السبت، 15 يونيو 2013

النيل و تاريخ من الغفلة


   كان للفراعنة القدماء بعد نظر استراتيجي في التعامل مع النيل , فجعلت تلويث النيل من كبائر الجرائم , وبالرغم من عدم إمكانية منع النيل من الوصول إلي مصر في هذا الزمان , إلا أنهم كانت لهم اتصالات مع بلاد بونت التي هي الآن تمثل هضبة الحبشة والصومال التي كانت ترسل إليها الهدايا بوفود رسمية لملكها وتتبادل التجارة معها , فضلا على اتصالات بممالك وسط افريقيا , والتواصل مع حضارة النوبة الجنوبية التي كانت تستوطن شمال السودان ووسطها وحكموها بعض الوقت , هذا يوضح أن الاستراتيجية المصرية القديمة كانت تعمل على إرساء علاقات حسن الجوار بين المصريين القدماء وجيرانهم في افريقيا وخاصة الذي يشتركون معهم في شريان الحياة .
   أما في العصر الإسلامي فقد كان أهم إنجاز للجضارة الإسلامية مع منابع النيل هو نشر الإسلام حول منابع النيل ولو استمر هذا الانتشار إلى العصر الحديث لأحدث ذلك فارقا كبيرا في التكوين الديموجرافي لدول منابع النيل الذي يمثل الإسلام فيها أقليه معتبرة يمكن التأسيس عليها لنشر الإسلام في هذه الدول , و قد انتشر الإسلام في حوض نهر النيل بدون قتال ولا فتح و لاغزو فيما عدا الفترة التي حكم فيها محمد علي والخديوي اسماعيل , ولو ترك الأمر على الطبيعة الذاتية للإسلام في الانتشار لكانت كل دول حوض النيل إسلامية ولكن موالاة حكام مصر للإنجليز ثم احتلالهم لمصر هو الذي أوقف هذا المد الإسلامي واستبدل بمد معادي للإسلام فمنع الإنجليز وصول التجار و الدعاة المسلمين إلى جنوب السودان والمناطق المتاخمة لحوض النيل في أٌثيوبيا حتى تحول الوثنيين إلى المسيحية بل تحول بعض المسلمين إلى المسيحية ايضا .
                                                
  بالرغم من أمية محمد علي إلا أنه كان ذا فهم أستراتيجي حيث قام بالخطوة الأهم وهي الوصول فتحا إلى منابع النيل والسيطرة عليها , حتى لا تظهر قوة ما تقوم بمنع وصول مياه النيل إلى مصر , وبالفعل كانت مساحات كبيرة من أثيوبيا تحت السيطرة المصرية بالإضافة إلى كل السودان وكل أرتيريا وجيبوتي وشمال أوغندا , والخديوي اسماعيل حاول السيطرة على أثيوبيا نفسها حاربها في معركتين لم يستطع فتحها بسبب وقوف أنجلترا معها وبقيادة قائد إنجليزي , و لكنه استطاع ان يحاصرها من البحر الأحمر ويحرمها من أن تكون لها ميناءا عليه ومنع عنها السلاح , حتى أن ملكها حينئذ أرسل إلى الخديوي إسماعيل يستسمحه بتمكينه من منفذ على البحر الأحمر , ولكن الخديوي أبى ذلك ولكن بعد إنهاء حكم إسماعيل بدأت  المؤامرات الدولية فقلصت سلطان مصر عن منابع النيل حتى وصلت إلى حدود مصر والسودان الحالية وأكمل هذا التقليص عبد الناصر حين قبل بفك وحدة مصر و السوادان وسعي لعمل وحدة مع سوريا بالرغم من ارتباط مصر و السودان بشريان حياة واحد وحضارة واحدة ومودة متبادلة .
  وفي عهد المخلوع استمرت المؤامرات الدولية لفصل الجنوب السوداني عن جنوبه ولم يحرك ساكنا وظل مشغولا بمحاربة الإسلاميين والتوسع في ضم أعضاء جدد في حظيرة العملاء وفريق كنز استراتيجي ليعمل لمصلحة القوى العالمية , وفب الوقت الذي كان مبارك يتبادل الأحضان و القبلات مع زعماء إسرائيل كانت إسرائيل وأمريكا تطوق مصر بقوة مسيحية إضافية لتكون عامل ضغط على كل من مصر و السودان, وتلاحظ أن بداية ظهور اتفاقية عنتيبي التي تحرم مصر من حقها الطبيعي في مياه النيل كان بعد خروج جنوب السودان للوجود  , بل وتم إلغاء مشروع قناة جونقلي في جنوب السودان والذي كان سيسمح لمصر من زيادة مواردها من مياه النيل إلى الثلث ويمنح جنوب السودان مساحات قابلة للزراعة بالإضافة إلى القضاء على مستنقعات من المياه الراكدة كانت تسببها الأمطار و تتسبب في انتشار الأمراض , وللأسف كان للكنيسة المصرية دور في تنصير جنوب السودان وظهور دولتهم للوجود كل هذا كان يحدث والمخلوع يغافلنا والإعلاميين المرتزقة يتلاعبون بنا و يصرفوننا عن أمن مصر الذي يسرق إلى عدو جديد يصنعونه هو حماس ليقضوا على أي دعم شعبي لها حماية لأمن إسرائيل .
   لقد كان لأثيوبيا بالون اختبار للحالة المصرية في حكم المخلوع مبارك حين أقدمت على بناء سد تيكيزي عام 2009 الذي لم يعترض ولم نسمع لإعلام بني صهيون المستوطن في مصر صوتا و همسا , عرفت بعدها أثيوبيا أنها يمكنها أن تفعل أكثر في مصر و شعبها فمخلوعها مشغول بجمع الثروات وتوريث المحروس ومحاربة الإسلاميين .
   أثيوبيا لا تحارب مصر فقط في منابعها ولكن هي قوة إقليمية مسيحية وممثلة القوى الدولية للسيطرة على العالم الإسلامي فهي أيضا تحتل اغتصابا منابع نهري جوبلى وشبيلي الصوماليين اللذان ينبعان من أرض أوجادين الصومالية التي استولت على المنابع أبان الاحتلال الإيطالي للمنطقة ولم تعيدها إلى الصومال بالرغم من خوض الصومال حربين مع أثيوبيا لاستعادة أراضيها لكن أمريكا و اسرائيل كانتا تساعدان أثيوبيا بكل قوة حتى تظل القوة الأثيوبية المسيحية مسيطرة على منابع أنهار لكل من مصر و السودان والصومال , وعملت أثيوبيا على تفتيت دولة الصومال وتحويلها إلى دويلات متحاربة حتى لا يمكنها المطالبة بإقليم أوجادين الي يحتل ثلث مساحة اثيوبيا تقريبا .

بالرغم من طول فترة الغفلة وما ترتب عليه من تهديد بقاء مصر أو فناءها , إلا أن مصر كانت دائما تفيق من غفوتها وتقهر أعدائها وتعيد لمصر حيويتها و حضارتها و قوتها أصلب مما كانت عليه , ودائما مصر لاتهزم من الخارج ولكن من الداخل , عندما يقفز على حكمها عملاء كالعُبيدين اليهود الأصل الذين نسبوا أنفسهم للفاطميين وقبلوا بدخول تحالف مع الصليبين ضد صلاح الدين فكانت هي القاصمة لحكم العبيديين  ثم النصر الكبير على أيد المصريين بقيادة صلاح الدين على الصليبيين واستعادة المسجد الأقصى للمسلمين بعد 90عاما من الاحتلال , والهزيمة الداخلية  تأتي عندما يتصارع على حكمها أقزام كما حدث أيام المماليك ثم قيد الله لمصر أن تنتصر على التتار ويخلصوا الأمة الإسلامية من شرورهم  بقيادة القائد سيف الدين قطز , فهكذا مصر لاتهزم من الخارج و لكن من الداخل عندما يتصارع على حكمها أذيال العالمانية من اليسار و الليبرال وفرق الكنز الإستراتيجي رافضين الإرادة الشعبية يعيثون في الأرض فسادا لتنتهز أثيوبيا الفرصة لتنقض على مياه النيل قاصدة تعطيشنا , ولكن سنة التاريخ تأبى أن يتم ذلك لأثيوبيا  وإرادة المولى قبل كل ذلك وإن كان العالمانيين الذين حكمونا كانوا يأبون النصر إلا على المستضعفين في الأرض من الإسلاميين , فلعل إرادة الله تريد الخير لمصر كي يأتي الإسلاميين للحكم ليحققوا الإنتصار على كل طامع في خير مصر لتتحقق سنة التاريخ على أيديهم انشاء الله وسوف أذكر في المقال القادم أوراق الضغط وسيناريوهات الحل إنشاء الله .
موضوعات ذات صلة على الصفحة .. أفكار لمصر

ليست هناك تعليقات: