظمها قديما (عارضة الأحوذي) للإمام أبي بكر ابن العربي (ت:543هـ).
  وحديثا (تحفة الأحوذي) للمباركفوري .
   ولم يشرح النسائي , كما شرح أبو داود والترمذي , ولكن توجد عليه حاشية للسيوطي , وأخرى للسندي (ت:1139هـ) . وهما مطبوعتان معه .
   وهناك شروح (مشكاة المصابيح) وأشهرها شرح علي القاري (ت:1014هـ) المسمى ب(مرقاة المفاتيح) وهو مطبوع في خمسة أجزاء .
  وله شرح حديث حافل يسمى (مرعاة المفاتيح) لعبيد الله المباركفوري من علماء الهند .
   ولرياض الصالحين شرح معروف وهو (دليل الفالحين) لابن علان (ت:1057هـ) طبع ثمانية أجزاء .
وشرح حديث للمرحوم د.صبحي الصالح سماه : (منهل الواردين) , وآخر للدكتور مصطفى الخن و زملائه سمى (نزهة المتقين) .
   كما أن لكتاب (الأذكار) للنووي أيضا شرحا لابن علان , سماه (الفتوحات الربانية) طبع في سبعة أجزاء .
   ولكتابه الصغير الشهير (الربعين النووية ) أكثر من شرح , ولكن أجلها وأوسعها وانفعها هو شرح ابن رجب الحنبلي (ت:795هـ) المسمى (جامع العلوم والحكم) وقد كمل أحاديث الأربعين فأصبحت خمسين , وقد حققها د . محمد الأحمدي أبو النور , وإن لم يكملها بعد .
  ومن الكتب النافعة هنا , والتي تشرح ما وراء الأحاديث من أسرار وحكم دينية واجتماعية : كتاب (حجة الله البالغة) للدهلوي (ت:1176هـ) .
  والداعية البصير يعرف الكتب والأبواب التي يحتاج إليها أكثر من غيرها من مصادر الحديث .
   فلا ريب أن كتب وأبواب الإيمان والتوحيد , والعبادات والعلم والأدب والزهد والرقاق , والذكر والدعاء , والقرآن والبر والصلة , وأحوال الآخرة والجنة والنار , والسيرة والمغازي , والقصص والتاريخ , ونحوها , وتجذب انتباه الداعية أكثر من الأحاديث التي تتعلق بالأحكام تعلقا مباشرا . وإن كان الداعية المتمكن الواسع الأفق , يستفيد من جميع أبواب الحديث .

التحري عند الاستشهاد بالحديث

   والشيء المهم للداعية هنا أن يتحرى عند إيراد الحديث مستشهدا به على معنى من المعاني , أو قيمة من القيم , أو موقف من المواقف , وهذا في الواقع واجب أهل العلم جميعا : أن يعتمدوا على المصادر الموثقة , وإن يحرروا ثقافتهم من الأحاديث الواهية والمنكرة والموضوعة والتي لا أصل لها , التي تنتفخ بها بطون كثير من الكتب في ثقافتنا الدينية , فتختلط بغيرها من الصحاح والحسان , دون تمييز بين الصنفين : المقبول والمردود , وبعض الناس تغره شهرة  الحديث بين الناس , وشيوعه فبي الكتب أو على الألسنة , فيحسب هذا كافيا في توثيقه , وإعطائه جواز المرور والقبول .
ومما هو معروف لدى المحققين أن الحديث قد يشتهر على الألسنة , بل قد يشتهر في كتب أهل العلم , ويتناقله بعضهم عن بعض , وهو ضعيف جدا . بل ربما لم يكن له أصل , او كان حديثا موضوعا.
   وهذا ما جعل عددا من علماء الحديث يؤلفون في بيان قيمة الأحاديث المشتهرة على الألسنة , من ذلك كتاب الزركشي(ت:794هـ) المسمى (التذكرة بالأحاديث المشتهرة ) وكتاب ابن الديبع (تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث) وكتاب الحافظ ابن حجر (ت:852هـ) (اللالئ المنثورة في الأحاديث المشهورة) , وككتاب السيوطي (ت:911هـ) ( الدرر المنتشرة في الأحاديث المشتهرة ) , وكتاب السخاوي(ت:902هـ) (المقاصد الحسنة فيما اشتهر من الحديث على الألسنة) والذي اختصره الزرقاني (ت:1122هـ) .
  وأجمعها (كشف الخفاء ومزيل الألباس , عما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس) للعلجلوني (ت:1162هـ) .
  كما أن الكتب الخاصة ببيان الأحاديث الموضوعة : لابن الجوزي السيوطي والقاري والشوكاني واللكنوي وابن عراق الألباني وغيرهم مهمة في المجال .
   وفي كتب التصوف والوعظ والرقاق كثير من هذا النوع من الأحاديث , فليحذر منها قارئها .
  وكذلك في كتب التفسير , وخصوصا ما يتعلق بفضائل السور وقصص الأنبياء والصالحين , وأسباب النزول , فلم يصح منها إلا قليل .
   في مؤتمر قريب استشهد أحد الباحثين بقصة ثعلبة بن حاطب , التي ذكرها المفسرون سببا لنزول قوله تعالى في سورة التوبة "وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ"!.
   وإسناد القصة ـ كما قال الحافظ بن حجر في تخريج الكشاف ـ واه جدا(12).

آفة كثير من المواعظ

  وآفة كثير من الواعظ وخطباء المساجد في أكثر البلاد الإسلامية أنهم حاطبوا ليل , همهم ما يحرك العامة من الأحاديث , وإن لم يكن لها سند صحيح ولا حسن , ولا أكاد أشهد خطبة جمعة , أو درس وعظ , إلا سمعت جملة من الأحاديث الضعيفة , بل الشديدة الضعف , ربما الموضوعة .
حضرت في بعض البلاد خطبة أظنها كانت بمناسبة من مناسبات السيرة النبوية , لهذا كان محورها شخصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ , وطهارة سيرته , وروعة مواقفه , وعظمة خلقه , وهو موضوع ثري حافل بالحقائق الثابتة من صريح القرآن , وصحيح السنة .
   لكن الخطيب لم يذكر مما صح أو حسن من الحديث إلا اثنين أو ثلاثة , في حين أفرغ من جعبته جملة وافرة من الأحاديث الواهية , أو المنكرة , أو الموضوعة , أو التي لا يعرف لها أصل , مما قال فيه العلماء : لا خطم لها ولا أزمّة !
أذكر من ذلك بعض الأحاديث :ـ
"أول ما خلق الله نور النبي  صلى الله عليه وسلم ".
"وأن الله أحيا أبويه له فأسلما على يديه"
" وأن من تسمى باسم (محمد) وجبت له الشفاعة).
وأحاديث الخوارق التي حدثت عند مولده ـ صلى الله عليه وسلم ـ ...الخ...
ومن غرائب ما سمعته في فضل أمته عليه الصلاة والسلام حديث:ـ
علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"
   والحديث مما اشتهر وضعه , ونص العلماء في كتب المصطلح على أنه مكذوب .
  وقد دلل الخطيب المذكور على صحة الحديث بحكاية ذكرها , مضمونها : أن الإمام أبا حامد الغزالي لقى سيدنا موسى في الرؤيا أو في عالم الرواح , فقال له كليم الله موسى : ما اسمك؟ قال محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي ...الخ... قال : سألتك عن اسمك ولم أسالك عن نسبك , قال وأنت سألك الله عما بيمينك فلم تقل عصا , وتسكت , بل قلت : ( هي عصاي أتوكأ عليها , وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى)!
  قال : فحج الغزالي موسى عليه السلام !! وبهذا أثبت الخطيب صدق الحديث المكذوب , وهكذا نروج البضاعة الكاسدة من غرائب الحكايات والمنامات والإسرائيليات في غيبة البضاعة الطيبة من الأحاديث الصحاح والحسان . وتطرد العملة الرديئة العملة الجيدة , كما يقول الاقتصاديون !
وهذه آفة قديمة , حتى إن بعض العلماء المتشددين في رواية الحديث , والذين هم من أهل الثقة والمعرفة , إذا ألفوا في الموضوعات الوعظية تساهلوا غاية التساهل كما رأينا ذلك في كتب أبي فرج ابن الجوزي (ت:597هـ) الوعظية مثل (ذم الهوى) مع تشديده في كتاب (الموضوعات) و(العلل المتناهية) ونحوها ....
ومثل ذلك الحافظ النقاد شمس الدين الذهبي , فقد تساهل كثيرا في كتابه (الكبائر) لما له من طبيعة وعظية .
   وكذلك الحافظ المنذري في كتابه الجامع(الترغيب والترهيب) فقد ذكر فيه عددا كبيرا من الأحاديث الواهية المنكرة بل الموضوعة , ما كان أغناه عنها رحمه الله ولكنه نبه على ذلك بإشارات ومصطلحات ذكرها في مقدمته فأبرأ ذمته بذلك , وإن أغفلها قراؤه , وخصوصا في عصرنا .
   وهذا ما دفعني للعمل على إخراج (المنتقى) من أحاديثه الصحاح والحسان في جزأين , صدرا عن مركز بحوث السنة والسيرة في قطر.

فتوى ابن حجر الهيثمي

  ولقد أحسن ابن حجر الهيثمي الفقيه الشافعي المعروف , الذي طالب بصراحة من حكام زمنه منع كل خطيب لا يبين مخرجي الأحاديث , ويخلط الصحاح بالأباطيل .
   ففي فتاواه الحديثة ما نصه :"وسئل رضي الله عنه في خطيب يرقى المنبر في كل جمعة , ويروي أحاديث كثيرة , لم يبن مخرجيها , ولا رواتها (وذكر في ذلك حديثا معينا) فما الذي يجب عليه ؟ فأجاب بقوله :
   "ما ذكره من الأحاديث في خطبه من غير أن يبين رواتها , أو من ذكرها , فجائز , بشرط أن يكون من أهل المعرفة في الحديث , أو ينقلها من كتاب مؤلفه كذلك , وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث , أو في خطب ليس مؤلفها كذلك , فلا يحل ذلك , ومن فعله عُزَّر عليه التعزير الشديد . وهذا حال أكثر الخطباء , فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها وخطبوا بها , من غير أن يعرفوا أن تلك الأحاديث أصلا أم لا , فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك , ويجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه , من ذلك إن ارتكبه ." ثم قال :"فعلى هذا الخطيب أن يبين مستنده في روايته , فإن كان مستندا صحيحا , فلا اعتراض عليه , و إلا ساغ الاعتراض عليه , بل وجاز لولي الأمر أن يعزله من وظيفة الخطابة زجرا له عن أن يتجرأ على هذه المرتبة السنية بغير حق "(13) انتهى ملخصا.  
   وليت خطباء زمننا يطبق عليهم هذا . إذن لزل الكثير منهم , لجهلهم بالحديث وخلطهم المقبول بالمردود .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) طبعها المكتب الإسلامي في بيروت, ونشرها مكتب التربية العربي لدول الخليج.
(11) نشرته مؤسسة الرسالة في بيروت .
(12) لإنها من رواية علي بن بريد الألهاني ـ وقد قال فيه البخاري : منكر الحديث وقال النسائي : ليس بثقة وقال الدار قطني متروك . عن القاسم أبي عبد الرحمن , وقد قال فيه أحمد : روى عن علي بن يزيد أعاجيب ! وقال بن حبان : كان يروي عن الصحابة المعضلات , ويأتي عن الثقات بالمقلوبات .
(13) الفتاوى الحديثة ص 43,44ط دار المعرفة ,لبنان .

تحقيق القول في رواية الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب

ليست هناك تعليقات: