الخميس، 16 مايو 2013

المخلص



المخَلِّــص
المستقبل لهذا الدين 
سيد قطب



"إن هتافات كثيرة من هنا ومن هناك، تنبعث من القلوب الحائرة وترتفع من الحناجر المتعبة .. تهتف بمنقذ، وتتلفت على (مخلص)، وتتصور لهذا المخلص سمات وملامح معينة تطلبها فيه .. وهذه السمات والملامح المعينة لا تنطبق على أحد إلا على (هذا الدين) ..

جاءت هذه الفقرة في الفصل الأول من هذا الكتاب .. والفصل الذي سلف (صيحات الخطر) يتضمن التفسير الكامل لهذه الفقرة في أقوال دكتور كاريل، وفي أقوال مستر دالاس على السواء! لولا أن كلا منهما –لأمر قد قدر- لا يتجه بدعائه للمخلص الحقيقي الذي عليه وحده تنطبق هذه الأوصاف؛ وفيه وحده تتحقق هذه السمات!

*     *     *

إن دكتور كاريل يطلب منهجاً للحياة غير (دين الصناعة) و (التكنولوجيا).

يريد منهجاً يعتبر (الإنسان مقياساً لكل شيء) ولا يجعله (غريباً في العالم الذي ابتدعه) .. ولا ينهض على الجهل المطبق بخصائصه ومقوماته.

منهجاً ( لا يهمل تأثير المصنع على الحالة الفسيولوجية والعقلية للعمال إهمالاً تاماً عند تنظيم الحياة الصناعية) ولا ( ينهض على مبدأ الحد الأقصى من الإنتاج بأقل قدر من التكاليف .. حتى يستطيع فرد أو مجموعة من الأفراد أن يحصلوا على أكبر مبلغ مستطاع من المال).

منهجاً لا ينشئ بيئة (غير صالحة لا بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا). ولا يجعلنا ( ننحط أخلاقياً وعقلياً). ولا يكبت ويعطل ( نمو وجوه النشاط العاطفي والجمالي والديني فيخلق أشخاصاً في المرتبة الدنيا. ذوي عقول ضيقة غير صحيحة).

منهجاً لا يلغي شخصية الفرد من حسابه، ولكنه كذلك لا ينسى حاجة الفرد للحياة الجماعية. فلا (نربي ونعيش ونعمل في قطعان كبيرة أشبه بقطعان الأغنام!).

منهجاً لا يلغي شخصية الذكر وشخصية الأنثى. (فإهمال انعدام المساواة بين الجنسين أمر خطر جدّاً).

منهجاً لا يدع حياة بني الإنسان نهباً (لخيالات ماركس ولينين وفرويد) و (شهوات الناس وأهوائهم ونظرياتهم ورغباتهم).

منهجاً لا يعتدي على قوانين الفطرة. ولا يشجع على (ارتياد الأرض المحرمة). ولا يصطدم من الحقائق الحيوية للكينونة الإنسانية ..

وأخيراً .. منهجاً لا يتخذ من فشل (المادية) سبباً للنكسة إلى (الروحية) السلبية التي عرفتها أوربا في نظام الرهبنة ولا إلى سيكولوجية فرويد المضللة!

ولكن دكتور كاريل يطلب هذا المنهج الذي هذه سماته عند (علم الإنسان) الذي يطالب بإنشائه على الرغم من تقريره أن في العقل البشري بطبيعته عجزاً عن العلم بالإنسان!

*     *     *

وما الذي يطلبه مستر دالاس كذلك؟

إنه يطلب منهجاً (لا يعطي الأولوية المطلقة لتنمية الحياة المادية للمجتمع مع إعطاء الروحية أهمية ثانوية، ولا يعتبر الإيمان أمراً ثانوياً يتعلق بالأفراد).

منهجاً (لا يقف موقفاً غامضاً من الإيمان وعلاقته بالنشاط الحيوي)..

منهجاً (لا يقوم على الفردية المطلقة - كما عرفتها التجربة الأمريكية - هذه الفردية التي يكون معناها في بعض الظروف: الموت المبكر)..

منهجاً (لا يخفق –بشكل يدعو إلى الرثاء ! – في أن يرى أن من الممكن الحصول على عدالة اجتماعية بدون ممارسة الإلحاد والمادية).

منهجاً (لا يفرق بين الدين وممارسة الدين. ولا يحطم الصلة بين الإيمان والعمل. ولا يزعم أن الإيمان لا يتمشى مع الظروف الحديثة).

منهجاً (يرفض أن يكون للأشياء المادية الأولوية ولا يجعل الروحية تابعة لها. ويرفض أن يعتبر العبودية والاستبداد صواباً - ولو في حالة استثنائية - ويرفض اعتبار الإنسان أداة إنتاج فحسب. ويرفض الرفاهية الاقتصادية على حساب الحرية الروحية والعقلية).

منهجاً يعيش الأفراد في المجتمع الذي يقوم عليه، إخواناً في الله. روابطهم الأخوية هي القيود التي تشدهم، والتي تحفظ مجتمعهم من الفردية الطاغية ومن الجماعية الطاغية كذلك.

منهجاً يظل الروح الإيماني فيه مهيمناً على المعرفة العلمية. فلا يطلب وقف تقدم المعرفة والعلم بحجة أنها بذاتها خطرة على الإيمان الديني!

وأخيراً .. يريد منهجاً يوضح العلاقة بين العقيدة والعمل، وتتطور فيه (العبادة) حتى يصبح العمل إحدى صورها ..0

ولكن مستر دالاس يطلب هذا المنهج عند رجال الكنيسة الأمريكية، وعند الزعماء الروحيين في بلده ..0 على الرغم مما يعرفه من تاريخ الكنيسة الغربية، ومن (الفصام النكد) بينها وبين المجتمع، ورواسبه المريرة!

*     *     *

ولكن الذي ينبغي أن يكون واضحاً .. أنه لا (علم الإنسان) يملك أن يستجيب لصيحة دكتور كاريل، ولا الكنيسة وآباؤها الروحيون يملكون أن يستجيبوا لصيحة مستر دالاس!

إن هذه الصفات التي يطلبانها في (المخلص) لا تتوافر في أحد إلا في (هذا الدين). وإن هذا المنهج الذي يصفانه لا يملكه إلا الإسلام. من بين سائر المناهج والمذاهب والنظريات التي يعرفها بنو الإنسان!

ودكتور كاريل لا يتجه إلى هذا (المخلص) .. لأنه - على الرغم من سعة أفقه، ومن غزارة علمه - رجل أبيض .. يتجه بتمجيده كله للجنس الأبيض! ويؤلف كتابه لإنقاذ الجنس الأبيض! ويوجه اهتمامه لإنقاذ الجنس الأبيض من الانحلال والبوار.

والإسلام ليس من صنع الرجل الأبيض، ومن ثم لا يمكن أن يتجه إليه العالم العالمي الكبير!

ومستر دالاس كذلك لا يتجه إلى هذا (المخلص) لأنه فوق أنه (رجل أبيض)، فإن له مع هذا الدين شأناً .. إنه الرجل الذي قام بأكبر نصيب قام به سياسي عالمي في العصر الحديث في حرب الإسلام، وإقامة الأجهزة التي ترصد لهذا الدين في كل بقاع الأرض بلا استثناء، وتحاول أن تحل محله تصورات وقيماً أخرى من صنع الإنسان!

ولكن هذا الدين، هو وحده الذي يملك تلبية تلك الصرخات وهو وحده الذي تتحقق فيه هذه السمات. وهو وحده الذي توجد عنده هذه (الوصفة) اللازمة لشفاء بني الإنسان!

*     *     *

إن الإسلام منهج جديد للحياة غير الذي عرفته أوروبا وعرفه العالم في فترة الفصام النكد وقبلها وبعدها كذلك .. منهج أصيل، مستقل الجذور .. منهج شامل متكامل. وليس مجرد تعديل للحياة الراهنة وأوضاعها القائمة .. إنه منهج للتصور والاعتقاد؛ كما أنه منهج للعمل والواقع .. ومن ثم فهو - وحده - الكفء للاضطلاع بمهمة إعادة إنشاء الحياة البشرية على  قاعدة جديدة.

لقد أخطأ المجتمع البشري طريقه. لا من يوم أن اتجه إلى تنمية علوم الجماد وترك علوم الإنسان بدون نماء .. ولا من يوم أن ترك الآلة تتحكم في حياته، وتكيفها هذا التكيف المناقض لطبيعة الإنسان .. ولا من يوم أن ترك النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية تحت رحمة المستغلين يوجهونها لغير صالح البشر، ولغير احتياجاتهم الحقيقية- كما يقرر دكتور كاريل ..

كلا! فهذه مراحل متأخرة في تاريخ الانحراف..

إنما أخطأ المجتمع طريقه يوم أن جعل تلك الملابسات النكدة التي صاحبت عصر الإحياء وعصر التنوير، وعصر النهضة الصناعية .. تصرفه عن منهج الله كله - لا عن تصورات الكنيسة وحدها- وتوقع (الفصام النكد) في حياته، بين التصور الاعتقادي الإلهي، ونظام الحياة الاجتماعي ..


ولم يعد ذلك الترقيع الجزئي عن طريق العناية بعلوم الحياة وعلوم الإنسان –كما يظن دكتور كاريل- فالناس لا يوجه حياتهم ولا يغيرها أن ( يعلموا ) ولكن يوجه حياتهم ويغيرها أن ( يعتقدوا ) والإنسان هو الإنسان!

ولقد انتظرت من دكتور كاريل - وهو يذكر "ضرورة قلب الحضارة الصناعية وظهور فكرة أخرى للتقدم البشري" – أن يثب وثبة كاملة، فيخرج من قفصه الحديدي "العلمي"! ولكنه لم يستطع هذه الوثبة الكبرى وبقي داخل القفص، يهتف بصيحة الخطر الذي يراه يتهدد البشرية المسكينة الصائرة إلى البوار!

إن الحياة البشرية المهددة في حاجة إلى هذه الوثبة الكاملة، في حاجة إلى أن ترجع إلى فطرتها التي فطرها الله عليها. وهي لا يمكن أن ترجع إلى هذه الفطرة بمبادئ ونظريات أو وسائل تنبع من ذلك التصور الحضاري الذي يكمن فيه الخطر؛ والذي قام ابتداء على أصول معادية لينابيع لفطرة .. لابد من تصور جديد جدة حقيقية كاملة؛ يغير قاعدة الحياة من الأساس ويردها إلى الفطرة؛ ويقيمها على أساس آخر يتفق مع طبيعة التكوين الإنساني المتكامل؛ ومع الحقيقة الكونية – كما هي في الواقع لا كما تبدو من خلال المناظير الملونة، المصنوعة في معامل الحضارة المعادية!

إن علمنا القليل المحدود عن الكائن البشري - أو جهلنا المطبق بهذا الكائن البشري- كما وصفه هذا العالم العالمي الكبير، لا يسمح إطلاقاً بأن نكون نحن - البشر- الذي نتولى وضع (التصميم) الأساسي ابتداءً لحياة هذا الكائن .. ولو كان هذا مدى علمنا - أو مدى جهلنا - بجهاز مادي صغير، ما أمن صاحبه أن يتركه لنا لإصلاحه  - بله تركيبه! - ولكننا بهذا الجهل – نتصدى لإقامة نظام (للإنسان) .. أعز وأثمن ما في هذه الأرض جميعاً! ولا نبالي ما يصيبه من جراء (هذا النظام!).

لقد أدركنا الغرور، ونحن نرى العقل البشري يبدع في عالم المادة، ويأتي بما يشبه الخوارق! فوهمنا أن العقل الذي يبدع الطائرة والصاروخ؛ ويحطم الذرة وينشئ القنبلة الأيدروجينية؛ ويعرف القوانين الطبيعية ويستخدمها في هذا الإبداع .. وهمنا أن هذا العقل جدير بأن نكل إليه كذلك وضع (نظام) الحياة البشرية .. وقواعد التصور والاعتقاد، وأسس الأخلاق والسلوك .. ناسين أنه حين يعمل في (عالم المادة) فإنه يعمل في عالم يمكن أن يعرفه، لأنه مجهز بإدراك قوانينه .. أما حين يعمل في (عالم الإنسان) فهو يعمل في متاهة واسعة بالقياس إليه! هو غير مجهز ابتداء بإدراك حقيقتها الهائلة الغامضة.

ومن عجب أن الذي يقرر هذه الحقيقة هو العالم العالمي الكبير الذي يطلب هذه الحقيقة عند (علم الإنسان)!!

*     *     *

وفي مقابل ذلك الوهم الكبير، يوجد وهم آخر كبير!

إن بعض الناس يظن أن هيمنة المنهج الإيماني على الحياة، من شأنه طرد العلوم المادية ونتائجها الحضارية من الحياة!

وهو وهم ساذج - على الرغم من أنه وهم كبير! - بل وهم مضحك! ولكنه  - مع الأسف - يرتكن في الغرب وفي التاريخ الحضاري له، على واقع تاريخي طويل. حتى ليحتاج من مستر دالاس إلى ذلك الفصل المطول في كتابه: (حرب أم سلام) .. فصل: (حاجاتنا الروحية) الذي اقتطعنا منه في الفصل السابق تلك الصرخات؛ وتلك التحديات!

غير أن الأمر في المنهج الإلهي الصحيح ليس على هذا النحو .. إن (الدين) ليس بديلاً من العلم والحضارة. ولا عدوّاً للعلم والحضارة. إنما هو إطار للعلم والحضارة، ومحور للعلم والحضارة، ومنهج للعلم والحضارة في حدود إطاره ومحوره الذي يحكم كل شؤون الحياة.

والإسلام - بالذات - كان هو الإعلان الشامل لحرية العقل البشري تجاه الكون المادي، وقوانينه، وقواه، ومدخراته. وكان الإيذان العام بانطلاق هذا العقل ليعمل ويبدع في ذلك الملك العريض الذي استخلفه ربه فيه. وكانت هذه إحدى الحقائق التي تضمنها التصور الإسلامي عن حقيقة علاقة الخلق بالخالق؛ ومركز الإنسان في هذا الكون، وحدود اختصاصه( ) .. ومن ثم ازدهرت في ظل الإسلام حضارة كاملة بكل مقوماتها الإبداعية التي كانت تتيحها لها الأدوات والوسائل في حينها -والأدوات والوسائل قابلة دائماً للتطور والترقي- والإسلام يدفع هذا النمو ويقوده، ولكنه يحفظه دائماً داخل إطار الفطرة؛ لا يصطدم بطبيعة الإنسان وخصائصه الثمينة، ولا يحطمها ويكبتها، كما يقرر دكتور كاريل عن الحضارة المعاصرة!

ولقد كان الإسلام هو الذي أنشأ - بطبيعة واقعية منهجه - المنهج التجريبي، الذي انتقل إلى أوربا من جامعات الأندلس؛ والذي أقام عليه (روجر بيكون) و (فرنسيس بيكون) - الذي يسمونه افتراء (أبا المنهج التجريبي) - منهجهما كما قرر ذلك بريفولت وجوهرنج من الكتاب الغربيين أنفسهم( ).

إن الإسلام يكل رسم (التصميم) الأساسي للحياة البشرية، إلى العلم الكامل الشامل، المبرأ من الجهل والقصور والهوى كذلك يكله إلى علم الله  - سبحانه - بما أن الله هو الذي أبدع الكون وما فيه؛ وأبدع قوانينه وطاقاته؛ وأبدع الإنسان وزوده باستعداداته للعمل في مادة هذا الكون العريض .. وهو الذي يعلم  - وحده - كل حقائق الكينونة البشرية وكل حقائق الطبيعة الكونية .. فهو- وحده - القادر على أن يصنع للإنسان نظام حياة؛ شاملاً لحياته الفردية والجماعية؛ ولحياته في الكون المحيط به .. عن (علم مطلق) يقابل (جهلنا المطبق) .. وفي الوقت ذاته لا يلغي العقل البشري - كما أرادت الكنيسة ذات يوم- هذه الأداة العظيمة، التي وهبها الله للإنسان ليعمل بها ويبدع؛ لا ليغلها أو يلغيها! وفقط يحوطها بالسياج الواقي من الهوى، ومن التهور، ومن الخبط في التيه، ومن النكسة والانحدار. ويضع لها المنهج الذي يقوّمها منها فلا تميل؛ ويهديها فلا تضل؛ ويكفل لها حريتها واستقامتها على السواء.

وبهذا يظل (الإنسان) هو سيد (المادة) بضمانة من المنهج الذي أبدعه له مبدع الإنسان والمادة. وبالتصور الذي يشعره بكرامته على الله؛ كما يشعره بعبوديته لله. وفي الوقت ذاته يشعره بأنه مستخلف في هذا الملك العريض ..

*      *      *

ومن هذا كله يتبين أن الإسلام  - وحده - هو المنهج الذي يستصرخه مستر دالاس - ولكنه لا يتجه إليه!- المنهج الذي يملك أن يتقدم لتخليص البشرية من بربرية الحضارة الصناعية –كما يعبر دكتور كاريل - ومن مصيدة الشيوعية  - كما يقول مستر دالاس- وأننا نحن أصحاب المنهج الإسلام - وحدنا - الذين نملك تلك الوثبة الكبرى!

إن هذه الحضارة الصناعية التي تحيط بالبشرية اليوم، تحطم أهم ما في كيان (الإنسان) وتحارب أرفع مقوماته الإنسانية، وفي الوقت الذي تقدم له تلك التسهيلات الرائعة - وإن كانت هذه التسهيلات قد تكون مؤذية لكيانه المادي ذاته - كما يقرر العالم العالمي الكبير، في مواضع شتى من كتابه القيم ..

والإسلام  - بطبيعة تصوره لحقيقة الكون ودور الإنسان فيه، وبطبيعة منهجه الواقعي التجريبي- لن يعمد إلى المصانع فيحطمها! ولن يعمد إلى تلك التيسيرات التي تقدمها الصناعة للحياة البشرية فيلغيها!

ولكن الإسلام سيعمد - ابتداء - إلى تغيير النظرة إلى هذه الحضاريات وقيمتها .. سيمنحها قيمتها الحقيقية بلا مبالغة وبلا بخس كذلك! بحيث يصبح الروح الإنساني المؤمن هو المسيطر عليها. لا أن تكون هي المسيطرة عليه، وعلى تصوراته ومشاعره وأوضاعه وأنظمته ..

إن الإسلام سيقر في خلد الإنسان قيمته العلوية ومقوماته الكريمة .. سيستنقذ الروح الإنساني من المهانة التي فرضها عليه (دارون) و (كارل ماركس) وأشباههم! وعندئذ سيشعر أنه هو السيد، الذي ينبغي أن يسيطر على الآلة، وعلى الإبداع المادي، والحضارة ..

وحين يصبح الروح الإنساني المؤمن هو المسيطر، فيومئذ سيصبح متمتعاً بحريته - في إطار عقيدته - قادراً على الاختيار .. فالاختيار هو العنصر الهام الذي يفتقده الروح الإنساني الآن. وهو مجبر مقهور ذليل للآلة؛ وللتصورات المنبثقة من دورتها الآلية!

والقدرة على الاختيار ستتيح للروح الإنساني المؤمن، أن يستبعد العناصر الضارة في هذه الحضاريات، وينمي العناصر الصالحة، المتفقة مع الحاجات الحقيقية للكينونة الإنسانية. كما أن سيطرة الروح الإنساني المؤمن ستتيح له التحرر من الأوضاع المنافية لكرامته، ومن طرائق الإنتاج وأنظمه العمل التي تهدر فيها مقومات الإنسان الكريمة ، فليست طرائق الإنتاج وأنظمة العمل شرائع مقدسة! إنما هي مجرد وسائل استغلالية لتنمية مقادير الإنتاج المادي، على حساب المقومات الإنسانية! فإذا تقرر أن (الإنسان) أكرم وأغلى من (الأشياء) تغيرت طرائق الإنتاج وأنظمة العمل بحيث توائم بين وفرة الإنتاج ومقومات الإنسان الكريمة ..

وفي حالة نشأة تصورات وقيم جديدة، منبثقة من المنهج الإسلامي للحياة .. وما يتبع هذه النشأة من سيطرة الروح الإنساني المؤمن على الحضارة الصناعية وأدواتها وطرائقها، مع القدرة على الاختيار التي هي وليدة تلك السيطرة .. في هذه الحالة فقط يصبح المزيد من (علوم الإنسان) ذا قيمة حقيقية في إطار التصميم الكلي. كما يصبح من الممكن تلبية هتاف مستر دالاس إلى المنهج الذي يصف سماته، ولا يجده بين يديه؛ ولا تملك كنيسته ولا آباؤه الروحيون  - وهو أحدهم! - أن تقدمه له!

ومن حسن الحظ أن الفطرة الإنسانية ذاتها- كما أبدعها الله- متناسقة مع فطرة الكون. وأن فطرة الكون، كفطرة الإنسان، تحتوي على عناصر الحركة والإبداع والنمو والترقي .. ومن ثم ستجد الفطرة أن الكثير من هذه الحضاريات يلبي ويتمشى مع حاجاتها الحقيقية المترقية .. ولن تصطدم إلا بما هو ضار بكينونة الإنسان ذاته. وهذا ما يجب أن يطرد وينفى .. وهذا ما يكفله منهج الله للحياة.. هذا الدين .. المخلِّص الذي يطلبه الغرب ولكنه يأباه !!!





ليست هناك تعليقات: